فورين بوليسي: هكذا أخفق صندوق النقد بمصر.. والقادم أسوأ ما لم تتغير السياسات

الأربعاء 15 فبراير 2023 09:55 م

"من الواضح أن هناك شيئًا خاطئًا في مصر. المشكلة الأعمق قد تكمن في صندوق النقد الدولي".. بهذه الكلمات قدم الباحث الاقتصادي تيموثي كالداس استنتاجا تحليليا لنتاج 6 سنوات من برنامج الإقراض الذي اعتمده صندوق النقد لصالح مصر، مشيرا إلى أن "إخفاقات الصندوق تسلط الضوء على أوجه القصور الصارخة في نهجه للتخطيط الاقتصادي".

وذكر "كالداس"، في تحليله الذي نشره موقع "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن صندوق النقد الدولي على وشك البدء في برنامج إقراض ثالث للنظام المصري، الذي أمضى السنوات الماضية في استخدام وصول البلاد الواسع إلى الائتمان لتمويل مجموعة واسعة من المشاريع العملاقة والبنى التحتية غير المدروسة، والتي غالبًا ما تم التعاقد عليها بشكل مباشر مع الشركات المملوكة للجيش.

وبذلك أصبحت الدولة المصرية مثقلة بكمية لا يمكن تحملها من الديون، حيث استهلكت خدمة الدين (الفوائد) وحدها حوالي نصف إيرادات الدولة، حسب كالداس.

وفي غضون ذلك، ظلت الشركات المملوكة للجيش معفاة بشكل عام من الضرائب والجمارك، ما أدى إلى حرمان الدولة من مصادر الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها.

وبدأ برنامج صندوق النقد الدولي الجديد أخيرًا في التطرق إلى المصادر السياسية للمشاكل الاقتصادية طويلة الأمد في مصر، بما في ذلك الإمبراطورية الاقتصادية المتوسعة للجيش.

لكن استجابة الصندوق الأخيرة جاءت بعدما زاد الدين الخارجي لمصر بأكثر من 100 مليار دولار.

مسؤولية الصندوق

ولم يحدث ذلك رغما عن الصندوق، ولكن بسببه، حسبما يؤكد "كالداس"، مشيرا إلى تسهيل قدرة مصر على اقتراض مبالغ ضخمة من خلال دعم الصندوق المستمر، والثناء على إصلاحات النظام المصري الاقتصادية، بدءًا من أول برنامج قروض سيئ التصميم، والذي أعلن الصندوق أن مصر "أكملته بنجاح" في يوليو/تموز 2019.

ورغم مزاعم النجاح تلك، اضطرت مصر في عام 2020، للعودة إلى صندوق النقد الدولي، لضخ ما يقرب من 8 مليارات دولار في شكل تمويل إضافي، وذلك بعد أن فر المستثمرون القلقون من الديون المصرية بحوالي 14 مليار دولار في 6 أسابيع فقط مع بداية جائحة كورونا.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد على برنامج قرض آخر لمصر، بقيمة 3 مليارات دولار، إضافة إلى 14 مليار دولار أخرى في شكل تمويل إضافي من شركاء مصر الدوليين والإقليميين.

وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، غادر المستثمرون مصر فجأة بحوالي 20 مليار دولار. وفي العام الماضي، حذرت مؤسسات مالية دولية من أن مصر ضمن البلدان الخمسة الأولى المعرضة لخطر التخلف عن سداد الديون.

وبالنسبة لمؤسسة مالية تركز بشكل أساسي على تنفيذ البرامج التي تهدف إلى إنتاج "استقرار الاقتصاد الكلي"، فإن ما جرى في مصر يمثل قدرًا كبيرًا من الهشاشة لقصة نجاح مفترضة لصندوق النقد الدولي.

وبينما يمكن للبعض أن يجادلوا بشأن تأثير جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا اقتصاديا، تكمن المشكلة في أن معظم الأهداف الأخرى لصندوق النقد الدولي ببرنامج إقراض 2016 كانت تظهر بالفعل علامات الفشل عام 2019.

فالهدف الرئيسي لبرنامج 2016 تمثل في تحقيق "نمو يقوده القطاع الخاص" في مصر، لكن مؤشر مديري المشتريات لبنك الإمارات دبي الوطني أظهر أن القطاع الخاص قد انكمش بالفعل قبل إعلان النجاح المزعوم لصندوق النقد الدولي.

واستمر انكماش القطاع الخاص في مصر لمدة 75 شهرًا، بينما كان الهدف من برنامج 2016 هو "خلق فرص عمل وزيادة المشاركة في سوق العمل، لا سيما بين النساء والشباب".

إخفاقات واضحة

في الواقع، انخفضت المشاركة الإجمالية للقوى العاملة بمصر من 47% عام 2016 إلى 42% بحلول عام 2019، وخلال ذلك الوقت، انخفضت المشاركة بشكل خاص بين النساء والشباب، من 23% إلى 16% ومن 30% إلى 22% على التوالي.

 وبينما أعلن صندوق النقد الدولي أن قرضه لمصر عام 2016 سيعزز "النمو الشامل"، بلغ معدل الفقر 27.8%، ثم ارتفع إلى 29.7% في 2019، وفقًا للإحصاءات الحكومية، في حين قدر البنك الدولي في عام 2019، أن 60% من المصريين يعيشون بالقرب من خط الفقر أو تحته.

وفي اعتراف متأخر بالمشكلات الهيكلية التي تُركت دون معالجة، ابتعد صندوق النقد الدولي أخيرًا عن تبرير الأداء الضعيف لاقتصاد مصر وعزوه إلى مؤثرات خارجية، مشيرًا، في تقرير برنامج إقراضه الأحدث إلى أن المشاكل المركزية التي تقوض الاقتصاد المصري "داخلية وليست بسبب الصدمات الخارجية".

لكن ذلك جاء بعد عدة سنوات من إشادة الصندوق ومساهميه بالأداء الاقتصادي لمصر، ما ساعد النظام (العسكري الحاكم) على إثراء نفسه مع تدمير الصحة المالية للدولة المصرية وإفقار السكان، الذين اضطروا إلى مواجهة نوبات متكررة من العنف والتقشف والتضخم المروع، الذي تجاوز في بعض الأحيان 30%، إضافة إلى الانهيار المتكرر لقيمة عملة البلاد (الجنيه).

صحيح أن قادة مصر يتحملون المسؤولية عن أفعالهم ضد مصالح البلاد وشعبها، حسبما يرى "كالداس"، إلا أنه يؤكد، في الوقت ذاته، أن صندوق النقد الدولي ومساهميه مسؤولون أيضًا.

فجنرالات مصر لم ينفقوا الأموال الطائلة فقط لإثراء أنفسهم، بل أيضا لكسب الأصدقاء في العواصم الرئيسية، فبين عام 2012 وعام 2021 ، أنفقت مصر ما يقرب من 12.3 مليار يورو (حوالي 13.2 مليار دولار) على صفقات الأسلحة المستوردة من فرنسا، أي ما يقرب من قيمة صفقات الاتحاد الأوروبي بأكمله في نفس الفترة.

وفي عام 2021 ، ذهب 46% من صادرات الأسلحة الألمانية إلى مصر، وهو عام قياسي بالنسبة لصادرات الأسلحة الألمانية.

ولذا شدد "كالداس" على ضرورة وجود مساءلة لصندوق النقد الدولي، واصفا برنامجه لمصر عام 2016 بأنه كان "سيء الإعداد".

ووصف الباحث الاقتصادي البرنامج الثالث للصندوق، بأنه "رائع"؛ لأنه "تجرأ أخيرًا على محاولة كبح جماح الكسب غير المشروع الذي يوجهه النظام (العسكري)، لكنه أشار إلى أن الأمر استغرق 3 برامج وأكثر من 6 سنوات حتى أدرك الصندوق أن ذلك كان ضروريًا.

ويرى "كالداس" أن صندوق النقد الدولي يحتاج إلى عدد أقل من الاقتصاديين وعدد أكبر بكثير من المتخصصين في شؤون الدول وخبراء الاقتصاد السياسي وعلماء الاجتماع والمؤرخين الذين يبنون برامج المستقبل.

وأضاف: "كان بإمكان أي خبير في الاقتصاد السياسي يعمل في مصر تحديد العديد من المخاطر، قبل وقت طويل من صرف الدفعة الأولى في عام 2016".

لا يمكن تبريره

ويشير "كالداس" إلى أن كتابا نشره البنك الدولي عام 2004 أورد أن النساء في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة في مصر، يعتمدن على التوظيف في القطاع العام كمحرك لمعدلات مشاركتهن المتزايدة في القوى العاملة.

لكن الوصفة الروتينية لصندوق النقد الدولي بخفض فاتورة رواتب القطاع العام أدت إلى انخفاض حاد في مشاركة المرأة بالقوى العاملة، وهو ما كان ينبغي توقعه ومعالجته في تصميم برنامج الصندوق، لو أن القائمين عليه لديهم تنوع التخصصات المطلوب.

لكن ما حدث هو أن مشاركة الإناث في القوى العاملة انهارت بشكل حاد، ولم تظهر بعد أي علامة على التعافي.

ولذا يصف "كالداس" تجاهل مخططي صندوق النقد الدولي لمجموعة للنشرات والمؤلفات الاقتصادية التي كان من شأنها السماح بتوقع فشل برامجهم بأنه "أمر لا يمكن تبريره".

وبينما يقع ملايين المصريين في براثن الفقر وتثقل دولتهم بالديون المستخدمة في تمويل مشاريع مثل أطول برج في إفريقيا، وأطول خط سكك حديدية في العالم، وسلسلة من القصور الرئاسية الجديدة، يحتاج صندوق النقد الدولي إلى "إصلاحات هيكلية عميقة"، يجب أن يقوم بها بسرعة، حسبما يرى "كالداس".

وإذا لم يقم الصندوق بتلك الإصلاحات، فإن تسبب برامجه في إفقار بلد آخر لن تكون سوى مسألة وقت.

المصدر | فورين بوليسي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر صندوق النقد الدولي الجيش عبدالفتاح السيسي البنك الدولي

التعافي بالخصخصة.. مجلة إسبانية: السيسي على خطى مارجريت تاتشر

رابع تعويم للجنيه المصري.. هل بات مصيرا محتوما؟

خبير: الدولار سيكسر حاجز الـ37 أمام الجنيه المصري في 2023 (فيديو)

أزمة مصر الاقتصادية.. هل تفرض شروط صندوق النقد إصلاحات إجبارية على النظام؟

معهد التمويل الدولي: هذه معايير وضمانات نجاح إصلاحات صندوق النقد في مصر

"فاير أوبزرفر": السيسي يتحايل على صندوق النقد ويعمق اقتصاد الجيش