بثريا وهجمات الحوثيين.. إيران تستعرض "عضلاتها الفضائية" أمام أمريكا وإسرائيل

الخميس 25 يناير 2024 10:43 ص

سلط الأستاذ المساعد في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا، إبراهيم المرعشي، الضوء على إطلاق إيران صاروخا ثلاثي المراحل، في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، لوضع القمر الاصطناعي "ثريا" في مداره، على ارتفاع غير مسبوق، يبلغ 460 ميلًا فوق سطح الأرض، واصفا ذلك بأنه "استعراض لعضلات طهران الفضائية".

وذكر المرعشي، في تحليل نشره موقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" وترجمه "الخليج الجديد"، أن برنامج الفضاء الإيراني هو "غطاء لاختبار نظام إيصال الأسلحة النووية"، ولذا فإن إطلاق "ثريا" يمكن اعتباره نصراً علمياً لإيران وتعبير استراتيجي عن القوة الجيومكانية للجمهورية الإسلامية.

وأضاف أن الإطلاق الفضائي كان مخططًا له قبل أيام، وجرى في نفس اليوم الذي زُعم فيه أن القوات الإسرائيلية قتلت 5 من الحرس الثوري التابع لفيلق القدس الإيراني في دمشق، وتلاه إطلاق ميليشيا عراقية، مدعومة من إيران، صواريخ باليستية على قاعدة تضم قوات أمريكية بالعراق.

وقبل 5 أيام فقط، أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ الباليستية باتجاه سوريا والعراق وباكستان ضد قواعد إرهابية مزعومة.

ويرى المرعشي أن إطلاق "ثريا" إلى الفضاء مرتبط بالتوترات السياسية على الأرض، وبعث برسالة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل مفادها أن إيران لا يزال بإمكانها تطوير التكنولوجيا اللازمة لإطلاق صاروخ بعيد المدى، على الرغم من العقوبات أو اغتيال علمائها.

ويشير ذلك إلى جانب غير مدروس من الصراع في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023، بحسب المرعشي، موضحا أن الفضاء الخارجي أصبح "منطقة صراع" بين القوى الإقليمية.

 فعندما تطلق الميليشيات الشيعية العراقية أو الحوثيون اليمنيون طائرة مسيرة أو صاروخًا باليستيًا، فإن هذه الأسلحة إما تدخل الفضاء أو تعتمد على الأقمار الصناعية، وهو "ما يذكرنا بالاتجاه الذي بدأ مع القوى العظمى في الحرب الباردة"، حسب تعبير أستاذ تاريخ الشرق الأوسط.

عسكرة الفضاء

ويحرق الصاروخ الباليستي الوقود الذي يدفعه إلى الغلاف الجوي حتى يدخل الفضاء، وبمجرد استهلاك الوقود لا يمكن تغيير مسار الصاروخ، باتباع مسار تحدده الجاذبية التي تسحبه نحو سطح الأرض وهدفه النهائي.

وكان الصاروخ الألماني V-2 أول صاروخ باليستي يتم إطلاقه إلى الفضاء في 8 سبتمبر/أيلول 1944، وأثناء غزوهم لألمانيا، سعى السوفيت والأمريكيين إلى الاستعانة بعلماء الصواريخ الألمان لتطوير برامجهم الصاروخية/الفضائية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1957، أطلق السوفييت أول قمر اصطناعي (سبوتنيك) إلى الفضاء، حيث دار حول الأرض وحقق انتصارًا مرموقًا للشيوعية خلال الحرب الباردة.

وفي عالم عالق في تنافس الحرب الباردة آنذاك بين الأمريكيين والسوفيت، سرعان ما أصبح الفضاء ساحة جديدة للمعركة بين الطرفين، وكانت منصات الإطلاق وعمليات الإطلاق الفضائية وسيلة لتحسين التكنولوجيا العسكرية بشكل سري، باسم استكشاف الفضاء، مع بث هذه التطورات في الوقت نفسه إلى الخصوم والحلفاء.

ومن منظور الأمن القومي الأمريكي آنذاك: إذا تمكن الاتحاد السوفييتي من إطلاق قمر اصطناعي إلى الفضاء فيمكنه أن يفعل الشيء نفسه برأس حربي نووي، ما يعرض الأراضي الأمريكية للخطر.

ومن المنظور ذاته، يفسر المرعشي سبب خوف الولايات المتحدة من برنامج الأقمار الاصطناعية الإيراني قبل فترة طويلة من تصاعد الحرب الإقليمية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي وضعت القوات الأمريكية في مواجهة حلفاء الجمهورية الإسلامية في اليمن والعراق.

 الشرق الأوسط

أما بالنسبة للشرق الأوسط، فقد كان الفضاء الخارجي، تاريخياً، منطقة تستخدم للاختراق، وخلال الحرب الباردة نشرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أقمارًا اصطناعية للتجسس فوقه، وأصبحت هذه الأقمار لاحقًا ضرورية لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لتوجيه صواريخ كروز الأمريكية والطائرات المسيرة المستخدمة ضد العراق خلال حرب الخليج عام 1991، ثم ضد تنظيم القاعدة بعد عام 2001.

وفي القرن الحادي والعشرين، دخل الجنوب العالمي ساحة الفضاء، بقيادة الصين والهند وإيران، وسرعان ما برز الفضاء كساحة للمنافسة بين دول الشرق الأوسط.

ومن بين أنظمة الخليج، حققت قطر قوة غير متكافئة في التسعينيات ضد المملكة العربية السعودية من خلال بث قناة الجزيرة إلى جارتها الأكبر حجما، فضلا عن المنطقة بأكملها، عبر قناة إخبارية تعتمد على تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية.

وتعمل دولة الإمارات العربية المتحدة حاليًا على تعزيز أوراق اعتمادها باعتبارها "إسبرطة إقليمية"، حسب تعبير المرعشي، من خلال الشروع في مهمة فضائية إلى المريخ.

وفي السياق ذاته، يعد برنامج الفضاء الإيراني بمثابة وسيلة لتحدي إسرائيل وكذلك القوة العظمى: الولايات المتحدة، ويشمل ذلك قيام حلفاء طهران في "محور المقاومة" بعسكرة الفضاء، إذ أعطت إيران الحوثيين تكنولوجيا الطائرات المسيرة التي يمكنها الطيران لمسافات طويلة لضرب السعودية والإمارات.

وتسترشد هجمات الحوثيين بتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية، حيث تعتمد الطائرة المسيرة التي تحلق على هذا المدى الطويل على رابط بيانات القمر الاصطناعي لإرسال المعلومات إلى الطيار في اليمن.

وليس لدى الحوثيين أقمار اصطناعية معروفة للاتصالات ويعتمدون على الأقمار المتاحة تجارياً، وتُظهر هجماتهم بالبحر الأحمر مستوى متطورًا، إذ يستخدمون الطباعة ثلاثية الأبعاد لصناعة الطائرات المسيرة بناءً على تصميمات إيرانية، بينما يعمل محللو الصور ومهندسو الوصلات الصاعدة والميكانيكيون وأطقم الطيارين في انسجام تام لدعم الهجمات.

وبحلول عام 2022، كانت ضربات الحوثيين أحد العوامل التي دفعت السعودية والإمارات إلى الاتجاه نحو "التخلص" من الصراع اليمني، ما أعطى ميزة لإيران، الخصم الإقليمي لدول الخليج.

وأتقن الحوثيون تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، ومنها صاروخ سكود، وهو تطوير سوفيتي لصاروخ V-2 الألماني، وبات الأكثر انتشارًا في العالم العربي.

وورث الحوثيون صواريخ سكود من الحكومة السابقة لهم بعد الربيع العربي، وفي عام 2017 أطلقوها باتجاه السعودية، واستهدفوا الرياض بصاروخ بركان 2-H، وهو صاروخ باليستي من نوع سكود موروث من الترسانة اليمنية القديمة، وتم تصميمه بمدى يزيد عن 500 ميل.

وعلى عكس "بركان"، فإن الصواريخ التي أطلقها الحوثيون نحو إيلات مؤخرا تعتمد صاروخ "قدر" الإيراني وهو قريب من "نودونغ" الكوري الشمالي، وهو في الأساس تطوير أكبر لصاروخ سكود السوفيتي، مع أكثر من ضعف المدى، ليصل إلى مسافة 1200 ميل.

وهنا يشير المرعشي إلى أن هذه الصواريخ الباليستية الحوثية وصلت إلى الفضاء الخارجي، واعترضها نظام الدفاع الإسرائيلي "أرو" في طبقة الاستراتوسفير من الغلاف الجوي، ما يمثل أول حالة قتال فضائي في التاريخ.

وأشار إلى أن أحدث إطلاق فضائي للجمهورية الإسلامية بعث برسالة إلى إسرائيل مفادها أن إيران تلحق بالركب، ورسالة أخرى إلى الولايات المتحدة هي أن إيران أصبحت في وضع أقوى بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الأحادي من الاتفاق النووي عام 2017.

المصدر | إبراهيم المرعشي/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران الحرس الثوري إسرائيل الإمارات الأقمار الاصطناعية الأسلحة النووية

هحمات الحوثيين تجبر أكبر شركة تعدين بالعالم على تحويل مسار شحناتها

عقوبات أمريكية بريطانية على 4 من قادة الحوثيين

فورين أفيرز: لماذا تجعل حرب غزة "إيران نووية" أكثر احتمالا؟

نيويورك تايمز: إسرائيل نفذت هجمات على خطي أنابيب غاز رئيسيين في إيران