شارع «نمر النمر» المواجه لسفارة المملكة صورة للعلاقات الإيرانية السعودية المتعثرة

السبت 5 مارس 2016 06:03 ص

رصد «إيان بلاك»، محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة «الغارديان» البريطانية، ملامح تصاعد التوتر السعودي الإيراني في تقرير تحليلي أعده من العاصمة الإيرانية طهران، لافتا إلى أن هذا التوتر توج أخيرا بقيام الإيرانيين بتسمية شارع في عاصمتهم باسم المعارض الشيعي السعودي «نمر باقر النمر»، الذي اعدمته المملكة في يناير/كانون الثاني الماضي بتهمة «الإرهاب».

وأوضح «بلاك» أن الأمر الذي قد يكون مستفزا بالنسبة للسعودية هو أن اللوحة التي تحمل اسم هذا الشارع مواجهة للسفارة السعودية في طهران التي تغيب عنها أي مظهر من مظاهر الحياة منذ أن غادرها الدبلوماسيون السعوديون إثر الاعتداء التي تعرضت له من قبل محتجين على اغتيال «النمر».

ورصد المحرر في «الغارديان» جوانب من مظاهر العداء المتأصل بين الشعبين الإيراني والسعودي، قبل أن يكون على المستوى الرسمي، والذي تغذيه «لغة الطائفية الشرسة»؛ فالإيرانيون ينظرون للسعوديين إلى أنفسهم على أنهم أحفاد حضارة قديمة، وأن السعودية دولة بدائية أو حديثة عهد بالحضارة في أفضل الأحوال.

كما يرى الإيرانيون أن الأمراء والملوك في السعودية غير منتخبين، ويتم تنصيبهم من قبل الإمبريالية الغربية.

وأضاف المحرر أن الإيرانيين «يستمتعون بقلق السعوديين»، لافتا إلى أن انهم يشبهون الملك «سلمان بن عبد العزيز»، عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بزعيم تنظيم «الدولة الإسلامية»، «أبو بكر البغدادي».

السعوديون في المقابل يقومون بذم الشيعة وإطلاق عليهم اسم «الرافضة»، ويوجهون اللوم إلى إيران على دعمها لـ«بشار الأسد» وحليفهما الشيعي اللبناني «حزب الله». 

وخلص «بلاك» إلى أن التوتر والعداء السعودي الإيراني لن تكون نهايته قريبة على ما يبدو رغم حديث الرئيس الإيراني، «حسن روحاني»، ورئيس وزرائه، «جواد ظريف»، اللذين تعزز موقفهما بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، على ضرورة رأب الصدع مع الجيران العرب، ورغم حرص روسيا والصين على تضييق الخلاف بين الغريميين التقليديين، ورغم إمكانية لعب عمان وقطر دور الوساطة بينهما.

وفيما يلي نص التقرير الذي ترجمه «الخليج الجديد» بتصرف:

في الحي الدبلوماسي الواقع في شمال العاصمة طهران، حيث تتواجد قمم الجبال المغطاة بالثلوج، والطرق التي تصطف على جانبيها الأشجار والقصور الأنيقة حتى منذ ما قبل قيام الثورة، وحيث توجد مراكز الشرطة المكلفة بحراسة البعثات الأجنبية، يقبع مبنى السفارة السعودية،الذي يخلو من أي مظهر من مظاهر الحياة منذ أن تعرض لهجوم من قبل محتجين مؤخرا.

في الخارج، توجد لافتة لامعة جديدة زرقاء اللون باسم شارع «نمر باقر النمر»، تكريما لرجل الدين الشيعي السعودي، الذي أعدمته المملكة في يناير/كانون الثاني، وتبع ذلك قيام محتجين إيرانيين بالاعتداء على السفارة السعودية؛ ما أسفر عن أزمة عميقة في العلاقات الإيرانية السعودية المضطربة في الأصل.

لدى طهران تقليد طويل من تسمية الشوارع لأسباب سياسية.

فهناك طريق «ونستون تشرشل» القريب من السفارة البريطانية، والذي تغير اسمه إلى اسم مهاجم الجيش الجمهوري الأيرلندي «بوبي ساندز».

ويتفرع من شارع «فاليزار» ساحة «عماد مغنية»، إحياء لذكرى القيادي في «حزب الله» الذي قتل على يد الموساد «الإسرائيلي».

وهذه الساحة قريبة من شارع «خالد الإسلامبولي»، المنفذ لعملية اغتيال الرئيس المصري الراحل «أنور السادات» في عام 1981.

وعلى ما يبدو، فإن الاعتداء على السفارة السعودية كان مدبرا من قبل عناصر «الباسيج»، وهي قوة من المتطوعين تتبع «الحرس الثوري الإيراني».

إذ سبق هذا الاعتداء تحذيرات وجهها المرشد الأعلى الإيراني، «علي خامنئي»، للسعودية من «الانتقام الإلهي» إذا أقدمت على إعدام «النمر».

لكن عندما قطعت السعودية علاقاتها مع إيران (على إثر الاعتداء على سفارتها)، بدا هذا الاعتداء وكأنه هدف أحرزته إيران في مرماها؛ لأنه حول الانتباه بعيدا عن إعدام رجل الدين الشيعي السعودي. وأصرت الرياض أن «النمر» كان رجلا متطرفا وعنيفا، بينما أصر أتباع «النمر» في المنطقة الشرقية في المملكة على أنه «شهيد» و«ناشط سلمي» يمثل أقلية مضطهدة.

وقد تفجر غضب السعوديين (بعد الاحتجاجات الإيرانية على إعدام النمر)؛ بسبب ما اعتبروه تدخلا من طهران في شؤونهم الداخلية، ولم يلتفتوا إلى قيام السلطات الإيرانية باعتقال مثيري الشغب الذين اعتدوا على السفارة، وإقالة نائب المحافظ أو حتى إدانة «روحاني» و«ظريف» لما حصل .

كان توقيت الاعتداء على السفارة السعودية كارثيا؛ حيث أتى قبيل موعد التنفيذ الخاص بالاتفاق النووي الذي جرى التوقيع عليه الصيف الماضي، وكان هذا أسوأ شيء يمكن أن يحدث.

وقال دبلوماسي مقيم في طهران إنه حتى «خامنئي» اعترف لاحقا بأن إيران قد تضررت من هذا الحادث.

لكنه يرى، أيضا، أن ما حدث مثل القشة الأخيرة في مسار العلاقة المتوترة  بين البلدين منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وما تلاه من الدعم السعودي للرئيس العراقي الراحل، «صدام حسين»، في حرب الخليج الأولى.

وفي السنوات الأخيرة، كان العراق والبحرين ولبنان واليمن عبارة عن مصادر للخلاف والقلق بين البلدين، جنبا إلى جنب مع ميل «باراك أوباما» إلى جانب إيران وجهوده للتصدي لأزمة برنامجها النووي.

وعموما، كانت الثقة الأمريكية في طهران تتنامى على حساب الرياض.

«السعوديون يشعرون أن إيران تكسب، وأنهم يخسرون»، هذا ما قاله لي مستشار ايراني كبير قبل أزمة إعدام «النمر».

وأضاف المستشار ذاته: «إيران هي الصاعدة والعالم العربي هو في طي النسيان، والمملكة العربية السعودية تلعب لعبة رد فعل الشخص الغاضب».

السعوديون يوجهون اللوم إلى إيران على دعمها لـ«بشار الأسد» وحليفهما «حزب الله» الشيعي اللبناني.

والإيرانيون يوجهون اللوم للرياض لدعم الجماعات الجهادية والفكر الوهابي الذي، في جزء منه، يلهم «داعش» (تنظيم الدولة الإسلامية).

ومع التنافس القومي بلغة الطائفية الشرسة، يستغل الجميع العداء بين السنة والشيعة، والعداء بين العرب والفرس، والكل يتهم الآخر بالتحريض على الإرهاب.

ينظر الإيرانيون إلى أنفسهم على أنهم أحفاد حضارة قديمة، وأن السعودية دولة بدائية أو حديثة عهد بالحضارة في أفضل الأحوال.

وأن الأمراء والملوك في المملكة غير منتخبين ويتم تنصيبهم من قبل الامبريالية الغربية.

الإيرانيون يتمددون إقليميا من خلال الحرس الثوري، والذي يرى أن السعوديين ليس لديهم أي شيء سوى المال.

ويبقى اعتماد الرياض على الولايات المتحدة مصدرا للازدراء.

يقول «فؤاد عزتي»، من جامعة طهران مازحا: «لا يكفي أن تكون دفتر شيكات»، ويضيف: «الناس الذين يرتبطون مع الأمريكيين لا يريدون القتال».

رفعت إيران لهجتها المعادية للسعودية في بداية حرب اليمن العام الماضي، وتزايدت حدة تلك اللهجة بعد حادثة التدافعه الأخيرة إبان موسم الحج، والتي قتل فيها قرابة 460 إيراني بين 2200 من الحجاج.

الإيرانيون يستمتعون بقلق السعوديين، وعند مطالعة وسائل الإعلام الاجتماعية تراهم يشبهون الملك «سلمان» بزعيم تنظيم الدولة الإسلامية، «أبو بكر البغدادي».

وقد ظهر في وسائل الإعلام الإيرانية رسما كاريكاتوريا يظهر السعودية وكأنها جيش من الخراف يخاف الذهاب إلى المعركة في حين يتبجح بالبطولة والنصر.

السعوديون بالمثل، يقوم رجال الدين فيها، بذم الشيعة وإطلاق عليهم اسم «الرافضة».

وعندما تم العثور على مبيدات كيماوية في البطيخ المستورد من إيران لقبوه بـ «البطيخ الصفوي»، وهي إشارة إلى السلالة التي بنت قوة الدولة الفارسية القومية وواجهت العثمانيين من القرن الـ16.

في كتابها الجديد حول دراسة هذه العلاقة المتشابكة، تلاحظ الباحثة الإيرانية، «بانافشيه كينوش»، البروز المتزايد من أفراد الاستخبارات على كلا الجانبين؛ ما يجعل العلاقة أكثر صعوبة بالنسبة لهم للتعامل بحكمة مع بعضهم البعض، على الرغم من وجود بعض النوايا الطيبة عند المسؤولين من كلا البلدين.

وحسب ما كتبت «كينوش»، فإن «المسؤولين الإيرانيين لديهم صبر جعل من الواضح لي أن نيتهم ليست ​​أبدا تقويض المملكة العربية السعودية، وهم يضعون في اعتبارهم أن ذلك قد يزيد من وقود التطرف».

في الأسبوع الماضي أعلنت السعودية اعتقال 32 شخصا في المنطقة الشرقية قيل أنهم قد تجسسوا لصالح إيران.

ويقول الدبلوماسي الإيراني (الذي ورد ذكره في الأعلى) إن السعودية لديها بالفعل الكثير من الأعداء، وأن السعوديين لديهم الكثير من المال؛ لذا فإن اختيار معركة معهم ليس حقا في مصلحة الأمن القومي الإيراني.

ومن زاوية أخرى فان المرشح المحتمل لدبلوماسية القنوات الخلفية هي عمان، الدولة الخليجية الوحيدة التي لديها صلات وثيقة مع إيران، وقد ساعدت على تحقيق انفراجة في المحادثات النووية. وقد تكون قطر أيضا قادرة على التوسط.

وقد عززت الانتخابات الإيرانية الأسبوع الماضي مواقف «روحاني» و«ظريف»، اللذين تحدثا بشكل خاص عن الحاجة إلى رأب الصدع مع جيرانهم العرب.

«محمد بن سلمان»، الأمير القوي ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي، قادر أيضا على إحداث المفاجآت والاتفاق على حصص إنتاج النفط في الوقت الذي تراجعت فيه الأسعار، وهي مسألة ملحة أخرى لكلا البلدين.

روسيا والصين أيضا حريصين على تضييق الفجوة بين الغريمين بحيث يمكن أن تبقى طهران والرياض على طاولة واحدة من أجل دعم الجهود المبذولة لترجمة وقف إطلاق النار الهش في سوريا إلى نوع من التسوية السياسية.

ونظرا للتاريخ المشحون في العلاقات الإيرانية السعودية، وصولا إلى اللافتة الجديدة لشارع «نمر النمر» التي ما زالت موجودة، فإن التوتر بين البلدين لن يتراجع في أي وقت قريب على ما يبدو.

المصدر | الخليج الجديد - ترجمة عن صحيفة «الغارديان»

  كلمات مفتاحية

إيران السعودية إعدام نمر النمر حسن روحاني

«فورين بوليسي»: كيف يمكننا أن نفهم المخاوف السعودية تجاه إيران؟

السعودية وإيران .. السفارات كميادين للمعارك

التداعيات المحتملة للقطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران

«ميدل إيست آي»: إعدام «نمر النمر» رسالة داخلية تتعلق باستقرار النظام السعودي

«خاتمي»: إعدام «نمر النمر» سيجعل السعودية علي خطي فرعون وكفار قريش

وزير خارجية الإمارات: نتمنى أن تكون إيران صديقة للمنطقة لكن أفعالها لا تظهر ذلك

مرجع حوثي في قم الإيرانية يصدر فتوى بـ«التصالح» مع السعودية

الخارجية الإيرانية تتراجع وتوافق على تسمية شارع السفارة السعودية باسم «النمر»

إيران ترجئ مجددا محاكمة المتهمين في الاعتداء على سفارة السعودية إلى يوليو المقبل