«فورين أفيرز»: لماذا لا تزال المنطقة الآمنة هي الخيار الأكثر واقعية في سوريا؟

الخميس 25 فبراير 2016 03:02 ص

لقد وصلت الحرب في سوريا إلى نقطة تحول. وقد تفاقمت الأزمة الإنسانية بشكل كبير مع شروع النظام السوري في استعادة الأراضي مرة أخرى. في الأسبوع الماضي، ساعدت واشنطن وموسكو وكلاءهم في سوريا من أجل التفاوض على وقف إطلاق النار. ولكن ذلك الاتفاق من غير المحتمل أن يغير الكثير على أرض الواقع، لذا فقد حان الوقت للولايات المتحدة وأوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية لاستعادة زمام المبادرة من روسيا واحتواء تركيا وإعادة الاستقرار إلى الصراع.

تقول الحكمة التقليدية إن الولايات المتحدة وحلفاءها أمامهم 3 خيارات، وجميعها لا تبدو جيدة. أول هذه الاختيارات هو الاعتماد على تنفيذ وقف إطلاق النار الذي يعاني الكثير من الثغرات، أو السماح لروسيا بمواصلة قصف الجماعات الإرهابية والتي تعني في واقع الأمر جماعات المعارضة، أو اتخاذ إجراءات عسكرية مباشرة تجاه الجيش السوري وهو الخيار الذي لا يحظى ربما بالكثير من الدعم الشعبي. ولكن هناك خيار رابع ربما يكون بإمكانه العمل بشكل أفضل وهو وضع منطقة الحظر الجوي على الطاولة من جديد، وهو خيار ليس من شأنه فقط دعم المصالح المشتركة بين الحلفاء الغربيين ودول الخليج، ولكنه أيضا يثبت أنه قابل للتطبيق على أرض الواقع.

احتواء تركيا

سوف تلعب تركيا دورا حاسما في المراحل النهائية للحل السوري في نهاية المطاف، ولكن في هذه المرحلة فإنها تحتاج إلى أن يتم احتواؤها. على مدار أسبوع، واصلت تركيا قصف وحدات الحماية الكردية. وبدافع الانتقام ربما، فقد قام أحد النشطاء الموالين للأكراد بشن هجوم إرهابي كبير الأسبوع الماضي في أنقرة. تركيا الآن على وشك تصعيد حالة عدم الاستقرار بشكل كبير، وهي بحاجة إلى أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على الأكراد من أجل التراجع. وسوف يكون خلق منطقة آمنة متاخمة للحدود التركية شمالي حلب وغرب كوباني وسيلة للقيام بذلك. وفي هذه الحالة فإنه يمكن لتركيا أن تستجيب للولايات المتحدة بإيقاف قصفها للوحدات الكردية خلف حدود هذه المنطقة.

المنطقة الآمنة ليست حيوية فقط من أجل هذا الأمر، ولكنها ضرورية أيضا بالنظر إلى أن هناك أكثر من 300 ألف سوري يموتون جوعا في حلب. خاصة في الوقت الذي تكثف فيه روسيا من قصفها الجوي الذي لا يبدو أنه سوف ينتهي قريبا، في حين تبعد القوات السورية 15 ميلا فقط عن الحدود التركية. يجب أن تتم حراسة المنطقة جويا من قبل حلف الشمال الأطلسي، وأن توضع تحت حراسة القوات التركية على الأرض، في حين تخضع لإدارة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع قوات المعارضة.

الخيار الأفضل

سيكون هناك العديد من الآثار المباشرة للمنطقة الآمنة. أولا، فإنها سوف تقوم بإحباط العملية العسكرية السورية في الأماكن القريبة. ثانيا، فإن الطائرات العسكرية التابعة للناتو في المنطقة سوف تدفع روسيا للابتعاد عنها وإيقاف حملة القصف، وثالثا فإن تركيا سوف تصبح أقل قلقا بشأن الخطر المحتمل للأكراد. وفي الوقت نفسه، فإن المنطقة سوف توفر ملجئا للمدنيين وتعطي مساحة للمعارضة لإعادة تجميع صفوفها .وأخيرا، فإنه من المرجح أن هذا الحل سوف يجنب أي توغل سعودي محتمل في سوريا.

تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلى التحرك بسرعة لضمان عدم انحياز الوحدات الكردية إلى روسيا، والذي سيكون بمثابة انقلاب آخر. (دعت روسيا حزب الاتحاد الديموقراطي إلى الاحتفاظ بمواقعه الحالية في سوريا كما وعدتهم بمنطقة كردية في شمال سوريا). في الواقع، إذا لم يتخذ الغرب هذه الخطوة الآن فإنه سوف يترك تغيير ديناميات الصراع لطرق أخرى. إذا قامت السعودية بإرسال قوات برية إلى سوريا، فإن ذلك من شأنه أن يصعد من نشاط روسيا من أجل الحفاظ على نفوذها. كما أنه سوف يدفع إيران، التي يبدو أنها تميل لتحجيم تورطها مؤخرا، إلى الاندفاع من جديد. هذا سوف يدفع نحو اندلاع حريق إقليمي هائل، وسوف تكون تركيا غير المستقرة غير قادرة على استيعاب موجة اللاجئين الجديدة التي سوف تتسبب في زعزعة عدم الاستقرار في الاتحاد الأوروبي، وهذا الأمر سوف يكون بمثابة انقلاب روسي آخر في معطيات الصراع.

الشيء الوحيد الذي يمكن أن تخشاه روسيا في الوقت الراهن هو إمكانية التدخل النشط لحلف الشمال الأطلسي في الصراع. وبالتالي فإن مراقبة الناتو للمنطقة الآمنة سوف يخلط أوراق روسيا. وفي الوقت نفسه، فإن هذه الخطة سوف تسمح لتركيا بتحقيق الاستقرار على حدودها، وسوف تعطيها الحماية التي تسعى إليها في مواجهة روسيا، وسوف يدفعها ذلك لإنهاء قصفها لحزب الاتحاد الديمقراطي. سوف تمنع هذه الخطة كذلك الجيش التركي من القيام بتوغل أعمق وغير قابل للسيطرة عليه في سوريا، في حين سوف يستفيد الغرب من تمركز القوات البرية التركية في تأمين هذه المنطقة.

فائدة أخرى من المنطقة الآمنة أنها سوف تزيد من تأثير الاتحاد الأوروبي في الأزمة. لدى الاتحاد خبرة واسعة في إدارة الاستقرار خلال مرحلة ما بعد الصراعات من كوسوفو إلى أوكرانيا ومن مالي إلى الصومال. وسوف يتولى الاتحاد الشق الميداني من تنفيذ المنطقة والإشراف عليها وذلك من شأنه أن يعطي أوروبا الفرصة لاتخاذ خطوة أكثر صراحة للتصدي لاندفاع اللاجئين إلى ديارها. طالما كان الحلفاء في منطقة الخليج يتطلعون إلى نظرائهم الغربيين من أجل اتخاذ خطوة حاسمة في مواجهة النظام السوري، ولذلك فإنهم سيكونون على استعداد للمشاركة في الدوريات الجوية وفي تمويل تشغيل المنطقة الآمنة على الأرض.

إذا نجحت عملية إنشاء المنطقة الآمنة، فإنها سوف تكون كفيلة أيضا بدفع المسار الدبلوماسي مرة أخرى. وقد تعثر هذا المسار بعد أن بدأت قوات النظام في إحراز تقدم على الأرض بفعل الغطاء الروسي. سوف تمثل المنطقة الآمنة ضغطا على روسيا من المرجح أن يدفعها إلى ممارسة نفوذها على الرئيس السوري «بشار الأسد» من أجل الانخراط في المفاوضات، لأنها سوف تقنع كل من روسيا والنظام أن التحالف الغربي الخليجي في طريقه لاتخاذ خطوا فعلية نحو إنهاء الصراع في سوريا.

تركيا أيضا، نظرا لموقعها في طليعة عملية الاستقرار، ومع قواتها العاملة في سوريا، فإن من شأنها أن تكون أكثر انفتاحا على الانضمام إلى المحادثات الدبلوماسية بمجرد استئنافها، وربما تلين من موقفها بشأن التمسك بعدم مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في المفاوضات.

مؤشرات إيجابية

وبالرغم من كمية الشحن التي صارت تكتنف الأزمة، فإن هناك جملة من المؤشرات الجيدة. لم ينعكس التنافس السعودي الإيراني المتصاعد على تعطيل محادثات الأمم المتحدة، وقد نسقت الولايات المتحدة وروسيا لرعاية المحادثات بداية من قرار مجلس الأمن. وقد صارت المعارضة السورية أكثر تنظيما. وأشارت روسيا انفتاحها على إعطاء ملجأ للأسد، وقد تم تنفيذ عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار في مناطق محدودة، كذا فإن إيران قد خففت بالفعل من مساعداتها للقوات السورية.

لكن لا تزال هناك تعقيدات كبيرة في مسار الدبلوماسية، خاصة مع تلكؤ «الأسد» بسبب النجاحات التي يحققها على أرض المعركة، بما في ذلك استعادة السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي في الغرب بمساعدة الضربات الجوية الروسية وهجمات الميليشيات الشيعية. الطريق الأنجع لإعادة ضبط مسار المحادثات هو وضع مناقشة بناء منطقة آمنة ومحادثات الأمم المتحدة على مسارين منفصلين، والشروع فورا في إجراءات المسار الأول. ومع بداية تفعيل المنطقة، فإنها سوف تضغط على روسيا و«الأسد» ليس فقط من أجل المشاركة في المحادثات، بل لتقديم ما يكفي من أجل الوصول إلى اتفاق.

من أجل التأكيد على الأمر، علينا أن نعرف بوضوح أن المجتمع الدولي سوف يواجه صعوبات جمة في تجنب هذه المشكلة بعد اليوم. في ليبيا، فشلت القوى العالمية في متابعة العملية الجوية للناتو بجهود لتحقيق الاستقرار على الأرض وهو القرار الذي أثار أزمة في مالي وتدريجيا تراجعت ليبيا نحو حالة من الفوضى. سوف تسمح المنطقة الآمنة بالوصول إلى حل دبلوماسي مستقر بشكل ما. سوف يتعين على الأمم المتحدة بعدها أن تضطلع بأكبر عملية لحفظ السلام في التاريخ والتي سوف تتداخل مع عملية الاستقرار في الاتحاد الأوروبي. في نهاية المطاف، إذا كانت العملية ناجحة، فإنه بإمكان الحلفاء أن يحولوا كامل اهتمامهم نحو محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية».

كل هذا يتطلب تضافر الجهود، ولكن من دون منطقة آمنة قابلة للحياة لا يبدو أن هناك الكثير من الخيارات المنطقية قيد النظر. بالفعل، لقد ضاعت العديد من الفرص، كانت أهمها عندما نجح الجيش السوري الحر في وقت مبكر في تحقيق بعض النجاح مساعدة الحلفاء الغربيين قبل وصول «الدولة الإسلامية» إلى حيز الوجود لتملأ الفراغ الأمني في شرق سوريا وغرب العراق. من أجل استعادة زمام المبادرة من روسيا والنظام، ومن أجل احتواء تركيا ومساعدتها، يحتاج الحلفاء الغربيون والخليجيون إلى التحرك الآن. دون خلقهم منطقة آمنة، فإن محادثات الأمم المتحدة ليس لديها فرص واقعية في حل هذا الصراع الذي يبدو بلا نهاية والذي سوف يسهم استمراره في تعميق الكارثة الإنسانية وسوف يمهد الطريق إلى اندلاع حرب إقليمية حقيقية.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

تركيا السعودية سوريا المنطقة العازلة الاتحاد الأوروبي

«أردوغان»: سنرد على الانتهاكات وسنستمر في دعم المظلومين .. والمنطقة العازلة قريبا

الخارجية الأمريكية: ليس هناك ضرورة لإقامة منطقة عازلة في سوريا

أولاند يبلغ أردوغان دعمه لمنطقة عازلة بين تركيا وسوريا .. وغارات أمريكية إماراتية قرب «عين العرب»

تركيا تعتزم إنشاء منطقة عازلة حدودية مع سوريا دون انتظار التحالف الدولي

خطة تقسيم سوريا .. ماذا بعد أن ينهار وقف إطلاق النار؟

«معهد الشرق الأوسط»: خيارات تركيا «المحدودة» في سوريا

وقف إطلاق النار في سوريا يواجه تحديات

«خوجة»: معارضة واشنطن للمناطق الآمنة أخلى الساحة للمحور الإيراني الروسي

واشنطن: «أوباما» لم يغير موقفه الرافض من مقترح «المنطقة الآمنة» في سوريا

«أردوغان» يؤكد أن تركيا تجري تحضيرات لتطهير الجانب السوري من الحدود