فورين بوليسي: اعتقال الغنوشي يكشف هجوم قيس سعيد على الديمقراطية في تونس

الأربعاء 3 مايو 2023 09:25 ص

اعتقال راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة في تونس، وكذلك سجن نائبه علي العريض يكشف مدى هجوم رئيس البلاد قيس سعيد على الديمقراطية، هكذا خلص تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" تعليقا على الاعتقالات الأخيرة في تونس.

واعتبر التقرير، الذي كتبه "إريك جولدستين" نائب رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ"هيومن رايتس ووتش"، وترجمه "الخليج الجديد"، أن اعتقال سعيد للغنوشي جاء كخطوة من الأول لمواجهة السخط المتنامي ضد سلطاته.

وقال الكاتب إن بعض الانقلابات وعمليات الاستيلاء على السلطة تبدأ باعتقال زعيم المعارضة السياسية، لكن سعيّد انتظر لما يقرب العامين بعد استيلائه على كل السلطات من أجل إيقاف الغنوشي.

تهم واهية

وأوضح أن سعيد اعتقل الغنوشي بتهم واهية بالتحريض على العنف؛ ليس من أجل التخلص من خصم سياسي فحسب، بل لمواجهة السخط المتنامي عليه بسبب عجزه عن تحسين اقتصاد تونس المتهاوي، وقد أراد الرئيس التونسي استعداء أنصاره على النهضة، لتحريضهم على شيطنة من سبقوه في حكم البلاد.

وأضاف أن الغنوشي بمثابة "مانع صواعق" في مواجهة من يلومون الحزب على أدائه في أثناء وجوده في السلطة أو من يكرهون الحزب أصلاً بسبب ارتيابهم في انضوائه على أجندة إسلامية متطرفة بالرغم من التزامه المعلن بالديمقراطية والتعددية.

ومنذ أن ألقي القبض على الغنوشي بتهمة التحريض وهو يتنقل بشكل منتظم ما بين السجن ووحدة مكافحة الإرهاب التابعة للحرس الوطني حيث يجري استجوابه.

وكانت السلطات بعد يوم واحد من توقيفه قد أقدمت على إغلاق المقر الوطني لحزب النهضة، كما حظرت على أعضائه عقد أي اجتماعات، مقتربة بذلك خطوة أخرى من فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، عندما كان الحزب محظوراً وكان الآلاف يزج بهم في السجن لمجرد ارتكاب جرم الانتساب إلى الحزب.

علي العريض.. اعتقال وزير الداخلية السابق

في سياق متصل، سلط الكاتب الضوء أيضا على نائب رئيس حركة النهضة ورئيس الوزراء السابق علي العريّض، الذي اعتقلته السلطات التونسية في 19  ديسمبر/كانون الأول الماضي، ووجهت له تهمة التقاعس عن مواجهة انتشار السلفيّة، وجماعة "أنصار الشريعة" المسلّحة خلال عمله في الحكومة.

وشغل العريّض منصب وزير الداخلية من ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى فبراير/شباط 2013، ثم رئيس الحكومة من مارس/آذار 2013 إلى يناير/كانون الثاني 2014، وكانت الحكومة ائتلافية وتتكون من حزب النهضة وحزبين يساريين ("التكتل" و"المؤتمر من أجل الجمهورية")، علما بأن العريض صنف "أنصار الشريعة" تنظيما إرهابيا حين كان رئيسا للوزراء.

وقال الكاتب، إنه "عندما كان العريض وزيراً للداخلية ورئيساً للوزراء، فقد كان التونسيون يتمتعون بحرية أكبر في التعبير مما تمتعوا به في عهد أي من الرؤساء الذين سجنوه".

وفي الوقت الحالي، يخضع العريّض، الموقوف على ذمّة المحاكمة في "سجن المرناقية"، للتحقيق بموجب عدّة فصول من "قانون مكافحة الإرهاب" لسنة 2015، والفصل 32 من "المجلّة الجزائية" بتهم تصل عقوباتها القصوى إلى السجن المؤبد.

ويواجه علي العريض تهم "تمجيد الإرهاب"، و"الانتماء إلى تنظيم إرهابي"، و"استعمال تراب الجمهورية أو تراب دولة أجنبيّة لانتداب أو تدريب شخص أو مجموعة من الأشخاص بقصد ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية"، و"تسهيل هروبهم"، و"الدخول أو الخروج بشكل قانوني أو غير قانوني من التراب التونسي"، وغسيل الأموال.

قصة طويلة مع السجون

ويقول الكاتب إنه بينما لم يعرف الغنوشي السجن منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث ظلّ في المنفى لما يزيد على العقدين من الزمن قبل أن يعود إلى تونس في مطلع عام 2011، فإن للعريض، بالمقابل، علاقةً ممتدة مع السجون التونسية، وهي علاقة تحكي قصة حقوق الإنسان في تونس، ما بين صعود ونزول، هو الأغلب من عهد الدولة البوليسية مروراً بقصة النجاح النسبي للربيع العربي، ووصولاً إلى الانزلاق الحالي نحو الاستبداد من جديد.

وفي عهد الديكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي، حُكم على العريض بالسجن خمسة عشر عاماً، قضى منها أربعة عشر عاماً وراء القضبان.

ومن بين الآلاف من أعضاء الحزب الذين غصّت بهم سجون بن علي، كان العريض واحداً ممن قضوا أطول فترات الحبس في سجن انفرادي، حيث قضى ما يزيد على أحد عشر عاماً في الحبس الانفرادي داخل سبعة من السجون المختلفة، وفق التقرير.

ويضيف الكاتب: "والآن من جديد، يقبع العريض منذ أربعة شهور في سجن المرناقية -ليس تحت حكم بن علي ولكن تحت سلطة انقلاب يقوده قيس سعيد– دون أن يُعرض على أي قاضٍ أو توجّهَ له أيّ تهم".

وشارك العريض – وهو مهندس بحري – مع الغنوشي ومع آخرين في تأسيس حركة "الاتجاه الإسلامي" عام 1981، والتي كانت عبارة عن حزب سياسي غير معترف به.

وكان العريض واحداً من تسعين من أعضاء حركة "الاتجاه الإسلامي" الذين قدموا للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة في عام 1987 بتهمة التحريض على الفتنة.

صدر على العريض وآخرين أحكام بالإعدام، ما لبثت السلطات أن أعدمت اثنين منهم على عجل، الأمر الذي أثار المخاوف من رد فعل شعبي موجه ضد الحبيب بورقيبة، أول رئيس يحكم تونس ما بعد الاستقلال، والذي حكم البلاد بقبضة من حديد على مدى ثلاثة عقود.

رداً على ذلك، ما كان من وزير الداخلية آنذاك، بن علي، إلا أن نفذ "انقلاباً طبياً" ضد بورقيبة، الذي بلغ من العمر أربعة وثمانين عاماً، وأصدر مباشرة قراراً بتخفيض العقوبات الصادرة بحق العريض وزملائه، قبل أن يصدر بحقهم قراراً بالعفو خلال عامي 1988 و1989.

ولكن لم يطل تسامح بن علي مع الحركة الإسلامية الرائدة في البلاد، والتي غيرت اسمها من حركة الاتجاه الإسلامي إلى حركة النهضة، حيث حظرها وشن حملة اعتقالات في صفوف منتسبيها.

وكانت التهمة الأساسية الموجهة إليهم جميعاً هي العضوية في منظمة غير مشروعة، بالإضافة إلى ارتكاب جنح لم يمارس فيها العنف.

كان العريض ناطقاً باسم الحركة، فتعرض للاعتقال أكثر من مرة قبل أن تدينه محكمة عسكرية إضافة إلى 264 من زملائه في محاكمتين جماعيتين نظمتا في عام 1992 – اتسمتا بالاعتماد على اعترافات منتزعة تحت التعذيب وبانتهاكات للإجراءات القانونية المتعارف عليها – ووجهت لهم فيها تهمة التخطيط للإطاحة بالدولة.

صدرت أحكام بالسجن المؤبد على 46 من هؤلاء الرجال.

اعتقالات أخرى

ولفت الكاتب إلى أن في عهد سعيد، تم سجن عدد من زعماء حركة النهضة، بما في ذلك نور الدين البحيري، الذي اعتقل في ديسمبر/كانون الأول من عام 2021 بحجة أنه عندما كان وزيراً في الحكومة في الفترة من 2011 إلى 2013، سهل للراغبين من التونسيين في الانضمام إلى تنظيم "الدولة" وغيره من المجموعات المسلحة التي تقاتل في تونس وفي العراق وفي غيرهما الحصول على وثائق سفر.

حينذاك، كان الشباب التونسيون يغادرون بلادهم بالآلاف للانضمام إلى تلك المجموعات. إلا أن السلطات ما لبثت بعد شهرين من التوقيف أن أطلقت سراح بحيري دون توجيه أي تهم له، ثم عادت وألقت القبض عليه في فبراير/شباط الماضي.

المصدر | إريك جولدستين / فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قيس سعيد تونس راشد الغنوشي اعتقال الغنوشي علي العريض

تونس.. أمر جديد بالحبس ضد الغنوشي في قضية إنستالينجو

النهضة تتهم جهة غير معلومة باستخدام الهاتف الشخصي للغنوشي

"كفى تنكيلا بالمعارضين".. جبهة الخلاص التونسية تندد بحكم السجن ضد الغنوشي

سمية الغنوشي: سعيد أعاد تونس إلى النادي القديم للديكتاتوريات العربية

"تُهم تآمرية".. العفو الدولية تدعو سعيد للإفراج الفوري عن 8 تونسيين