ثمن الخطأ الأمريكي: لماذا لن تنجح صفقة «كيري - لافروف» في حل أزمة سوريا؟

الجمعة 8 أبريل 2016 03:04 ص

حاولنا في عدة مناسبات سابقة أن نطرح شكوكنا حول وقف إطلاق النار في سوريا. قيل لنا إن وقف إطلاق النار سوف يصمد بشكل جيد ثم قيل لنا أنه قد صمد بشكل جيد بالفعل. وبعبارة أخرى، قيل لنا إننا كنا مخطئين، وأن الأمور لم تبد بذلك السوء الذي كنا نظن أنها سوف تكون عليه.

هناك قليلون سوف يكونون أكثر سعادة منا إذا كنا على خطأ بخصوص هذا الحساب. ولكن أولئك الذين يسارعون لتقييم الفرص، ليس فقط في وقف إطلاق النار وإنما للصورة الكلية للاتفاق والتي تشمل الصفقة بين «أوباما» و«بوتين» حول سوريا، ينبغي أن يدرسوا بشكل جيد التطورات على الأرض بما في ذلك، بما في ذلك سلسلة الاغتيالات الأخيرة لبعض الشخصيات المعارضة، على أساس مدى أهميتها وتأثيرها في المستقبل. وبناء على ذلك فإننا لسنا على ثقة في أن المسار الحالي قادر على الاستمرار وصولا إلى تحقيق أهدافه. في هذا الصدد فإننا سوف نحاول أن نشرح، بأكبر قدر ممكن من الوضوح، لماذا لا نعتقد أن الأمور تسير على الطريق الصحيح.

كانت الخطة الأولية تتضمن توحيد أكبر قدر ممكن من المجموعات السورية المسلحة إما على محاربة «الدولة الإسلامية»، أو على الأقل ضمان وقوفهم جانبا في الوقت الذي تقوم فيه (الولايات المتحدة وروسيا وإيران وحزب الله أو غيرهم) بمحاربتها. ضمان حياد هذه الجماعات المسلحة كان أمرا مستحيلا دون وعود بتقديم حل سياسي ووقف لإطلاق النار وبعض الجلبة على هذا المسار. وقد اصطف الحلفاء الإقليميون في مساعيهم للضغط على المعارضة للتنحي جانبا حتى تتم هزيمة «الدولة الإسلامية» من خلال قبول اتفاق وقف إطلاق النار.

كتبنا سابقا أن هذا المفهوم كان خاطئا ومحكوما عليه بالفشل. صحيح أن ذلك قد يكون الطريق الوحيد الممكن، في ظل هذه الظروف، الذي يعد بنتائج سريعة. ولكن هذا لا يجعل منه ناجحا بالضرورة. سوف نقوم هنا بتلخيص بعض هذه الأسباب في نقاط مختصرة:

الطيف المعارض

أولا: ووفقا لتلك المقاربة شديدة التبسيط، فقد تم تخفيض النظر إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» على أساس كونه مجموعة من البشر. لم يتم النظر إليه باعتباره متمخضا عن فكرة سيطرت على عدد متزايد من السوريين بسبب ضغوط الأزمة. ولكن منذ ازدهرت الجماعة الإرهابية بسبب هذه الأزمة، فقد كان ينبغي علينا أن نتنبأ بسهولة أن وجودها المادي الحالي لن يتم إنهاؤه عبر الوسائل العسكرية فقط.

ما يجعل هذه الحجة مقنعة بشكل ما هو أن لدينا بالفعل العديد من الجماعات التي توجد في المنطقة الرمادية بين أيدولوجية تنظيم «الدولة الإسلامية» وبين معتنقي الأفكار القومية. تلك المنظمات «الرمادية» هي أيديولوجيا «نصف دولة إسلامية» إذا جاز التعبير. وهو يقدمون عناصر قابلة لتبني خط «الدولة الإسلامية»، بشكل أو بآخر، حال تعرض القادة التنظيميين الحاليين إلى القتل. سوف يقوم أعضاء «الدولة الإسلامية» بالانضمام إلى تلك المجموعات الرمادية والجنوح بها نحو المنطقة السوداء حيث يتم تبني مواقف أكثر تطرفا. في حين أن تلك الجماعات في اللحظة الراهنة لا تزال لا تشكل تهديدا للعالم الخارجي، فإن نظرتهم اللاهوتية قابلة للتطور بطبيعتها للوصول إلى هذه المرحلة من العدوانية في المستقبل.

لا ينبغي اعتبار أي وعود أو تعهدات من الأطراف الإقليمية أو الجماعات السورية المحلية ضمانا لمنع ذلك من الحدوث. في نهاية المطاف، فإن الاتجاهات الموضوعية هي التي تقوم بفرض نفسها على أي حال. وفي الوقت الذي ستقوم فيه القوى الخارجية بالاشتباك مع الوضع العام في الشرق الأوسط بطريقة أو بأخرى، فإن التحول إلى تشكيل تهديد للآخرين سوف يحدث على أي حال.

هذا يعني ببساطة أن الخط المتطرف والعنيف لتنظيم «الدولة الإسلامية» سوف يعاود الظهور طالما استمرت الأزمة دون حل سياسي. وبعبارة أخرى، فإنه من الخطأ أن نقوم بالنظر إلى «الدولة الإسلامية» بمعزل عن سبب وجودها.

تصلب «الأسد»

ثانيا: من خلال تحييد المعارضة والتركيز على المعركة ضد «الدولة الإسلامية»، فإن مسألة من سيملأ الفراغ في كل المنطقة التي سيتركها التنظيم ينبغي أن تكون قد تمت مناقشتها في العواصم ذات الصلة خلال المحادثات الثنائية. وبصرف النظر عن كل شيء فإن ما يحدث فعليا على أرض الواقع هو أن قوات «الأسد» هي التي تقوم بملء هذا الفراغ. ولكن هذه الحقيقة يجب أن تدفع تلك العواصم إلى طرح السؤال التالي: أليس من المنتظر أن توسيع «الأسد» لسيطرته العسكرية على الأرض سوف يزيد من تصلب مواقفه السياسية والدبلوماسية؟

وبعبارة أخرى، في حين أن الهدف من هذه المرحلة من الأزمة السورية هو التوصل إلى حل سياسي معقول، فإن المنطق الكلي المصمم للتعامل مع المرحلة يصعب من مهمة التوصل إلى مثل هذا الحل. لم يكن علينا أن ننتظر طويلا كي نعلم أن مواقف «الأسد» قد صارت أكثر تصلبا بسبب حقيقة أن قواته هي التي قامت بملء الفراغ الناجم عن تراجع «الدولة الإسلامية».

لا يتطلب الأمر منا دراية بعلوم الفضاء كي ندرك أن صفقة «كيري - لافروف» تقوم على الحفاظ على النظام، ربما دون «الأسد» في نقطة ما على الطريق، عندما تبدأ ملامح النظام السياسي الجديد في الظهور. المشكلة التي تواجه هذه الصفقة في الوقت الحالي تكمن في أن الحفاظ على «الأسد» على رأس النظام من شأنه أن يعيق فرص الوصول إلى الهدف ذاته الذي يتمثل في إصلاح هذا النظام أو التوصل إلى حل سياسي.

يمكننا أن نتعامل مع لغز البيضة والدجاجة هذا بطرق مبتكرة. هناك معايير معينة ينبغي أن يتم التوصل إلى تفهمات بشأنها بين الولايات المتحدة وروسيا والعرب وإيران لتقديم خارطة طريق تؤدي إلى نقطة رحيل «الأسد». من خلال ما يظهر على السطح، فإن ذلك يبدو أنه ربما قد تم باستخدام عبارات عامة (لأنه ليس من المؤكد أن الإيرانيين، على أقل تقدير، ملتزمون بحدوث ذلك على المدى القصير). إذا تم التوصل إلى اتفاق حول هذه النقطة، فإن السؤال الذي يبرز هو: لماذا لا يرحل «الأسد» على الفور. وما هي النقاط التي تستند إليها في تعنته إذا كان كل من حوله مجمعون على أنه سوف يترك السلطة عند نقطة ما في المستقبل.

المشكلة هنا هي أن هذه الصفقة لا يمكن أن تكون علنية لأن ذلك بإمكانه أن يتسبب في انهيار في انهيار غير مرغوب فيه في بنية الدولة السورية في وقت مبكر، ومن ناحية أخرى فإن المعارضة لن تكون قد حصلت على أي التزام ملموس لإقناعها أن تلتف خلف صفقة سياسية ما لفترة طويلة.

هذا الغموض الذي تفرضه الضرورة يفتح الباب لممارسة جميع أشكال الألعاب المزدوجة. على وجه الخصوص، يتمتع «الأسد» في هذه الحالة بهامش كبير من المناورة يجعله يناور في محاولة تعدي تراتبية القوى بشكل تدريجي في الوقت الذي تكون فيه هذه القوى منشغلة بتنفيذ اتفاقها المبدئي. يظن «الأسد» أن قد ضحى من أجل إنقاذ سوريا، يجب ألا يتوقع أي شخص أن يجلس خاملا دون محاولة لتجنب هذا المصير حتى لو جاء ذلك على حساب العصف بالترتيبات العالمية الموضوعة لإنهاء الأزمة.

الإيرانيون كذلك لا يرحبون بشدة بالدخول في هذه الصفقة. وكانت الطريقة الوحيدة لإنهاء هذه العقبة هي أن يكون واضحا أمام الجميع أن جميع الأطراف المعنية عليها أن تلتزم علنا برحيل «الأسد» عند نقطة معينة في الوقت المناسب عندما يتم استيفاء شروط ومعايير محددة. وسوف يتعين على كل من روسيا والولايات المتحدة أن تضعا ضغوطا مكثفة على «الأسد» وطهران من أجل حملهما على الالتزام بذلك. وساعتها فإن «الأسد» لن يكون قادرا على المقاومة في حال أوضحت روسيا وإيران له بلا لبس أن سوريا أهم بالنسبة لهما من ذاته المتضخمة. لا أحد يطلب الآن أن يقوم «الأسد» مغادرة البلاد فورا، ولكن تبقى خطة على رحيله في المستقبل تكتنفها درجة كافية من الغموض الذي يقلل من أي فرص للحفاظ على سلامة أراضي الدولة السورية ويعطي الديكتاتور السوري مساحة واسعة لنسف الاتفاق.

ثالثا: وبما أن مصير «الأسد» سوف يترك دون تقرير على الأقل في العلن، وبما أن ديناميات الصراع تعطي قواته القدرة على ملء الفراغ الذي يخلفه تراجع «الدولة الإسلامية» بينما يتم كبح جماح المعارضة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار فمن الطبيعي أن الديكتاتور السوري سوف يغرى بمواصلة وضع العقبات أما عجلة أي حل سياسي يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى الإطاحة به.

العديد من الأمثلة على ذلك جاءت في أعقاب زيارة «كيري» الأخيرة إلى موسكو في 24 مارس/أذار. أعلن «الأسد» أنه سيمضي قدما في إجراء انتخابات وكتابة دستور جديد للبلاد. وكان واضحا أن الديكتاتور السوري يحاول إفساد ترتيب «كيري - لافروف» الذي يدعو أيضا إلى انتخابات ودستور جديد ولكن في سياق مختلف. روسيا والولايات المتحدة تحددان الآن ملامح الدستور السوري الجديد. ولكن ماذا لو أعلن «الأسد» عن مشروع خاص به مسبقا ووضعه قيد الاستفتاء؟

ثم ماذا بعد أن يعلن الدستور والانتخابات الخاصين به ويشرع في مواصلة قصف المدنيين في دمشق والمناطق الأخرى بالبراميل المتفجرة إلى الحد الذي يدفع الرئيس «أوباما» إلى تحذيره مرة أخرى. من الواضح، أنه كان يحاول دفع المعارضة لإنهاء وقف إطلاق النار وأن هذه الألعاب لن تتوقف. سوف يستغرق المقود وقتا طويلا من أجل كبح جماح حيل «الأسد».

محاولات «الأسد» لنسف أي اتفاق معقول ينتهي برحيله لن تتوقف أبدا طالما أنه يستشعر أنه لا يوجد إجماع دولي واضح على رحيله. رسالة «الأسد» إلى العالم مفادها باختصار: أنا سوريا، ولكنها مجرد إعادة هزلية لمقولة الجنرال «ديغول». على «الأسد» أن يتذكر أن الجنرال العظيم قد قال في وقت لاحق أثناء قراءة الأسماء على المقابر خلال زيارته لقبر «بير لاشيه»، «يا الله .. هنا الكثير من الناس لا غنى عن وضعهم هاهنا».

الوزن النسبي لأهمية رحيل« الأسد» يزداد بشكل مضطرد في واقع الأمر لدرجة أنه هو في الواقع أصبح مكافئا للتوصل إلى حل سياسي. ينبغي أن يقال له إنه ليس سوريا، وفي واقع الأمر فإنه عكس سوريا تماما. تحت رئاسته، دمرت البلاد تقريبا. وتحت رئاسته فسوف تدمر البقية الباقية منها.

الديناميات الإقليمية ولعبة القوى الكبرى

رابعا: هناك اتفاق مع القوى الإقليمية للضغط على الجماعات المسلحة المعارضة وهذا الاتفاق سوف يفقد زخمه تحت تأثير اثنين من الديناميات المتعارضة: عدم قدرة تلك القوى (العرب في هذه الحالة)على تقديم أي شيء ملموس لصالح جماعات المعارضة، وعدم وجود تفهم إقليمي واضح حول حدود الصراع الإقليمي الاستراتيجي. لن يكون زعماء المعارضة السورية قادرين على إقناع أتباعهم بمواصلة الالتزام بوقف إطلاق النار إلى الأبد دون أي آفاق واقعية لإيجاد حل سياسي في المستقبل المنظور.

خامسا: هناك سباق الآن بين روسيا وحلفائها، )الأسد وإيران وحزب الله) والولايات المتحدة وحلفائها (القوى الديمقراطية السورية) للوصول إلى دير الزور والرقة والرقة. هذا السباق في واقع الأمر هو ساذج ومضر لأن الطريقة التي ستؤخذ بها الرقة ليست أقل أهمية من حقيقة الاستيلاء عليها في واقع الأمر. وقد حاولت في النقاط السابقة الإشارة إلى أن زيادة القلق بين صفوف المعارضة السورية يمكن أن يدفع إلى مواقف متعنتة بمثل مواقف «الدولة الإسلامية». سوف يترك هذا السباق الكثير من الجراح المفتوحة بين العرب والأكراد في سوريا لفترة طويلة.

وسادسا: فإن اتفاق «كيري لافروف» قد رفع الأزمة السورية بمجملها إلى المستوى العالمي. في ظاهر الأمر يبدو ذلك إيجابيا لأول وهلة ولكن نقطة ضعفه هي أن الفاعلين الآخرين في الأزمة قد أعطوا ربما اعتبارات أقل من اللازم في صيغة الاتفاق.

كما ذكرنا أعلاه، فإن البعد السوري، وكذا البعد الإقليمي قد تم التعامل معهما على أنهما مجرد انعكاسات لصفقة واشنطن وموسكو. أحد الأمثلة على ذلك يتضح في ديناميات التعامل مع أطياف المعارضة المختلفة التي أشرنا إليها. مثال آخر هو الضغوط التي مورست على العرب لكبح جماح المعارضة.

ولكن السلبية الأكثر مركزية في اتفاق «كيري - لافروف» هي أنها تحول الأزمة السورية إلى مجرد قطعة ضمن اتفاق عالمي واسع النطاق. هذا ليس أمرا سلبيا في كل الأوقات وفي كل الأماكن ولكنه يكون سلبيا بشكل خاص في الوقت الذي لا تملك فيه الولايات المتحدة ما يكفي من النفوذ بشأن قطعة بعينها على لوح الشطرنج.

ومهما كانت الأسباب التي أقنعت الرئيس «أوباما» بعدم تطوير ما يكفي من النفوذ في سوريا خلال مسار الأزمة، فإن ما يعنينا هنا هو أن نتيجة ذلك قد ظهرت خلال الصفقة التي يتم التوصل إليها الآن. يبدو أن روسيا الآن تطلب الحصول على تنازلات غير واقعية في أماكن أخرى من العالم مثل أوكرانيا وأوروبا الشرقية. الولايات المتحدة غير مستعدة لحسن الحظ أن تتخلى عن مواقفها بشأن هذه القضايا فقط لحل الأزمة السورية. ولكن هذا يترك الأزمة السورية معلقة في ذيل القضايا.

هذا يجعل من الواضح أن رفع الأزمة ككل إلى مستوى رقعة الشطرنج العالمية ربما ينتظر قليلا حتى تقوم الولايات المتحدة بتعزيز مواقعها في سوريا. في محاولة لتعويض الخلل في سياسة «أوباما» التي لا تقدم شيئا فإن «كيري» قد كان مجبرا على دفع الثمن الواجب دفعه أمام خطط الرئيس «بوتين» على الصعيد العالمي. هذا يضعف فرص كل من الموقف الاستراتيجي العالمي الولايات المتحدة والحل السياسي في سوريا.

  كلمات مفتاحية

كيري لافروف سوريا روسيا أمريكا تقسيم سوريا الأزمة السورية «تفاهمات كيري – لافروف»

«كيري» يحث إيران على وضع حد للحرب في سوريا واليمن

خطة تقسيم سوريا .. ماذا بعد أن ينهار وقف إطلاق النار؟

من «سايكس بيكو» إلى «كيري لافروف»

«كيري» و«لافروف» يتوافقان على سوريا «علمانية وموحدة»

«كيري - لافروف» في الخليج: وبدأ العد التنازلي لإنهاء اللعبة في سوريا

سباق نحو الرقة!

عضوة بالمعارضة السورية: اتفاق وقف إطلاق النار على وشك الانهيار

«المعلم» يتهم «مجموعات إرهابية» بخرق الهدنة بتوجيهات تركية وسعودية

أمريكا قلقة للغاية من زيادة العنف في سوريا وتحمل النظام مسؤولية التصعيد

الخطوط الحمراء والمحرمات في المشهد السوري

انطلاق الانتخابات التشريعية في سوريا بين رفض المعارضة وهدنة هشة

مصادر: ‏مشروع أردني إماراتي لوقف الثورة في الجنوب السوري وحماية أمن (إسرائيل)

واشنطن تتلاعب بالسوريين: إطالة الصراع وإدارة الفوضى