القوة البحرية المشتركة بين إيران والخليج.. هندسة "صينية" للأمن الإقليمي

الجمعة 16 يونيو 2023 01:43 م

سلط الباحث بمعهد "مانوهار باريكار" للدراسات والتحليلات الدفاعية في نيودلهي، عادل رشيد، الضوء على الدور الذي تتجه الصين للعبه في أمن الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن "تحالفات استراتيجية غير مستقرة، تتلاشى مع مرور الوقت" بالإقليم.

وذكر رشيد، في تحليل نشره بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن الصين تتجه لهندسة جديدة للأمن الإقليمي تجمع بين الصين ودول الخليج العربية، إضافة إلى العراق وباكستان والهند، في سياق الرؤية التي طرحتها كجزء من مبادرة الأمن العالمي (GSI) التي تم الإعلان عنها في فبراير/شباط 2023.

وفي الشهر التالي، وتحديدا في 10 مارس/آذار، نجحت الصين في تقريب بين الخصمين الإقليميين الرئيسيين، السعودية وإيران، إذ أعلنا إعادة علاقاتهما الدبلوماسية بعد 7 سنوات من القطيعة.

وفي أعقاب هذا التطور، جاءت أنباء عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في أوائل شهر مايو/أيار، حيث حضر رئيسها، بشار الأسد، شخصيًا قمة الرياض في 19 مايو/أيار، وفي الوقت نفسه تقريبًا، قررت السعودية وسوريا إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.

واعتبر رشيد أن الرؤية الصينية أصبحت مترجمة عمليا بإعلان قائد البحرية الإيرانية، شهرام إيراني، في 3 يونيو/حزيران أن بلاده والسعودية، إلى جانب 6 دول أخرى، هي الإمارات والبحرين وقطر والعراق وباكستان والهند، تخطط لتشكيل "قوة بحرية مشتركة".

وقال إيراني: "أدركت دول المنطقة اليوم أن التعاون فيما بينها هو وحده الذي يجلب الأمن إلى المنطقة، مضيفا: أن "الوجود غير المبرر للقوات الأجنبية في المنطقة سينتهي قريبًا"، وأن دول المنطقة نفسها ستحمي المنطقة قريبًا.

وبنبرة وصفها رشيد بأنها متغطرسة، أضاف المسؤول الإيراني: "لقد توصلت جميع دول الجزء الشمالي من المحيط الهندي تقريبًا إلى استنتاج مفاده أن الموقف الصحيح هو الانضمام إلى إيران والتعاون من أجل إحلال الأمن".

ورغم إعلان إيران الجريء، لم تؤكد أي دولة، ذكرها إيراني، أنها جزء من "قوة بحرية" محتملة بين إيران والخليج العربي عبر إصدار أي بيان في هذا الشأن.

ومن جانبه، شكك المتحدث باسم الأسطول الأمريكي الخامس والقوات البحرية المشتركة، تيم هوكينز، في جدوى الاقتراح الإيران، قائلا: "إنه يتحدى المنطق، فإيران هي السبب الأول لعدم الاستقرار الإقليمي، وتدعي أنها تريد تشكيل تحالف أمني بحري لحماية المياه التي تهددها".

ويرى رشيد أنه من غير المقبول أن تقوم القوات البحرية بدول مجلس التعاون الخليجي، التي تتهم إيران باحتلال 3 جزر إماراتية، بالاشتراك مع نظيرتها الإيرانية في تأمين المناطق المائية المتنازع عليها، أو أن تقترح إيران الهند كشريك في تحالف بحري إلى جانب باكستان.

معضلة ملقا

ومع ذلك، يضيف رشيد: "لا يمكن إنكار أن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات قد تضررت في الآونة الأخيرة، خاصة بعد القرار الأمريكي بسحب قواتها من المنطقة من أجل التحول إلى المحيطين الهندي والهادئ"، مشيرا إلى أن إعلان إيران بشأن التحالف البحري المحتمل جاء بعد أيام فقط من إعلان وزارة الخارجية الإماراتية (31 مايو/أيار) الانسحاب من القوات البحرية المشتركة في الخليج بقيادة الولايات المتحدة.

وأضاف أن عبارة بيان وزارة الخارجية الإماراتية على موقعها الإلكتروني كانت غامضة بشكل غريب: "نتيجة لتقييمنا المستمر للتعاون الأمني الفعال مع جميع الشركاء، سحبت الإمارات العربية المتحدة مشاركتها في القوات البحرية المشتركة قبل شهرين".

وفي غضون ذلك، أجرت روسيا والصين وإيران مناورة بحرية في خليج عمان (منتصف شهر مارس/آذار)، تحت اسم "حزام الأمن البحري 2023''، وكانت دول الخليج آنذاك تعتبر تلك التدريبات البحرية "استعراضًا للقوة" من قبل المحور الناشئ في المنطقة، الذي يضم روسيا والصين وإيران نتيجة تراجع الالتزام الغربي بأمن المنطقة.

ويشير رشيد، في هذا الصدد، إلى أن قرار الإمارات العربية المتحدة بالانسحاب من التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة "ربما يكون متأثرًا بالبديل المحتمل الذي قدمته الصين وإيران"، مشيرا إلى أن "دول الخليج لم تعلق حتى الآن على إعلان إيران عن تحالف بحري عربي خليجي، إلا أن الصين ردت على الفور على الأخبار ودعمت المبادرة الإيرانية".

وهنا يشير رشيد إلى أن التنمية الاقتصادية للصين تعتمد بشكل كبير على تدفق ثابت وميسور نسبيًا لموارد الطاقة، حيث يأتيها أكثر من 50% من تلك الموارد من غرب آسيا، ولذا فإن ما يسمى بـ "معضلة ملقا" تمثل ثغرة أمنية تسعى إلى سدها.

وتشير "معضلة ملقا" إلى مضيق ملقا الضيق، الذي تتدفق الكثير من واردات الطاقة عبره إلى الصين ويمكن وقفها بسهولة في حال اندلاع حرب مع الصين ولذا تبحث بكين عن تعاون أكبر لبناء طرق برية بديلة عبر إيران وآسيا الوسطى لإمداداتها النفطية من الخليج، ولهذا الغرض تستثمر رأس مالها السياسي والاستراتيجي في المنطقة.

وفي هذا الإطار، دعا الرئيس الصيني، شي جين بينج دول الخليج، بخطابه أمام قمة مجلس التعاون الصيني الخليجي في ديسمبر/كانون الأول 2022، إلى الانضمام إلى مبادرة الأمن العالمي لبلاده (GSI) "في جهد مشترك لدعم السلام والاستقرار الإقليميين" حسب تعبيره.

 وأضاف أن "الصين ستواصل دعم دول مجلس التعاون الخليجي بحزم في حماية أمنها، ودعم جهود دول المنطقة لحل الخلافات من خلال الحوار والتشاور وبناء هيكل أمني خليجي جماعي".

عيوب محتملة

وبحسب رشيد، فإن منطقة غرب آسيا تحتل مكانة بارزة في مفهوم رؤية الصين الجديدة للأمن الإقليمي، التي تدعو إلى إنشاء "إطار أمني جديد"، وتتعهد باستخدام مبادرة المعايير العالمية لدعم جهود دول المنطقة من أجل "تعزيز الحوار وتحسين العلاقات، واستيعاب المخاوف الأمنية المعقولة لجميع الأطراف، وتعزيز القوى الداخلية لحماية الأمن الإقليمي، ودعم جامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية الأخرى للقيام بدور بناء في هذا الصدد".

ولطالما رحبت دول غرب آسيا، ولا سيما دول الخليج العربي، بما يسمى بسياسة "التوازن الإيجابي" التي تتبعها الصين في المنطقة، والتي وُصفت بأنها "لا تختار طرفًا ولا تصنع أعداء".

ورغم توقيع الصين لاتفاقية شراكة استراتيجية مع الصين، مدتها 25 عامًا، في مارس/آذار 2021، إلا أنها تمكنت الصين من موازنة هذه الخطوة من خلال توقيع شراكات استراتيجية مماثلة مع 12 دولة عربية في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا.

ومع ذلك، يشير رشيد إلى أن سياسة الصين "لها عيوبها"، موضحا أن بكين "ربما تكون قد بالغت بالفعل في لعب دورها في غرب آسيا" استثمارا لشعور دول غرب آسيا بالإحباط من الولايات المتحدة "لتخليها" عن المنطقة التي مزقتها الحرب، إذ إن "دعم الصين العلني لإيران الشيعية، وهي خصم أيديولوجي للولايات المتحدة وإسرائيل ومعظم الدول السنية في المنطقة، يمكن أن يقوض صورتها غير المنحازة".

المصدر | عادل رشيد/معهد مانوهار باريكار للدراسات والتحليلات الدفاعية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الصين الأمن الإقليمي إيران الخليج

تحليل: إيران تستغل التحول الأمريكي بعيدا عن الشرق الأوسط

جولة عبد اللهيان الخليجية.. ماذا تعني؟

بدفع دبلوماسي.. كيف تقاوم إيران عزلتها الغربية بالتقارب مع الخليج؟

الخليج يبحث عن ضمانات.. تقاربه مع إيران لم يوفر الأمن البحري

استمرار سلوك إيران في الممرات البحرية.. ماذا يعني؟

تزامنا مع انسحاب أمريكي.. العلاقة بين الصين والخليج آخذة في الاتساع

التقاربات الإقليمية بالخليج وإيران.. هل تكون فرصة لتحقيق الأمن البحري؟

تحليل: هكذا يمكن لمشاة البحرية الأمريكية حماية الشحن البحري في الخليج من إيران