المفكر فرانسوا بورغا لـ"الخليج الجديد": فرنسا تريد إسلاما على مقاسها.. والغرب يعادي أردوغان لمقاومته الهيمنة

الثلاثاء 30 مايو 2023 11:59 ص

نواف السعيدي - الخليج الجديد

قال المفكر الفرنسي البارز، والباحث الأول في "المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، فرانسوا بورغا، إن "فرنسا تريد إسلاما على مقاسها ومسلمين بمواصفاتها الخاصة"، مؤكدا أن الرئيس إيمانويل ماكرون تبنى أجزاءً كثيرة من الخطاب المتطرف، وأصبح خطاب المعارضة اليمينية المُتشدّدة هو نفسه الخطاب الرسمي للدولة.

وفي مقابلة خاصة مع "الخليج الجديد"، لفت بورغا إلى وجود حملات ممنهجة لمحاولة تجريم كل المنظمات المرتبطة بالفرنسيين المسلمين، مستنكرا مزاعم البعض عن مصادر تمويل أنشطة "الإسلام السياسي" في فرنسا وأوروبا، ومشددا على أنها "ادعاءات واهية لا صحة لها ودعاية مختلَقة".

ووصف الدور الإماراتي داخل فرنسا بأنه "خطير جدا"، و"لا أحد يعرف بالتحديد أبعاده". واعتبر أن أحد أسباب "خطاب الإسلاموفوبيا الفرنسي الحالي" هو "الظرف الذي تمر به فرنسا، لكن هناك سبب إضافي يتمثل في تأثير الأنظمة الاستبدادية العربية مثل النظام الإماراتي والسعودي والمصري".

وعن سر العداء الفرنسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي فاز الأحد بفترة رئاسية جديدة تمتد 5 سنوات، قال بورغا إنه "يوجد خلاف جوهري بين حكام أوروبا وأردوغان؛ لأن الأخير يُمثل مقاومة الهيمنة الغربية على المنطقة؛ إذ يخلق نموذجا مختلفا عن نموذج الإذعان الذي تريده أغلب القوى الغربية من البلاد المسلمة".

وبينما أكد بورغا أن "الخلفية الإسلامية لنظام الحكم في تركيا عامل إضافي لعداء أوروبا لأردوغان"، شدّد على أن "لب الموضوع هو اتجاه الدولة التركية نحو منافسة بلدان الاستعمار السابق في المنطقة".

ورجح أن بعض قوى الإسلام السياسي ربما تعود إلى الحكم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "خاصة وأن هذه التيارات تُطور نفسها وتتحول وليست ثابتة أو جامدة كما قد يدعي البعض".

وفي ما يلي نص مقابلة بورغا الخاصة مع "الخليج الجديد":

الحملات ضد الإخوان

كيف تنظر إلى الحملات الإعلامية والسياسية في فرنسا ضد الإخوان المسلمين وما يُسمى الإسلام السياسي؟

الحملات المعادية للإخوان موجودة منذ تأسيس الجماعة (بمصر عام 1928)، وهي استمرار للخطاب العنصري ضد المسلمين عامة، غير أننا دخلنا مرحلة جديدة من الحملات منذ عام 2020، عندما ظهرت أعراض ما تُسمى "الإسلاموفوبيا"، إثر انتقال اليمين المتشدّد من المعارضة إلى الحكومة، وقد تبنى الرئيس ماكرون أجزاءً كثيرة من الخطاب المتطرف، وأصبحت توجد حالة تماهٍ بين خطاب المعارضة اليمينية المتشدّدة وخطاب الدولة الفرنسية الرسمي.

صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية قالت إن السلطات تلاحق تمويلات الإخوان في فرنسا وجمدت 25 مليون يورو من أموالها.. كيف ترى الأمر؟

هذا أحد جوانب الحملة؛ ومن أهدافها محاولة تجريم كل المنظمات المرتبطة بالنشطاء المسلمين، وليس الإخوان المسلمين، والمرتبطة بالفرنسيين المسلمين بشكل عام، الذين يطالبون بحقوقهم المدنية والسياسية وحرية التعبير.

فرنسا تريد إسلاما على مقاسها ومسلمين بمواصفاتها الخاصة، أولئك الذين يَخضَعُون ليعملوا في ظروف لا يقبلها الفرنسيون أو أولئك الذين من النخب ذات الـ"بشرة سمراء وعقلية بيضاء" (يمكن هنا العودة لكتابات المفكر وعالم النفس فرانز فانون) من الذين يؤكدون الاستيهامات (التخيلات) الرسمية والاستعلائية للنخب اليمينية عن المسلمين والعرب.

وكيف ترى الجدل الذي يثيره البعض بشأن مصادر تمويل أنشطة "الإسلام السياسي" في فرنسا وأوروبا وتوجيه اتهامات لدولة قطر؟

توجد ادعاءات واهية عديدة ليس لها أساس من الصحة، وسأعطيك مثالا: نُشرت دراسة موّلتها دولة الإمارات بعنوان "أوراق قطر"، وحاول القائمون على الدراسة أن يثبتوا أن قطر تموّل المؤسسات الإسلامية في فرنسا، ثم تبين أن نسبة مشاركة قطر في تمويل المساجد الفرنسية أقل من 2% فقط. فكيف بهذا الحجم من التمويل يكون التأثير على سلوكيات وأساليب المسلمين في فرنسا؟!. كل ذلك دعاية مختلَقة.

الدور الإماراتي

وما أبعاد الدور الإماراتي داخل فرنسا؟

خطير جدا، ولا أحد يعرف بالتحديد أبعاده، لكن من المفيد أن نذكّر الجميع بأن الإمارات تلعب دورا سيئا جدا ليس في المنطقة فقط بل في العالم كله؛ فالإماراتيون موّلوا أو اشتروا قطاعات ومؤسسات ويرشون صحفيين وكُتّابا وباحثين ونخبا في الدول، بالإضافة إلى تدخلهم والحرب التدميرية التي يخوضونها في بلد بتاريخ وحضارات وثورة على الديكتاتورية كاليمن، وأيضا تدخلهم في بلد كبير كليبيا.

عندما زرت الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي، حينما كان رئيسا (2011-2014)، أفصح لي عن قلقه الكبير من تدخل الإماراتيين؛ فقد كانوا يُموّلون المعارضة وفلول النظام السابق (الرئيس زين العابدين بن علي الذي أطاحت به الثورة في 2011)، ويُموّلون بعض وسائل الإعلام والمراكز البحثية.

نعود لدور الإماراتيين في فرنسا إنه خطير إلى حد كبير؛ فأحد أسباب خطاب "الإسلاموفوبيا" الفرنسي الحالي هو الظرف الذي تمر به فرنسا، لكن يوجد سبب إضافي هو تأثير الأنظمة الاستبدادية العربية مثل النظام الإماراتي والسعودي والمصري.

إن تلك الأنظمة المستبدة تعرف أن المنافس السياسي الرئيسي لهم هو التيار الإسلامي السياسي القانوني المعتدل، والذي يرغب في الممارسة الديمقراطية ويؤمن بها، وليس التيار المتشدّد مثل تنظيم الدولة، بل التيار الشعبي القانوني السلمي الذي يمثله تيار الإخوان المسلمين بمختلف تعبيراته السياسية في المنطقة.

وهل يمكن القول إن الإمارات تمتلك "لوبي" فاعلا داخل فرنسا؟

لا شك، وليس في فرنسا فقط، إنها تشتري نُخبا بالجملة، سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة، وتكُبُ الكثير من الأموال لحجب الديمقراطية في حرب شرسة على كل الآمال التي نادى بها الشباب في "الربيع العربي" وشعاراتهم، لكن التأثير واضح جدا في فرنسا؛ فدراسة "أوراق قطر" مثلا، والتي تناولتها برامج تلفزيونية ذات جماهيرية كبيرة، تُمثل جانبا واحدا وبسيطا من التدخل الإماراتي في المشهد السياسي والإعلامي والثقافي الفرنسي.

هيمنة استعمارية

تنامي الوجود الإسلامي في فرنسا من حيث العدد والمظهر.. حقيقة أم تهويل؟

فرنسا الآن تعيش مرحلة الخروج من فترة الهيمنة الاستعمارية، لذلك على الفرنسيين أن يدركوا أن الجيل الثاني والثالث والرابع من الشعوب التي كانت مُستعمرة بدأوا يرفعون أصواتهم ويطالبون بحقوقهم، وبينها المشاركة في كتابة هذه الفترة التاريخية والتعبير عن ذواتهم بمختلف الأشكال.

الجيل الأول في السابق قبِلَ في أغلب الأوقات بممارسات استعلائية ضده؛ لأنه كان يحتاج لإثبات اندماجه، وأيضا لم يكن يمتلك، وتحديدا أجزاء كبيرة منه، القدرات للدفاع عن نفسه ومواجهة تناقضات خطاب الدولة وممارساتها.

لكن الآن نعيش واقعا مختلفا، يجيد الشباب الذين وُلدوا هنا اللغة الفرنسية وطرق التعبير، ويريدون حقوقهم كأبناء الجمهورية وأبناء للواقع الذي يُنتج على أرضها (أحيل هنا إلى أعمال الديمجرافي وعالم الاجتماع المتخصص في الهجرة فرنسوا إيرون)، ومنها حقهم في الاختلاف والاعتراف والتمثيل السياسي المناسب، بعيدا عن التنميط الذي تتوقع الدولة أن يكون فيه "المهاجر".

أعتقد أيضا أن إشكالية الفرنسيين مع المسلمين ليست دينية أو منافسة بين الأديان، وإنما بسبب كون المسلمين يُمثلون الشعوب التي كانت تسيطر عليها فرنسا، وأن هؤلاء صاروا اليوم يطالبون بحقوقهم في الحرية. إن في ذلك استمرار للنفسية الاستعمارية بشكل من الأشكال.

يعتقد البعض أن السلطات الفرنسية متخبطة ولا تستطيع أن تخرج من أزمتها مع المعارضة فتوجّه المجتمع في اتجاه أزمات مُفتعلة..

هناك أسلوب قديم لدى بعض الحكام، وهو استغلال قضية ما لإلقاء فشلهم وأخطائهم على الآخرين كـ "شمّاعة". هذا أسلوب بعض الحكام لتجريم ثقافة الآخرين؛ كي يتخلص من الأسباب الحقيقية والموضوعية لمعارضته.

إن ذلك تحديدا ما تستعمله إسرائيل لتبرير جرائمها مثلا أمام الغرب، إنهم لا يكتفون بأشكال الظلم المتراكمة، وحين تقول لهم لماذا قمتم بهذه الجريمة أو تلك، يذّكرك بأن (حركة) حماس "متدينون" و"متحجبات" ويصيحون "الله أكبر" قبل أن يموتوا.

لقد صار ذلك موضوعا للتندر عند الكثير من الشباب في فرنسا، فالدولة تحاول أن تجد كل مرة أي خيط حقيقي أو متخيل، لكن مُبالغ فيه دائما، يربط أي مشكلة بالمسلمين والمهاجرين والمرأة المحجبة وعلاقتها بالرجل المغاربي والإسلام، وغيرها من المواضيع التي راكمت فيها الدولة خطابا تافها لا علاقة له بالحقيقة.

وزير الداخلية جيرالد دارمانان يواجه اتهامات بممارسة عناصر الشرطة مستوى من العنف يرفضه الشعب.. فكيف تقيم أداء دارمانان؟

مشكلة الحكومة الحالية أن ماكرون تم انتخابه بواسطة أقلية من الفرنسيين ما صوتوا له إلا رفضا لحزب اليمين المتطرف. لكن الشرعية الديمقراطية لهذه الحكومة ضعيفة، لذا يلجأون إلى استعمال العنف ضد المتظاهرين، وهذا مع الأسف قاسم مشترك مع عدد من الأنظمة في العالم.

أسلمة فرنسا!

هل حقا هناك وجود لنظرية "أسلمة فرنسا" أم أنه مصطلح مصطنع لا وجود له؟

فرنسا بلد مسيحي، لكن عددا كبيرا من الناس يترك الدين المسيحي، بينما أعداد المسلمين في أوروبا باتت في تزايد، وهذه ظاهرة ديمجرافية واجتماعية طبيعية. ذلك غير قابل للإنكار رغم عدم وجود إحصاءات موثوقة. أما نظرة البعض لهذه الزيادة باعتبارها خطرا، فهذا لا سند له غير العنصرية والاستعلاء.

وما مدى قوة وتواجد جماعة الإخوان في فرنسا؟

على العكس كليا مما يُقال.. يُقال مثلا إنهم سيؤسسون غدا خلافة إسلامية تسيطر على أوروبا في عاصمة الاتحاد الأوروبي مدينة بروكسل. بحكم قربي من العالم العربي، أعمل يوميا ومنذ عقود على المنطقة وأتواصل مع جزء معتبر من قادة التيار الإسلامي، أؤكد أنه ليس للإخوان تأثير قوي في وسائل الإعلام الأوروبية، بل على العكس صوت الإخوان في أوروبا ليس له أي وجود، والدعاية التي تُروّج بأن جماعة الإخوان ستسيطر على فرنسا وأوروبا والعالم هي محض كذب وافتراء.

واقع الأمور مختلف، فرنسا وحلفاؤها من الديكتاتوريين العرب والصهاينة واليمين الأمريكي يستمرون في حماية مصالحهم ضد أي قوى شعبية قد تأتي بها صناديق الاقتراع في العالم العربي. هم يحجبون بمقولات الإسلاموفوبيا وتحقير الشعوب أي إمكانية لانطلاق الشرعية الشعبية بمختلف تمثيلياتها، ولا يسمحون لها بأن تُعبّر عن نفسها، ويستعملون لذلك مقولاتهم المهترئة عن الإسلام والمسلمين التي يلتقي فيها التحالف.

إنهم لا يقومون فقط بتخويف الناس من الإخوان والقوى الشرعية في العالم العربي، لكن يقومون بما هو أكثر من ذلك: تجارة السلاح، وشراء الذمم، وسجن المقاومين الذين يرفضون المهزلة أو رميهم في المنافي لخنق الإخوان أيضا في وسطهم الطبيعي.

تراجع الحريات

لماذا نرى عزوفا واضحا بين المسلمين في فرنسا عن المشاركة في العمل ‏السياسي؟

بسبب آليات التمثيل السياسي؛ ففرنسا لا تسمح للأقليات الدينية أن تشارك بالمستوى المطلوب، وقانون "الانفصالية الجديد" الذي صدر مؤخرا يمنع العمل السياسي ويحرم النشطاء ومناضلي جمعيات المسلمين من حرية الرأي والتعبير.

وكذلك بسبب بعض "الخطوط الحمراء" التي تجاوزتها قلة قليلة جدا من المسلمين في فرنسا. وخلال السنتين الماضيتين قامت الحكومة بتجريم ومنع وقمع العديد من أنشطة النشطاء المسلمين. الحكومة كانت تقمع أنشطة أقلية من المسلمين، لكنها منذ 2020 أصبحت تقمع آراء أغلبهم.

هل باتت الحريات في فرنسا تشهد تراجعا؟ وما خطورة ذلك؟

نعم، إن حظر جمعيات كل غرضها هو مراقبة الإسلاموفوبيا والعنصرية مثل "التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا (CCIF)" في 2020 يدخل في هذا الإطار. كذلك الخطاب الإعلامي السائد في وسائل الاعلام والذي يهاجم كل الشخصيات التي على قلّتها تجرأت على مقاومة المنزلق الذي يُهدّد المجتمع والبلاد بالجر نحو الخطاب اليميني العنصري وممارساته.

ومَن يحرّك الإعلام الفرنسي الذي قلت إن "سرطان الاسلاموفوبيا" يسيطر عليه؟

من خصائص المشهد الاجتماعي السياسي في فرنسا أن اليمين المتشدّد يملك 85% من وسائل الإعلام الكبرى؛ فكل القنوات الإخبارية التلفزيونية بيد اليمين المتشدّد.

يمكن أن نعود للبحوث والمقالات الرصينة الكثيرة التي تعري ذلك، لكن دعوني أخبركم قصة شاب مهاجر من السودان اطلعت عليها مؤخرا. يعيشُ أمين في مارسيليا، واعترفت له الدولة بحقه في اللجوء. يلتزم الشاب الثلاثيني بالقانون ويقوم بعمل شاق في البناء طيلة اليوم، لكنه حينما يعود في المساء ويفتح التلفزيون متعبا يسمع للخطاب السائد، ويقول في قصته التي نشرها موقع لمشاركة تجارب المهاجرين: "أفهم من كلامهم في التلفزيون الفرنسي أنهم يكرهون العرب ويكرهون المسلمين ويكرهون السود. ذلك يجعلني خائفا على نفسي في الشارع. إنهم يحددون عنصريتهم تجاه ثلاث عناصر وقد اجتمعت فيّ بثلاثتها".

قصته تلك دليل إدانة في تقديري لكثير من ادعاءات وأوهام فرنسا عن نفسها تجاه شخص يقوم بواجباته المختلفة، لكن في ذلك أيضا إدانة للخطاب الإعلامي الذي يبُث الكراهية.

تحالف اليمين وإسرائيل

هل اليمين المتطرف في فرنسا لديه ارتباطات خارجية؟

قديما كان هناك عداء بين اليمين المتشدّد وإسرائيل، لكن الآن أصبح هناك نوع من التوافق والتحالف الواضح بين خطاب اليمين المتشدّد وخطاب الأنظمة الاستبدادية وخطاب إسرائيل ونخبتها الحاكمة.

مع الأسف أضيف إلى ذلك الفريق أصوات المثقفين العرب من اليساريين المتشدّدين، مثل بعض المصريين الذين تحالفوا مع الاستبداد بعدما تبين خسارتهم في المنافسة النزيهة على الشرعية الشعبية التي رجحت كفة الإسلاميين؛ فأصبحت الجبهة الآن مكونة من أصوات يساريين عرب ودول الأنظمة الاستبدادية والحكومات الأوروبية وإسرائيل.

وماذا عن روسيا وارتباطها باليمين المتطرف؟

روسيا تلعب دورا سيئا للغاية، وقد سُئلت في أحد المؤتمرات عن سبب تدخل روسيا في سوريا (لدعم نظام بشار الأسد)، فقلت: "هناك منافسة روسية مع الغرب؛ فكلما اتخذ الغرب قرارا، اتخذت روسيا قرارا يخالفه". وكان بين الحضور خبيرا روسيا عمل سابقا كمستشار للرئيس الروسي السابق (بوريس) يلتسين، فقال: جوابك واضح جدا، لكنك نسيت أمرا مهما، وهو أن "(الرئيس الروسي الحالي فلاديمير) بوتين "ينتقم" في سوريا لمعركة أفغانستان التي خسرها الاتحاد السوفيتي (السابق) أمام المجاهدين الأفغان (المدعومين من الغرب)؛ فقد قالها بوتين بوضوح: "أقاتل في سوريا كي لا أُقاتل غدا على حدود روسيا". وهذا يؤكد طائفية وعنصرية بوتين تجاه الإسلام والمسلمين.

ألا تخشى أن تمتد إليك حملة الهجوم على الإسلام السياسي في فرنسا؟

وصفت لكم الماضي والحاضر، أما المستقبل فأتركه للعارفين، لكن ما أؤكده هو أن الأوضاع تتجه للأسوأ منذ أكثر من 15 عاما.

حوار ممكن

تتردد أقاويل بشأن احتمال تصنيف "الإخوان" كمنظمة ‏إرهابية في فرنسا وأوروبا.. فما حقيقة ذلك؟

هذا احتمال وارد جدا مع الأسف. الصراحة لم يعد يفاجئني السوء الذي يُمكن أن تصل إليه النخبة التي تحكمنا؛ فقد عودتنا إلى حد كبير على تلقي الصدمات بمراكمة قراراتها السيئة.

وماذا لو تم تصنيف الإخوان منظمة إرهابية بالفعل؟

الإجراءات الجديدة في هذا الاتجاه تتراكم، وقد تشهد المرحلة القادمة إغلاقا أو حلا لأي مؤسسة مرتبطة بالعمل الإسلامي، كما حدث مع مؤسسة "التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا (CCIF)".

وما انعكاس تلك الإجراءات على الوضع في أوروبا؟

هذه الإجراءات دليل على ضعف مؤسسة التمثيل السياسي وضعف الحاكم الذي لا يستطيع أن يقدم سياسات محترمة لجميع أبناء المجتمع، وهذه إشارات سيئة وسلبية.

وما مدى إمكانية إقامة حوار جاد بين المسلمين والأوروبيين بعيدا عن الصور ‏النمطية؟

أتمنى أن يحدث هذا وأن يتكون التحالف من العقلانيين من مختلف الأطراف على اختلاف أديانهم وتوجهاتهم.

وهل هذا أمر محتمل؟

حقيقةَ ذلك أمر ممكن؛ فالمنع والسجن وحل الجمعيات ومحاولة تكميم الأفواه، لن يؤدي إلى نموذج مستدام. نحتاج للنقاش الحر والمفتوح حتى نستطيع بناء مجتمع الغد الذي يستوعب أطرافه جميعا.

وهل توجد شخصيات أو جهات يمكنها رعاية هذا النوع من الحوار؟

نعم، على سبيل المثال: الباحثون الأكاديميون في فرنسا أغلبهم منصفين، لكن لا تسمع لهم صوتا لأن سلطة الحجب تطالهم. ما تنقله الصحف ووسائل الإعلام الكبرى هو صوت الباحثين المتشدّدين، بينما أغلب الزملاء لهم موقف محترم ومنصف وجاد، لكن التعبير عنه ضعيف في أرض الواقع.

وهذا نتيجة ضعف موقفنا السياسي والإعلامي؛ فالمنافسة السياسية الحقيقية حاليا في فرنسا بين اليمين المتشدّد في الحكومة واليمين المتشدّد في المعارضة.

وهل يوجد تواصل بين "الباحثين المنصفين" وبين السلطات في فرنسا؟

هذا الاتصال ضعيف جدا مع الأسف.

يرى البعض ضرورة خروج فرنسا من حلف "الناتو" بل ومن الاتحاد الأوروبي.. ‏ما مدى جدية هذا الطرح؟

لا أعتقد في جدية هذا الطرح حاليا، لكن لو وصل اليمين المتشدّد إلى السلطة قد يكون ذلك من الممكن؛ فهم ضد وحدة أوروبا، وأعتقد أن الفرق بين ماكرون واليمين المتشدّد أن الرئيس يؤيد فكرة وحدة أوروبا إلى حد ما.

عداء لأردوغان

ما سر العداء الفرنسي لأردوغان؟ هل هو شخصي أم توجد أسباب أخرى؟

يوجد خلاف جوهري بين حكام أوروبا وأردوغان، وليس ماكرون فقط؛ أول تلك الأسباب أن أردوغان (يحكم تركيا منذ 20 عاما) يمثل مقاومة الهيمنة الغربية على المنطقة. يخلق نموذجا مختلفا عن نموذج الإذعان أو نموذج "الزبائن الأغنياء الحاملين لشُنط ملايين الدولارات" الذي تريده أغلب القوى الغربية من البلاد المسلمة.

وهل هذا الخلاف له ارتباط بالخلفية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ 2002؟

الخلفية الإسلامية لنظام الحكم في تركيا عامل إضافي، لكن لب الموضوع هو اتجاه الدولة التركية نحو منافسة بلدان الاستعمار السابق في المنطقة. في المرتبة الأولى تأتي المنافسة الصناعية والاقتصادية، ثم يأتي البعد الأيديولوجي.

وكيف تقرأ مستقبل تيار الإسلام السياسي في المنطقة وأوروبا؟

منذ وقت طويل قدمت أطروحة الإسلام السياسي كنوع من الامتداد الثقافي للحركة الاستقلالية، جعلتُ هذه الفكرة عنوان لأحد كتبي "الإسلام السياسي صوت الجنوب". لذا، أعتقد أن الحركة الاستقلالية عن الهيمنة الغربية في المنطقة لها مستقبل واضح، ولا شك في ذلك.

وهل تتوقع أن تعود بعض قوى الإسلام السياسي إلى الحكم في المنطقة؟

نعم، أعتقد ذلك. خاصة أن هذه التيارات تُطور نفسها وتتحول وليست ثابتة أو جامدة كما قد يدعي البعض. لكن هل يحدث ذلك خلال فترة قصيرة أم بعيدة.. أترك هذا للعارفين وللمستقبل.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فرانسوا بورغا فرنسا الإسلام الإخوان أردوغان الغرب هيمنة

أمواج من التحديات.. كيف سيبحر أردوغان بتركيا لـ5 سنوات؟

أردوغان: العنصرية والماضي الاستعماري سبب اضطرابات فرنسا

خارجة عن السيطرة.. فرنسا تدخل حقبة جديدة من الإسلاموفوبيا