«ميدل إيست بريفينج»: السيناريوهات المعقدة للعبة الحرب والسلام في سوريا

الجمعة 25 مارس 2016 05:03 ص

ما حدث خلال محادثات جنيف سوريا لا يبعث على الأمل. صارت الصورة أكثر قتامة مع نهاية المحادثات حينما طلب وفد النظام تأجيل الجولة القادمة من المحادثات بسبب انتخابات البرلمان التي أقرها «الأسد» في أبريل/نيسان. وهذه هي ذات الانتخابات التي كانت موضع انتقاد من قبل الولايات المتحدة وروسيا وجميع الأطراف باعتبارها علامة على اللامبالاة تجاه نتائج المحادثات.

سننظر هنا عن كثب إلى الخيارين المحتملين لنجاح أو فشل الجهود الدبلوماسية من أجل استكشاف ما قد يؤدي إليه كل منهما. ولكن دعونا ننظر أولا إلى ما حدث في جنيف.

قدم نظام «الأسد» ورقة من ثمان نقاط وصفها بأنها ورقة المبادئ الأساسية. تتضمن هذه المبادئ أفكارا عامة مثل السعي إلى دولة ديمقراطية تعددية غير طائفية في سوريا وعقد انتخابات برلمانية ورئاسية ومحاربة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وغيرها.

امتنع المبعوث الخاص للأمم المتحدة «ستيفان دي مستورا» عن تقديم نسخة رسمية من تلك الورقة التي قدمها النظام إلى المعارضة. وقال «دي مستورا» إن المعارضة سوف تصاب بالصدمة إذا اطلعت على الورقة. ويبدو أن المشكلة لم تكن فقط في غياب أي خطوات محددة في وثيقة مبادئ «الأسد»، ولكنها أيضا مثلت نوعا من التراجع عن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وبطبيعة الحال، عن بيان جنيف لعام 2012.

ما هو واضح أن «الأسد» تعمد أن يسقط في ورقته أي حديث عن المسائل العملية الرئيسية مثل موقف النظام من قضية السلطة الانتقالية وتشكيل الحكومة المؤقتة، وهل سيتنحى «الأسد» ويقوم بتسليم السلطة إلى حكومة مصالحة وطنية. لقد كانت «مبادئ الأسد» تفتقر ببساطة إلى أي من أشكال التحديد.

وقد أعرب «دي مستورا» عن قلقه إزاء تردد النظام في معالجة التفاصيل. وقد صرح بالقول: «نحن بحاجة للحديث عن التدابير الإجرائية والعملية. نحن في عجلة من أمرنا». في صباح اليوم التالي طلب وفد النظام تأجيل العملية برمتها.

نحن لسنا في حاجة للكثير من الوقت من أجل تقييم مدى جدية «الأسد»، والذي أعلن مؤخرا أنه سيجري انتخابات برلمانية في 13 إبريل/نيسان، على الرغم من الاعتراضات الدولية. ويبدو أن «الأسد» في حاجة إلى صدمة أخرى من الواقع. إذا كان لا يزال يعيش بعيدا عن الواقع كما هو واضح بشدة الآن فإنه يجب على الولايات المتحدة وروسيا قطع الطريق عليه بشكل عاجل. إنها الآن مسألة حياة أو موت.

وكان «بوتين» قد عاير ضربته إلى «الأسد». وقد أكد أنه يحتفظ بحقه في إعادة قواته إلى سوريا، ويرجع ذلك إلى حالة عدم اليقين بشأن مسار التفاهم بين «كيري» «ولافروف» أو سياسات الإدارة الأمريكية المقبلة. لا يريد «بوتين» أن يكسر خطته في سوريا ولكنه يريد ترويض «الأسد». ولكن في حين يسعى «كيري» و«لافروف» إلى تطوير تفهم متبادل بشأن سوريا، فإنه ينبغي أن يكون مفهوما أن هذا الفهم لن يبلغ حدوده القصوى. حتى مع الاتفاق على وقف إطلاق النار، فإنه لا يزال هناك العديد من الخلافات بشأن الكثير من الجوانب.

الخيارات المحتملة

ولكن، من أجل استكشاف المسارات المحتملة، دعونا نفترض أن المسار الحالي سيستمر وأن «الأسد» سوف يبقى في السلطة في الوقت الراهن وأن المحادثات سوف تمضي قدما تحت الضغط المكثف من جميع الأطراف ذات الصلة. ما الذي ينبغي علينا توقعه؟

من الناحية النظرية، يمكن للمرء أن يضع جميع الخيارات الممكنة على الطاولة ويبدأ في مقارنتها بالأوضاع الراهنة. الخيار الأول هو الوصول إلى تفهم ما حول سوريا موحدة بشكل أو بآخر. أما الخيار الثاني فيدور حول الفيدرالية مهما كان الاسم الذي سيتم اختياره لها أو شكلها النهائي. وأخيرا، هناك خيار مواصلة الحرب إلى أمد آخر في المستقبل إلى حين ظهور خيار «عناني إبراهيمي دي مستوري» آخر.

الخيار الأول هو في الواقع من الصعوبة بمكان، إن لم يكن مستحيلا.

فيما يبدو الخيار الثاني هو الأكثر إتاحة والأسهل في تنفيذه. أما الخيار الثالث، فهو الأسوأ على الإطلاق وسوف يكون هو الخيار الافتراضي حال فشل الخياران الآخران.

دعونا أولا نعقد مقارنة بين الخيارين الأول والثاني.

طالما لا يوجد تفهم إقليمي مشترك فسوف يظل الخيار الأول مستبعدا. العرب وإيران وتركيا والأردن يجب أن يتفقوا على تقسيم مجالات نفوذهم الجغرافي والسياسي في سوريا وأشكال هذا النفوذ. طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق من هذا النوع، فإن أي قدر من الضغط لن يكون كافيا لمنع تقسيم سوريا تحت أي مسمى.

ومن الواضح أن هذا الخيار يتطلب أن يؤمن المجتمع العلوي ومن خلفه إيران أن سوريا موحدة ليست بالضرورة سوريا معادية لهم. وهذا بدوره يتطلب أن تخرج صيغة التفهم الروسية الأمريكية مرضية للعرب والإيرانيين وأن تحصل على موافقة أغلبية المعارضة في ذات التوقيت.

المحاولة الحالية للتنسيق بين روسيا والولايات المتحدة لا تغطي فقط سوى جزء واحد من الشروط المسبقة للتوصل إلى حل سياسي. يتمثل الجزءان الآخران في موافقة القوى الإقليمية وموافقة السوريين على كلا الجانبين. وكلاهما لا يزال مفقودا إلى الآن. الصفقة التي تبدأ مع وقف إطلاق النار، ثم تتحدث عن التدابير الانتقالية ثم صفقة تكفل وقف الأعمال العدائية لا يمكن أن تقوم على جناح واحد.

هيكليا، فإن هذا هو العيب الرئيسي لاتفاق «كيري - لافروف»، وهو أنه وحده ليس كافيا. وحتى إذا كان قد نجح في تحقيق وقف إطلاق النار فإنه لن يكون كفيلا بتحقيق انفراجة، ولذا فإنه معرض للانهيار في كل لحظة. نحن نرى ذلك بوضوح في عناد «الأسد» حتى إننا لا زلنا نستغرب أن وقف إطلاق النار لا يزال قيد العمل من الأساس.

نحن نفهم أن «كيري» يعمل الآن في حوار مع العرب والإيرانيين من أجل الوصول إلى تفهمات مشتركة حول حدود كل منهما في سوريا. ونحن، علاوة على ذلك، نعتقد أن هذه الحوارات تحرز تقدما، ولكن التحدي الرئيسي هنا يكمن في التوقيت. من ناحية، فقد كانت تلك العملية فاعلة بالفعل حين نجحت إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، من جهة أخرى، فنحن نرى أن تعنت «الأسد» يحمل دلالات مختلفة، حيث أنه من المستبعد أن يبدو «الأسد» بهذا التعنت إذا كان الإيرانيون في طريقهم للقبول بحل وسط معقول في سوريا.

ما الذي ينبغي مناقشته إذا مع اللاعبين الإقليميين؟

الصيغة الأولية المقترحة هنا موجودة بالفعل في بيان جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254. ولكن ينبغي وضع المبادئ العامة في كلا الوثيقتين في بيان مفصل تتم مناقشته من قبل كل من واشنطن وموسكو والرياض وأنقرة طهران وعمان. وينبغي أن يدور الحوار حول ترسيم حدود نفوذ كل من هذه القوى في سوريا، وما هي الأمور التي لا يمكن لأي منها تجاوزه.

في لبنان، رأينا سلفا هذا النوع من التفاهمات قيد العمل. تم تنفيذ خطوط فكرة مماثلة بنجاح في اتفاق الطائف. يمكن التحقق من صحة المبدأ مرة أخرى في سوريا ويمكن أن يعمل في حالات أخرى في الشرق الأوسط بعد التعديلات المناسبة لجعله يتلاءم مع خصوصية كل حالة.

هذا المبدأ ببساطة يكمن في السعي إلى إيجاد نقطة توازن بين المصالح المختلفة من أجل تجنب استمرار الصراع. لا ينبغي أن ينظر في مسألة الحفاظ على وحدة سوريا وتمييع ظهور أي تقسيم داخلي كقضية ثانوية هنا. لأنه إذا لم يتم الحفاظ على هذه الوحدة، فسف ينتهي بنا الأمر إلى استمرار الحرب في سياق جديد وتحت مجموعة مختلفة من الأسباب.

أخذ هذا الخيار من عالم التجريد إلى الوضع الحقيقي سوف يؤدي إلى حل مسألة مستقبل «الأسد». إذا طلبت إيران من «الأسد» التنحي فإنه من الصعب أن نفترض أن الديكتاتور السوري سوف على هذه الدرجة من العمى التي يجعله لا يدرك أنه قد تم تركه وحيدا مع عدم وجود حلفاء في أي مكان.

الصفقة بين اللاعبين الإقليميين بشأن سوريا، وعلى الرغم من درجة الصعوبة التي تبدو عليها، فإنها ينبغي أن تكون أولوية مطلقة الآن. إذا تأخر الأمر عن ذلك، فإن المنجزات القليلة جدا التي تحققت ربما تذهب قريبا في مهب الريح.

ما ينبغي القيام به مع جماعات المعارضة التي ترفض قيام دولة شاملة غير طائفية؟ كيف يمكن إصلاح الجيش الوطني والهيكل الأمني حال تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق؟ ما هي الطريقة التي سيتم بها استيعاب جماعات المعارضة التي قبلت الصفقة ضمن مؤسسات الدولة القومية؟

الإجابات على هذه الأسئلة الافتراضية وغيرها سوف يتم تحديدها من قبل الجهود الدبلوماسية. إذا تم الاتفاق على أن نقطة البداية تكمن في السعي إلى سوريا حرة وديمقراطية خالية من الأسد والميليشيات الموالية له مع وجود الاحترام العميق للحقوق الأساسية لمواطنيها وجميع الأقليات، فإن هذا المنطلق سوف يكون هو الخط الفاصل بين من هم في جانب سوريا الجديدة التي سوف تنهض من الرماد، وبين من يريدون أن تنسحب سوريا إلى ماضيها الدموي والقمعي.

لا يجب علينا أن نمضي أوقاتا طويلة في محاولات غير مجدية لأجل محاولة تصنيف كل عناصر النظام والمعارضة المسلحة ومناقشة تفاصيل كيفية استيعاب الجماعات المسلحة، وإعادة بناء الجيش الوطني ومكافحة الإرهاب. لدينا المعايير الأولية لهذه التدابير والمتمثلة في بيان جنيف وقرار مجلس الأمن. وبمجرد تنفيذها، فإن عملية الفرز بين الأصدقاء والأعداء سوف يتم القيام بها من قبل هذه المكونات نفسها.

من أجل أن نكون قادرين على وضع نواة لسوريا الجديدة فإن «الأسد» لا بد أن يرحل ولا بد أن تتفق جميع الأطراف الخارجية على حدود نفوذها. كلا الهدفين مترابطين وفي متناول اليد، ويمكن أن يتحققا إذا بقيت القنوات الحالية بين الولايات المتحدة وروسيا بناءة، وإذا ما قررا استكشاف وسائل لتوجيه جهودهم نحو جمع الأطراف الإقليمية.

وحتى نكون واضحين، فإن هذا الخيار لا يقوم على سورية حرة ومستقلة بشكل تام. وتكمن فائدته في أنه يساعد على تصور تركيب وجود سوريا موحدة مع القبول بقدر من التقسيم على أرض الواقع على أن يتم تقليص حدود هذا التقسيم إلى مستويات مقبولة وعملية.

خيارات صعبة

هذا يقودنا مباشرة إلى الخيار الثاني الذي يبدو وكأن الجميع يندفعون إليه وهو تقسيم سوريا تحت اسم جذاب مثل اللامركزية أو الفيدرالية أو أيا كان. يبدو أن هذا هو الخيار الأكثر سهولة في الظاهر، ولكنه في واقع الأمر يستبطن مشكلات أكثر خطورة من الخيار الأول.

إذا تم الذهاب إلى هذا الخيار فإن الرفض الحقيقي والخطابي له سوف يتجسد في صورة مقاومة مفتوحة. جميع السوريين يتظاهرون الآن ضد استخدام كلمة الفيدرالية. ولنا أن نتصور أن «توحيد الوطن» سوف يكون هو شعار المرحلة المقبلة من الحرب في سوريا.

وخلاصة القول، فإن الخيار الأول وهو الحفاظ على سوريا موحدة بشكل ما سوف يتطلب المضي قدما من خلال نموذج قريب لاتفاق الطائف، حتي يمكن لجميع القوى أن تشارك في الحياة السياسية العامة وأن تمثل في مؤسسات الدولة والجيش وقوات الأمن. الطريق إلى هذا الخيار موضح بالفعل في بيان جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254. ومع ذلك فإن المكونات اللازمة لإسقاطه على أرض الواقع على الرغم من أنها تحسنت بشكل كبير مع اتفاق «كيري - لافروف» فإنها لا تزال غير متوفرة حتى الآن. التفاهم الإقليمي بشأن سوريا لا يزال مفقودا وهذا هو السبب في أن العملية لا تزال معلقة ومفتوحة على نهايات غامضة. وفي كل الأحوال فإن دور «الأسد» قد عفا عليه الزمن.

الخيار الثاني، وهو الفيدرالية أو اللامركزية أو أيا كان، هو خيار غير قابل للاستمرار على المدى المتوسط فضلا عن أن يستمر على المدى الطويل. من خلال تحليل ذلك، فإننا سوف نرى أنه مجرد خطوة على طريق استمرار الخيار الثالث الذي نحياه على مدار السنوات الخمس الماضية.

لا يمكن تمديد عملية جنيف لفترة طويلة بسبب الوتيرة السريعة والعنيفة للصراع. يمكن للقواعد التابعة لزعماء المعارضة المشغولون في جنيف أن يتخلوا ببساطة عن قادتهم المنشغلون في مفاوضات طويلة المدى وأن يعودوا إلى المفاوضات من جديد وبخاصة إذا استمر اندفاع «الأسد».

ومع ذلك فإن المحادثات يمكن أن يستمر بذات القدر الذي يمكن توجيهها فيه نحو التوصل إلى تفاهم إقليمي. إذا لم يتم التوصل إلى مثل هذا الفهم، فإن الاحتمال الأبرز هو أن تلك المأساة سوف تستمر.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا بوتين محادثات جنيف تقسيم سوريا بشار الأسد الانسحاب الروسي أمريكا كيري

تقسيم سوريا .. الخطة الأمريكية البديلة حال فشل وقف إطلاق النار

خطة تقسيم سوريا .. ماذا بعد أن ينهار وقف إطلاق النار؟

من «سايكس بيكو» إلى «كيري لافروف»

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

خدعة «بوتين»: كيف تم استخدام جنيف كغطاء سياسي للحل العسكري الروسي في سوريا؟

«سايكس بيكو» جديدة في سوريا

عودة الثورة السورية إلى صباها الجميل

الخطوط الحمراء والمحرمات في المشهد السوري

قواعد لعبة موسكو في سوريا