تقدير استراتيجي: هذه تداعيات الصراع في السودان على اليمن

الثلاثاء 9 مايو 2023 10:14 ص

سلط مركز أبعاد للدراسات والبحوث الضوء على التداعيات الإقليمية للقتال الدائر في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، خاصة على المشهد في اليمن ومسار التسوية السياسية فيه.

وأورد المركز، في ورقة بحثية نشرها موقعه الإلكتروني، تقديرا بأن التداعيات السياسية للأزمة السودانية على المشهد اليمني تبقى متواضعة وجانبية إلى حد كبير، إذ للصراع في السودان سياقات وأبعاد مختلفة عن الصراع في اليمن، ويأتي في ظل تراجع القتال في اليمن وفي وقت تبدو فيه جهود السلام مصممة على إنهاء الحرب بدعم إقليمي ودولي غير مسبوق، خاصة بعد التقارب بين السعودية وإيران.

 ويرجح المركز أن يدعم المجتمع الدولي الحفاظ على المكاسب التي تحققت في هذا المسار والبناء عليها، ما يصب في صالح عملية السلام في اليمن من خلال ما قد يخلقه من حوافز للحوار والتسوية، ما يعني أن تأثير الاقتتال في السودان وما ينطوي عليه من تهديدات مختلفة قد يكون حافزا للمجتمعين الدولي والإقليمي لتصميم أكبر على وقف الحرب في اليمن.

ويشير تقدير المركز إلى وجهة نظر مقابلة، مفادها أن الاقتتال في السودان من شأنه إضعاف المسار السياسي في اليمن وتراجع التمويل والدعم لعملية السلام فيه، وذلك على أساس أنه قد يجعل الفاعلين الدوليين أكثر تركيزًا على معالجة الأزمة في السودان، ويؤدي بالتالي إلى تحويل الموارد الدبلوماسية والاهتمام السياسي بعيداً عن عملية السلام في اليمن.

غير أن التداعيات السلبية الأكثر احتمالاً للاقتتال في السودان تبقى في أنه قد يجعل الحوثيين أكثر تشدداً في المفاوضات مع السعودية، باعتبار أن الاقتتال يضعف قدرة القوات السودانية في اليمن، وبالتالي قدرة السعودية على الوفاء بالتزاماتها في الجبهات التي تتواجد فيها.

 وحصول ذلك سيعني إضعافاً لموقف السعودية ولقدرتها على تأمين حدودها الجنوبية، وبالتالي إضعافاً لقدرتها على ممارسة الضغط على الحوثيين.

ونتيجة كهذه تصبح أكثر احتمالاً حال انسحبت القوات السودانية من اليمن ومن حدود السعودية مع اليمن على وجه الخصوص، بحسب تقدير "أبعاد"، مشيرا إلى أن الاقتتال ي السودان يجري على بعد حوالي 300 كم من السواحل الغربية للسعودية وقبالة مينائها الرئيس (جدة)، وغير بعيد عن أهم مشاريعها التحديثية العملاقة (نيوم)، ما يشكل إضعافاً إضافياً للسعودية ويجعلها، على الأقل من وجهة نظر الحوثيين، أكثر استعداداً لتقديم تنازلات أكبر من اجل التوصل إلى اتفاق سلام يؤمن لها الجبهة الجنوبية.

التداعيات العسكرية

أما عن التداعيات العسكرية للاقتتال في السودان، فترتبط بقناتين، الأولى هي تأثيره في وضع القوات السودانية في اليمن و"السعودية" ومستقبل مشاركتها في الصراع اليمني، والثانية تأثيره على التعاون العسكري بين السودان والحكومة اليمنية.

وهنا يشير المركز إلى أن السودان شارك، ومن البداية، في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن في مواجهة جماعة الحوثي ودعماً للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وكان قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس المجلس السيادي في السودان محمد حمدان دقلو "حميدتي" قد كشف حينها عن مشاركة 30 ألف جندي سوداني في حرب اليمن، قالت التقارير إن معظمهم من قوات الدعم السريع، ليكون السودان بذلك صاحب أكبر مساهمة بشرية في قوات التحالف.

لكن حجم القوات السودانية المشاركة في عمليات التحالف تراجع مع الوقت، ففي نهاية عام 2019 أعلنت السلطات السودانية تخفيض عديد جنودها في اليمن من 15000 إلى 5000 جندي.

غير أن السودان ظل الطرف الأكثر فعالية في عمليات التحالف بعد السعودية والإمارات، ما جعله شريكاً مهماً في الصراع الدائر في اليمن.

ووفقاً لبعض المصادر تعمل القوات السودانية المتبقية في اليمن ضمن قطاعين عملياتيين: الأول، في عدن وقاعدة العند (50 كم شمال عدن)، والثاني على الحدود السعودية اليمنية.

وفيما يخص تأثير الصراع في السودان على وضع هذه القوات، ثمة ما يُرجح بقاء الوضع على ما هو عليه، فمع أن قضية مشاركة السودان في عمليات التحالف العربي في اليمن ظلت تشكِّل موضوعاً للجدل في الساحة السودانية، إلا أنها لا تبدو قضية مهمة اليوم لدى طرفي الصراع، بحسب المركز.

ويشير "أبعاد"، في هذا الصدد، إلى أن قائدي الصراع في السودان، البرهان وحميدتي، لهما علاقتهما بهذه القوات فقد اشتركا في الإشراف عليها وعلى مشاركتها في الصراع اليمني، لكن لا يعرف على وجه الدقة طبيعة ارتباطات القائدين بهذه القوات اليوم ولا حجم نفوذ كل منهما عليها.

وعلى افتراض احتفاظ كل منهما بنفوذ ما على هذه القوات إلا ن من الصعب توقع إقدامهما على اتخاذ خطوات منفردة باتجاه سحب القوات السودانية، أما اتفاقهما حول هذه القضية فمسألة مستبعدة.

فإلى جانب الصعوبات اللوجستية الخاصة بإعادة هذه القوات إلى السودان، مازال الطرفان بحاجة للاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الرياض، إذ أن بقاء هذه القوات مازال مهماً بالنسبة لها، حيث ينتشر 4 ألوية على حدودها مع اليمن، وانسحاب هذه القوات ينطوي على مخاطرة إثارة حنق الرياض والخلاف معها كون انسحاب كهذا قد يمثل نوعاً من الانكشاف للجانب السعودي في الحدود مع اليمن.

وفيما يتعلق بموقف القوات السودانية في اليمن والسعودية، فحتى مع افتراض أن ولائها لطرفي الصراع أو لأي منهما سيشكل دافعاً للعودة إلى السودان للمشاركة في القتال حال طُلب منها ذلك، إلا أن مغريات البقاء كبيرة، فهو يعني تجنبها المشاركة في القتال الصعب في السودان مثلما يعني احتفاظها بالمزايا التي تحصل عليها من دول التحالف، وهي مزايا يصعب توقع تعويضها في السودان.

وعلى أساس ما سبق فإعادة التفاوض على التزامات دول التحالف وباتجاه الحصول على بعض الدعم السياسي أو المالي، يبقى أهم ما يمكن لأي من طرفي الصراع السوداني القيام به، بحسب "أبعاد".

ومن جهة أخرى، سينتهي هذا الصراع إلى وقف برامج التعاون الأمني والعسكري بين السودان والحكومة اليمنية الشرعية، وهو تعاون يتعزز مع الوقت.

ويخلص تقدير "أبعاد" للمشهد العسكري إلى استبعاد أن يكون للصراع في السودان تأثير مهم على المشهد في اليمن، ففرص تسببه بسحب القوات السودانية تظل متواضعة، وحتى لو حدث ذلك وانسحبت هذه القوات فنتائج هذا الانسحاب ستقتصر على منح الحوثيين نوع من الانتصار المعنوي وبعض الثقة الإضافية في النفس، في وقت تراجعت فيه العمليات الميدانية للتحالف ودخل أطراف الصراع اليمني في هدنة طويلة أشبه بوقف غير معلن للحرب، وفي وقت يختبر فيه المسار السياسي أفضل أوقاته ويتمتع بزخم كبير.

التداعيات الأمنية

وفي المقابل، يرجح "أبعاد" انعكاس تداعيات أمنية للاقتتال في السودان على اليمن، خاصة فيما يتعلق بتهديد حركة التجارة البحرية، إذ سيخلق الاقتتال السوداني المزيد من فرص العنف والتطرف، إذ وفراغًا أمنياً يمكن استغلاله من قبل جماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة، التي يمكن لها استخدام السودان كقاعدة لشن هجمات أو تجنيد مقاتلين لعملياتها في اليمن أو في أماكن أخرى. ومن شأن ذلك أيضا ازدهار عمليات وشبكات التهريب، بما في ذلك تهريب الأسلحة والمخدرات وبما يسهل ويزيد من عمليات تهريب هذه السلع إلى اليمن.

غير أن التهديدات التي يمثلها الصراع على أمن منطقة البحر الأحمر والتجارة الدولية والمخاوف التي يثيرها قد تدفع المجتمعين الإقليمي والدولي إلى تعزيز الحضور العسكري في البحر الأحمر وخليج عدن، ما سيقلل بدوره من فرص التهريب والقرصنة، بحسب تقدير مركز الدراسات والبحوث.

الوضع الإنساني

وعلى المستوى الإنساني، يؤكد المركز أن الصراع يهدد السودان والمنطقة والعالم بأزمة إنسانية طاحنة أخرى في المنطقة، ليس ذلك فقط بسبب العنف ولكن أيضاً بسبب ما سيقود إليه من تعقيد وتدهور للوضع الاقتصادي في البلاد، وهو وضع يعاني مسبقاً من مشكلات عديدة، كما تحكي مؤشرات الاقتصاد الكلي.

 فبعد الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها السلطات السودانية عقب سقوط نظام عمر البشير انخفض سعر العملة المحلية (447 جنيهاً للدولار الواحد) وارتفعت معدلات التضخم، وسيظل هذا الصراع يدفع باتجاه إدخال السودان في أزمة غذائية تزيد حدتها ونطاقها كلما طالت فترته، خاصة أن السودان يعاني مشكلات مسبقة في الأمن الغذائي.

وأزمة كهذه ستعمل بدورها على مفاقمة الوضع الإنساني المتردي بالفعل في اليمن، إذ سيكون على العالم حينها مواجهة الأزمة الجديدة، وهذا سيشكل ضغطاً على الموارد الإنسانية وينتهي إلى تراجع تلك المخصصة لمواجهة أزمة اليمن، وهي الموارد التي سبق وتراجعت على نحو دراماتيكي في السنوات الثلاث الأخيرة.

ومن جهة أخرى، قد يؤدي هذا الصراع إلى تعطيل إيصال المساعدات الإنسانية والإمدادات إلى اليمن، إضافة إلى التسبب المحتمل في حركة نزوح داخلي وخارجي واسعة، بدأت معالمها تظهر حتى قبل أن يمر على اشتعال الصراع أكثر من أسبوعين، وهو نزوح مرشح ليتسع نطاقه كلما طال هذا الصراع وكلما تمدد جغرافياً.

 لكن احتمال تأثر اليمن بموجات النزوح واستقباله أعداداً كبيرة من النازحين تظل ضعيفة كونه يبقى وجهة غير مغرية للنازحين السودانيين.

خلاصة التقدير

ويخلص "أبعاد" إلى أن الصراعين في السودان واليمن يحدثان في سياقات مختلفة ولهما أسباب وأبعاد مختلفة، إلا أنه من الممكن أن يكون للأول بعض التأثير على المشهد اليمني، لكنه تأثير غير مباشر ومتواضع أو غير فارق في نفس الوقت.

ويؤكد تقدير المركز أن الصراع السوداني غير قادر على التسبب بتغيير مهم في حسابات القوى الفاعلة في اليمن وفي مواقفها، ومع أنه قد يعمل على تعزيز ثقة الحوثيين بأنفسهم ويحسن من موقفهم التفاوضي إلا أنه لا يقدم لهم مغريات كافية أو يمنحهم دوافعاً للإقدام على التصعيد العسكري.

وتشير خلاصة التقدير إلى أن الكثير حول تداعيات ونتائج الصراع السوداني يتوقف على نهايات الأحداث ومآلاتها وعلى الفترة التي سيستمر فيها هذا الصراع مشتعلاً، وهي أمور لاتزال ضبابية، مرجحا أن يبقى الحال على ما هو عليه، وأن يستمر الصراع لفترة أطول، على الأقل في ضوء ما أثبته الاقتتال من توازن قوى يظهر في عجز أي من طرفيه عن تحقيق اختراق أو مكاسب عسكرية مهمة.

المصدر | الخليج الجديد + أبعاد

  كلمات مفتاحية

السودان اليمن عبدالفتاح البرهان محمد حمدان دقلو الحوثيين حميدتي السعودية

ميدل إيست آي: معارك السودان قد تقوض جهود السلام في ليبيا وتفجر حربا إقليمية

السودان.. 100 يوم على الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع (تسلسل زمني)