«فورين بوليسي»: كيف يمكننا أن نفهم المخاوف السعودية تجاه إيران؟

الجمعة 8 يناير 2016 12:01 ص

المفاجأة الحقيقية حول الخلاف السعودي الإيراني الناشئ على خلفية إعدام «نمر النمر» هو أنه يبدو أنه قد باغت الكثيرين على حين غرة. المتابعون للمملكة العربية السعودية كانوا يدركون أن هذه الأمور كانت قادمة لا محالة. وللأسف فإنها لم تأخذ الاهتمام الكافي إلا بعد فوات الأوان.

من المستحيل فهم الوضع الحالي دون الخوض في السياسة الداخلية والخارجية للمملكة العربية السعودية. ولكن من المهم أيضا أن نكون صادقين حول حدود معرفتنا. شأنها في ذلك شأن إيران، فإنه من الصعب على أي شخص خارج المستويات العليا للطبقة الحاكمة في المملكة العربية السعودية فهم مخاوفها واستراتيجياتها. وكما يحذرنا «غريغوري غوس» بانتظام فإنه «فيما يتعلق بالسياسة السعودية فإن أولئك الذين يعرفون لا يتكلمون بينما يتكلم أولئك الذين لا يعرفون».

ومع أخذ هذا التحذير كدليل لنا، فما الذي يمكن أن نقوله عن التحولات الجذرية في السياسة السعودية.

أولا: أعتقد أنه من الواضح أن السياسة السعودية ينبغي أن تفهم على أنها تشابك للمصالح الداخلية والخارجية السعودية، والآن فإن هذه المصالح يهيمن عليها الخوف. ربما يسهل رصد التهديدات الخارجية بالنسبة إلى الأمريكيين مقارنة بالتهديدات الداخلية. ولكن ما يغيب عنا غالبا هو الكيفية التي يرى بها السعوديون تأثير القضايا الخارجية على ظروفهم الداخلية فيما يتعلق بقدرتها على خلق تهديدات داخلية قد تبدو أكثر إثارة للخوف من التهديدات الخارجية إذا نظرنا لها بمفردها.

خارج إطار السيطرة

على الصعيد الأوسع، عندما ينظر السعوديون في الرياض إلى منطقة الشرق الأوسط من حولهم، فإنهم يرون منطقة تخرج عن نطاق السيطرة. منذ عام 2011، شهدت جميع أنحاء المنطقة زيادة كبيرة في حالة عدم الاستقرار مع استعداد متزايد للشعوب للاحتجاج من أجل إسقاط حكامهم. أنهت هذه الحقبة حالة الرضا والخمول الشعبي التي ميزت الشعوب العربية على مدار عقود. هذا يقلق بشكل واضح آل سعود، العائلة المالكة في المملكة، التي تفضل دوما تلك الجماهير سهلة الانقياد.

الحروب الأهلية تستعر في سوريا والعراق واليمن، وليبيا، حيث تقوم بمد اللاجئين والإرهابيين والمسلحين، والأفكار المتطرفة إلى جيرانهم. وقد خلقت امتدادات هذه الحروب الأهلية حروبا أخرى خاملة في مصر وتركيا. كما أنها تضعف من استقرار كل من لبنان، الأردن، الجزائر، تونس، وحتى الكويت. وقد خلقت أيضا فرصا جديدة وواعدة لإيران لزعزعة استقرار المنطقة وإعادة ترتيبها بما يتناسب مع مصالحها الخاصة.

والواقع أن كلا من الحروب الأهلية والحروب غير المباشرة التي ولدتها قد نتجت من التعبئة العامة للشيعة في منطقة الشرق الأوسط، بتحريض وبقيادة إيران. وهذا يشمل أيضا الشيعة في المملكة العربية السعودية. المسؤولون في التقارير الخاصة وتقارير الصحافة يلاحظون أحيانا أن مئات من أفراد جهاز الأمن السعودي قد قتلوا وأصيبوا في عمليات في المنطقة الشرقية، التي تعد موطنا لأغلبية الشيعة في المملكة العربية السعودية. الأميركيون يميلون إلى عدم الالتفات إلى هذه العمليات لأنهم يرون أنها دليل على أن السعوديين يديرون الأمر بشكل جيد، ولكن هناك طريقة أخرى للنظر في ذلك وهي أن السعوديين يقاتلون في معارك ضارية مع جهة ما في مدن المنطقة الشرقية. وبعبارة أخرى، يبدو أن هناك درجة أعلى بكثير من التعبئة والمواجهة العنيفة بين صفوف الشيعة السعوديين مما يدرك البعض.

ثم هناك مخاوف السعودية بشأن سوق النفط. يبدو أن الجميع يعتقدون أن السعوديين قد قاموا بخفض أسعار النفط عمدا من أجل قتل منتجي النفط الصخري في أمريكا الشمالية. ولكن هذا ليس ما يقوله السعوديون سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام. بدلا من ذلك، هم يقولون بأنهم لم يعدوا قادرين على السيطرة على سوق النفط نظرا لأن هناك عدد كبير جدا من المصادر وجميعها، بما في ذلك دول أوبك، تتهرب من محاولة التنسيق لخفض الإنتاج. وقد حدث ذلك لهم مرارا وتكرارا على مدى الـ20-30 عاما الماضية حيث يقوم السعوديون بخفض الإنتاج لمنع أسعار النفط من الانخفاض، بينما يستغل الآخرون الفرصة لمواصلة الضخ قدر المستطاع ، والنتيجة هي أنه لا يوجد أي تقليص للعرض الكلي بينما تفقد السعودية حصتها في السوق. هذه المرة، فقد صرح السعوديون بواقعية أنهم لا يستطيعون السيطرة على إمدادات نفط أوبك، لذا فإنهم لن يحاولوا فعل ذلك، وعلى النقيض فإنهم سوف يقاتلون من أجل حصتهم في السوق. ولكن القيام بذلك يعني الحاجة إلى الفوز في سباق نحو القاع، ونتيجة لذلك فإن العائدات النفطية سوف تتجه إلى الهبوط.

لذلك فإن الأمر أيضا يمثل أحد مصادر الخوف بالنسبة لهم: إنهم لم يعودوا قادرين على السيطرة على سوق النفط كما كان في السابق حتى لو كانت عائدات النفط المنخفضة تقتلهم. وصار الحديث يجري الآن حول التقشف الاقتصادي الحقيقي، بما في ذلك إلغاء الدعم عن البنزين وأنواع الوقود الأخرى، وهو الأمر الذي ينظر إليه السعوديون كجزء من حقوقهم كمواطنين. إلغاء الإعانات وغيرها من تدابير التقشف هي دائما الخطوة التي لا تحظى بشعبية كبيرة ويمكن أن تتسبب اضطرابات شعبية على نطاق واسع بسهولة، كما حدث في اليونان خلال العام الماضي. حقيقة أن الحكومة السعودية تضطر الآن لسلوك هذا الطريق تعكس بوضوح مدى اليأس من الوضع المالي الحالي.

وفي الوقت نفسه، فإن الحروب الأهلية في المنطقة قد جعلت السعوديون يشعرون بالذعر إلى مستوى غير مسبوق. لقد قاموا بسكب عشرات، إن لم يكن مئات، من المليارات من الدولارات في سوريا واليمن، وإلى حد أقل في العراق وليبيا. في حين قاموا بضخ عشرات المليارات كمساعدات إلى كل من مصر، والأردن، والمغرب، والجزائر، والبحرين لدعم حكوماتهم، ومنع انهيار الدولة تحت وطأة امتداد من الحروب الأهلية المجاورة، وبالتالي منع اقتراب الحرب الأهلية من حدودها. ولكن هذه الزيادة في التكاليف في السياسة الخارجية إلى جانب انخفاض عائدات النفط قد أجبرت السعوديين على اللجوء إلى صندوق الثروة السيادي بمعدل 12 -14 مليار دولار شهريا وهي وتيرة من شأنها أن تمحو كامل هذه الاحتياطيات في غضون أقل من ثلاث سنوات ومن المحتمل أن تتسبب أيضا في مشاكل سياسية داخلية حادة بما في ذلك إثارة الشقاق داخل العائلة الحاكمة السعودية.

إيران .. في تقاطع المشاكل

وهناك تجلس إيران، في نقطة تقاطع كل هذه المشاكل من وجهة نظر السعوديين. يعتقد السعوديون أن الإيرانيين هم المسؤولون عن الحروب الأهلية في سوريا واليمن، و(بدرجة أقل) العراق، من خلال تعبئة الشيعة لزعزعة استقرار المملكة وحلفائها من العرب السنة. وهم يرون أن الإيرانيين يمثلون تهديدا بالمزيد من الضخ النفطي إلى السوق وبالتالي مزاحمة الحصة السوقية السعودية والمزيد من انخفاض الأسعار. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإيرانيين يشنون الحروب بالوكالة ضد السعوديين في العراق وسوريا واليمن ويساعدون العناصر التخريبية في البحرين والكويت والمملكة نفسها. لذا فإنه، من وجهة نظر السعوديين، فإن إيران تتسبب في زيادة المشاكل المالية في الرياض سواء بخفض إيراداتها أو بزيادة نفقاتها وكلاهما تهدد الاستقرار الداخلي في المملكة.

وعلى الرغم من أننا قد نعتقد أن السعوديين يبالغون في تقدير القدرات والنوايا الإيرانية، فإن السعوديين لديهم عدد من النقاط الوجيهة عندما يتعلق الأمر بإيران. الإيرانيون يسعون بالفعل لقلب النظام الإقليمي وقد حاولوا مرارا وتكرارا الإطاحة بالحكومات العربية بما في ذلك المملكة العربية السعودية منذ عقود مضت. يميل الإيرانيون إلى دعم العشائر الشيعية سواء أكانوا في السلطة أو خارجها، أغلبية أو أقلية. وفي كثير من الأحيان فإنه يتم تحريضهم على العنف وتوفير المال اللازم للقيام بذلك. ونتيجة لذلك، أصبحت إيران متورطة بعنف في الحروب الأهلية في المنطقة. وأنا أزعم أن مشاركتهم في كل من العراق وسوريا ربما تكون ذات طابع دفاعي في المقام الأول (تسعى إيران إلى الحفاظ على هذه الدول تحت سيطرة حكومات موالية لها)، ولكن مشاركتها في اليمن كانت بلا شك هجومية الطابع. ليس هناك تفسير آخر لتورط إيران في اليمن غير إزعاج وإضعاف أو حتى تقويض السعوديين عبر محاولة تغيير النظام.

وأخيرا، يشعر السعوديون بالإحباط والتخلي من جانب الولايات المتحدة. الكثير من السعوديين والعرب من دول الخليج الأخرى ينظرون إلى الرئيس «باراك أوباما» بوصفه شخص شديد الجهل فيما يتعلق بالعالم والشرق الأوسط على وجه الخصوص. لذا فإنهم يظهرون الازدراء له ويتعمدون الخروج على سياساته. من وجهة نظرهم، فإن الولايات المتحدة أدارت ظهرها حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط. تقوم واشنطن بأقل مما في وسعها في العراق، بينما لا تفعل شيئا في ليبيا وسوريا ما يجعل الأمور تنتقل من سيء إلى أسوأ. وعلاوة على ذلك، فإن المملكة العربية السعودية يبدو أنها لا تزال تختلف حول ما إذا كان «أوباما» قد استخدم الصفقة النووية كمحاولة للتحول العمدي من صف السعودية إلى صف إيران أم أنه سمح بحدوث ذلك عن غير قصد. وجهة النظر الأقل سوءا بالنسبة للسعوديين هي الأولى لأن ذلك يوحي بأن «أوباما» على الأقل يفهم ما يقوم به، حتى إذا كانوا يعتقدون أنه من الخطأ والخيانة. أما الرأي الأخير فهو ينظر إليه باعتباره مجرد رجل أبله يدمر الشرق الأوسط دون وعي أو إدراك.

من المهم أن نفهم عمق الغضب السعودي وحجم الازدراء للقيادة الأمريكية الحالية لأنه عنصر حاسم آخر في سياسة المملكة. بينما يتمزق الشرق الأوسط بينما الولايات المتحدة (من وجهة نظر السعوديين) لا تفعل شيئا سوى السماح لإيران بتوسعة هذه الشقوق، فإن أحدا ما عليه أن يتحرك. الزيادة الكبيرة في استعداد الرياض للتدخل في الخارج، مع هذا التدفق المالي والعسكري، كان مدفوعا بشعورها أن هناك عمل ما ينبغي القيام به لمنع المنطقة من الانهيار وفي قلبها المملكة العربية السعودية.

وجهات نظر متباينة

وهذا هو السبب في أن السعوديين كانوا يبالغون في ردود أفعالهم من وجهة نظر واشنطن. نحن ننظر إلى الأمور في البحرين على أساس أن هناك أغلبية شيعية مضطهدة تحاول البحث عن قدر من المشاركة السياسية والاستفادة الاقتصادية في ظل نظام تهيمن عليه أقلية سنية، في حين يرى السعوديون الأمر على أنه انتفاضة جماهيرية مدعومة من إيران بإمكانها أن تنتشر إلى المملكة إذا نجحت هناك. نحن ننظر إلى الحرب الأهلية اليمنية على أنها بمثابة مستنقع عسكري مع دور إيراني ضئيل قد لا يؤثر بشكل كبير على السعودية، في حين يراها السعوديون محاولة إيرانية لتقويض أمنهم. نرى رجل الدين الشيعي السعودي ذو الشعبية الذي تم إعدامه، بينما تراه السعودية كجمرة لنار ثورية مدعومة من إيران في المناطق الغنية بالنفط في بلادهم. في محادثات السلام السورية، نحن نرى حاجة لجلب الإيرانيين بسبب دعمهم الحاسم لنظام «بشار الأسد» بينما تراه السعودية على أنه إضفاء للشرعية على النفوذ الإيراني الشيعي في الدول العربية السنية، والقائمة تطول.

وفي جميع هذه الحالات، فإن الولايات المتحدة، القوة التي طالما كانت الرياض تعتمد عليها في حل مشكلاتها، لم تفعل الكثير. ورغم أن الكثيرين يعتقدون بأن السعوديين يميلون للسير في ركاب القوى العظمي أيا كانت فإن التاريخ يثبت لنا العكس تماما. دخل السعوديون في مواجهات ضد ضد القوى العظمى التي لم تكن تعجبهم بداية من الاتحاد السوفياتي إلى عراق «صدام حسين» ثم إيران الآن.

إذن، يبدو أن السعوديين خائفون من تصاعد المد الشيعي. وهم يخشون من فقدانهم للسيطرة على سوق النفط وما قد يضطرهم إليه ذلك من إجراءات على الصعيد المحلي، وهم خائفون من امتداد الحروب الأهلية في المنطقة والتكاليف التي سوف يتعين عليهم دفعها لمنع وصول هذه الحروب إلى شواطئهم. وهو يخشون من أن الولايات المتحدة قد بدأت في التخلي عنهم لصالح إيران. باختصار، لقد صار العالم ساحة للمخاوف بالنسبة إلى السعوديين. وطريقة عملهم اليوم هي نفسها كما كانت دائما: محاولة صد هذه التهديدات واستعادة السيطرة على ظروفهم. وهكذا يمكن تفسير التدخل المتهور في اليمن، والتصعيد المستمر في سوريا، وهذا التجاذب المتصاعد مؤخرا مع إيران.

وهذا هو السبب أيضا في أن أي محاولة من قبل الأمريكيين لتهدئة السعوديون دون فعل شيء لن تسهم إلا في إثارة حفيظتهم. وسوف يزداد الطين بلة حين ترفض واشنطن الاعتراف بهذه التهديدات يرونها وتتجاهل فعل أي شيء حيالها، ومن ثم تحاول منعهم من القيام بما يعتقدون أنه ضروري لمواجهة تلك التهديدات.

لماذا ينبغي لنا أن نتوقع أن نرى أزمات أخرى على هذه الشاكلة في المستقبل. السعوديون ذاهبون نحو اتخاذ كل ما يلزم من الإجراءات التي يرونها ضرورية لهزيمة ما يرونه على أنه جهود إيرانية لتقويض قوتهم الخارجية واستقرارهم الداخلي. في منطقة الشرق الأوسط، فإن العدوانية سوف يكون لها آثار لا يمكن التنبؤ بها. لكن ما يبدو فوضويا بالنسبة إلى واشنطن فإنه يبدو منطقيا تماما من وجهة نظر المملكة العربية السعودية.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران أسعار النفط سوريا اليمن الحوثيين نمر النمر العلاقات السعودية الإيرانية قطع العلاقات

«الغارديان»: السعودية وإيران تحتاجان إلى بعضهما البعض

«ستراتفور»: كيف يخطط السعوديون لمواجهة إيران؟

«واشنطن بوست»: القلق يدفع السعودية نحو ارتكاب أخطاء مكلفة

«واشنطن بوست»: سعي إيران للهيمنة جعل السعودية أكثر جرأة وتهورا

«ستراتفور»: دلائل حول تواطؤ رسمي إيراني في اقتحام السفارة السعودية في طهران

التداعيات المحتملة للقطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران

خريطة المواقف من الأزمة السعودية الإيرانية

مسيرات في باكستان تنديدا بالاعتداء على الدبلوماسيات السعودية في إيران

إما أن تكونوا معنا وإما ضدنا

إيران وتوتير العلاقات مع السعودية

إيران ليست القوة التي لا تهزم

أين يمكن أن تنفجر المواجهة السعودية الإيرانية القادمة؟

«نيوزويك»: السعودية وإيران تدمران بعضهما البعض

الأزمة السعودية الإيرانية وآفاق النظام العربي

«فورين أفيرز»: الحسابات المعقدة للسعودية في حربها الباردة ضد إيران

كيف تؤجج أخطاء الولايات المتحدة التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران؟

المعركة الأبدية بين السعودية وإيران .. 4 أسباب تغذي استمرار الصراع

«فاينانشيال تايمز»: إيران تشكل تحديا اقتصاديا للمملكة العربية السعودية

تأجيج المشاعر السنية لا يخدم الاستقرار في السعودية على المدى البعيد

هل بالإمكان بناء توافق سعودي إيراني؟

الصراع السعودي الإيراني يشكل السياسة الداخلية لكلا البلدين

شارع «نمر النمر» المواجه لسفارة المملكة صورة للعلاقات الإيرانية السعودية المتعثرة

كيف يمكن أن تستفيد السعودية من أزمة دبلوماسية مع إيران؟