الفرعونية الجديدة في مصر.. "قومية متطرفة" ترعاها الدولة لكسب شرعية في الأزمات

السبت 17 يونيو 2023 01:20 م

"الفرعونية الجديدة.. القوميون المتطرفون في مصر واليد الخفية للدولة"، تحت هذا العنوان نشر موقع "African Arguments"، تقريرا حول تنامي النزعة العنصرية القائمة على فرضيات النقاء العرقي للفراعنة ومقاومة مسألة إمكانية كونهم كانوا سود اللون، وكيف تحول الأمر إلى سياسة عليا ترعاها الدولة لمحاولة مقاومة انتقال الهيمنة الاقتصادية والثقافية إلى دول عربية أخرى، كالسعودية والإمارات، ومهاجمة الإسلاميين عن طريق استدعاء التاريخ الفرعوني للبلاد، وجعله هو الأصل الأوحد للهوية المصرية.

ويعتبر التقرير، الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن موجة الفرعونية الجديدة يستغلها النظام المصري الآن كمصدر للشرعية في أوقات الأزمات السياسية والاقتصادية.

لكن، وبعيدا عن الدوافع وراء ظهور الدولة للفراعنة الجديدة كأيديولوجية سياسية ثقافية، سيظل الكشف عن الأبعاد شبه الفاشية لهذه الأيديولوجية أمرًا يجب مراقبته، بحسب التقرير.

"أنتم عبيدنا وأسرانا.. أنت غير مرحب بك في مصر.. توقف عن غسل تاريخنا بالسواد"، هذه أمثلة من المنشورات العنصرية الصارخة التي انتشرت على موقع "تويتر" في فبراير/شباط الماضي في مصر، حينما قرر ناشطون مصريون إطلاق حملة عبر الإنترنت لإلغاء عرض كيفن هارت، الذي كان مقررا عرضه في استاد القاهرة في مارس/آذار 2023 ، بسبب ميوله الأفريقية.

اتهم المغردون المصريون هارت بتزوير التاريخ المصري القديم مستشهدين ببيان مزعوم دعا فيه هارت إلى تعليم الأطفال السود في أمريكا حول الوقت الذي "كان السود ملوكًا في مصر".

وقبل عام من تلك الواقعة، وبالتحديد في فبراير/شباط 2022، نجح "القوميون المصريون المتطرفون" في إلغاء مؤتمر أفريقي كان من المقرر عقده في مدينة أسوان الجنوبية.

وفي الآونة الأخيرة، شن أنصار الفرعونية الجديدة هجومًا شرسًا على "نتفليكس" بعد بث وثائقي عن الملكة كليوباترا، حيث تلعب ممثلة سوداء دور كليوباترا.

السيسي والقومية الفرعونية

ويرى التقرير أن رئيس البلاد الحالي عبدالفتاح السيسي اختار البقاء بعيدا عن نمط أسلافه مبارك والسادات وعبدالناصر، حيث كانت المشاهد الاحتفالية الوطنية التي ترعاها الدولة، في عهد هؤلاء، بعيدة عن مسألة الاحتفاء بالفراعنة، لكن لإحياء الانتصارات العسكرية في حرب 1973 ضد إسرائيل، والاحتفال بما يعرف بـ"ثورة 23 يوليو 1952"، خلال فترة الستينات والسبعينات، حيث اختار عبدالناصر ذلك اليوم لافتتاح مشاريعه القومية الضخمة، والمخططات المعمارية والمؤسسات الإعلامية بما في ذلك استاد القاهرة، ومبنى التلفزيون والإذاعة المصرية (ماسبيرو)، والكاتدرائية الأرثوذكسية.

لكن السيسي كرس الدعم للاحتفالات التي تستحضر أمجاد الفراعنة المهيبة، متجاوزا الذكريات المصرية الحداثية، وهو ما تجلى خلال حفل الافتتاح  المذهل  للمتحف القومي للحضارة المصرية في أبريل/نيسان 2021، حيث جلس السيسي لساعات يشاهد نقل 22 مومياء من المتحف المصري في ميدان التحرير، وسط القاهرة، إلى المتحف الجديد بالفسطاط.

وتضمن العرض العديد من العروض الحية والمسجلة والأفلام الوثائقية وتلاوة الشعر والأغاني التي تمجد تاريخ مصر القديمة والفراعنة.

ووفقا لمحللين، كان الأمر ذا دلالا مهمة، حيث لأول مرة تقدم الدولة المصرية ما بعد الاستعمار مشهدًا للقوة يبرز الفرعونية.

هناك أيضا حفل افتتاح طريق الكباش (طريق أبوالهول) في الأقصر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، والافتتاح المتوقع للمتحف المصري الكبير بالقاهرة في وقت لاحق في عام 2023.

كل ذلك يشير إلى تحول في العلامة التجارية القومية للدولة نحو الفرعونية الجديدة، كما يقول التقرير.

الأغاني الهيروغليفية

ويقول التقرير إن الإنتاج الفني والموسيقي لعب دورا مهما في موجة الفرعونية الجديدة بمصر، حيث تم توجيه العديد من الفنانين لإنتاج أغنيات لإحياء لغة مصر الفرعونية القديمة، مثل أغنية "مهابة إيزيس Isis Hymn لمغنية الأوبرا أميرة سليم، والتي تم إذاعتها خلال موكب المومياوات، بلحنها الجنائزي، والتي حصدت نجاحا وترويجا على المنصات المختلفة داخل مصر.

كما قام مطربو أوبرا آخرون بأداء ترانيم من اللغة المصرية القديمة خلال احتفال شارع أبوالهول في الأقصر.

ويتعلم المطرب المصري مدحت صالح الآن الغناء باللغة المصرية القديمة، بينما يستعد لأداء أغنية أثناء افتتاح المتحف المصري الكبير.

بالإضافة إلى ذلك، أصدر أبو، مغني البوب الناجح، أغنيته: "أنت جميلة"، في نهاية العام الماضي - مترجمة بالهيروغليفية. وأوضح أنه قرر إضافة ترجمات هيروغليفية للأغنية، حيث تحتفي الأغنية بجمال المرأة المصرية.

المسلسلات

ولإحياء ذلك التيار الثقافي وضمان استمراريته، جاء إنتاج المسلسلات التي تحاول ربط الأطفال بالتاريخ الفرعوني، مثل مسلسل "يحيى وكنوز"، والذي يروي قصة شقيقين مصريين معاصرين في مغامرات السفر عبر الزمن حيث يستكشفان حضارة مصر القديمة.

أيضا، بادرت الدولة لإلغاء مسلسل "الملك"، الذي أنتجته الشركة المتحدة التابعة للمخابرات، والذي كان تجسيدا لرواية "كفاح طيبة" للأديب الراحل نجيب محفوظ، بعد الجدل الذي صاحب الإعلان الترويجي له، وتعلق بشكل كبير بمظهر الممثلين وطبيعة الأزياء، وتم شن هجوم كبير بسبب إطالة بطل المسلسل، الممثل عمرو يوسف، للحيته.

العنصرية مجددا

ويقول التقرير إنه تحت ضغط "الشعبوية الفرعونية" تم شن حملات ضد الأفارقة، حيث نشر دعاة الفرعونية الجديدة جداريات من متحف أبوسمبل تصور الملوك الفرعونيين وهم يأسرون العبيد السود.

كما قاموا بوضع الأيقونات الفرعونية جنبًا إلى جنب مع الأيقونات من جنوب الصحراء التي تدعي تميز العرق الفرعوني، نافين أن يكون المصريون أفارقة أو عربا.

وامتدت هذه الهجمات دائمًا إلى المواطنين السودانيين المقيمين في مصر، وتهدد بحرمانهم من أي حق في حيازة ممتلكات في البلد المضيف، وفقا للتقرير.

صمت "المشايخ"

ويقول التقرير إن ما جعل هذه الموجة من الفراعنة الجديدة مميزة عن الموجات السابقة هو احتضان الشعبوية للأيديولوجية دون إثارة النقد المألوف للوثنية من قبل علماء المسلمين، والذين كانوا يهاجمون مسألة الاحتفاء بالجذور الفرعونية، باعتبار أن الفراعنة كانوا وثنيين.

ويحذر التقرير، في نهايته، من تحول موجة المد الفرعونية الشعبوية الحالية في مصر إلى نسخة جديدة من حركة "مصر الشابة"، والتي نشأت قبل حوالي قرن، وكانت حركة فاشية عنصرية.

المصدر | African Arguments - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الفراعنة الحضارة الفرعونية عنصرية مصر القديمة موكب المومياوات الأفروسنتريك

موسيقى شيطانية ووفيات غامضة.. مطالبات بمنع حفل ترافيس سكوت في مصر