«نيوزويك»: السعودية وإيران تدمران بعضهما البعض

الأحد 10 يناير 2016 12:01 ص

جعلت الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الأيام الأولى من عام 2016 الأمر أشبه بكوننا في عام 1979. كان ذلك هو العام الذي قاد فيه «آية الله الخميني» تحول إيران من من دولة استبدادية يحكمها الشاه إلى الجمهورية الإسلامية. مزق العنف المنطقة في أعقاب هذا التحول، وقد قام الغوغاء باقتحام السفارات وقررت الحكومات العربية السنية أن تدير ظهرها للنظام الثيوقراطي الجديد في طهران. تدفقت الأموال والأسلحة في الصراعات بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وقد تم إطلاق العنان لموجة من زعزعة الاستقرار والعنف الطائفي الذي تم إخماده في نهاية المطاف، ولكنه لم ينته كلية.

وقع الحدث الذي تسبب في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وزيادة غليان الوضع الجاري في 2 يناير/كانون الثاني، عندما قامت المملكة العربية السعودية بإعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر» ضمن عملية إعدام جماعية ضمن 47 شخصا. قام الغوغاء الإيرانيون بمهاجمة البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد. تبع ذلك موجة من التصعيد شملت التفجيرات في اليمن ثم قطع العلاقات الدبلوماسية ووعود الانتقام المتبادلة بين كل من طهران والرياض.

هذه الأحداث الأخيرة ليست سوى جولة في صراع طويل مدمر بين كتلتين يبدو أنهما تسحبان المنطقة نحو صراع مدمر بين الكتلة السنية والهلال الشيعي. وكما يقول «فارع آل مسلم»، المحلل في معهد كارنيغي للشرق الأوسط فإن «الخطاب الطائفي صار أشبه بنبوءة لهذه الأنظمة التي تحب اللعب بورقة الطائفية». ويضيف «السعوديون قد شعروا بالخيانة، والآن هم يشعرون أنهم يجب أن يفعلوا شيئا، حتى لو كان شيئا خاطئا

تتنافس الدولتان الثيوقراطيتان السنية والشيعية على الهيمنة الإقليمية. وقد عمل الخلاف بين إيران والمملكة العربية السعودية كوقود للطائفية وأدى إلى زيادة في تدفق الأسلحة والتمويل للمتطرفين، وولد العديد من الحركات المسلحة.

ولا يظهر أي من الجانبين أي علامة على التراجع. الزعيم الإيراني الأعلى، «آية الله علي خامنئي»، قد توعد السعودية بالانتقام الإلهي في أعقاب إعدام «نمر النمر». النظام الملكي في المملكة العربية السعودية، في الوقت نفسه، يقول بوضوح أنه لن يتردد في التصدي لإيران.

من مواقع الضعف

ولكن ما يشكل تهديدا أكبر للمنطقة من مجرد الصراع السعودي الإيراني هو احتمال أن البلدين يخوضان الاشتباك ضد بعضهما البعض من مواقع الضعف وليس من مواقع القوة. وفي إطار جهودهما الرامية إلى إخضاع بعضهما البعض فإنهما يدفعان بالمنطقة بأكملها إلى خارج السيطرة. ويبدو من الواضح أيضا أنه لا إيران ولا المملكة العربية السعودية يملكان السيطرة الكاملة على الميليشيات والحركات الأيديولوجية التي أطلقا العنان لصراعها. وحتى لو قررت طهران والرياض أن تجنحا للهدوء فإن الجماعات المسلحة التي تم توليدها سوف تستمر في إشعال الصراع في جميع أنحاء المنطقة.

إذا كان هناك حدث واحد يمكن أن نقول أنه قد أشعل هذا الفتيل فإنه سيكون بكل تأكيد هو الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، حين اتفقت إيران مع القوى الكبرى على تفكيك برنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات. الاتفاق كان جيدا للأمن العالمي ولكنه ألقى بظلاله على الاستقرار في المنطقة. المملكة العربية السعودية، التي تعتبر نفسها مصرفي العالم السني، وزعيمه الروحي قد شعرت بالتخلي عنها من قبل حليفها الأهم، الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اتسعت هوة الخلاف بينهما، والذي بدأ في عام 2011 إثر قيام واشنطن بدعم الانتفاضات الشعبية ضد طغاة الربيع العربي.

بينما كانت إدارة «أوباما» تسعى لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، فإن المملكة العربية السعودية قد شعرت بالخيانة، والآن تستعد الولايات المتحدة لمساعدة المنافس الإقليمي الأكبر للسعوديين من خلال رفع العقوبات. في نفس الوقت تقريبا، فإن صناعة التكسير قد جعلت من الولايات المتحدة وغيرها من الدول دولا نفطية وخففت من اعتمادها على نفط الشرق الأوسط وبخاصة النفط السعودي.

الملك «سلمان»، العاهل السعودي الجديد، اتخذ نهجا غير معهودا للمواجهة مع الولايات المتحدة. وقد مارست حاشيته الضغط السياسي في مواجهة الصفقة مع إيران. وفي مارس/آذار من العام المنقضي، باشر هجوما كبيرا على المتمردين المدعومين من إيران في اليمن. وفي الوقت الذي تم فيه توقيع الاتفاق النووي في يوليو/تموز، كان السعوديون، بشكل خطير، على مقربة من قطيعة مع واشنطن.

وقد قال بعض الدبلوماسيين الغربيين إن قرار السعوديين بإعدام «نمر النمر»، مع علمهم أنه سيتسبب في استعداء إيران، كان مصمما خصيصا لإفشال مؤتمر السلام السوري المقرر عقده في جنيف في 25 يناير/كانون الثاني. أي محادثات للسلام بدون السعودية وإيران اللتان تدعمان طرفي الحرب سوف تكون مضيعة للوقت.

وقد وترت المناورات الحربية السعودية من علاقاتها مع واشنطن. ويقول دبلوماسيون ومسؤولون أمنيون أمريكيون أنهم غاضبون من قيام بعض مواطني المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى بتقديم الدعم المالي للجهاديين في سوريا وليبيا وأماكن أخرى في المنطقة.

لكن العائلة المالكة في السعودية ملتزمة باسترضاء المؤسسة الدينية الوهابية والحفاظ على دعمها. وهذا يعني أن النظام الملكي يريد إقناع واشنطن بأن السعودية هي حليف قوي لمكافحة الإرهاب، في حين يقنع رعايا في الداخل بالتزامه تجاه حماية نمط التدين المحافظ.

ووفقا لما حدثنا به أحد المحللين العرب المقربين من الحكومة السعودية، والذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، فإن إعدام «نمر النمر» كان نوعا من «السياسة المحلية». وأضاف: «هم بحاجة إلى عدم فقد المزيد من الدعم لصالح الدولة الإسلامية لذلك هم بحاجة لإظهار كونهم أكثر تشددا».

وقد كان الإعدام أيضا وسيلة للمملكة العربية السعودية لمواجهة ما تدعوه بالنفوذ الإيراني. بعد ما يقرب من خمس سنوات من الجمود في سوريا، فإن «نظام الأسد» قد بدأ في استعادة بعض الأراضي بفضل الدعم العسكري الكبير من طهران وموسكو. العراق، الجار ذو الأغلبية الشيعية، أصبح أيضا حليفا لإيران. في لبنان، فإن الجماعة الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، حزب الله، قد صارت أقوى من أي وقت مضى. وسوف يعزز الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى من إيرادات إيران إلى حد كبير، وسوف يسهم في إعادة دمج الجمهورية الإسلامية في الاقتصاد العالمي والمجتمع الدولي.

ليست وردية

لكن النظرة الفاحصة تكشف أن الأمور ليست وردية كما تبدو بالنسبة إلى إيران. في الخارج، فقدت إيران الكثير من الدعم والقوة الناعمة التي حازتها بعد ثورتها عام 1979. في منتصف العقد الماضي كان ما يسمى بمحور الممانعة الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس السنية يتمتع بشعبية واسعة بين المسلمين السنة والشيعة.

اليوم، تظهر استطلاعات الرأي أن شعبية إيران قد تهاوت في ظل الاستقطاب الحالي. شأنها شأن المملكة العربية السعودية، التي تدعم المتمردين في سوريا وتقود حملة عسكرية لدعم الحكومة في اليمن، فقد بالغت إيران في الانخراط بشكل راسخ في حروب من غير المنتظر أن تسفر عن منتصر صريح. أخذ حزب الله جانب «الأسد» بشكل صريح وفقد بريقه العربي المزعوم.

وقد فشلت إيران رغم القدرات الكبيرة لقوة القدس التي يقودها الجنرال «قاسم سليماني» في ضمان بقاء النظام السوري. على الرغم من النجاحات العسكرية الأخيرة لقوات «الأسد». وفي اليمن، فإن الحوثيين وحلفاءهم الذين تدعمهم إيران يفقدون الأرض في مواجهة هجمات القوات السعودية.

«تمكنت إيران والمملكة العربية السعودية من تشكيل دائرة من الصراع المدمر للطرفين، والذي سوف يضر بالموقف الإقليمي لكليهما في المستقبل»ن كما يقول «مايكل حنا»، وهو زميل بارز في مؤسسة القرن. ويضيف قائلا: «في حين أن معظم الناس يفترضون أن إيران في وضع أفضل بكثير، فإنها تبدو أكثر عزلة مما كان يعتقد سابقا». مؤكدا: «لقد انهارت قوتها الناعمة في معظم العالم العربي السني، وتقتصر الآن على ممارسة القوة الصلبة في الصراعات الطائفية».

جميع مؤشرات هذه الجولة من التنافس السعودي الإيراني تشير أن الأمور تتجه نحو الأسوأ وليس الأفضل. كلا الطرفين يقومان بتأطير منافستهما بمصطلحات غارقة في الطائفية. وقد أثبت الجانبان قدرة أقل في إدارة الصراعات التي لا نهاية لها في المنطقة. والخلاصة أن السعودية وإيران يقومان بالمزايدة على حرب لا يمكن لأيهما أن يحسمها.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران سوريا اليمن العلاقات السعودية الإيرانية إعدام نمر النمر

«فورين بوليسي»: كيف يمكننا أن نفهم المخاوف السعودية تجاه إيران؟

السعودية وإيران .. السفارات كميادين للمعارك

«الغارديان»: السعودية وإيران تحتاجان إلى بعضهما البعض

«واشنطن بوست»: سعي إيران للهيمنة جعل السعودية أكثر جرأة وتهورا

السعودية وإيران ... أربع ساحات محتملة لتصعيد الاشتباك غير المباشر

التداعيات المحتملة للقطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران

عن الموقف المصري من التصعيد بين السعودية وإيران

مبعوث صيني يزور السعودية وإيران ويدعوهما إلى الهدوء وضبط النفس

الأزمة السعودية الإيرانية وآفاق النظام العربي

«فورين أفيرز»: الحسابات المعقدة للسعودية في حربها الباردة ضد إيران

قلق من نشوب صراع مسلح بعد الحرب الباردة في الخليج

كيف تضيع مملكة

كيف تؤجج أخطاء الولايات المتحدة التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران؟

شكاوي من قرصنة إيرانية على قوارب سعودية.. والسلطات في المملكة: لم نتلق بلاغات رسمية

السعودية في مواجهة تحديات كبرى

المشترك الإيراني الغربي والردع الذكي

المعركة الأبدية بين السعودية وإيران .. 4 أسباب تغذي استمرار الصراع

هل هذا نزاع سعودي إيراني؟!

كيف ستكون الحرب السعودية الإيرانية؟

هآرتس: الملك السعودي يستعرض العضلات في المنطقة

«هآرتس»: أعداء (إسرائيل) يصرفون أبصارهم عنها وتضعفهم الحرب فيما بينهم

تأجيج المشاعر السنية لا يخدم الاستقرار في السعودية على المدى البعيد

هل بالإمكان بناء توافق سعودي إيراني؟

الصراع السعودي الإيراني يشكل السياسة الداخلية لكلا البلدين

هل هناك تأثير حقيقي لقطع العلاقات الاقتصادية بين السعودية وإيران؟

لهذه الأسباب .. ليس من المرجح أن نشهد حربا مباشرة بين السعودية وإيران

كيف يمكن أن تستفيد السعودية من أزمة دبلوماسية مع إيران؟