«نيوزويك»: لماذا يراهن «بوتين» على الأكراد؟

الاثنين 21 مارس 2016 05:03 ص

حينما قامت تركيا بإسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فقد فعلت ذلك على أمل احتواء الجهود الروسية في سوريا.. بدلا من ذلك، فإنها ربما تكون قد أثارت سلسة من الأحداث التي منحت الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» مقعد القيادة في إعادة رسم حدود الشرق الأوسط بما في ذلك تركيا.

بعد وقوع الحادث، تعهد «بوتين» بأن القادة الأتراك سوف يندمون على تلك الخطوة ووعد بأن الرد الروسي سوف يتجاوز مقاطعة الطماطم التركية وسائر الإجراءات الاقتصادية الأخرى، وقال: «نحن نعرف ما يتعين علينا القيام به».

ويبدو أن «بوتين» قد أوفى بعهده، كجزء من انتقامه من تركيا، حيث قام بتوسيع علاقاته مع الجماعات الكردية في كل من تركيا والعراق وسوريا، ففي ديسمبر/كانون الثاني من العام الماضي، قام وزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف» باستقبال السياسي الكردي التركي البارز «صلاح الدين ديمرطاش» في موسكو.

«ديمرطاش» هو رئيس بالمشاركة لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وخلال زيارته، شرع «ديمرطاش» في فتح مكتب تمثيلي لحزبه في العاصمة الروسية، وفي فبراير/ شباط الماضي، افتتح حزب الاتحاد الديمقراطي السوري أول مكتب خارجي له في موسكو. وهي خطوة كبيرة إلى الأمام في حملة المجموعة لاكتساب شرعيتها الدولية، وكانت روسيا تدعو باستمرار إلى تمثيل الأكراد في محادثات السلام السورية الجارية في جنيف.

لم يقتصر الدعم الروسي على الدبلوماسية والعلاقات العامة، ففي يناير/كانون الثاني أكد «لافروف» أن روسيا في طريقها لتزويد أسلحة إلى إقليم كردستان العراق. كما أفادت مصادر متعددة أن روسيا ربما تكون قد قامت بتوريد أسلحة إلى الأكراد السوريين.

وقد أثارت هذه التحركات الروسية مخاوف أنقرة لأسباب مفهومة، حيث يدعم كل من حزب الاتحاد الديمقراطي السوري وحزب الشعوب الديمقراطي حزب العمال الكردستاني، الذي شن طوال 3 عقود كفاحا مسلحا ضد الجمهورية التركية باسم تقرير المصير الكردي، وبعد توقف دام عامين، استأنف حزب العمال الكردستاني في يوليو/ تموز الماضي عصيانه ووضع تركيا في حالة حرب أهلية افتراضية.

وكما يشير اسمه، فقد تم تأسيس حزب العمال الكردستاني خلال الحرب الباردة كشكل مختلف من أشكال الماركسية اللينينية، وبسبب توجهه الأيدولوجي المقارب للاتحاد السوفييتي واستخدامه المسرف للتكتيكات الإرهابية بما في ذلك التفجيرات الانتحارية، فقد أدى ذلك إلى حالة نفور بينه وبين الغرب، وقد انتهى الأمر إلى تصنيف الحزب من قبل الخارجية الأمريكية والبرلمان الأوروبي على أنه منظمة إرهابية.

خلال العام والنصف عام الماضيين، مع ذلك، تغيرت صورة حزب العمال الكردستاني بشكل كبير، وقد قدمت المجموعة والأفرع التابعة لها نفسها بشكل جيد كقوى فاعلة في القتال ضد «الدولة الإسلامية»، حيث مثلت قوميتهم العلمانية تناقضا حادا مع طائفية «الدولة الإسلامية» وعدوها الرئيسي، الجمهورية الإسلامية الشيعية في إيران.

وعلاوة على ذلك، فإن المآسي التي شهدها التاريخ الحديث للأكراد قد تسببت في زيادة التعاطف مع حزب العمال الكردستاني، يعمل المستشارون الأمريكيون الآن بشكل وثيق مع الوحدات المسلحة لحزب الاتحاد الديمقراطي بحجة الانفصال بينه وبين حزب العمال الكردستاني المصنف رسميا كمنظمة إرهابية، ويواصل بعض الخبراء وجماعات الضغط في واشنطن والعواصم الأوروبية الدعوة إلى رفع هذا التصنيف كليا.

بالنسبة إلى المسؤولين الأتراك، فإن هذا السيناريو يمثل كابوسا، كما سيمنح حزب العمال الكردستاني أثمن ما يمكن لحركة متمردة أن تحصل عليه وهو الشرعية الدولية، وهو ما قد يشجعه لمواصلة ممارسة العنف من أجل تحقيق الحكم الذاتي، وفي نهاية المطاف، ربما المطالبة بدولة مستقلة.

ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أنه مع عودة روسيا إلى لعب دور نشط في الشرق الأوسط مرة أخرى وفي ظل ميزة كالحرب المشتعلة في سوريا، فإن حزب العمال الكردستاني لا يحتاج إلى الغرب.

وبالفعل، فإن مصالح حزب العمال الكردستاني والرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» تبدو متآزرة بشكل كبير، من خلال العمل مع الأكراد، فإن موسكو تحقق أكثر من هدف في آن واحد، من ناحية، فإنها تواصل حربها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» كما أنها تعاقب تركيا وتحافظ على نفوذها في سوريا وخارجها

من جانبه، فإن حزب العمال الكردستاني يضمن بذلك استمرار تلقي الدعم، ليس فقط الأسلحة وإنما تقديم المشورة، والدعم الجوي، ومساندة عضو دائم في مجلس الأمن يمكنه أن يقدم دعما لا يقدر بثمن.

والتاريخ أيضا

القليل هنا يمكن أن يمثل مفاجأة، اعتادت روسيا منذ القدم أن تكون راعيا للأكراد، على مدار التاريخ كان القادة الروس يدركون بشكل واضح أهمية الأكراد للسياسة إلى الجنوب مباشرة من الحدود التركية.

استخدمت الجيوش القيصرية الأكراد في حروبهم مع الفرس والعثمانيين وشجع القياصرة الروس القبائل الكردية من أجل التمرد على هذه الإمبراطوريات، فعشية الحرب العالمية الأولى، كان سان بطرسبرج مركز الدعم الكردي، وكانت بعض القيادات الكردية ترى الإمبراطورية الروسية هي الأمل الأفضل لها لتحقيق التنمية والاستقلال السياسي.

أنشأت روسيا البلشفية في عام 1923 أول كيان سياسي كردي، وهي دولة كردستان الحمراء في القوقاز وكانت تهدف إلى استخدامها كأداة لتصدير الثورة إلى الشرق الأوسط عبر الأكراد.

أخذ «ستالين» خطوة أخرى إلى الأمام في عام 1946 عندما أمر القوات السوفيتية بالانسحاب من شمال إيران ليشرف على تأسيس جمهورية مهاباد هناك.

وعلى الرغم من أن جمهورية مهاباد قد انهارت لاحقا بعد عام واحد بعد أن أعطى الرئيس «ترومان» الإذن لشاه إيران بسحقها، فقد كانت تعد أول دولة ذات قومية كردية.

يحتفل الأكراد بهذه المناسبة إلى اليوم ويرجع ذلك إلى أسباب ليس أقلها أن رئيس جمهورية مهاباد «مصطفى البرزاني»، هو والد الرئيس الحالي للحكومة إقليم كردستان العراق، «مسعود بارزاني».

كما أن بعضا من الجواسيس الأكثر أثرا في تاريخ الاتحاد السوفيتي مثل «بافيل سودوبلاتوف» و«يفغيني بريماكوف»، قد وجدوا أن الورقة الكردية هي أداة مفيدة من أجل زعزعة استقرار حكومات الشرق الأوسط التي كان ينظر إليها على أنها موالية للغرب، ولاسيما تركيا، وحظي حزب العمال الكردستاني الدعم السوفييتي على وجه التحديد لهذا الغرض.

الجدير بالذكر أن موسكو لم تقم بقطع علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وخلال التسعينيات، واصل حزب العمال الكردستاني إدارة مكتبه التمثيلي وحتى معسكره الترفيهي التربوي في روسيا.

لدى الدولة الروسية أكثر من 200 عام من الخبرة في التعامل مع الأكراد والحفاظ على تلك العلاقة كانت وسيلة رخيصة نسبيا للحفاظ على النفوذ في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص، فإن روسيا غالبا ما تلعب بالورقة الكردية لتوفير رادع ضد الدعم التركي المحتمل للانفصاليين المسلمين في الشيشان وأماكن أخرى داخل الاتحاد الروسي.

وبالتالي فإن الرهان على الأكراد يمثل مناورة متعددة الأوجه بالنسبة إلى «بوتين» وليس تحولا جذريا في السياسة الخارجية الروسية، وهو تقليد قديم يوفر قدرا من المرونة بالنسبة إلى روسيا في مواجهة خصومها.

إعلان «بوتين» لسحب القوات من سوريا لا يمكن ترجمته بأي حال على أنه سحب للنفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط.

الأكراد اليوم في العراق، في سوريا، في تركيا، وحتى في إيران هم ممثلون أقوى وأكثر أهمية في الشرق الأوسط مما كانوا عليه في أي وقت مضى من التاريخ الحديث، ومحاولة إقامة دولة كردية مستقلة يلقى قبولا أكثر من أي وقت مضى، ولكن النجاح في تقرير المصير نادرا ما يأتي دون مساندة من قوة خارجية.

وعلى عكس الولايات المتحدة، التي تجعلها علاقتها مع تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي أكثر حذرا في تبني قيام دولة كردية، فإن روسيا حرة نسبيا في دعم فكرة كردستان مستقلة ذات سيادة.

«بوتين»، باختصار، يتمتع بوضع فريد من أجل تتويج علاقته الممتدة عبر قرون طويلة مع الأكراد من أجل توجيه ضربة قاصمة بالنسبة إلى تركيا. كل من الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» ورئيس وزرائه «أحمد داوود أوغلو» لا يخفون إعجابهم بالسلطان العثماني «عبد الحميد الثاني»، وهم يذكرون جيدا أنه في عهد السلطان «عبد الحميد الثاني»، فإن الدبلوماسية والعسكرية الروسية قد أمنت استقلال بلغاريا ورومانيا وصربيا. ربما تنتظر كردستان المصير ذاته على يد القياصرة.

المصدر | نيوزويك

  كلمات مفتاحية

روسيا بوتين تركيا الأكراد الدولة الإسلامية حزب العمال الكردتاني كردستان

«أردوغان» لأمريكا: حولتم المنطقة لـ«بركة دم» بدعمكم الأكراد

«الأمن القومي التركي» يجدد رفضه مشاركة الأكراد الانفصالين في مستقبل سوريا

«ستراتفور»: زمن الأتراك.. لماذا يجب على روسيا أن تعيد تقييم رؤيتها لتركيا؟

صراع الإمبراطوريات: لماذا تتقاتل روسيا وتركيا؟

منع الحرب العالمية الثالثة في سوريا بين روسيا وتركيا

«ستراتفور»: دليل موجز لفهم الأكراد