انحسار نفوذ روسيا في أوروبا مع تراجع الاعتماد على صادراتها النفطية

الاثنين 25 يناير 2016 05:01 ص

أعلن رئيس مجلس إدارة شركة نفت غاز الحكومية الأوكرانية للطاقة أندريه كوبوليف قبل أيام أن أوكرانيا ستواصل شراء الغاز الطبيعي من أوروبا بشكل حصري في المستقبل القريب.

لم يكن أحد ليتصور، منذ بضع سنوات مضت فحسب، أن تقضي أوكرانيا شتاء من دون شراء الغاز من جارتها الشرقية روسيا.

والحقيقة أنه حتى عام واحد مضى، كان أي تحليل للعلاقة بين روسيا وأوروبا سيركز حتماً على البنية التحتية لخطوط الأنابيب والمفاوضات على الأسعار بين عملاق الطاقة الروسي غازبروم وعملائه الأوروبيين.

وعلى الرغم من ذلك فإن سياسات الاتحاد الأوروبي التي تشجع مزيداً من المنافسة والترابط في قطاع الطاقة، مقرونة بالهبوط في أسعار الطاقة العالمية، قلصت الدور الذي تلعبه الطاقة في الجغرافيا السياسية الأوروبية بشدة.

يتمثل أحد أهداف روسيا الاستراتيجية في الاحتفاظ بنفوذها في الدول الحدودية في أوروبا الوسطى والشرقية، والأهم لموسكو من بين هذه الدول هي أوكرانيا وبيلاروسيا ودول البلطيق الثلاث، التي تشترك في حدودها مع روسيا وشكّلت تاريخيّاً منطقة عازلة بين روسيا والدول الأوروبية القوية مثل ألمانيا وفرنسا.

واعتمدت البلدان في عموم هذه المنطقة تقليديا اعتماداً شديداً على روسيا في إمداداها بالغاز الطبيعي.

ففي عام 2013، اعتمدت دول البلطيق الثلاث، بالإضافة إلى أرمينيا وبيلاروسيا وبلغاريا، على روسيا في الحصول على 100% من وارداتها من الغاز الطبيعي.

أما أوكرانيا والجمهورية التشيكية وسلوفاكيا فكانت من البلدان التي اعتمدت على روسيا في الحصول على أكثر من نصف إمداداتها من الغاز الطبيعي في ذلك العام.

وسمحت هذه الدرجة العالية من الاعتماد لروسيا بفرض أسعار مبالغ فيها في أوروبا الوسطى والشرقية، حيث كان الثمن الذي يدفعه العملاء في هذه المنطقة للغاز الطبيعي الروسي أكبر بكثير مما يدفعه نظراؤهم في أوروبا الغربية.

ففي عام 2013، بلغ السعر التقديري للغاز الطبيعي الروسي المستورد في ليتوانيا وبلغاريا نحو 500 دولار أمريكي لكل ألف متر مكعب، مقارنة بسعر تقديري يبلغ 379 دولاراً أمريكيّاً في ألمانيا و166 دولارا أمريكياً في بيلاروسيا لكل ألف متر مكعب خلال الفترة ذاتها.

واستخدم الكرملين الأسعار العالية كوسيلة لتحقيق أهدافه الجغرافية السياسية في المنطقة، حيث كان يعرض على البلدان تخفيضات بشكل دوري في مقابل تنفيذها سياسات تحظى بتأييد الكرملين.

محاولات إضعاف نفوذ الكرملين

في زمن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والارتفاع النسبي في مستويات الاعتماد على الطاقة الروسية، كان معظم التنافس على النفوذ بين الغرب وروسيا في البلدان الحدودية يدور حول مشاريع خطوط الأنابيب المتنافسة، حيث سعى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى الحد من اعتماد المنطقة على الغاز الطبيعي الروسي باهظ الثمن على أمل أن يقللا بذلك أيضاً نفوذ الكرملين في أوروبا الوسطى والشرقية، فنوقشت مشاريع مقترحة كخط أنابيب نابوكو الغرب وخط أنابيب عبر الأناضول بهدف جلب الغاز الطبيعي من بلدان مثل أذربيجان والعراق إلى الأسواق الأوروبية.

كما عملت روسيا بدورها على حماية اتفاقيات الطاقة التي تربطها بحكومات المنطقة وإقامة البنية التحتية التي من شأنها تعزيز قبضة غازبروم على أسواق الطاقة في المنطقة، حيث صُمم مشروع "ساوث ستريم" المقترح المدعوم من روسيا لمد خط أنابيب عبر البحر الأسود إلى بلغاريا ثم إلى أوروبا الوسطى ليكون وسيلة لتقويض الخطط الرامية إلى إنشاء خطوط أنابيب مثل نابوكو وتفادي استخدام الأراضي الأوكرانية كمعبر. وفي وقت لاحق اقتُرح مشروع تركيش ستريم لتحقيق هدف مماثل.

هناك عاملان أحدثا تحولاً في هذه الدينامية وقوضا أهمية الطاقة في المنافسة الجغرافية السياسية في المنطقة الأوروبية، أولهما أن تنفيذ حزمة الطاقة الثالثة الخاصة بالاتحاد الأوروبي أدى إلى زيادة المنافسة داخل سوق الطاقة الأوروبية، حيث سمحت الوصلات البينية الجديدة بوصول الغاز الطبيعي الآتي من بلدان مثل النرويج إلى سوق أوروبا الوسطى، فاستطاعت البلدان التي كانت فيما سبق تعتمد اعتماداً مكثفاً على عقود طويلة الأمد مع غازبروم شراء المزيد من الغاز الطبيعي من أسواق العقود الحاضرة في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، مع هبوط أسعار الطاقة العالمية، فقد التكتيك التقليدي الذي كان يتبعه الكرملين في المفاوضات بعرض تخفيضات على العملاء فعاليته الآن بعد أن صارت البلدان مثل أوكرانيا تتمتع حالياً بإمكانية الوصول إلى أسواق الغاز الطبيعي الأوروبي الرخيص.

زد على ذلك أنه مع الهبوط الشديد في الأسعار ومعاناة روسيا من أزمة في الميزانية، لم يعد بمقدور الكرملين فرض أسعار أقل على سلعة تدهور سعرها بالفعل.

وفي مواجهة تدني الإيرادات، لم يعد بإمكان الشركات الروسية دفع تكاليف الكثير من مشاريع خطوط الأنابيب الضخمة.

وعلى الرغم من أن التوتر بين روسيا وتركيا لعب دوراً في تعليق العمل بشكل رسمي في مشروع تركيش ستريم، فإن أهم الأسباب التي تحول دون إنشاء هذا الخط هي الاعتبارات المالية والواقع الجديد الذي طرأ على سوق الغاز الطبيعي.

والآن، تعكف غازبروم، بالاشتراك مع اتحاد شركات غربية، على الترويج لمشروع نورد ستريم 2، الذي من شأنه زيادة كمية الغاز الطبيعي التي تستطيع روسيا تصديرها إلى ألمانيا. غير أنه حتى لو أنشئ هذا الخط، فإنه لن يُجْد نفعاً إلا قليلاً في تغيير الواقع الجديد الذي طرأ على أسواق الطاقة الأوروبية.

انحسار أهمية الغاز الطبيعي

بدأ الضعف يدب في أوصال روسيا، وأحد العناصر التي تقلص من قدرة الكرملين على التنافس على النفوذ في أوروبا الوسطى والشرقية هو انحسار أهمية سياسة الغاز الطبيعية وخطوط الأنابيب كأدوات استراتيجية.

غير أن هذا الانحسار لا يطال روسيا وحدها؛ فهناك بلدان أخرى من قبيل أذربيجان وتركمانستان، اللذين ظل الغرب يخطب ودهما على مر السنين بفضل إمكانياتهما كمصادر بديلة للطاقة وموقعهما الجغرافي، عانت من ضعف كبير على الصعيد الاقتصادي.

ما زالت روسيا مزود مهم للغاز الطبيعي لأوروبا، لكن قدرة البلد على استخدام صادراته من الطاقة لمصلحته تراجعت. كانت المكانة التي تتمتع بها روسيا في السنوات التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي كواحد من كبار مصدّري الطاقة بمثابة نعمة كبيرة، لكن الآن، وعلى مدى السنوات المقبلة، انقلبت الأوضاع وصار الاعتماد على تصدير السلع يشكّل موطن ضعف اقتصادي كبير.

ولا تستطيع روسيا تجاوز هذه العاصفة بأمان؛ لأن البلد يعاني من قبل من مشكلات ديمغرافية واقتصادية واستراتيجية. وما زالت أهداف روسيا الاستراتيجية كما هي، لكن مع انقضاء عهد سياسة خطوط الأنابيب، ونهاية زمن أسعار الطاقة العالية، نجد قدرة البلد على تحقيق أهدافه الاستراتيجية هذه تضعف يوماً بعد يوم.

المصدر | موقع 24

  كلمات مفتاحية

روسيا الغاز الطبيعي أوكرانيا أوروبا

أوكرانيا ترفض السعر الذي حددته روسيا للغاز الطبيعي

وزير الاقتصاد الروسي: سنحقق نموا بأقل من 1% مع استقرار النفط عند 50 دولارا

انكماش الناتج المحلي الفنزويلي 4.2% في ثلاثة أرباع 2014 .. والاقتصاد الروسي 0.7% في 2015

إنتاج النفط الروسي في نوفمبر يصل لأعلى مستوى بعد الحقبة السوفيتية

اعتماد عالمي على نفط السعودية لمواجهة نقص امدادات النفط الروسي

«لوك أويل» الروسية: سنخفض إنتاج النفط في 2016

للمرة الرابعة.. روسيا تتجاوز السعودية في حجم صادراتها النفطية إلى الصين

«لافروف» يزور الإمارات وعمان لبحث العلاقات الثنائية والأوضاع في سوق النفط

هيئة الإحصاء الروسية تؤكد انكماش الاقتصاد 3.7% في 2015

روسيا تعلن إفلاس مصرفين جديدين