قليل من الحلفاء كثير من الأعداء.. أخطاء فادحة للولايات المتحدة في اليمن وسوريا

الاثنين 19 يناير 2015 02:01 ص

يشير البيان الأخير لتنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» وإعلانه المسؤولية عن هجوم باريس إلى ضرورة التركيز على نهج قصير الأمد في جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية في المنطقة.

تكتسب القاعدة نفوذاً متزايداً في اليمن، ويتضح ذلك من تفجير يوم الأربعاء الانتحاري في قلب العاصمة اليمنية صنعاء (الذي تسبب بقتل أكثر من ثلاثة وثلاثين وجرح أكثر من سبعين)، ورغم أنه ليست هناك جهة أعلنت مسؤوليتها عنه حتى الآن، إلا أنه يحمل السمة المميزة للتنظيم، ويذكر بالتهديد الجهادي «الإرهابي» المستمر حتى في بلاد بعيدة كاليمن، حيث انخرطت الولايات المتحدة هناك في معركة استمرت عشر سنوات ضد القاعدة وتبدوا عيوب النهج الأمريكي القاتلة واضحة الآن في اليمن وسوريا.

استراتيجية لا تُضعف الجهاديين

تركز الولايات المتحدة في كلاً من اليمن وسوريا على قتل المتشددين المشتبه فيهم ومع ذلك لا يبدوا أن ذلك يضعف التهديد الجهادي، إذ تشير التقارير الواردة من أرض الواقع أن العكس هو الصحيح وأن شيئاً لن يتغير ما لم تبدأ سياسة الولايات المتحدة لحساب الواقع المحلي والسياقات السياسية الأوسع التي تعمل خلالها قاعدة اليمن و«داعش». ينموا الجهاديين هناك ليس فقط لأن الضربات الأمريكية لم تقتل ما يكفي منهم ولكن لأنهم جزء لا يتجزأ من بيئات سياسية سامة وصراعات أهلية معقدة ،واستمرار الاعتماد على الضربات الجوية وحدها يجعل الولايات المتحدة جزءًا من المشكلة لا الحل.

عندما أشار «أوباما» إلى اليمن كنموذج في خطاب حدد فيه محددات الحملة ضد «داعش»، كان المراقبون لليمن من صنعاء إلى واشنطن ماضون يقولون إن اليمن بالكاد على قيد الحياة، وإن تجدد الاضطرابات السياسية وتمدد الحوثيين في العاصمة صنعاء والقتال بين الجماعات المتنافسة والقبائل، وتزايد هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية وتعثر الانتقال السياسي الذي تدعمه الولايات المتحدة منذ 2011 ، جعل القاعدة تواصل نموها هناك وبقي القادة الرئيسيون مطلقي السراح واستمروا في خطف مسؤولين عسكريين يمنيين وأجانب.

ورغم أن الحملة الأمريكية واليمنية ضد القاعدة أخرجت الجهاديين من معاقلهم المحلية لكنها لم تقضي عليهم بضربة قاتلة. ورغم جراحهم قاموا بتهديدات في الصيف دفعت لإغلاق السفارة الأمريكية وإخلاء الموظيفن هناك ، لتتجدد الفكرة القائلة بأن طريقة الولايات المتحدة قد تحقق انتصارات على المدى القصير ولكن لا يتم الحفاظ على هذه المكتسبات.

أيضاً تولد الضربات الأمريكية العداء تجاه الولايات المتحدة، وتضعف مصداقية الرئيس «هادي» وحكومته داخلياً، وينظر اليمنيون للضربات باعتبراها تعدٍ على سيادة الدولة، وتستاء اليمن بشكل عام من الهجمات الجوية التي تقتل المدنيين دون معالجة التهديديات الأمنية الحقيقية فعلاً. ويرى جيل من اليمنيين الآن أن الولايات المتحدة مسؤولة عن قتل أفراد المجتمع الأبرياء، مما يسكب الزيت على نار الفكر المتطرف ويخلق أعداءً جددًا كل يوم، ولا تبذل جهود لبناء مصداقية وثقة في المؤسسات الحكومية التي تحتاج في نهاية المطاف لتوفير الأمن والفرص الاقتصادية مما يقوض جاذبية الخطاب الجهادي للناس.

اليمن بيئة صعبة وعدد قليل من الخيارات السياسية الجيدة المتاحة، فلا ينبغي التستر على تكاليف النهج الأمريكي الحالي فهناك أوجه الشبه بين نهج الولايات المتحدة في كل من اليمن وسوريا.

العمل بدون شركاء

في سوريا بدلاً من العمل مع شركاء سوريين، فقد أثبتت الحملة الجوية التي تتجاهل الجهات الفاعلة المحلية التي تمتلك معلومات استخبارية قيمة وتتجاهل وجود نظام أمني مستبد وتتجاهل الحلفاء الموثوقين ولا تساعد في بناء بدائل تضمن عدم تمدد «داعش» في الفراغ هناك.

الأسوأ من ذلك هو العمل ضد الجهاديين بمعزل عن السياق الأوسع للصراع السوري الذي أدى لهذه النتيجة، وهذا له آثار ضارة على الحلفاء المزعومين في سوريا ، المعارضة المعتدلة هي وحدها القادرة على تقديم بديل جيد للجهاديين في الحكم في سوريا، وهذه الغارات تقتل الأبرياء كما الطائرات السورية التي تقصف المدنيين السوريين في نفس المجال الجوي. وقد بذلت الولايات المتحدة جهداً كبيراً لتوضيح أن إنهاء هذه العمليات الوحشية من قبل النظام العلوي ليس بذات الأهمية مقارنة بقتال الجهاديين السنة، ومن المفارقة أن نظاماً اتهمته الولايات المتحدة بأنه غير شرعي ويجب أن يرحل استفاد جداً من ضرباتها الجوية.

في سوريا النظام يبني ثقة متزايدة، وهناك عدد متزايد من السوريين يعتقدون أن الولايات المتحدة تعمل مع النظام السوري لتدمير المعارضة، وترك الغموض يسيطر على أهداف الضربات يؤدي لمثل هذا التخمين، والسكان المحليين الذين تحتاج الولايات المتحدة كشركاء ضد الجهاديين يعتقدون أن سياسة الولايات المتحدة تفضل أعدائهم.

بالإضافة إلى إغضاب حلفائنا وتقويض الاستقرار السياسي على المدى الطويل، تواصل سياسة الولايات المتحدة إظهار الاستخفاف بتأثير القتلى المدنيين على التصورات الشعبية تجاه الولايات المتحدة في اليمن، وكانت فكرة إعطاء تعويضات لعائلات غير المقاتلين الذين قتلوا في الغارات الجوية الامريكية مبهمة وغير مفهومة. وفي سوريا حيث الضربات الجوية الامريكية قتلت مائة مدنيا على الأقل في غضون بضعة أسابيع، أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تدفع تعويضات لعائلات الضحايا على الإطلاق. في سوريا، كذلك فإن ورفض التنسيق مع القوات على الأرض يجعل قدرة الولايات المتحدة على تحديد الأهداف بشكل صحيح ضعيفة ولا يساعد في تجنب سقوط قتلى مدنيين في كل الأماكن،  مما يسهم في احتمال استمرار الأخطاء والخسائر في صفوف المدنيين، هذا النهج هو المفلس أخلاقيا واستراتيجيا.

ليس الأمر في كون الضربات الجوية الأمريكية وعمليات مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تكون مفيدة ضد الجهاديين في اليمن وسوريا بطبيعة الحال، حيث يقول أعضاء المعارضة السورية أنهم سيرحبون بالضربات الجوية ضد أعدائهم الجهاديين بشرط اسقاط النظام.

كما أنها ليست الحالة التي تواجهها الولايات المتحدة بين مكافحة الارهاب السهل والتوافق مع الواقعية في السياسة الخارجية والمواقف الدونكشوتية تعزز مكافحة الارهاب، لا يوجد شيء واقعي في حملة خرقاء وقتل لا يقوض الظروف السياسية الضرورية لنشأة المتطرفين. استراتيجية مكافحة الجهاديين  في حاجة ماسة لحساب الديناميات المحلية والسياقات السياسية والاقتصادية على المدى الطويل، لذا تجد الولايات المتحدة نفسها في نهاية المطاف مع عدد كبير من الأعداء وعدد قليل من الحلفاء. 

المصدر | أتلانتيك كاونسل

  كلمات مفتاحية

التحالف الدولي اليمن الدولة الإسلامية سوريا أمريكا استراتيجية التحالف

الأردن يدرس «خيارات مُرّة» لإطلاق سراح الطيار ويؤكد استحالة الانسحاب من التحالف الدولي

التحالف الدولي والأرض الخراب

مقتل 3 من مقاتلي القاعدة فى هجوم طائرة بدون طيار باليمن

«أوباما» لقادة جيوش التحالف: الحملة على «الدولة الإسلامية» ستكون "طويلة الأمد"

استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا ضد «الدولة الاسلامية» لا تبشر بالنجاح

تحليل لواشنطون بوست: "نموذج اليمن" لن ينجح في العراق وسوريا

الولايات المتحدة لن تصل إلى ”تدمير“ تنظيم «الدولة الإسلامية» .. المهم أن ”تهزمه“

«وول ستريت»: التدخل الروسي في سوريا «خرق» الحلف الأمريكي الشرق أوسطي

«معهد واشنطن»: «السعودية سلمان» باتت ترى أمريكا حليفا لا يمكن الوثوق به