كيف يمكن أن تستفيد السعودية من أزمة دبلوماسية مع إيران؟

الثلاثاء 8 مارس 2016 07:03 ص

من الصعب أن نبالغ في تقدير مدى فداحة أصبح الوضع الأمني ​​في المملكة العربية السعودية. حيث يبدو أن الوضع سيء وأنه يزداد سوءا أيضا، ويبدو أيضا أن الرياض في أمس الحاجة إلى أزمة كي تجعله أفضل.

هناك 3 أحداث هي المسؤولة عن ترك المملكة العربية السعودية في هذه الفوضى. أولا، بدأت قوات عسكرية روسية تعمل بحرية في منطقة الشرق الأوسط، دون رادع من قبل أي قوة عظمى لأول مرة في التاريخ. في الماضي، كانت مغامرات روسيا الجنوبية غالبا ما تتم موازنتها من قبل قوة أخرى: مثل الولايات المتحدة في حرب يوم الغفران عام 1973 أو البريطانيين بمساعدة الدولة العثمانية عبر حليفهم «أحمد شاه قاجار» في إيران أو الأتراك خلال الحرب العالمية. وفي الوقت الحالي، فإن منافسي روسيا الرئيسيين، الولايات المتحدة وأوروبا، يميلون بشكل أكبر إلى التراجع وترك المملكة العربية السعودية تسعى لتحقيق التوازن مع روسيا بمفردها.

أما ثاني هذه الأحداث فهو أن منافسي المملكة العربية السعودية في المنطقة يبدون متحدين بدرجة غير مسبوقة. تعمل القوات الروسية في الميدان دون رادع بمحاذاة طهران. ولأول مرة في التاريخ الحديث تتحالف كل من إيران والعراق وسوريا في جبهة واحدة. علاوة على ذلك، فقد حرر الاتفاق النووي الإيراني 150 مليار دولار من أموال طهران المجمدة وأعاد دمجها في التيار الجيوسياسي للبلاد دون أن تكون مضطرة إلى التخلي عن أي من طموحاتها الإقليمية. إضافة إلى ذلك، فإن انتصار الإصلاحيين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة سوف يسرع من وتيرة هذه العملية لأنه سوف يطمئن الغرب بشكل كبير.

ثالثا فإن المملكة العربية السعودية تقف اليوم، ربما للمرة الأولى في تاريخها، دون حام من القوى العظمى. الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة تجاه الأمن السعودي بشكل صارم، كما أنها لا تؤيد أهدافها في الصراعات الإقليمية مثل سوريا واليمن. يقف السعوديون اليوم بمفردهم أكثر من أي وقت مضى.

لماذا تحتاج السعودية إلى أزمة؟

هذا هو السبب أن لمملكة تحتاج شيئا كبيرا ليحدث. حدوث أزمة كبرى مع إيران يمكن أن يعزز موقف المملكة العربية السعودية من وجهين:

أولا: فإن هناك فرصة لأن تعرقل مثل هذه الأزمة الانفراج الأمريكي الإيراني. لم تهيأ الإدارة الأمريكية نفسها بشكل تام لقبول خضوع الشرق الأوسط لإعادة موازنة لخدمة مصالح إيران. لم تستطع الإدارة بعد إقناع الجمهور والكونغرس أو جهاز الأمن الوطني في واشنطن بقيمة هذا التوازن مهما كان صحيحا. في الوقت الذي تحاول فيه الإدارة أن تسير في كلا الاتجاهين: التقارب مع إيران والسعي نحو الاستقرار وهو ما يبدو مستحيلا تماما.

ثانيا: قد يجبر الصراع السعودي الإيراني الولايات المتحدة على الانحياز من جديد إلى المملكة العربية السعودية، حيث تربط البلدين علاقة أمنية منذ أكثر من 70 عاما، وقد تحالفت كل من واشنطن والرياض معا ضد الشيوعيين والإسلاميين و«صدام حسين»، وكذا ضد إيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979. ويبدو أن المملكة تأمل في إحداث أزمة تدفع هذا التقليد نحو الاستمرار.

هذا تقريبا هو السبب الرئيسي وراء إعلان المملكة العربية السعودية في 4 فبراير/شباط أنها مستعدة لإرسال قواتها للقتال في سوريا، وقد ردت روسيا بإبداء مخاوفها من أن تتسبب مثل هذه الخطوة في اندلاع حرب عالمية ثالثة. كما يدرك كل من الجانبين، فإنه بمجرد نزول القوات السعودية إلى الميدان فإن بإمكانها أن تتحول بسهولة من قتال «الدولة الإسلامية» إلى قتال «الأسد». الرهان هنا أن مشهد القوات السعودية التي تقاتل ضد المتمردين سوف يكون رادعا للقصف الروسي. هنا، يجدر النظر في كيفية رد فعل روسيا على المواجهة مع تركيا، لا تريد روسيا تجديد فرصة الاشتباك مع تركيا في أعقاب حادثة إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وقفت الولايات المتحدة إلى حد كبير على الهامش أثناء الاشتباك بين روسيا وتركيا في الخريف الماضي، لكن القوات التركية لن تقوم أبدا بأي أنشطة تحت الهجوم الروسي. تعاملت روسيا بحساسية مع تركيا علما منها بوقوعها تحت مظلة الحماية الأمريكية. أي هجوم علني على القوات السعودية من شأنه أن يستفز رد فعل أميركي أكثر قوة.

السبب الآخر الذي يدفع السعودية لإثارة مواجهة في سوريا هو يقينها أن استعادة «الأسد» للبلاد سوف يكون أشبه بكارثة حقيقية. حينما لا يكونون متفككين فإن الولايات الشيعية الأربعة في الشرق الأوسط وهي إيران، والعراق، سوريا، ولبنان، غالبا ما يكونون أكثر قوة من نظرائهم السنة. منذ عام 1979، فإن القوى السنية تحتاج بشكل ماس إلى دعم الولايات المتحدة من أجل البقاء على رأس النظام الإقليمي. في هذه اللحظة، فإن سوريا تمثل قرحة للنزيف بالنسبة إلى إيران ووكلائها. وبحسب ما ورد، فإن حزب الله قد خسر أكثر من 1000 مقاتل في الصراع، وقتل أربعة أشخاص على الأقل من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه طالما يتركز اهتمام التحالف بين إيران والعراق وسوريا على سوريا، فإنه سوف يكون أقل تركيزا على منطقة الخليج. ولكن تدخل روسيا قد بدأ في تحويل دفة الأمور، وينبغي على السعودية التدخل لإعادة التوازن وإطالة أمد الحرب.

الطريقة الأقل تكلفة للحفاظ على دوران الحرب هي تقديم الدعم لعناصر المعارضة الإسلامية مثل أحرار الشام، وهي جماعة يصل قوامها إلى حوالي 20 ألف مقاتل يحاربون ضد نظام بشار الأسد. يعي السعوديون ذلك، ولذلك فقد دعا عشرات من رجال الدين السعوديين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي يعي السعوديون ذلك، ولذلك فقد دعا عشرات من رجال الدين السعوديين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى الجهاد ضد القوات الروسية والإيرانية في سوريا. وعلى الرغم من الرياض كانت قد حظرت رسميا مواطنيها من المشاركة في القتال خارج أراضيها في مارس/أذار عام 2014، فإنها قد التزمت الصمت تجاه هذه الدعوة.

وللمملكة العربية السعودية سابقة مع هذه الدعوات. وقد عرض «أسامة بن لادن» أن يكون رأس حربة المملكة حينما اجتاح «صدام حسين» الكويت في عام 1990 ولكن التاج قد رفض عرض الأفغان العرب واستضاف القوات الأمريكية بدلا من ذلك مما أشعل غضب المتطرفين وتسبب في تشكيل تنظيم القاعدة. اليوم، ربما يكون من الحمق رفض مساعدتهم في ظل محدودية البدائل. بعد كل شيء، فإن المملكة العربية السعودية ليست على وشك التدخل، وقد كانت أحد سلبيات تحالف المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة هو أن تركيز الولايات المتحدة على الحرب التقليدية قد منع عملائها من تطوير قدرات الحرب غير النظامية، حتى حين كان ذلك منطقيا وضروريا.

وهذا يقودنا إلى السبب الثاني في كون الأزمة مع إيران قد تخدم مصالح المملكة بشكل جيد. كلما زادت النبرة الطائفية، كلما صار المسلحون أكثر شعبية وأكثر أمنا. كلما كان الصراع في سوريا هو حرب دينية ضد المرتدين وليس صراعا جيوسياسيا كلما كان المعارضون أكثر فائدة إلى المملكة العربية السعودية. «أسامة بن لادن»، على سبيل المثال، لم يصبح مشكلة بالنسبة لنظام الحكم في السعودية إلا بعد نهاية الحرب الأفغانية السوفييتية وبعد رفض عرضه للمساعدة في حرب الخليج الأولى ضد «صدام». هذا هو السبب في الأزمات التي تندلع تحت عناوين دينية ربما تكون مفيدة جدا مثل واقعة إعدام رجل الدين الشيعي السعودي «نمر النمر» مطلع العام الحالي. وقد كان لا بد من إعدامه لإثارة رد فعل عنيف، علما بأن إيران قد حذرت الرياض صراحة من إعدامه لسنوات. وق سارع المرشد الأعلى الإيراني «آية الله خامنئي» بتوعد السعوديين بـ «الانتقام الإلهي» الذي سيصيبهم في أعقاب إعدام رجل الدين الشيعي.

ويبدو أن الأمور تطورت على الشاكلة التي توقعها السعوديون. قام الغوغاء في إيران بإضرام النار في سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد، وردت المملكة العربية السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران، وكذا فعل كل من حلفائها في البحرين والسودان وغيرهما من الدول. وكانت واحدة من أكثر اللحظات توترا في العلاقات بين البلدين منذ عقود وقد كان ذلك أفضل الخيارات بالنسبة إلى السعوديين في الوقت الراهن. أما بالنسبة إلى طهران فإن الأمر لم يكن كذلك وهذا هو السبب في أن طهران ربما تكون قد أبدت تراجعا سريعا.

وباختصار، فإن السعوديين بحاجة إلى مزيد من الأزمات، وربما يكونون قادرين على الحصول على ذلك. الائتلاف السني يخسر في سوريا والعراق وهو يعاني مأزقا في اليمن، ولذا من المنطقي أن يحاول تحريك يديه في لبنان. في 19 فبراير/شباط، سحبت المملكة العربية السعودية تعهدها توفير مبلغ 4 مليارات دولار كمساعدات أمنية وعسكرية للبنان، وفي أعقاب ذلك قام مجلس التعاون الخليجي بتصنيف حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية. ترى المملكة العربية السعودية، وربما تكون على حق في ذلك، أن الدولة اللبنانية لم تفعل شيئا منذ عام 2008 لتحجيم نفوذ حزب الله تعتقد المملكة العربية السعودية أن السنة في لبنان قد يكونوا مجبرين على إعادة التوازن للسياسة الداخلية اللبنانية عبر كسر احتكار حزب الله للعنف، وفي هذه الحالة فإن الجيش ربما يكون أحد القوى التي تقف ضدهم.

لم تكن الرياض قادرة على إفشال الاتفاق النووي أو إيقاف التدخل الروسي في سوريا لذا فإن عليها أن تقامر قبل أن يتصلب القالب الإقليمي على وضعه الحالي. الأزمة العميقة مع إيران تمثل أفضل الفرص لإقناع إدارة «أوباما» أن ينحاز إلى المعسكر السعودي مرة أخرى. كما أن استمرار الأزمة يزيد من قوة من المسلحين ويجعلهم أكثر قابلية للسيطرة السعودية.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران سوريا إعدام نمر النمر بشار الأسد تركيا روسيا

«الطائفية» .. كيف توظف في صراع الهيمنة السعودي الإيراني؟!

«نيوزويك»: السعودية وإيران تدمران بعضهما البعض

«فورين بوليسي»: كيف يمكننا أن نفهم المخاوف السعودية تجاه إيران؟

السعودية وإيران .. السفارات كميادين للمعارك

إيران: إعدام «نمر النمر» سيكلف السعودية «ثمنا باهظا»