توتر متصاعد بين الإمارات والجيش السوداني.. ومصالح البحر الأحمر تمنع قطع العلاقات

الجمعة 19 يناير 2024 01:59 م

سلط رئيس شركة تحليلات الخليج، جورجيو كافييرو، الضوء على التوترات المتصاعدة بين القوات المسلحة السودانية ودولة الإمارات العربية المتحدة، واصفا إياها بأنها "وصلت إلى نقطة الغليان" بعد سلسلة من التدهور منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وذكر كافييرو، في تحليل نشره موقع "أمواج ميديا" وترجمه "الخليج الجديد"، أن ذروة التعبير عن هذا التوتر بدت في انتقاد الفريق الركن، ياسر العطا، مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، للإمارات في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، ووصفه إياها بأنها "دولة المافيا" في خطاب ألقاه في أحد المقرات العسكرية.

وبعد أقل من أسبوعين، أعلنت السلطات في الخرطوم أن 15 موظفاً من السفارة الإماراتية في السودان أشخاص غير مرغوب فيهم، وأمرتهم بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة.

وتعود تلك الانتقادات بالأساس إلى الدعم المالي والسياسي والعسكري المستمر، الذي تقدمه الإمارات لقوات الدعم السريع، التي تحارب القوات المسلحة السودانية، إذ جرى توثيق هذا الدعم حتى قبل بداية اندلاع الأزمة الحالية، وكان عاملاً مهمًا في إنجازات قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي.

وفي الشهر الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة، المعروفة باسم "سلة خبز السودان"، في خطوة أعطت حميدتي تفوقاً عسكرياً كبيراً على قائد القوات المسلحة السودانية، عبدالفتاح البرهان، وتمهد الطريق أمام "الدعم السريع" لمحاولة السيطرة على السودان بأكمله.

وفي السياق، نقل كافييرو عن الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، صموئيل راماني، أن الخلاف الأخير بين البرهان وأبو ظبي يمكن أن يعزى إلى الوجود الأمني المتزايد لقوات الدعم السريع في المناطق التي تحتلها، والإنجازات العسكرية الأخيرة لحميدتي.

ويُنظر إلى هذه التطورات على أنها مدعومة من الإمارات، التي تنقل الأسلحة والمواد الحربية عبر تشاد إلى السودان، بحسب راماني، مشيرا إلى أن جولة حميدتي الأخيرة في 6 بلدان أفريقية، وقرار الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) بدعوته إلى اجتماع في العاصمة الأوغندية، أدت بشكل خطير إلى "إضفاء الشرعية" على "الدعم السريع"، بدعم إماراتي استهدف إعادة تموضع حميدتي كـ "رجل دولة".

انتقاد متأخر

ويشير كافييرو، في هذا الصدد، إلى أن البرهان تجنب انتقاد أبوظبي، خلال المراحل الأولى من الصراع المستمر في السودان، نظرا لدور الإمارات، إلى جانب المملكة العربية السعودية، في سحب الدعم عن الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، خلال ثورة 2018-2019، بسبب رفضه النأي بنفسه عن الجماعات الإسلامية ورفضه دعم حملة الحصار ضد قطر خلال أزمة مجلس التعاون الخليجي 2017-2021.

وإلى جانب حلفائهم في الرياض والقاهرة، أظهر المسؤولون الإماراتيون تفضيلاً للحكم العسكري في السودان، ما أدى إلى استنتاج لدى البرهان ودائرته الداخلية، مفاده أن تعزيز علاقات أفضل مع الإمارات سيكون مفيدًا لبقائهم السياسي.

وفي السياق، أكد راماني أن "تفضيل أبو ظبي للاستبداد" في السودان جعلها "شريكًا قيمًا على المدى الطويل ولكن خصمًا على المدى القصير في هذه الحرب"، في نظر البرهان.

لكن مع تطور الدعم الإماراتي لحميدتي في حربه ضد الجيش السوداني، تطور "تلميحات" مسؤولي القوات المسلحة السودانية إلى انتقادات علنية، بلغت ذروتها بتصريحات ياسر العطا، وكشفت عن تدهور كبير في العلاقة بين الجانبين.

وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي السوداني، قال جهاد مشمعون، إن "المسؤولين عادة لا يدلون بهذه التصريحات الكبيرة إلا إذا كانوا يريدون سلوكاً أو استجابة معينة من الدولة الأخرى".

وأوضح: "بالنظر إلى طول مدة الحرب والدعم الإماراتي المستمر لقوات الدعم السريع، يبدو أن الفصائل داخل القوات المسلحة السودانية أصبحت غير مستقرة بشكل متزايد بسبب دور أبو ظبي في الصراع".

موقف واشنطن

وهنا يشير كافييرو إلى أن الولايات المتحدة تلعب دوراً في الخلاف الأخير أيضاً، فقد بدأ العديد من صناع السياسات في واشنطن بإدانة دعم أبو ظبي لقوات الدعم السريع، ودعوا الإمارات إلى التوقف عن مساعدة حميدتي في الصراع.

وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2023، أرسل 10 مشرعين ديمقراطيين رسالة إلى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ، عبد الله بن زايد آل نهيان، يحثون فيها على وقف دعم حميدتي، كما أعرب أعضاء الكونجرس عن مخاوفهم بشأن التقارير التي تفيد بأن أبو ظبي تقدم الدعم المادي للدعم السريع، بما في ذلك الأسلحة والإمدادات.

وشدد المشرعون الأمريكيون على أن توفير الإمارات الأسلحة لحميدتي يشكل انتهاكًا لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على دارفور عام 2004، والذي يهدف إلى منع توريد أو بيع أو نقل الأسلحة والمواد ذات الصلة إلى كيانات في غرب السودان.

وجاء في الرسالة أن "هذا الانتهاك سيكون بمثابة خطر كبير على سمعة دولة الإمارات ويضع الشراكة الوثيقة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة موضع شك".

وأدى طرد الجيش السوداني لـ 15 دبلوماسياً إماراتياً إلى إعادة إشعال التدقيق في علاقات الإمارات مع قوات الدعم السريع، وأعاد توجيه انتباه الدبلوماسيين الغربيين نحو سياسات أبوظبي في السودان، رغم انشغال الغرب بحرب غزة المستمرة.

وفي هذا السياق، يتطلع العديد من أعضاء القوات المسلحة السودانية إلى رؤية الولايات المتحدة تتبنى إجراءات أكثر حسماً ضد أبو ظبي، بهدف الضغط على الدولة الخليجية كي تنأى بنفسها عن قوات الدعم السريع.

وحتى الآن، تشعر الفصائل المتحالفة مع القوات المسلحة السودانية بخيبة أمل إزاء رد فعل واشنطن على تورط الإمارات المتزايد في الصراع، معتقدة أن إهمال إدارة جو بايدن للسودان هو السبب الرئيسي وراء تحقيق حميدتي وقوات الدعم السريع مكاسب كبيرة.

مصالح استراتيجية

ولدى الإمارات مصالح اقتصادية وأمنية كبيرة بالسودان في إطار موقعه الاستراتيجي على طول البحر الأحمر، الذي يجعله بمثابة بوابة لبقية أفريقيا من خلال سلاسل التوريد وطرق التجارة الدولية.

ولهذه الأسباب، سيكون من المخاطرة أن تقوم الإمارات بقطع جميع علاقاتها مع القوات المسلحة السودانية، بحسب كافييرو، مشيرا إلى أن الجيش السوداني مستمر في السيطرة على منطقة البحر الأحمر السودانية على الأرجح، وهي المنطقة التي يستثمر فيها الإماراتيون مليارات الدولارات.

على هذه الخلفية، يخلص كافييرو إلى أن العلاقات بين البرهان والإمارات ستستمر على الأرجح، رغم العداء الحالي بشأن دعم أبوظبي لحميدتي، مشيرا إلى أن البرهان لديه خيار لإصلاح علاقاته مع الإمارات من خلال وضع قضايا الماضي جانباً، ومن شأن ذلك أن يمنح الدولة الخليجية ما ترغب فيه، وهو استمرار موطئ قدمها في السودان، بشرط أن تتوقف عن دعمها لقوات الدعم السريع.

المصدر | جورجيو كافييرو/أمواج ميديا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان عبدالفتاح البرهان حميدتي الإمارات ياسر العطا محمد حمدان دقلو

هل تحدد الحوثي هوية السفن الإسرائيلية المستهدفة بمساعدة الحرس الثوري وحزب الله؟

بلومبرج: إيران تزود الجيش السوداني بطائرات مسيرة مسلحة.. ما هي مواصفاتها؟

صراعات شرق أفريقيا.. نفوذ الإمارات يشعل الحرائق بالسودان والصومال

بخطوط إمداد من ليبيا وتشاد وأوغندا.. هكذا أبقت الإمارات حرب السودان مشتعلة

مندوب السودان الأممي: الإمارات تدعم عدوان الدعم السريع بالأسلحة والمرتزقة