«معهد واشنطن»: «السعودية سلمان» باتت ترى أمريكا حليفا لا يمكن الوثوق به

الجمعة 12 فبراير 2016 11:02 ص

رصد مدير برنامج السياسة العربية في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، «ديفيد شينكر»، التحولات التي طرأت على السياسة الخارجية للسعودية في عهد الملك «سلمان بن عبد العزيز»، وخلص إلى أن المملكة باتت مقتنعة بأن الولايات المتحدة لم تعد حليفا يمكن الوثوق به؛ لذلك بدأت في انتهاج سياسات تحقق مصالحها دون اعتبار للرغبات الأمريكية.

وفي تقرير نشره المعهد تحت عنوان: «التحول في السياسة الخارجية السعودية»، قال «شينكر»: «على الرغم من التعتيم والسرية (التي تحيط بعائلة آل سعود)، فإن الانتقال من حكم الملك عبد الله إلى الملك سلمان اقترن بتحول ملموس في السياسة الخارجية السعودية»

ولفت إلى أنه بينما «لم تتغير الملامح الأساسية للموقف الإقليمي الذي تتبعه المملكة، إلا أن صعود الملك سلمان إلى العرش في كانون الثاني/يناير من العام الماضي، أشار الى اتباع نهج سعودي أكثر حزماً لمواجهة سياسة التآمر والتخريب التي تتبعها إيران في المنطقة؛ فمن اليمن، مروراً بسوريا، ووصولاً إلى لبنان، تعمل الرياض حالياً على جدول أعمال يتعارض أحياناً بصورة صارخة مع السياسات الإقليمية المترابطة التي تتبعها واشنطن».

واعتبر الباحث السياسي الأمريكي أن «النهج الأكثر حزما الذي تتبعه السعودية جاء رد فعل على المبادرات الدبلوماسية التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي أوباما تجاه طهران في إطار الاتفاق النووي».

وأضاف أن هذه المقاربة تمثل ردا من الرياض على تصور للرئيس الأمريكي، «باراك أوباما»، كشفت عنه مجلة (نيويوركر) الأمريكية خلال مقابلة أجرتها في يناير/كانون الثاني 2014؛ حيث يعتقد في «ولادة توازن جيوسياسي جديد في منطقة الخليج»، وأن هذا التوازن «آخذ في التطوّر بين دول الخليج السنية، أو ذات الغالبية السنية، وبين إيران حيث توجد منافسة بينهما، وربما شكوك، ولكن ليست حرب فعلية أو أخرى بالوكالة».

وليس من المستغرب، وفق «شينكر»، أن تكون المقابلة أثارت قلق المملكة، لكن التوقيع على «اتفاق الإطار النووي» مع إيران في أبريل/نيسان 2015 و«خطة العمل المشتركة الشاملة» في يوليو/تموز من العام ذاته «أكدا مخاوف الرياض من سياسة إعادة المواءمة التي تريد الإدارة الأمريكية اتباعها في الخليج».

وكان السعوديون قلقين بشكل خاص من أن يؤدي الاتفاق النووي إلى استمالة حصانة إيران من قيام عمل انتقامي أمريكي بسبب سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة، الذي قد يتفاقم بسبب الإفراج عن أكثر من 100 مليار دولار من الأموال المجمدة.

وفي الأشهر التي تلت التوقيع على «خطة العمل المشتركة الشاملة»، ازداد التباعد بين الولايات المتحدة والسعودية مع احتضان واشنطن لطهران - على ما يبدو - في العراق وسوريا، كقوة محتملة للاستقرار في المنطقة، كما قال الباحث الأمريكي.

وأشار إلى أنه «في الوقت الذي ترسم فيه واشنطن صورة أقرب نحو الوفاق مع طهران، ترسم السعودية سياسة جديدة أكثر عدوانية تجاه إيران»؛ إذ وقعت المناوشات الأولى في اليمن بعد ثلاثة أشهر فقط من تتويج الملك «سلمان»، وشهر واحد قبل التوقيع على «الاتفاق الإطاري النووي».

وفي مارس/آذار 2015، قام ائتلاف بقيادة السعودية بشن غارات جوية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين تدعمهم إيران، والذين كانوا قد اجتاحوا العاصمة المؤقتة عدن قبل أسبوع من وقوع الغارات الجوية، ودفعوا الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» إلى المنفى.

وقال «شينكر» إن «اليمن ليست ساحة المعركة الوحيدة؛ فالمملكة العربية السعودية تدعم الثوار السوريين في قتالهم ضد نظام (بشار) الأسد الذي تسانده إيران منذ عام 2011. ولم يتزعزع هذا الدعم في ظل الانتشار العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول 2015، أو انتكاس الزخم لصالح النظام، أو التغيرات المفاجئة في سياسة إدارة أوباما حول استمرار حكم الأسد في سوريا».

وأضاف: «على الرغم من الخطوات الأخيرة التي اتخذتها إدارة أوباما باتباع موقف أقرب إلى الموقف الإيراني/الروسي حول سوريا، والذي يمكن بموجبه بقاء الأسد في السلطة إلى أجل غير مسمى، يستمر الملك سلمان في مساعدة الثوار السنة».

وفي لبنان، أيضا، تُظهر السعودية، حسب رصد «شينكر»، اهتماما متجددا في الحرب بالوكالة ضد إيران؛ ففي أعقاب الاتفاق النووي، أشارت طهران إلى أنها سوف تزيد من استثماراتها في لبنان، وهي استراتيجية يعتقد بعض المحللين بأنها محاولة أولية لإزاحة نفوذ السعودية ودول الخليج السنية من الدولة الصغيرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

وفي حين دعمت الرياض تاريخيا النخب السنية في لبنان، مثل عائلة «الحريري»، إلا أنها أكدت في الآونة الأخيرة على العلاقات مع القادة الرئيسيين من المسيحيين المارونيين، لا سيما «سمير جعجع» من حزب «القوات اللبنانية».

ولفت «شينكر» إلى أنه «خارج حدود العمليات الحركية السعودية، التي لم يسبق لها نظير في اليمن، والنهج الإبداعي الجديد الذي تتبعه الرياض في لبنان، يمكن أن ينظر أيضا إلى النهج السعودي الأكثر صرامة بأنه يأتي في نطاق اتخاذ القرار على المستوى المحلي».

ومن الأمثلة على ذلك قرار الرياض الحفاظ على إنتاج النفط عاليا وعلى أسعار النفط منخفضة، وهي سياسة مدروسة لتقويض الاقتصادين الإيراني والروسي، حسب الباحث الأمريكي.

وأشار إلى مثال آخر لـ«هذا النوع من التفكير الجريء في مواجهة إيران، وهو القرار السعودي في يناير/كانون الثاني الماضي بإعدام رجل الدين الشيعي المحلي البارز الشيخ نمر النمر، الذي كانت تربطه علاقات مع إيران».

ورأى أن «إعدام  (النمر) قبل أيام فقط من يوم تنفيذ الاتفاق النووي، ورفع العقوبات عن طهران، والإفراج عن أكثر من 100 مليار دولار لإيران - كان رسالة واضحة من الرياض إلى طهران بأن المملكة سوف تتخذ نهجا استباقيا للحفاظ على أمنها».

واعتبر «شينكر» أن هذه المبادرات السعودية «تشير إلى انحراف عن السياسات التي تتبعها إدارة أوباما»، لافتا  إلى انتقادات شديدة وجهتها الإدارة الأمريكية للحرب الجوية التي تشنها السعودية في اليمن.

كما بددت مناورات الرياض الأخيرة في لبنان، حسب الباحث الأمريكي، «آمال واشنطن في انتخاب السياسي المؤيد للأسد، سليمان فرنجية، وهو تطور وصفه مسؤول كبير في إدارة أوباما بأنه (لو حدث لكان سيشكل) خطوة تدريجية أخرى في اتجاه تحسين التعاون الإقليمي مع إيران كما يُفترض».

وأشار إلى أن واشنطن وجهت، أيضا، انتقادات بشأن إعدام «نمر النمر»، وهو قرار وصفه مسؤول أمريكي كبير بأنه يدل على «تجاهل تقصيري» لتأثيره الاستفزازي.

وخلص «شينكر»، في تقريره، إلى أنه «في أعقاب كارثة الخط الأحمر حول الأسلحة الكيميائية السورية، والابتعاد عن الالتزام بالإطاحة بالأسد عام 2015، والاتفاق النووي مع ايران، وصلت الرياض إلى نتيجة مفادها أن واشنطن لم تعد حليفا يمكن الوثوق به».

وأضاف أن المملكة، على ما يبدو، قررت انتهاج سياسات خارجية لتحقيق مصالحها دون اعتبار لرغبات الولايات المتحدة.

  كلمات مفتاحية

السعودية أمريكا الملك سلمان أوباما العلاقات السعودية الأمريكية

«وول ستريت»: التدخل الروسي في سوريا «خرق» الحلف الأمريكي الشرق أوسطي

قليل من الحلفاء كثير من الأعداء.. أخطاء فادحة للولايات المتحدة في اليمن وسوريا

تراجع مشاركة حلفاء واشنطن في الحرب الدولية ضد «الدولة الإسلامية»

أمريكا تتعثر في الشرق الأوسط مع تضاؤل الحلفاء وتراجع النفوذ

إعادة تعريف حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة

مشكلـة واشنطن في الردع الذاتي في سوريا

«الانقلاب السعودي».. مغامرة خطيرة أم صحوة استراتيجية؟