في ذكرى وفاة مهسا أميني.. لماذا فشلت الحركة الاحتجاجية في إيران؟

الجمعة 15 سبتمبر 2023 04:33 م

لقد تعمق الانقسام الناجم عن علاقة المواجهة بين الحكومة والمعارضين، إلى درجة أن قمع الاحتجاجات لم يؤدي إلا إلى تأجيج استياء المضطهدين، حيث كان التركيز على "المرأة والحياة والحرية" يفتقر إلى القدرة على رفع الحركة الاحتجاجية إلى "أبعاد ثورية".

هكذا تحدث تقرير لموقع "ميدل إيست آي"، وترجمه "الخليج الجديد"، عن فشل الحركة الجماهيرية في إيان، والتي انطلقت إثر وفاة مهسا أميني المأساوية، في إحداث تحول سياسي في الجمهورية الإسلامية.

في 13 سبتمبر/أيلول 2022، ألقي القبض على مهسا أميني (22 عامًا) في طهران من قبل دورية الإرشاد، وهي شرطة الأخلاق الدينية التابعة للحكومة الإيرانية، بزعم انتهاك قواعد الحجاب.

بعد ساعات من اعتقالها، دخلت أميني في غيبوبة، وتوفيت بعد 3 أيام في 16 سبتمبر/أيلول في ظروف مريبة، ما جعل موتها بمثابة حافز لمجتمع إيراني مضطرب، يخرج في احتجاجات واسعة النطاق شملت جميع أنحاء البلاد.

وكانت الاضطرابات المضطربة والفوضوية بمثابة الحركة الأكثر أهمية في إيران منذ ثورة 1979.

وبالنسبة لقطاع كبير من النساء الإيرانيات، وخاصة أولئك الذين يعيشون في المدن الكبرى، تعود المعركة حول الحجاب الإلزامي، إلى الأيام الأولى بعد الثورة، لكن وفاة مهسا أميني المؤسفة أشعلت موجة من الغضب الشعبي، مما أدى إلى الاضطرابات الأبرز في تاريخ إيران ما بعد الثورة.

واحتشد الشباب، وخاصة في المدن الكبرى، للمشاركة في الانتفاضة، في حين تولت النساء دورًا لا مثيل له باعتبارهن العمود الفقري للحركة.

وهذا يطرح التقرير سؤالاً مهماً: ما الذي جعل هذه الحالة مختلفة عن الأحداث السابقة؟.

ويشير إلى أنه في نهاية الولاية الثانية للرئيس المعتدل السابق حسن روحاني، قام مجلس صيانة الدستور المحافظ للغاية، والمسؤول عن فحص المرشحين، بإقصاء جميع المتنافسين المعتدلين والإصلاحيين.

وقد تم ذلك قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2021، التي فاز بها إبراهيم رئيسي، وهو من التابعين المتحمسين للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

ويعكس هذا القرار نهجًا مشابهًا تم اعتماده خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2019، حيث تم استبعاد العديد من المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين بشكل جماعي.

وسمحت المناورتان للمتشددين بالسيطرة على فروع الحكومة الثلاثة للمرة الأولى منذ تولى خامنئي القيادة إيران، في عام 1989.

لذلك، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن المتشددين، الذين لم يكن بإمكانهم اتخاذ هذا الإجراء دون موافقة المرشد الأعلى لإيران، قرروا تطهير الإصلاحيين والمعتدلين الذين أشرفوا على الإدارة، وحافظوا على وجود كبير في البرلمان لمدة طويلة.

وشهدت الانتخابات الرئاسية لعام 2021 أدنى نسبة مشاركة للناخبين منذ ثورة 1979، حيث انخفضت من حوالي 73% من الناخبين المؤهلين في انتخابات 2017، التي ضمن خلالها روحاني إعادة انتخابه، إلى 48.8% فقط.

وفي طهران، المعقل التاريخي للفصائل الحداثية التي تعارض الحكومة، انخفض إقبال الناخبين من 70% في عام 2017 إلى 34% في عام 2021.

ومن ثم، فإن انتخاب رئيسي، الذي جاء نتيجة للتلاعب الكبير في عملية فحص المرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور، كان بمثابة ختام فصل حركة الإصلاح في تاريخ إيران، وفق التقرير.

وتعود أصول الحركة إلى عام 1997 مع انتخاب الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي.

وبعد أشهر قليلة من وصول رئيسي إلى السلطة، أدى انتصار المحافظين في تأمين السيطرة على فروع الحكومة الثلاثة إلى تعزيز ثقتهم، مما دفعهم إلى الاعتقاد بأنهم قادرون على تعزيز أجندتهم دون معارضة.

وكجزء من جهودهم، أعادوا تنشيط ونشر شرطة الآداب بيد ثقيلة.

واستهدفت هذه القوات بقوة النساء اللاتي لم يلتزمن بقواعد اللباس، واشتبكت معهن بوحشية.

والتقط شهود لقطات مروعة لنساء تم اعتقالهن بسبب مخالفات الحجاب، وتم تداولها على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي.

وبحلول سبتمبر/أيلول 2022، بدت احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي ناجح بين إيران والقوى العالمية قاتمة بشكل متزايد، حيث وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، مع انخفاض قيمة العملة الإيرانية، بمعدل ينذر بالخطر.

وفي الوقت نفسه، كانت البلاد تتصارع مع موجة تضخم غير مسبوقة، مسجلة أرقامًا قياسية جديدة.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل البطالة بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما بلغ 16.3%، وأن 41% من إجمالي العاطلين هم من خريجي الجامعات الشباب.

وبينما يعيش 30 مليون شخص تحت خط الفقر، حسب الإحصاءات الحكومية، انخفض 23 مليون آخرين من الطبقة المتوسطة إلى فئة جديدة، هي "الطبقة المتوسطة الفقيرة".

ويبدو أن الفساد وسوء الإدارة والصراع مع الولايات المتحدة الذي أدى إلى فرض عقوبات مطولة لا نهاية لها.

ووفق تقرير "ميدل إيست آي"، فقد أطفأت هذه الخلفية القاتمة أي بصيص من الأمل بالنسبة لقطاع كبير من المجتمع، وخاصة الشباب الحضري.

وعندما ماتت مهسا أميني، كان المجتمع جاهزًا للانفجار، حيث دفعت الأخبار ملايين الإيرانيين، وخاصة الشباب، إلى مقدمة عناوين الأخبار العالمية.

ومع ذلك، فشلت المظاهرات في إحداث تغيير سياسي، وهو ما يطرح أهمية إعادة النظر في تلك الانتفاضة، لمعرفة الأسباب المحتملة لفشل حركة بهذا الحجم، في أن تترجم إلى تحول سياسي في إيران.

ويجيب التقرير على ذلك بالقول: "كان الافتقار إلى القيادة الفعالة، هو السبب الأكثر ذكرًا لفشل حركة الاحتجاج، حيث أكد الخبراء الحاجة إلى قيادة لا تحظى بشعبية كبيرة فحسب، بل أيضًا بعيدة عن متناول الحكومة الإيرانية".

ولا شك أن الاحتجاجات شكلت التحدي الأضخم والأكثر ديمومة الذي يواجهه نظام الحكم في إيران، ومع ذلك، فإن غياب هيئة مركزية لتوفير التوجيه للحركة، والحفاظ على أمل المتظاهرين في بديل للنظام الإسلامي، وتنظيم الاحتجاجات اللامركزية، أصبح يمثل مشكلة متزايدة مع اكتساب الاحتجاجات زخمًا وواجهتها القمع الحكومي المتصاعد.

يشار إلى أنه تم تشكيل مجلس من 6 أعضاء في الخارج لقيادة الحركة، لكن الخلافات ظهرت تدريجياً بين الأعضاء، وانهارت المجموعة.

ويضيف التقرير: "لا شك أن حملات القمع العنيفة ضد المتظاهرين لعبت دورًا في إحباط جهودهم للإطاحة بالنظام".

وبينما بدأت الاحتجاجات في البداية بشعار تقدمي للغاية هو "المرأة والحياة والحرية"، والذي عارض بشدة الحجاب الإلزامي، سرعان ما أصبحت الشعارات التخريبية والمناهضة للديكتاتورية، والتي تستهدف خامنئي بشكل خاص، سائدة داخل الحركة.

ومع ذلك، سواء داخل إيران أو خلال التجمعات الضخمة غير المسبوقة للشتات الإيراني، أخذت حقوق المرأة دورًا مركزيًا في الاحتجاجات، إلى حد أن المعارضة ووسائل الإعلام الأجنبية أشارت إليها على أنها "ثورة المرأة".

في حين أن قضية التمييز ضد المرأة لاقت صدى لدى جيل الشباب، فمن المفارقة أنها أعاقت تشكيل ثورة ضد النظام القائم، لأنها لم تعالج الاهتمام الأساسي لجزء كبير من المجتمع، وهي النضالات الاقتصادية للطبقة العاملة، وونادرا ما يتم الاستماع إلى القضايا المتعلقة بسبل العيش أو تسليط الضوء عليها.

وبالتالي، في حين سهّل الشباب الانتشار السريع للاحتجاجات، إلا أنهم فشلوا في التغلغل بعمق في المجتمع وجذب شرائح أجيال وطبقية متنوعة إلى النضال، وفق التقرير.

في جوهر الأمر، كان التركيز على "المرأة والحياة والحرية" يفتقر إلى القدرة على رفع الحركة إلى أبعاد ثورية.

وفي القطاعات الأبوية في المجتمع الإيراني، وخاصة بين الطبقات الاجتماعية والاقتصادية التقليدية والدنيا، لم تتمكن الحركة النسائية من الناحية الواقعية من التعبئة إلى حد المشاركة النشطة في النضال.

ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في عدم تشكيل حركة شاملة، وفق التقرير، فهو تردد وإحجام القطاع الديني الليبرالي في المجتمع عن الانخراط الكامل في النضال.

وبينما تعاطفوا مع أهداف الحراك، فوجئوا ببعض التصرفات الاستفزازية التي قام بها بعض المتظاهرين في الخارج.

ويضيف: "إن حالات المتظاهرات اللاتي تجردن من ملابسهن للتعبير عن معارضتهن للقيود التي تفرضها الحكومة الإيرانية على النساء، على الرغم من أنها قليلة، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو التي تصور بعض الصبية والفتيات الصغار وهم يشاركون في إظهار المودة علنًا، صدمت وأبعدت جزءًا كبيرًا من المجتمع الإيراني".

وفي الوقت نفسه، استفادت الحكومة من هذه الإجراءات لتوصيف الحركة بأنها "تمارس المتعة" و"فاسدة أخلاقياً"، مما يزيد من تقويض مصداقيتها، وفق التقرير.

ويتابع: "مما لا شك فيه أن ثورة اجتماعية كبيرة قد حدثت داخل إيران، ففي الوقت الحاضر، لا يزال قسم كبير من النساء والفتيات الحضريات يقاومن ويتنافسن مع الحجاب الإلزامي، وهو حجر الزاوية في أيديولوجية النظام".

وفي الوقت نفسه، تعمق الانقسام الناجم عن علاقة المواجهة بين الحكومة والمعارضين إلى حد أن قمع الاحتجاجات لن يؤدي إلا إلى تأجيج استياء المضطهدين.

ويختتم التقرير: "مثل الجمر المشتعل تحت السطح، ينتظر هذا الغضب المغلي لحظة أخرى للانفجار".

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران احتجاجات مظاهرات مهسا أميني الحجاب

إيران.. السلطات تطلق سراح والد مهسا أميني وتحذره من إحياء ذكرى وفاتها

بسبب مهسا أميني.. طرد مندوب إسرائيل من الأمم المتحدة

لماذا لم تشهد إيران احتجاجات في الذكرى الأولى لوفاة مهسا أميني؟