هل يمكن التوصل إلى اتفاق «هلسنكي» جديد لوقف التصعيد بين السعودية وإيران؟

الجمعة 10 يونيو 2016 11:06 ص

هل يمكن نزل فتيل التصعيد بين السعودية وإيران؟ الإجابة القصيرة جدا هي نعم، ولكن السؤال الحقيقي هو كيف يمكن فعل ذلك؟

بشكل عام، هناك طريقتان كلاسيكيتان. الأولى تبدأ من الأسفل عبر فك الارتباط بين القوتين الكلاسيكيتين في المناطق التي يتقاتل فيها وكلاء كل منهما. الطريقة الثانية هي أن نبدأ في وضع قواعد أساسية للحرب الإقليمية التي تمزق الشرق الأوسط والتي بدأت قبل بضعة سنوات من الآن.

النقطة الأساسية هنا هي أن تلك الحرب السعودية الإيرانية لا تفتقر فقط إلى وجود أية قواعد، ولكنها أيضا تدور في منطقة تشهد عواصف عنيفة. أنواء العمليات الانتقالية واسعة النطاق التي تجري في المنطقة لا تسمح بتكوين رؤية مفصلة عما سوف يحدث. ادعاءات حيازة الكرات البلورية سوف تسقط كالعادة مع أول موجة ضخمة لا يمكن التنبؤ بما تحتويه من أحداث. ملامح العملية الدموية التي نراها في الشرق الأوسط الآن يمكن تلخيصها في اثنين من الديناميات المتوازية للمرحلة الانتقالية، وهما العوامل الداخلية والصراع الحر والفوضوي بين إيران والدول العربية السنية.

بعض القوارب التي نراها تكافح الآن سوف تغرق وبعضها الآخر سوف يكون قادرا على المرور عبر اضطرابات لا يمكن التنبؤ بها. ولكن في جميع الأحوال، لا ينبغي لأحد أن يتدخل في عملية التحول متعددة الأوجه والمعقدة للغاية من أجل فرض رؤى مسبقة أو أماني ذاتية.

ورغم كل شيء، فإن لدينا رؤية عما نأمل أنه سوف يحدث. وعلاوة على ذلك، ينبغي لنا أن نحاول قدر الإمكان تشكيل المسار العام لعملية التحول. في كثير من الأحيان فإننا سوف نفاجأ بالقدر الذي يمكن به لمحاولات صغيرة نسبيا لضبط مسار الأحداث أن تؤدي إلى نتائج عميقة إذا كانت تستند إلى مفاهيم سليمة وفهم عميق لقوى اللعب. زيارة «هنري كيسنجر» السرية إلى الصين في عام 1971 وحدها قد تسببت في تغيير المشهد الاستراتيجي العالمي. تكلفت خطة مارشال في عام 1947 حوالي مائة مليار دولار حين تم تقويمها بقيمة عام 2003، في حين تكلف الغزو الأمريكي للعراق أكثر من هذا المبلغ بحوالي 20 ضعفا.

هذا التحول التاريخي الإقليمي الذي نشهده مضطرب بما فيه الكفاية. وعندما يقترن بالحرب بين إيران والمملكة العربية السعودية، والقضايا التي لا حصر لها في جميع أنحاء المنطقة، فإنه كفيل بأن يجعل العالم ككل أكثر تعقيدا.

ويمكن النهج الصحيح في ظل هذه الظروف الصعبة في أن نحاول، قدر الإمكان، الفصل بين الديناميتين: التحولات الداخلية التي تشهدها دول المنطقة والصراع السعودي الإيراني. ورغم ذلك فإن هذا المفهوم هو مجرد إطار نظري عام وهو لا يعالج في ذاته السؤال الجوهري بشأن: كيف؟

وكما احتاج الاتفاق النووي الإيراني تدخل مجموعة 5+1 من أجل إدارته، فقد يحتاج الأمر إلى آلية مماثلة من أجل التوصل إلى هدنة بين العرب والإيرانيين. وهناك مثال مفيد لمثل هذه الآلية هو «اتفاقات هلسنكي».

نهج «هلسنكي»

وقد أشار أحد أصدقائنا إلى حقيقة أنه في حال السعي نحو الوصول إلى اتفاق مماثل لـ«هلسنكي» فإننا سوف نصطدم ببعض العقبات الخطيرة مثل المسألة القومية الكردية على سبيل المثال. هذا السؤال قد يمنع التوصل إلى طريق عمل بين القوى الإقليمية، وعلى وجه التحديد كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا.

هذا النهج «الهلسنكي»، الذي قام بتعزيز حرمة الحدود في أعقاب الحرب العالمية الثانية في أوروبا، يجب أن يتم تعديله ليتناسب مع الأوضاع الحالية في الشرق الأوسط. لا يمكن لهذا الأمر أن يعمل من دون 3 شروط: مجتمع دولي صارم، وقدرات رادعة على الأرض، ومجموعة واضحة من القواعد ليس فقط لتنظيم وكبح جماح الصراع السعودي الإيراني ولكن أيضا للحد من أي اختلافات بين القوى الخارجية التي تعمل بشكل جماعي كضامن للترتيبات.

أحد الأمثلة التي نعنيها بذلك هي أن استخدام وتوظيف الأطراف الفاعلة غير الدولية والمجموعات الإرهابية والتحريض الطائفي ينبغي أن يحظر بشكل قاطع. يجب تشغيل هيئات المراقبة من قبل الأمم المتحدة التي يجب أن تسند إلى قواعد أولية تم الاتفاق عليها مع امتلاك منصة وقوة لإنفاذ الترتيبات. ويجب أن يستند أي تحكيم على محتويات الترتيب الأولي التي تستخدم كمرجع وتدعمه منصة الإنفاذ.

وعلاوة على ذلك، فإن مواقع الأزمات الإقليمية ذات البعد الإيراني السعودي هي مفصلة جدا ومعقدة بدرجة تجعل من الصعب التعامل معها دون وضع مجموعة منظمة من القواعد لتي تنظم المنافسة الشاملة بين الجانبين والتي يوافق عليها الطرفان مسبقا. قد يكون من الصعب التعامل مع كل أزمة فردية دون هذه المراجع. ولكن مهمة رفع الأثقال التي يجب ممارستها الآن تكمن في الوصول إلى تلك القواعد المقبولة التي تسهم في توفير الوقت والدم والمال والقضاء على الأخطار التي تهدد النظام العالمي. وهذه قضية مهم بقدر أهمية الجهد الذي بذلته مجموعة دول 5+1 من أجل التوصل إلى اتفاق مع إيران.

لا ينبغي لأحد أن يتدخل في الأزمات الداخلية في أي من بلدان المنطقة بأكثر من ممارسة بعض الضغط من أجل الحد من العنف واحتواء الأزمة قدر الإمكان. ينبغي أن تترك عملية التغيير داخل أي بلد، قدر الإمكان، إلى القوى الأصلية داخل البلد والسماح لها بأن تتخذ مسارها الطبيعي من أجل تحقيق نتائج حقيقية. التدخل الخارجي من قبل إيران والمملكة العربية السعودية، أو من قبل أي دولة أخرى، يعقد عملية التحول الطبيعية ويحقنها بأهداف مشوهة ويفرض أجندات خارجية تشمل الطائفية والتعصب وعسكرة الصراعات الاجتماعية ما يهدد بتحويل المنطقة إلى ثقب أسود في النظام العالمي.

من الطموح جدا أن نأمل في إيقاف التنافس السعودي الإيراني بشكل تام. ولكن ليس كثيرا أن يتم الاتفاق على بعض القواعد الأساسية للعبة. الحالة غير المنضبطة لهذا الصراع تتسبب في تهديدات خطيرة للمنطقة وللعالم بأسره. وعلاوة على ذلك، فإنها تشوه العملية الانتقالية في المنطقة، وتجعلها لا تفضي إلى نتائج فاعلة بقدر ما تؤدي نحو المزيد من الفوضى والدول الفاشلة والجماعات الإرهابية والمعاناة والهجرة الجماعية للمدنيين.

وقد اقترحت موسكو التوصل إلى اتفاق إقليمي لمحاربة الإرهاب ولكن هذا المفهوم لا يمكن أن يصمد بمفرده. الإطار الأوسع لاتفاق ينظم قواعد المنافسة الجيوسياسية في المنطقة هو الإطار المفاهيمي الصحيح والذي سوف يشمل بكل تأكيد كيف يحجم الشرق الأوسط من تكاثر الإرهاب والأزمات والمآسي كما أنه سوف يضع أسسا منظمة لوقف التصعيد.

أما بالنسبة للمسألة الكردية، فنحن نرى حاليا ما يشبه منطقة للحكم الذاتي للأكراد في شمال العراق. تعمل تركيا بشكل جيد مع حكومة إقليم كردستان. وينبغي أن يتم تطوير مفهوم مماثل للمناطق الكردية في شمال سوريا. وأما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فإننا نتفهم أن هناك جهودا كبيرا تجري بعيدا عن الكاميرات مع بعض الأفكار خارج الصندوق، من أجل التوصل إلى لعبة النهاية التي تسمح الشرق الأوسط لتأسيس أي أمل مستقبلي في السلام على أسس متينة.

أما البديل لهذه الطريقة التي تنص على وضع قواعد عامة للتنافس في المنطقة فيكمن في البداية من أسفل، أي من الصراعات التي تجري بالفعل في اليمن وسوريا والعراق وليبيا. ولكن هذا البديل هو أكثر صعوبة في الواقع خاصة في ظل تناثر المشاكل على المسرح الإقليمي. وعلاوة على ذلك فإن معظم هذه الصراعات ترتبط بطريقة أو بأخرى بتلك المباراة غير المنظمة بين السعودية وإيران.

يمكن لنزع التصعيد فقد أن يقود نحو اتخاذ خطوات من أجل التعاون الإقليمي. يمكن ساعتها للشرق الأوسط أن يعبر تلك الفترة الحرجة من تاريخه بطريقة أقل زعزعة للاستقرار وأقل تهديدا لنفسه وللعالم.

سوف يكون هناك بالتأكيد من يتبنى خطاب الوقف التكتيكي للعداء كوسيلة من أجل التحضير إلى معركة أكثر ضراوة، وسوف يكون هناك أولئك الذين سوف يدفعون بجدية نحو التعايش السلمي. يمكن للجميع أن يفكروا كما يريدون. ولكن في حال التوصل لمثل هذا الاتفاق فسوف تظهر العديد من القوى التي سوف تستفيد منه وسوف تدافع عن بقائه. أولئك الذين قد ينظرون إلى ترتيب اتفاقية تشبه اتفاقية هلسنكي في الشرق الأوسط على أنه مجرد تهدئة قصيرة في الحرب بين إيران والعرب، ثم يحاولون استخدامه لجمع الطاقة للجولة القادمة، يمكنهم أن يتمنوا ما يريدون. سوف تغير التحولات الأرض تحت أقدامهم قد تغيرت ونأمل أن السلام سوف يدفع بهم إلى الهامش. كان الفرنسيون يكرهون الألمان على مدى عقود قليلة بعد الحرب العالمية الثانية. من يتذكر هذا الآن؟

نحن لم نر بعد ما يمكن أن نطلق عليه «مرحلة دائمة»، لأن هذا المصطلح متناقض بحكم التعريف. يمكن لنزع التصعيد أن يبقى ثابتا أو ينهار عاجلا أو آجلا. كما يمكن أيضا تطويره نحو مستوى أعلى من التعاون الإقليمي. وينبغي أن يكون هناك مجموعة عامية مثل مجموعة دول 5+1 تتولى وضع القواعد العامة للاشتباك وتعميها بشكل قانوني ذي بعد عالمي. يجب تعيين العقوبات الجماعية وغيرها من الأدوات العقابية ووضعها على الطاولة وكذا وضع قائمة من الإجراءات المقترحة للإنفاذ العالمي.

هناك الكثير مما يمكن التعاون بشأنه في الشرق الأوسط بين مختلف القوى الإقليمية.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينغ

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران الصراع السعودي الإيراني العلاقات السعودية الإيرانية الإرهاب المشروع الإيراني

المملكة العربية السعودية وإيران: ما الذي يمكن لـ«بوتين» أن يفعله؟

الشقاق بين السعودية وإيران يعرقل استراتيجية الأمد الطويل لأوبك

السعودية وإيران .. والحاجة إلى خفض التوتر

هل يمكن صياغة مقاربة للأمن الخليجي تقوم على المشاركة بين السعودية وإيران؟

الصراع السعودي الإيراني يشكل السياسة الداخلية لكلا البلدين

إيران تبدأ بناء قواعد عسكرية قرب حدود السعودية والعراق بإشراف الحرس الثوري

محللان أمريكيان: السعودية أكثر حزما في مواجهة سياسة إيران التخريبية

«بروكنغز»: 3 حلول لإبعاد شبح الحرب بين السعودية وإيران

لماذا يجب على السعودية أن تتخلى عن دبلوماسيتها الغاضبة؟