تحليل: مصير غامض لفاجنر في سوريا وليبيا والسودان

الأربعاء 19 يوليو 2023 04:24 م

سلط الزميل غير المقيم بالمركز العربي في واشنطن، جريجوري أفتانديليان، الضوء على مصير مجموعة المرتزقة الروسية "فاجنر" بعد محاولتها التمرد المسلح ضد الجيش الروسي مؤخرا، مشيرا إلى أن هذا التمرد جعل مصير المجموعة موضع شك، ليس فقط في أوكرانيا، ولكن في العديد من الدول العربية أيضا، لاسيما سوريا وليبيا والسودان.

وذكر أفتانديليان، في تحليل نشره بموقع المركز وترجمه "الخليج الجديد"، أن الأعمال العسكرية لفاجنر في هذه الدول العربية، التي تعاني من الصراع، لعبت دورًا مهمًا في تقوية بعض الفصائل والحكومات على مدى السنوات الماضية، ولكن على حساب إطالة أمد هذه الصراعات، والمساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان، واستغلال الموارد المعدنية.

وأضاف أن المسؤولين الروس أشاروا إلى أنهم يريدون استمرار تورط فاجنر بهذه الدول العربية وإخضاع مقاتليها لقيادة عسكرية روسية مباشرة؛ لكن نجاح هذا التوجه من عدمه يبقى سؤالا مفتوحا.

عدم يقين في روسيا

وتظهر التطورات الأخيرة في روسيا أن مستقبل فاجنر لا يزال يكتنفه الغموض والسرية، إذ كان من المفترض أن يتوجه قادة مجموعة المرتزقة، وعلى رأسهم، يفغيني بريغوزين، إلى بيلاروسيا في صفقة توفر له ملاذًا آمنًا هناك، لكن الزعيم البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، قال للصحفيين في 6 يوليو/تموز إن بريغوزين لم يعد موجودا في بلاده.

كان قائد فاجنر في روسيا بمحض إرادته، ومن غير الواضح عدد مقاتلي فاجنر الموجودين حاليًا في بيلاروسيا ولأي غرض يتواجدون هناك.

والتقى بريغوزين وقادته في فاجنر مع بوتين في 29 يونيو/حزيران حتى يتمكن من الاستماع مباشرة من المجموعة.

وفي هذا الاجتماع، وفقًا لمتحدث باسم الحكومة الروسية، أكد القادة "أنهم جنود للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وأنهم مستعدون لمواصلة القتال من أجل الوطن الأم".

وبعد فترة وجيزة من التمرد الفاشل، صادرت الشرطة الروسية الأصول في قصر بريغوزين، بما في ذلك أكوام من العملات الأجنبية والذهب والعديد من جوازات السفر، في حملة أمنية تم بثها على التلفزيون الحكومي الروسي في محاولة لتشويه سمعة قائد فاجنر وتصويره على أنه خائن وفاسد.

ومع ذلك، فإن حقيقة أن بريغوزين لا يزال في روسيا تعني أنه باق هناك بمباركة بوتين، حسبما يرى أفتانديليان، مشيرا إلى أنه من الصعب قول ما تعنيه كل هذه التطورات المتناقضة.

وأضاف: "ربما أراد بوتين اختبار "وطنية" قادة فاجنر وتذكيرهم بتعهده بالعفو طالما ظلوا ملتزمين بالمجهود الحربي في أوكرانيا ويوافقون على التصرف بموجب القيادة العسكرية الروسية، وربما أراد أيضًا الحصول على تقييم مفصل من بريغوزين حول عمليات فاجنر في الخارج، لا سيما في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث لعبت المجموعة دورًا كبيرًا".

اعتقالات في سوريا

ونشطت فاجنر في الحرب الأهلية السورية منذ أن تدخلت روسيا إلى جانب نظام الأسد في عام 2015، وشارك عدة آلاف من مرتزقتها، بمن فيهم مجندون سوريون، في عمليات بالبلاد، لكن محاولة التمرد الأخيرة في روسيا جعلت المسؤولين العسكريين الروس في سوريا قلقين.

وشنت الشرطة العسكرية الروسية وضباط المخابرات السورية حملة اعتقالات ضد قادة فاجنر في سوريا وداهموا مكاتب المجموعة في دمشق وحماة ودير الزور مع بدء التمرد في روسيا.

وشملت الحملة اعتقال اثنين أو 3 من ضباط فاجنر في القاعدة الجوية الروسية في حميميم بمحافظة اللاذقية، وآخر في السويداء جنوب دمشق.

وأكد مسؤولو دفاع أمريكيون وألمان هذه الاعتقالات، وأفادت الأنباء بأن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي فيرشينين، توجه إلى دمشق لحث السلطات السورية على عدم السماح لأي مقاتل من فاجنر بمغادرة البلاد.

ومع ذلك، قال محلل سوري مقيم في تركيا لوسائل الإعلام الدولية إن هذه الإجراءات الروسية كانت "احترازية" وأنه لم يتمرد أي من أعضاء فاجنر على القوات العسكرية الروسية في سوريا. ومن غير المعروف ما إذا كان قد تم الإفراج عن المعتقلين في سوريا منذ ذلك الحين.

لكن سوريا قد تكون حالة خاصة بسبب وجود كل من مقاتلي فاجنر والجيش الروسي النظامي، والذي يتضح أن له اليد العليا في هذا الموقف.

أما في ليبيا والسودان، فلا يملك الجيش الروسي قوات تنافس فاجنر، ما يمنح المجموعة مزيدًا من الحرية في العمل.

فاجنر في إفريقيا

ويبدو أن المؤشرات الأولية الصادرة من روسيا تشير إلى أن المسؤولين الروس يرون قيمة في أنشطة مجموعة فاجنر في إفريقيا، لكنهم يريدون أن يخضع هؤلاء المقاتلون وأنشطتهم لقيادة روسية رسمية.

وفي الواقع، وحتى قبل التمرد الفاشل، تحدث وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بشكل إيجابي عن فاجنر، وفي مؤتمر صحفي، في 9 فبراير/شباط 2023 بالخرطوم، ذكر أن فاجنر كانت "تعمل على مكافحة الإرهاب في البلدان الأفريقية"، وأن شركات الجيوش الخاصة هذه "تأتي إلى هذه البلدان وفقًا لاتفاقيات مع الحكومات التي لها سيادة على دولها".

ومنذ التمرد الفاشل، قال لافروف في مقابلة إن "المدربين" و "المتعاقدين العسكريين الخاصين"، كما أسماهم، سيبقون في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي.

ورغم أن لافروف لم يذكر ليبيا والسودان، إلا أن بعض المحللين أشاروا إلى أن قوات فاجنر ستبقى هناك أيضًا.

وفي السياق، قالت الخبيرة في المجلس الأطلسي، علياء الإبراهيمي، إن الحكومة الروسية تسعى لـ "تأميم فاجنر"، مشيرة إلى أن التعاون الوثيق بين الكرملين والمجموعة في ليبيا وأماكن أخرى من شأنه أن يجعل هذه العملية أسهل.

وذكرت وسائل الإعلام الأوكرانية، نقلاً عن تقييم استخبارات الدفاع البريطانية، أن الدولة الروسية "مستعدة على الأرجح لقبول تطلعات فاجنر للحفاظ على وجودها الواسع في القارة الأفريقية".

الفوائد الاستراتيجية والاقتصادية

ومنحت أنشطة فاجنر في ليبيا والسودان وأجزاء أخرى من إفريقيا لروسيا موطئ قدم في هذه البلدان لا تريد التخلي عنه.

فعلى سبيل المثال، شاركت فاجنر في السودان، بأنشطة عسكرية نيابة عن الخرطوم قبل الخلاف الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مثل المساعدة في إخماد المظاهرات المؤيدة للديمقراطية، وكذلك في عمليات تعدين الذهب المربحة.

 وشق بعض هذا الذهب يشق طريقه إلى الكرملين أو يتم بيعه بالعملة الصعبة، ما يساعد بوتين في التحايل على العقوبات التي فُرضت على روسيا منذ بداية حرب أوكرانيا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن عمليات فاجنر في ليبيا، ولا سيما دعمها العسكري لقائد قوات حكومة الشرق، خليفة حفتر، منحت فاجنر "رأس جسر" في البلاد، ما يسمح لها بالحفاظ على صلاتها مع قائد قوات الدعم السريع السودانية بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، المتورط في حرب أهلية ضد قوات قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان.

عوامل معقدة

ويرى أفتانديليان أنه ليس من الواضح استمرار فاجنر والحكومة الروسية في العمل دائمًا على نفس قواعد اللعبة، فعلى سبيل المثال: بعد فشل حفتر في الاستيلاء على العاصمة الليبية طرابلس بالقوة في 2019-2020 ، بدأت الحكومة الروسية في التحوط من رهاناتها عليه وبدأت في التواصل مع حكومة طرابلس على الرغم من بقاء فاجنر منحازة إلى جانب حفتر.

وفي الحرب الأهلية المستمرة في السودان، قد يكون فاجنر والحكومة الروسية على جانبين مختلفين. ففي بداية الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، كان حميدتي في روسيا، حيث تحدث بشكل إيجابي عن إنشاء قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر بالسودان؛ لكن البرهان، الذي كان في ذلك الوقت مسؤولاً عن الحكومة السودانية، عارض الفكرة.

وحاول لافروف تلطيف السجال حول الملف بالقول إن اقتراح القاعدة البحرية تمت الموافقة عليه أولاً من قبل حكومة سودانية سابقة (في إشارة إلى حكومة الديكتاتور المخلوع عمر البشير)، لكن هذا لم يقلل من الجدل بشأن القضية.

ويريد الكرملين الحفاظ على صلاته بالبرهان في حال تصدّر الحرب، وفي الوقت نفسه، فإن مجموعة فاجنر، بسبب علاقة حفتر وحميدتي، تدعم الأخير في الحرب الأهلية.

وفي 30 يونيو / حزيران، تعرضت قاعدة فاجنر العسكرية في ليبيا لهجوم بطائرة مسيرة، ونفت الحكومة في طرابلس، التي لطالما عارضت تحالف حفتر وفاجنر، ضلوعها في الهجوم.

وهنا يشير أفتانديليان إلى احتمالين، الأول هو أن حكومة طرابلس قامت بهذا الهجوم لإضعاف الروابط بين فاجنر وحفتر، والثاني هو أن القوات التركية في ليبيا ربما شنت الضربة بطائرة مسيرة بناءً على طلب من الحكومة الروسية كتحذير لفاجنر من المشاركة في أي تمرد ضد الكرملين.

ومع ذلك، وحتى يتم الكشف عن مزيد من المعلومات، لا يزال من غير المؤكد من الذي شن الهجوم بالفعل ولأي غرض، نظرًا لوجود صراعات متعددة داخل النزاعات في ليبيا.

صلة الإمارات

ويلفت أفتانديليان إلى تقارير منشورة منذ فترة طويلة، تشير إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تساعد فقط في تمويل عمليات فاجنر في ليبيا والسودان، ولكنها سهلت أيضًا عملية نقل الأموال إليها عبر حدودها.

بل إن المحلل الأمني البارز، أندرياس كريج، يرى أن فاجنر "لن تكون قادرة على العمل إذا لم يعد لديهم إمكانية الوصول إلى البنية التحتية، والخدمات اللوجستية المالية، والبنية التحتية لتجارة الذهب التي قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة".

ويشار إلى أن فاجنر تدير شركة Kratol Aviation التي تتخذ من دبي مقراً لها، والتي تُستخدم لنقل الإمدادات في جميع أنحاء إفريقيا، بالإضافة إلى شركة أخرى، يُزعم أنها متورطة في نقل الذهب، وتم فرض عقوبات على الشركتين من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC).

موقف الولايات المتحدة

وحتى قبل تمرد بريغوزين الفاشل، تبنت الولايات المتحدة مواقف سلبية للغاية تجاه مجموعة فاجنر، وفي مواجهة واحدة في سوريا عام 2018 قتلت حوالي 200 من مرتزقتها في غارة جوية بعد أن هاجموا قاعدة عسكرية أمريكية.

وفي يناير/كانون الثاني 2023، سافر مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، إلى ليبيا حيث أجرى مناقشات مع عدد من القادة الليبيين، بما في ذلك حفتر، وضغط عليه لطرد فاجنر، وسط مخاوف من أن تستغل المجموعة موارد ليبيا النفطية.

وفي الشهر ذاته، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية فاجنر على أنه "منظمة إجرامية عابرة للحدود". ولحفتر علاقات جيدة أيضا مع الحكومة الروسية، وهي علاقات يريد الحفاظ عليها؛ ولكن على عكس سوريا، تبقى فاجنر الكيان العسكري الروسي الوحيد ذو الأهمية في ليبيا، وقد لا يرغب حفتر في المخاطرة بالدخول في صراع عسكري معه.

وصعدت وزارة الخزانة الأمريكية ضغوطها على فاجنر، وفرضت عقوبات على 4 شركات متصلة بها مؤخرا.  ورغم أن هذه العقوبات، إلى جانب الضغط على الإمارات لتضييق الخناق على الشركات التي تتعامل مع فاجنر، قد تعيق بعض عملياتها، فقد تجد فاجنر وسائل أخرى للحفاظ على نفوذها في الدول العربية والأفريقية.

وفي حين أن الحكومة الروسية قد تمتلك القوة لوضع فاجنر تحت سيطرتها في سوريا، لا يمكن قول الشيء نفسه عن ليبيا والسودان، حسبما يرى أفتانديليان، وبالتالي قد تفضل موسكو استخدام الوسائل غير العسكرية الأخرى لمحاولة وضع فاجنر تحت سيطرتها في هذه البلدان.

ومن وجهة نظر بعض الفصائل المتحاربة في ليبيا والسودان، قد لا تكون هذه السياسة في صالحها، لأن ما يهم هذه الفصائل هو الاحتفاظ بوجود مرتزقة في بلادها، بما يساعدها في مواجهة خصومها.

لكن من وجهة نظر شعوب هذه الدول، فإن استمرار وجود المرتزقة، سواء من شركة خاصة أو مؤممة، يضيف فقط إلى ويلاتهم، حيث يساهم في العنف المستمر، ويشكل استنزافًا لثروات بلادهم المعدنية.

المصدر | جريجوري أفتانديليان/المركز العربي بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فاجنر روسيا سوريا ليبيا السودان

ثورة بريغوجين الفاشلة.. كيف يؤثر تمرد فاجنر على نفوذ روسيا العالمي؟

السودان.. الجيش والدعم السريع يتبادلان القصف جنوب وشرق الخرطوم

4 سيناريوهات لمستقبل فاجنر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

أطباء السودان: 70% من المستشفيات متوقفة عن الخدمة

تلقى ذهبا من الدعم السريع وطالب بالمزيد.. كيف قضى بريغوجين أيامه الأخيرة؟

لماذا عبر السوريون عن فرحتهم بمقتل زعيم فاجنر بريغوجين؟

روسيا توعز للنظام السوري بطرد مقاتلي فاجنر

كيف تحافظ روسيا على دورها في ليبيا بعد تمرد فاجنر ومقتل بريغوجين؟