خطة تقسيم سوريا .. ماذا بعد أن ينهار وقف إطلاق النار؟

الجمعة 26 فبراير 2016 11:02 ص

كان «جون كيري» محقا حين قدم وقف إطلاق النار في سوريا على أنه الفرصة الأخيرة من أجل الحفاظ على البلاد موحدة. ولكن هذه الفرصة الأخيرة لا تملك إلا أملا ضئيلا جدا من أجل النجاح.

وفي هذا المقال فإننا نتجه إلى التركيز على يوم ما بعد انهيار وقف إطلاق النار، والذي نتوقع أننا سوف نشهده بعد فترة وجيزة بناء على أهم التطورات ذات الصلة التي رافقت الإعلان عن وقف إطلاق النار من جانب كل من الولايات المتحدة وروسيا، بسبب تأثير هذه التطورات على التحضيرات التي ربما تجري لمرحلة ما بعد انهيار اتفاق وقف الأعمال العدائية.

أول هذه التطورات هو أن «الدولة الإسلامية» قد كثفت فجأة من عملياتها في رسالة إلى جميع الأطراف المعنية. تقول الرسالة بوضوح: أي وقف إطلاق نار تتحدثون عنه؟ هل نسيتم أننا لا زلنا هنا؟ ومن المتوقع أن تشرع «الدولة الإسلامية» في سلسلة من الهجمات الإرهابية التي تهدف إلى إلهاب المشاعر حتى تضمن انهيار الاتفاق في وقت قريب.

ثانيا، هناك توقعات كبيرة في المنطقة وفي الولايات المتحدة، أن «الأسد» وروسيا لن يحترما اتفاق وقف إطلاق النار. ربما لا يقومان بخرقه علنا في البداية، ولكن أدنى مخالفة قد تقابل برد فعل مبالغ فيه قد يتسبب في انهيار الاتفاق في نهاية الأمر.

وزير الدفاع الأمريكي «آشتون كارتر»، مدير وكالة المخابرات المركزية «جون برنان» ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال «جوزيف دانفورد» قد أعربوا جميعا عن درجات مختلفة من التشاؤم بشأن استعداد «بوتين» و«الأسد» وإيران لاحترام وقف إطلاق النار. المعركة التي يخوضها هذا التحالف الثلاثي في حلب لا تزال في منتصف الطريق وهذا التحالف يرى احتمالات الفوز تتجسد ببطء على الأرض.

ثالثا، فإن جماعات المعارضة غير الإرهابية في سوريا هي أيضا متشككة بشأن فرص النجاح. وهناك جزء كبير من تلك الجماعات قد قبل وقف إطلاق النار ولكن الجزء الرافض للاتفاق سوف يواصل القتال. من أجل وضع وقف إطلاق النار قيد التنفيذ، فإن غالبية هؤلاء الذين يطلقون النار على بعضهم البعض يجب أن يتم إسكات أسلحتهم. ولكن حتى إذا قررت أقلية معتبرة مواصلة القتال، فلن يكون هناك وقف لإطلاق النار.

رابعا فإنه يكفي لروسيا أن تقوم بقصف فصيل واحد من أجل دفع الآخرين إلى التخلي عن وقف إطلاق النار. خريطة المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة المختلفة في سوريا هي خريطة شديدة التشابك والتعقيد. لا توجد وسيلة يمكن من خلالها أن تقوم القوات الروسية باستهداف الفصائل التي انتهكت وقف إطلاق النار بشكل حصري. إذا تم استهداف المجموعات التي قبلت الصفقة، فمن المرجح أن تلك الصفقة سوف تنهار على الفور.

خامسا، فإن وقف إطلاق النار يمكن أن يعتبر من قبل بعض الجماعات في المعارضة بأنه محاولة لتقسيم الهيئة العامة للمعارضة أكثر مما هي عليه. أولئك الذين يلتزمون خطة نزع الصعيد سوف يتعرضون للهجوم من قبل المجموعات الأخرى التي اختارت مواصلة القتال. سوف تقوم قوات الحلف الثلاثي المكون من روسيا و«الأسد» وإيران بقصف الجميع على حد سواء. سوف يكون أكبر الخاسرين في هذه الحالة هم الفصائل التي قبلت وقف إطلاق النار.

سادسا، فإن الأتراك الذين أعلنوا قبولهم لوقف الإطلاق النار يقفون بدورهم على الحافة. هم يرون أن أسوأ كوابيسهم في طريقه إلى التحقق. حيث يجري تقديم المساعدة إلى الجماعات الصديقة لحزب العمال الكردستاني من قبل روسيا والولايات المتحدة من أجل محاربة «الدولة الإسلامية»، في مقابل منحهم وعودا بالسيطرة على قطاع من الأراضي المتاخمة لتركيا. ويبدو أن العامل الوحيد الذي يمنع الأتراك حاليا من دخول سوريا هو وجود الجيش التركي هناك. وقد أخبر حلف الشمال الأطلسي تركيا صراحة أنه لن يتدخل لنصرة أنقرة إذا ما قامت هي ببدأ المواجهة مع الروس.

وقد تم ترك «أردوغان» دون خيارات سوى مواصلة مساعداته للمعارضة. وفي ظل وصول الغضب في تركيا إلى مستويات عالية فإنه يجب عدم استبعاد إمدادات الأسلحة النوعية من تركيا إلى بعض جماعات المعارضة. وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى تصعيد كبير في شمال سوريا. لا ينبغي أن يتم حصار «أردوغان» لأن هذا المسعى يبدو محفوفا بالمخاطر.

ومن المثير للسخرية أن نقول إن حزب الاتحاد الديموقراطي المدعوم من الولايات المتحدة يرتبط بعلاقات وثيقة مع موسكو. يكفينا فقط أن نعيد النظر في معركة قاعدة مناغ لنرى كيف عملت الوحدات الكردية بالتنسيق مع القوات الجوية الروسية. الناس ليسوا أغبياء. لقد تحولت وحدات الحماية الكردية إلى دليل حي على عمل كل من الولايات المتحدة وروسيا معا. ولكن النقطة هنا هي أن حزب الاتحاد والوحدات الكردية قد قاتلت ضد جماعات المعارضة الأخرى التي تدعمها الولايات المتحدة. ولذلك، فإن الولايات المتحدة تساعد مجموعة تقوم بمحاربة المجموعات الأخرى التي تدعمها الولايات المتحدة.

ماذا سيحدث في اليوم التالي لوقف إطلاق النار في سوريا؟

فقط إذا لم يقم الروس باحترام الاتفاق، أو إذا قام «الأسد» بخرقه عمدا فإنه سوف يتم إحياء فكرة المنطقة الآمنة في شمال سوريا. سيتم تأسيس هذه المنطقة بمشاركة مباشرة من الأتراك، والعرب والدول الإسلامية تحت مظلة حلف الشمال الأطلسي.

ولكن إذا انهار وقف إطلاق النار، فإن اللعبة المتبقية سوف تكون هي صفقة «كيري - لافروف» الحقيقية، وهي بكل بساطة ووضوح: التقسيم.

فكرة المنطقة الآمنة تعد أحد الخطوات الهامة لحل مشكلة اللاجئين التي تؤرق أوروبا ولأجل الحد من العبء الواقع على الدول المجاورة وتقديم المساعدة للمدنيين في سوريا. ولكن ماذا عن الأزمة السورية نفسها؟ لا تقدم المنطقة الآمنة حلال لهذه الأزمة بقدر ما تمثل مسكنا لآلام العواصم الكبرى وألم الجوع لدى عشرات الآلاف من السوريين، والتوتر السياسي والاقتصادي حول قضية اللاجئين في الدول المضيفة ولاسيما في أوروبا.

يمكن للمرء أن يفترض أن وقف إطلاق النار لن يصمد طويلا. الروس لديهم مصلحة لجعله يستمر، ولكن «الأسد» لديه مصلحة في انهياره دون أن يتم تحميله المسؤولية. ولما كان هذا واضحا للكثيرين، فإنه ينبغي أن يكون واضحا للمسؤولين الذين عملوا على هذا المسعى. لماذا اختاروا إذا السير في هذا الطريق بدلا من العمل بجدية أكبر لتحسين ميزان القوى بحيث تحصل سوريا على فرصة أفضل للتوصل إلى اتفاق سياسي معقول؟

ينبغي معالجة هذه المسألة من قبل إدارة «أوباما». كانت واشنطن هي التي وقفت جميع حلفائها من تزويد المعارضة بالأسلحة النوعية، كما أن واشنطن كان هي المسؤولة عن تنظيم هذه المسرحية الكوميدية حول تدريب وتجهيز خمسة متمردين من خلال مشروع تكلف ملايين الدولارات من أجل إغلاق الباب أمام تقديم مساعدات حقيقية للمعارضة.

ومن الواضح أن جهدا دبلوماسيا كبيرا مثل وقف إطلاق النار يتطلب توازنا سليما للقوى على الأرض. كما يتطلب تصورات واضحة بين الأطراف ذات الصلة حول العواقب الوخيمة المحتملة لاستمرار المعارك، إضافة إلى درجة الإنهاك المتبادل.

صفقة التقسيم

لا شيء من هذا موجود بأي شكل الآن. وهو ما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأن وقف إطلاق النار هو مجرد غطاء رقيق للتوصل إلى صفقة ما بعد وقف إطلاق النار. الصفقة التي يريد «كيري» و«لافروف» تقديمها هي تقسيم سوريا، وهي صفقة من شأنها أن تعصم «بوتين» من التورط في سوريا لفترة طويلة وتوافق «الخطة ب» في طهران وتساعد الاتحاد الأوروبي على وقف تدفق اللاجئين.

ملامح الصفقة ما بعد وقف إطلاق النار أو بشكل أدق ما بعد فشل وقف إطلاق النار قد بدأت تتكشف. وتبدو ملامحها الرئيسية كما يلي:

(1) تقوم روسيا وإيران و«الأسد» بالسيطرة على غرب سوريا، بما يشمل حلب إذا تم الاستيلاء عليها خلال فترة زمنية معقولة. «لافروف» يرغب في تأجيل الصفقة، بما في ذلك وقف إطلاق النار، حتى يتمكن حلفاؤه من السيطرة على حلب، ولكن ذلك ربما يستغرق بضعة أشهر.

(2) في أي حال، سواء مع الاستيلاء على حلب أو دونها فإن الروس سوف يقومون بتأمين منطقة عازلة حول الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم في الغرب. لكن روسيا لن تسقط أبدا مطالبتها بسوريا موحدة تحت سيطرة قوة صديقة. وهذه المزاعم سوف تمنحهم تذكرة مجانية للقصف أينما تريد ووقتما تريد.

(3) هناك احتمال أن قوة إسلامية متعددة الجنسيات سوف تدخل إلى الشرق السوري لمحاربة «الدولة الإسلامية» وربما المساعدة في تأمين المنطقة الآمنة. سوف تكون القيادة الحقيقية لهذه القوة منوطة بحلف الشمال الأطلسي الذي سوف يحدد حدود تحركات هذه القوات. وليس من الواضح حتى الآن ما سوف يفعله الأتراك بخصوص الأكراد في المناطق الشمالية من الشرق السوري. لكن هذه الخطوة لن تحدث قبل أن يقوم الروس بتأمين مناطقهم في غرب سوريا تحت سيطرة «الأسد». افتراض أن فكرة تشكيل هذه القوة التي يقودها حلف شمال الأطلسي تأتي استباقا لقيام الروس بترسيم أراضيهم هو أمر غير صحيح. الترويج لهذه الفكرة باعتبارها علامة على الارتباك الأمريكي هو أمر غير دقيق.

(4) تقع هذه الفكرة ضمن إطار تفهم كامل بين الولايات المتحدة وروسيا أنه بمجرد أن يتم تأمين الغرب تحت سيطرة الروس، فإن الولايات المتحدة سوف تتحرك لإخراج «الدولة الإسلامية» بمساعدة من حلف شمال الأطلسي والقوة الإسلامية المقترحة في شرق سوريا. قبلت الولايات المتحدة أن تمنح قيصر روسيا الغرب السوري في مقابل الحفاظ على الشرق لمكافحة «الدولة الإسلامية» وحل مشاكل الحلفاء الأوروبيين. هذا يناسب أيضا ما يعيه «بوتين» من أن روسيا لا يمكنها مواصلة القتال لفترة طويلة. هذا الاتفاق ينقذ «بوتين»، «الأسد»، والإيرانيين والأوروبيين والجميع باستثناء السوريين.

(5) ربما يتم إحياء الجهود الدبلوماسية من جديد بمجرد هزيمة «الدولة الإسلامية» وبعد أن تصبح تقسيم سوريا أمرا واقعا على الأرض.

لماذا تمثل كل هذه الأمور إشكالية؟

فكرة أن سوريا المقسمة سوف تشهد توازنا مستقرا حول خطوط التماس بين الغرب وباقي الأراضي السورية هو نوع من خداع الذات. التصور حول سوريا التي لا تصدر اللاجئين (الذين تستضيفهم المنطقة الآمنة) حيث «الأسد» يجلس بسعادة في قصره في دمشق، في حين يقوم العرب والمعارضة بالتنسيق مع حلف الشمال الأطلسي بمحاربة «الدولة الإسلامية» في الشرق هي فكرة كاذبة وغير واقعية. يمكن لروسيا و«الأسد» وإيران أن يسيطروا على منطقة من الأرض في يوم ما ثم يفقدونها خلال اليوم التالي. سوف يكون الأمر هنا خاضعا لمن بإمكانه أن يحارب لفترة أطول. عندما يتحدث الناس عن «نهاية اللعبة» الروسية في سوريا، عليهم أن يفهموا أنه في مثل هذه الحالات من عدم وجود حل سياسي متوازن، فإنه لا يوجد نهاية للعبة.

ترى المعارضة السورية أن «بوتين» سوف يستنزف مخزوناته المالية في وقت مبكر من عام 2017. «الأسد» أفلس أخلاقيا قبل أن يفلس ماليا عندما أطلق النار على المتظاهرين السلميين ودفع سوريا إلى هذا المأزق. وقد تضررت إيران بشدة بفعل انخفاض أسعار النفط.

الفوز في حرب ما لا يعني شيئا إذا كان العدو لا يزال يحتفظ بالإرادة والوسائل اللازمة لمواصلة القتال. أعلن «الأسد» من قبل أنه قد فاز قبل أن تعترف بعد ذلك بأشعر قليلة أنه يعاني نقصا في القوى العاملة. أولئك الذين يتحدثون عن انتصار «الأسد» لا بد لهم أن يقوموا بإعادة تعريف مفهوم الانتصار.

هل وقف إطلاق النار هو مبادرة جيدة أو سيئة؟ هذا هو السؤال الخطأ، لأنه لا معنى للدعوة إلى وقف إطلاق النار في حين أن ميزان القوة لا يوصل إلى وقف الأعمال العدائية وفي حين أن الطاقة المبذولة من قبل الجانبين المتحاربين لا تزال وفيرة.

وبالنسبة لأولئك الذين يحافظون على ترديد هذا السؤال: «ما هو البديل؟» فإن عليهم أن يبدؤوا ببساطة في التفكير في كيفية تغيير ميزان القوى على الأرض من أجل الوصول إلى أي نقطة ذات مصداقية يمكن عندها لوقف لإطلاق النار والدبلوماسية أن تحظى بأي فرصة للنجاح.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

بوتين الأسد تقسيم سوريا جون كيري المعارضة السورية وقف إطلاق النار روسيا بوتين أمريكا

«فورين أفيرز»: لماذا لا تزال المنطقة الآمنة هي الخيار الأكثر واقعية في سوريا؟

في 7 خطوات .. كيف يمكن للولايات المتحدة تصحيح أخطائها في سوريا؟

«ستراتفور»: نقاط القوة والضعف في الاستراتيجية الروسية في سوريا

«مركز بلفور»: هل يمكن للسعودية هزيمة «الدولة الإسلامية» في سوريا؟

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

«أتلانتيك كاونسل»: لماذا تفشل الخطة (ب) الإيرانية في سوريا؟

وزير الخارجية الإماراتي: دعم إيران لـ«الإرهابيين» في سوريا يعرقل الحل السياسي

الخطة (ب) أردنيا

وقف إطلاق النار في سوريا يواجه تحديات

تركيا قصفت 10 أهداف لـ «الدولة الإسلامية» في سوريا الأحد

طرح روسي لتقسيم سوريا .. خطة موسكو «البديلة»؟

«البلقنة الجديدة» الحل الوحيد!

«حربنفسه» اسم مدينة سورية تحول في أذن مراقب هدنة أمريكي إلى «حرب بيبسي»

هل هذه فعلاً بداية النهاية للصراع على سوريا؟

«تقسيم سورية» بديلا من فشل الهدنة والمفاوضات

تقسيم سوريا .. الخطة الأمريكية البديلة حال فشل وقف إطلاق النار

الأكراد والأمريكيون يؤيدون مقترحا روسيا لتقسيم سوريا لمناطق حكم ذاتي

هل يكون التقسيم هو الخيار الأكثر واقعية لإنهاء الحرب في سوريا؟

«ميدل إيست بريفينج»: السيناريوهات المعقدة للعبة الحرب والسلام في سوريا

أحجية التاريخ السياسي: الجذور «البنيوية» لعدم الاستقرار في دول الشرق الأوسط

ثمن الخطأ الأمريكي: لماذا لن تنجح صفقة «كيري - لافروف» في حل أزمة سوريا؟

«ستراتفور»: كيف ستحدد حلب مصير سوريا؟