«معهد الشرق الأوسط»: خيارات تركيا «المحدودة» في سوريا

الأحد 28 فبراير 2016 10:02 ص

تواجه تركيا كابوسا بشأن اثنين من أعدائها اللدودين، هما نظام رئيس النظام السوري «بشار الأسد» وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يواصل التقدم والحصول على الأرض في سوريا بمساعدة من الولايات المتحدة والغطاء الجوي الروسي. وقد دعت تركيا منذ فترة طويلة إلى إقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا لحماية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ووقف حزب الاتحاد الديمقراطي من التقدم غرب الفرات. ومع إحباطها من التعاون الأمريكي مع حزب الاتحاد الديمقراطي، فإن أنقرة تصر على أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو منظمة إرهابية تشكل خطرا جسيما على الأمن القومي التركي. لكن واشنطن قد تجاهلت طلب أنقرة بإقامة منطقة حظر جوي وواصلت تعاونها مع حزب الاتحاد الديمقراطي في مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية».

وقد زاد الطين بلة تورط روسيا في الصراع. منذ قيام تركيا بإسقاط الطائرة الروسية التي انتهكت مجالها الجوي في نوفمبر/تشرين الثاني، فقد أصبح المجال الجوي السوري منطقة محظورة على الطيران التركي، كما أن الدول الغربية قد صارت أكثر ترددا في الاستجابة لمطالب تركيا بإقامة منطقة حظر جوي. خلال الأسبوع الماضي، بدأت تركيا بقصف أهداف حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا في محاولة يائسة لوقف تقدم القوات الكردية في شمال غرب حلب. كما سهلت انتقال مئات المقاتلين من محافظة إدلب إلى عزاز شمالي حلب قرب الحدود التركية. رافقت القوات التركية الثوار الذين خرجوا من محافظة إدلب السورية في رحلة استمرت 4 ساعات عبر تركيا قبل أن يدخلوا إلى سوريا مجددا لدعم معقل المتمردين المحاصر عند البلدة الحدودية. وعلى الرغم من تعهد رئيس الوزراء التركي «أحمد داود أوغلو» أن بلاده لن تسمح أبدا بسقوط عزاز في يد الأكراد، ورغم استمرار قصف الجيش التركي للأهداف الكردية في سوريا، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي قد تمكن من الاستيلاء على بلدة تل رفعت الاستراتيجية إلى الجنوب مباشرة من عزاز.

عندما فجر انتحاري نفسه الأسبوع الماضي في أنقرة مما أسفر عن مقتل 29 شخصا وإصابة 60 آخرين على الأقل، فقد اعتبرت تركيا أنها فرصة مثالية لقضيتها. بعد ساعات من الهجوم، عرف «داود أوغلو» الجاني باعتباره مواطنا سوريا منتميا لحزب الاتحاد الديمقراطي. وعلى الرغم من أن جماعة كردية مسلحة مختلفة، تدعى صقور تحرير كردستان وهي جماعة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني قد ادعت مسؤوليتها عن العملية فإن الحكومة التركية قد أصرت على إلقاء اللوم على حزب الاتحاد الديمقراطي. خلال حديث إلى مساعديه في 23 فبراير/شباط الماضي قال «داوود أوغلو»: «البعض يشير إلى حزب العمال الكردستاني فقط بهدف تبرئة حزب الاتحاد الديمقراطي. هم يريدون أن يصدقوا أن تنظيما فرعايا من حزب العمال هو الذي تولى مسؤولية الهجوم من أجل مواصلة الدعم الدولي لحزب الاتحاد الديمقراطي».

ويبدو أن الولايات المتحدة لا تزال غير مستعدة لتغيير مسار عملها مع حزب الاتحاد الديمقراطي. دعت عدة بيانات صادرة من واشنطن الأسبوع الماضي تركيا إلى وقف القصف على أهداف حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا وأكدت على تصميم الولايات المتحدة على العمل مع القوة الكردية.

ويبدو أن البلد الذي كان يطمح إلى الاستفادة من الموجة الشعبية في المنطقة وتعزيز دورها في المجال الإقليمي قبل بضعة سنوات يقف الآن معزولا تماما. ويبدو أن المخاطر المحيطة بتركيا قد صارت مرتفعة جدا. وفي محاولة أخيرة لتغيير الديناميات على الأرض، فيبدو أن تركيا قد وضعت خطة أخرى للعمل.

في محاولة لدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات في سوريا، فقد صعدت تركيا تعاونها مع المملكة العربية السعودية. أعلنت تركيا مؤخرا أن المملكة العربية السعودية قامت بإرسال قواها وبعض طائراتها المقاتلة إلى قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا وأعلنت الدولتان أنهما على استعداد لإطلاق عملية برية في إطار استراتيجية شاملة يدعمها الغرب لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». اتخذت تركيا والمملكة العربية السعودية أيضا خطوات لإعادة تنظيم الجماعات المعارضة لتشكيل جبهة موحدة ضد النظام والقوى الكردية التي تطوق حلب. في الأسبوع الماضي، تم تأسيس تحالف جديد لفصائل المعارضة المسلحة تحت مسمى جيش حلب وهو يتألف من عدة فصائل مخلفة الأطياف تجمع ما بين الإسلاميين وألوية الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا والمملكة العربية السعودية. تأمل أنقرة أن التحالف الجديد الذي تعهد بالولاء لقائد أحرار الشام السابق «هاشم الشيخ»، يمكن أن يوقف تقدم حزب الاتحاد الديمقراطي، فضلا عن قوات النظام في المناطق المحيطة بحلب.

تعتزم أنقرة أيضا خلق منطقة عازلة بحكم الواقع على الأراضي السورية. ترفض تركيا فتح حدودها للسماح بدخول السوريين النازحين بسبب القتال الدائر مؤخرا حول حلب، معتبرة أن البلاد قد وصلت إلى الحد الأقصى لعدد اللاجئين السوريين الذين يمكن أن تلبي احتياجاتهم الإنسانية من خلال المخيمات على الجانب التركي من الحدود. تخطط أنقرة إلى تجديد دعوتها ا لإنشاء منطقة حظر جوي لحماية المدنيين الذين يعيشون في المخيمات على الجانب السوري من الحدود. وقد بنت تركيا بالفعل 8 مخيمات داخل سوريا يمكنها استيعاب حوالي 77 ألف لاجئ. وتعتقد الدوائر الحكومية أنه إذا كان ارتفع عدد اللاجئين الذين يعيشون في تلك المخيمات إلى 400 ألف لاجئ فسوف يضطر حلف الشمال الأطلسي إلى إنشاء منطقة حظر للطيران.

وجود منطقة حظر للطيران في شمال سوريا لن يحفف فقط من عبء اللاجئين على تركيا ولكنه سوف يمنع حزب الاتحاد الديمقراطي من السيطرة على عزاز وربط الكانتونات الكردية مع بعضها البعض. حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي، رغم ذلك، من غير المرجح أن يوافقوا على خطة أنقرة. وقد قاومت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة مثل هذه الدعوات ولن تغير رأيها في عام الانتخابات. الأوربيون يبدون مترددين أيضا، ترى المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» أن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» يرغب في عدم استفزاز حلف الشمال الأطلسي، وهي تريد كذلك ألا تبدأ باستفزاز موسكو.

قد لا تسفر الجهود الجديدة أيضا عن نتائج حقيقية. مع وجود سلاح الجو الروسي الذي يدعم الأكراد والنظام، ودون امتلاك القدرة المضادة للطائرات لفصائل المعارضة، فإن هناك القليل جدا مما يمكن للائتلاف الجديد القيام به لترجيح كفة التوازن العسكري.

تسببت التحولات الكبيرة في سوريا في الحد بشكل كبير من قدرة تركيا على المناورة. وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن المستقبل سيكون أقل قتامة. هناك الكثيرون داخل الدوائر الحاكمة في حزب العدالة والتنمية قد بدؤوا يعتقدون أنهم استنفذوا جميع الخيارات الإبداعية الممكنة في سوريا. وقد قام بعض كتاب الأعمدة البارزين من المواليين للحكومة مؤخرا بالتعبير هذه الشواغل ودعوة الحكومة لتغيير المسار في سوريا. ما إذا كان الرئيس «رجب طيب أردوغان» سوف يستجيب حقا لهذه الدعوات هو أمر ليس بالإمكان التنبؤ به.

  كلمات مفتاحية

تركيا سوريا بشار الأسد أردوغان المنطقة العازلة حزب الاتحاد الديمقراطي روسيا أنقرة الأكراد

«فورين أفيرز»: لماذا لا تزال المنطقة الآمنة هي الخيار الأكثر واقعية في سوريا؟

حسابات المخاطر والتحديات: آفاق التدخل العسكري التركي في شمال سوريا

السعودية وتركيا.. حلف الردع

المغامرة الخطرة: ما الذي يعنيه تدخل سعودي تركي محتمل في سوريا؟

«غارديان»: السعودية قد تنشر الآلاف من القوات الخاصة في سوريا بالتنسيق مع تركيا

قائد أمريكي سابق بالتحالف: الخطة (ب) في سوريا ستكون حملة برية بدون روسيا