استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الطريق إلى صعدة

الاثنين 15 فبراير 2016 05:02 ص

بالنسبة للأهالي القاطنين فيها، أو النازحين منها إلى المخيمات، تبدو الحياة في مدينة صعدة حياة متواصلة من الرعب والفقر والحرمان، من دون أفق ولا مستقبل، إذ يعيش قاطنها مع تهديد يومي، يجعل من حياته هدفا للموت، وعليه أن يتأقلم معه، لأنه، وببساطة، سجين مدينة ملعونة، مدينة تعرضت، طوال تاريخها المعاصر، للعزل السياسي والاجتماعي.

فيكفي أن تكون من صعدة، المركز القبلي والمذهبي لشمال الشمال، لتصبح موضعا لتحيزات الآخرين، ومحطا لتعميم سوء فهم تاريخي. يستولد اسم صعدة دلالات سياسية ومذهبية، لم تكن حاضرة في ذهنية اليمنيين، حيث غذي خيال النظام السلطوي، لصالح اعتقاد واهم لدى كثيرين منهم بأن صعدة الخط الأخير الذي تنتهي عنده الحدود الجغرافية للجمهورية اليمنية.

وطوال حكم صالح، نجح مع جهازه الإعلامي بتكريس مدينة صعدة معقلا رئيسا لبقايا النظام الإمامي المتربص بالجمهورية؛ لم تقف التحيزات ضد هذه المدينة وأهلها عند هذا الحد، حيث أدى تصاعد قوة جماعة الحوثي، في منتصف التسعينات، لاحتكار المدينة إلى الأبد لصالح نزق الجماعة، حاجبة المدينة عن عموم اليمنيين، خلف سياج شائك من الجموح السياسي والصفاقة المذهبية لجماعة شكلت بحماقاتها خطرا ليس فقط على سكان المدينة وعموم اليمنيين، بل على نفسها أيضا. 

لم تتوقف تراجيديا مدينة صعدة ومصيرها البائس عند الطموح السياسي لجماعة الحوثي، لتعاني، بعد ذلك، مرارات "حروب صعدة" الست، 2004-2009، التي اشتعلت بين جماعة الحوثي ونظام علي عبدالله صالح.

تحولت صعدة منذ 2004 من مدينة يمنية إلى كونها معقل الجماعة المتمردة على الدولة، وليتزايد ما تتعرض له المدينة من عزل سياسي واجتماعي، وقد صارت مسرحا لقتال غير متكافئ بين الجماعة والجيش، ولمواجهات يومية أسهمت في قتل الآلاف من المدنيين، ودمرت البنية التحتية الهشة لمدينة دفعت وزر انتماء الجماعه لها، جماعة لم تعمل على تجنيب أهالي المدينة ويلات القتل والتهجير وغضب صالح. 

مع بدء الاحتجاجات الشعبية ضد نظام صالح في 2011، توهم كثيرون من أهالي صعدة أنهم سيتمكنون، أخيرا، من التقاط أنفاسهم، وستعود مدينتهم المنكوبة إلى حظيرة الدولة، وتطالها مشاريع التنمية وإعادة الإعمار؛ إلا أن المدينة ظلت، للأسف، تدفع وزر كونها مدينة لجماعة الحوثي التي ما لبثت أن استعرضت قوتها حيال أهالي المدينة، فارضة عليهم نمطا اجتماعيا متشددا يحرم الموسيقى والغناء، ويصادر حرية الآخر المختلف، جاعلة من المدينة منطقة حكم ذاتي غير معلن، مصادرة موارد الدولة في المدينة، من دون القيام، في المقابل، بأي جهود تذكر لتخفيف وطأة الفقر عن الأهالي، وإعادة إعمار البنية التحتية للمدينة. وطوال الفترة الانتقالية، ذهبت موارد الدولة في صعدة إلى تسليح الجماعة واستقطاب الأنصار من القبائل.

وكأن ذلك كله لم يكن كافيا بحق المدينة، لتصبغ جماعة الحوثي المدينة بالصبغة المذهبية للجماعة، معيدين تعريفها باعتبارها المعقل الأول للزيدية، حتى أن الجماعة عمدت إلى تهجير من تبقوا من يهود صعدة، ثم دخلت في صراع دام مع الجماعة السلفية في منطقة دماج، وخاضت الجماعتان الجهاديتان حربا دامية أدت، في النهاية، إلى تهجير سلفيي دماج من صعدة، وأسهمت في إيجاد بؤرة للصراع المذهبي في اليمن. 

اختزلت صعدة وتاريخها السياسي بمظلومية جماعة الحوثي في الحروب الست، وساعدت القوى السياسية اليمنية في تعزيز هذا الفهم القاصر. فعلى الرغم من مشاركة جماعة الحوثي في "الحوار الوطني الشامل"، وتمثيلها بمشاركين كثيرين، لم تعد مخرجات الحوار الوطني الخاصة بقضية صعدة الاعتبار إلى المدينة وأهلها الذين قتلوا وشردوا.

وجاءت بمجملها تعبيرا عن إعادة الاعتبار لجماعة الحوثي ومحاولة استرضائها؛ لم تفلح مخرجات الحوار الوطني في رد الاعتبار لصعدة وأهلها، ولا حتى في استرضاء جماعة الحوثي، إذ سرعان ما قوضت الجماعة العملية السياسية برمتها، وتحالفت مع صالح، وأسقطت العاصمة في قبضتها، وزحفت مليشياتها وقوات صالح على المدن اليمنية، مشعلة حربا داخلية، ولم تعد مدينة صعدة، عند يمنيين كثيرين، مدينة مغلوبة على أمرها، بل بدت مدينة الشر الذي سيلتهم اليمن واليمنيين. 

مع انطلاق العمليات العسكرية لقوات التحالف العربي، بقيادة السعودية، في مارس/آذار الماضي، لإعادة السلطة الشرعية وقمع الانقلاب الحوثي، لم تبد الحرب التي أطلقتها قوات التحالف حربا على تمرد جماعة الحوثي، وإنما حربا عقابية على مدينة صعدة بأسرها.

وما لبث العميد أحمد عسيري، في إبريل/نيسان الماضي، أن أعلن صعدة منطقة عسكرية مغلقة، وهدفا عسكريا للتحالف العربي، جاعلا بذلك جميع المواطنين المدنيين أهدافا للموت المجاني، بما في ذلك المنظمات الدولية العاملة في المدينة، كمنظمة أطباء بلا حدود، التي تعرضت مبانيها وطاقهما للقصف مرات، وأصبحت المدينة مغلقة على ساكنيها الذين يعيشون ظروفا مأساوية، جراء قصف الطيران وتدمير المستشفيات وشح المساعدات الغذائية والدوائية. 

منذ أكثر من عشرة أشهر، وبوتيرة العنف نفسها، تتعرض مدينة صعدة، كل يوم، لقصف يستهدف كل شيء، البشر والحجر والمباني وحتى الحيوانات، وهي لا تطال المسلحين الحوثيين، بل تطال مدنيين أبرياء. في 21 يناير/كانون الثاني، وكعادة القصف اليومي المتكرر لصعدة من التحالف، تعرضت منطقة ضحيان للقصف، لم يستهدف القصف موقعا للمليشيات أو مخزنا للأسلحة، بل طاول منزل أسرة من صعدة، وقتل كل أفرادها. وحينما ذهب الأهالي لإسعاف الأسرة وإنقاذ حياة من نجا من أفرادها، تعرض المسعفون وسيارات الإسعاف لقصف مباشر، قتل فيه كل المسعفين، كما قتل في تلك الغارة الصحفي المصور في قناة المسيرة التابعة للحوثي، هاشم الحمران. 

اختلطت صور الجثث المحروقة بلا ملامح بالأجساد وبركام المنازل المدمرة، وجسد الطفل القتيل المعاني من سوء تغذية، كما يبدو في الصورة، مع الذراع المبتورة للأم، مناظر معاناة ودمار لا يوصفان؛ ومع ذلك، لم تحرك صور جثث القتلى المدنيين من ضحيان مشاعر يمنيين كثيرين يعانون يوميا من قتل مليشيات الحوثي وصالح وحصارها الخانق.

الأنكى أن المجازر اليومية في مدينة صعدة لا يسميها إعلاميون وحقوقيون جرائم، ولا حتى اعتبارها أخطاء لقوات التحالف، كما تسمى في مدينة صنعاء وتعز، ولم يخرج عسيري مرة ليقدم توضيحا لقتل المدنيين المستمر. وضمن توصيفات إعلامية وحقوقية انتقائية، لا تلقى كل تلك المجازر المروعة أي ذكر. 

تستثمر مليشيات الحوثي القتل اليومي لغارات التحالف على مدينة صعدة، ولا تعترف بمسؤوليتها حيال ما يعانيه أهالي المدينة منذ أكثر من عقد، في حين يقوم التحالف العربي وحلفاؤه اليمنيون بشيطنة أهالي المدينة، والتعالي على معاناتهم المستمرة، وتتكرس جهوده العسكرية والإعلامية على إثبات تحقيق انتصارات عسكرية على الحوثيين، بينما يتجاهل التحالف العربي الجرائم المرتكبة بحق المدنيين من سكان المدينة. 

دائما ما كان فهم المعاناة التاريخية لمدينة صعدة ملتبسا بمقت تجاوزات جماعة الحوثي بحق اليمنيين، ووفقا لهذا التعميم التسطيحي، لا سبيل لفصل مصير المدينة عن مصير الجماعة ومستقبلها، متناسين أن جماعة الحوثي تسببت في خراب المدينة واستمرار ويلاتها.

واليوم، في ظل حرب داخلية وخارجية، كان لجماعة الحوثي وصالح الدور الرئيس في تفجيرها، يفكر يمنيون كثيرون باليوم الذي ستسقط فيه مدينة صعدة، وتعود إلى حظيرة الشرعية، لكنهم لا يفكرون، ولو قليلا، بأن الطريق إلى صعدة، ولو كان ممكنا في النهاية، سيكون مفروشا بجثث آلاف من الأبرياء المدنيين، أبرياء كغيرهم في مدن يمنية أخرى، سقطوا ضحايا حرب ليست أبدا حربهم. 

* بشرى المقطري - ناشطة وكاتبة يمنية

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

اليمن صعدة علي عبدالله صالح الحوثي الحروب

اليمن.. مقتل نجل شقيق «الحوثي» وقيادي آخر في عملية خاصة للتحالف بصعدة

«كي مون» يدين قصف مستشفى في صعدة اليمنية ويدعو لتحقيق فوري

القوات السعودية تسيطر على مناطق استراتيجية في صعدة معقل الحوثيين

قوة برية عربية تدخل مأرب ومصادر تنفي إصابة «الحوثي» في صعدة

الرئيس «هادي» من قطر: قريبا نرفع علم اليمن في معقل الحوثيين بصعدة