الصراع السعودي الإيراني يشكل السياسة الداخلية لكلا البلدين

الأربعاء 3 فبراير 2016 12:02 ص

خلال السنوات القليلة الماضية، فإن المملكة العربية السعودية ربما لم تنجح في صناعة قرار واحد بخصوص سياستها الخارجية يبدو متفهما بشكل كامل لأي شخص من خارج العائلة المالكة السعودية. بدأت الأمور في الذهاب نحو الأسفل حين قررت الملكة إغراق سوق النفط من خلال ضخ فوائض المعروض لقمع الأسعار واستعادة حصتها في السوق التي فقدت بعضها لصالح منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة وسائر المنتجين ذوي التكاليف التشغيلية المرتفعة.

في وقت سابق، ساعدت القوات السعودية في قمع احتجاجات الشيعة في البحرين. ثم جاء إلى السطح خطر تنظيم «الدولة الإسلامية». ومما جعل الأمور أكثر سوءا هو قيام المملكة العربية السعودية بقصف المتمردين الشيعة الحوثيين في اليمن، الأمر الذي جر البلاد في أتون نزاع طويل الأمد. وقد قامت الحكومة منذ عدة أشهر ببيع أول دفعة من السندات السيادية منذ عقود. والآن أخيرا، بعد سنوات من الخطابة، فإن المملكة العربية السعودية وإيران ينشبان رقاب بعضهما البعض.

ربما يفاجأ البعض حول كيفية إثارة إعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر» لكل هذا الغضب في جميع أنحاء المنطقة. وفي الحقيقة، فإن إيران لم تكن أبدا هادئة. وقد قام وكلاء إيران بالسيطرة على ما يسمى بـ«الهلال الشيعي» وهو تكتل من الأراضي يتخذ شكل هلال ويضم كلا من العراق وسوريا وميليشيا حزب الله في لبنان. ولكن داخل المملكة العربية السعودية، فإن الشيعة يمثلون أقلية (بين 10-25% على اختلاف التقديرات) وقد ظلوا هادئين نسبيا على الرغم من القمع الذي تعرضوا له من قبل الحكومة والاستبعاد من قبل المجتمع السعودي ككل. وهكذا، فإن الشيعة السعوديين يمثلون قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار وقد يشكل إعدام رجل الدين الشيعي نقطة اللاعودة في هذا الصدد.

الطريقة التي تصرف بها المتظاهرون في طهران بالهجوم على السفارة السعودية تعكس تاريخا طويلا من العداء. وقد تدهور الصراع في سوريا نحو حرب طائفية بين الشيعة والسنة. وتقوم إيران حاليا باستبدال قواتها الخاصة في سوريا وإحلال متطوعين من الشيعة الباكستانيين. المواجهة الحالية التي اشتعلت في 4 يناير/كانون ثان من المؤكد أن تحدد مسار المنطقة خلال عام 2016، ويبدو أنه لن يكون مسارا هادئا بحال.

مع قيام المتظاهرين في طهران بإضرام النار في السفارة السعودية، فقد قامت كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة، والكويت وقطر بتخفيض أو قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران. بعض هذه الدول لم تذهب إلى حد القطيعة الكاملة للعلاقات بسبب الروابط الاقتصادية والديموغرافية ورغبتها في المحافظة على استقرارها. وقد ردت إيران باتهام التحالف السعودي بقصف سفارتها في اليمن عن عمد.

يتكهن البعض أن الأزمة ما بين المملكة العربية السعودية وإيران قد تم افتعالها في الوقت الذي تستعد خلاله طهران للإفراج عن 500 ألف برميل إضافية من النفط إلى الأسواق العالمية في أعقاب رفع العقوبات. وعلاوة على ذلك، يتوقع البعض أن حربا شاملة بين الدول المنتجة للنفط سوف تؤدي في النهاية إلى ارتفاع كبير في الأسعار. ارتفاع أسعار النفط هو أمر ضروري لتحسين سير العمل في الدول الخليجية إذا ما أرادت الحفاظ على الأنظمة الاستبدادية التي تدعمها الإعانات الاجتماعية واسعة النطاق لسكانها. في هذه الحالة، فإن بعض الأطراف قد يكون لديها حوافز من أجل إيجاد سبل لمنع زيادة إمدادات النفط الإيرانية.

تعاني إيران في حفظ التوازن الهش بين المؤسسات الديمقراطية والطبيعة الدينية للدولة. تم تمثيل العديد من الفصائل المختلفة في صفوف النخبة الحاكمة. يأتي الرئيس «حسن روحاني» من فصيل أكثر اعتدالا، بعد أن تمكن من الاستيلاء على السلطة في أعقاب سلفه الأكثر محافظة، «أحمدي نجاد»، والذي تسبب في تدمير اقتصاد البلاد. يمكن للمرء أن يتكهن بأن المملكة العربية السعودية تعتزم على زيادة التوتر بين السنة والشيعة بحيث يعود تأييد الرأي العام في إيران إلى المتشددين. حادثة إضرام النار في السفارة السعودية جعلت الأصوليين أكثر سعادة، في حين قوضت محاولات الإصلاحيين لتصدير صورة إيران «تقدمية» إلى العالم.

تمتلك إيران شعبا أكثر شبابا ونشاطا، حيث ينمو تأييد متزايد لصالح التواصل بين إيران والغرب. كانت الثورة الخضراء التي فشلت في عام 2009 محاولة من الشباب من أجل إنهاء حكم المتشددين. هناك الكثير من المعارضة الشبابية لسيطرة المتشددين، والتي سوف تنمو حال إحكام قبضتهم على السلطة (البرلمان والرئاسة) من جديد. وهذا يعني الكثير من الانتهاكات الإضافية لحقوق الإنسان والتي سوف تؤدي إلى فرض عقوبات جديدة.

إيران بحاجة ماسة للنمو الاقتصادي لتجنب التهميش. ولذات السبب، فإنها تسعى للاحتفاظ بصورة المدافع عن المسلمين الشيعة، ولذا فإنها يجب أن تمتلك القدرة على دعم الحكومات والفصائل الشيعية في الخارج. في الواقع، فإن حزب الله، والأسد والميليشيات الشيعية العراقية يعتمدون بشكل كبير على الدعم الإيراني. وبالتالي، من سخرية القدر، فإنه يتعين على الأصوليين دعم المعتدلين لإدارة البلاد بكفاءة من أجل تحقيق أهدافهم في الهيمنة الإقليمية.

تتوقف التطورات في الشرق الأوسط بشكل كبير على الطريقة التي تقوم بها كل من إيران والمملكة العربية السعودية بالاستجابة إلى أفعال بعضهما البعض. سيكون على «روحاني» التأكد من أن الحرس الثوري الإيراني لا يتورط في أي اعتداءات علنية. كانت التجربة الصاروخية في أكتوبر/تشرين أول واحتجاز الزوارق الأمريكية قرب المياه القطرية أمورا محفوفة بالمخاطر. ولكن بلد من مكانة إيران لديها كامل الحق في تطوير نظام الصواريخ الباليستية الخاص بها، واحتجاز السفن البحرية التي تعتدي على حقوقها. البرازيل، على سبيل المثال، لديها غواصاتها التي تعمل بالطاقة النووية وباكستان لديها أسلحة نووية، ولا يوجد أحد يفرض عقوبات عليهما.

الفارق هنا هو أن إيران قد فقدت سمعتها باعتبارها عضوا مسؤولا في المجتمع الدولي منذ عام 1979، وهي تحتاج إلى إعادة بناء هذه السمعة. وقد بذلت حكومة «روحاني» العديد من الجهود الإيجابية في هذا الاتجاه. وبإعادة صياغة كلمات الرئيس «أوباما»، فإن إيران هي دولة كبيرة جدا على أن تبقى معزولة عن العالم. إن العالم بحاجة أيضا إلى تفهم أن «روحاني» لن يمكنه أن يتصرف على الفور بشكل ودي تجاه الغرب، في الوقت الذي استنكفت فيه إيران عن الغرب لمدة عقود. للبقاء في السلطة، يجب أن ينظر «روحاني» لحماية مصالح إيران وقوتها الخاصة. إذا تم النظر إليه على أنه دمية في يد الغرب، فإن ذلك يعني مباشرة عودة الأصوليين إلى السلطة.

المصدر | فورين بوليس بلوجز

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران إعدام نمر النمر أسعار النفط حسن روحاني

هل بالإمكان بناء توافق سعودي إيراني؟

«و.س. جورنال»: لماذا يجب على أمريكا أن تدعم السعودية في مواجهة إيران؟

كيف ستكون الحرب السعودية الإيرانية؟

تحليل إسرائيلي: السعودية تعمدت تحدي إيران وواشنطن بتنفيذ إعدام «النمر»

«نيوزويك»: السعودية وإيران تدمران بعضهما البعض

«فورين بوليسي»: كيف يمكننا أن نفهم المخاوف السعودية تجاه إيران؟

«الغارديان»: السعودية وإيران تحتاجان إلى بعضهما البعض

لهذه الأسباب .. ليس من المرجح أن نشهد حربا مباشرة بين السعودية وإيران

هل يمكن التوصل إلى اتفاق «هلسنكي» جديد لوقف التصعيد بين السعودية وإيران؟

كيف يؤثر الصراع السعودي الإيراني على «أوبك»؟