«ستراتفور»: دليل موجز لفهم الأكراد

الاثنين 30 مايو 2016 09:05 ص

في عام 2005، اختار الأكراد في شمال العراق ممثليهم في المجلس التشريعي، وكذلك في البرلمان العراقي. وكانت هذه الانتخابات الأولى من نوعها في نحو 50 عاما.

وقد قيل أن الكرد أمة بلا حدود، على الرغم من أن هذا ليس صحيحا سوى جزئيا. هم، بطبيعة الحال، مواطنون من عدد من البلدان، تلك التي تحيط وطنهم في منطقة الشرق الأوسط ومنها ما أبعد من ذلك بكثير خارجها. ولكن بالنسبة للأكراد، الذين يبلغ عددهم نحو 25 مليون نسمة وعلى الرغم من أنهم على ثقافة مشتركة فإنهم يتكلمون لغات مختلفة، ويتبعون مختلف الأديان، وينتمون إلى الأيديولوجيات السياسية المختلفة، ويحملون جوازات سفر مختلفة، فإن المواطنة ليست مسألة بسيطة.

سوف يكون أكثر دقة أن نقول إن الأكراد، بعد استيعابهم في الدول التي لا تعتبر خاصة بهم، يميلون إلى أن يكونوا مواطنين في الاسم ولكن ليس في الممارسة. حيث يخضعون للتمييز والاضطهاد الصريح.

في تركيا، ما زالت المناهج اللغة الكردية محظورة في معظم المدارس. وفي العراق قتل ما يقدر بنحو 50 ألفا إلى مائة ألف من الأكراد في أواخر الثمانينيات خلال حملة الأنفال التي قادها نظام «صدام حسين». وفي إيران، أعدم ما لا يقل عن 1200 سجين سياسي كردي بعد الثورة الإيرانية عام 1979.

لم يكن للأكراد أي خيار سوى الاستيعاب، في هذا البلد أو ذاك حيث أن الوطن، كردستان، الذي يفضله معظمهم لا وجود له، وربما سوف لن يكون.

وقد ضغطت جماعات عرقية أخرى لا تعد ولا تحصى من أجل الاستقلال، ولكن هذه هي قصة الأكراد، الذين حاولوا لأكثر من قرن من الزمان وفشلوا في فرض إرادتهم. كان الفشل، وربما لا مفر منه. إن اقامة دولة هو أمر صعب خاصة إذا تم تدوين حرمان مواطنيها المحتملين في القانون الدولي.

إن معاهدة لوزان 1923، التي استبدلت معاهدة سيفر الفاشلة، التي سعت لإقامة دولة كردستان شهدت على ذلك. ومع ذلك، نجح الأكراد في القيام بذلك، ولو لفترة وجيزة، في عام 1946 مع تأسيس جمهورية مهاباد التي كانت خاضعة اسميا للأكراد في إيران والتي كانت مدعومة من الاتحاد السوفيتي ودامت أقل من عام.

وعلاوة على ذلك فقد نجحوا، ، في كسب درجة من الحكم الذاتي، إن لم يكن الدولة المطلقة، مع حكومة إقليم كردستان في شمال العراق، وكذلك في منطقة روج آفا في شمال سوريا. ويجد الأكراد أنفسهم في منطقة تخللتها الفوضى ويتم استغلالهم من قبل قوى أجنبية.

الهويات الممزقة

كردستان، هو اسم عامي يشير إلى الوطن التاريخي للأكراد، وهو المنطقة غير الساحلية التي تقع في مفترق الطرق بين تركيا وسوريا والعراق وإيران. وتقطعه جبال زاغروس من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي، وتشكل التضاريس الهائلة التي أعاقت هذا النوع من الاستيطان التماسك في الدول التي تحيط بها.

الأكراد يختلفون عرقيا عن جيرانهم العرب والأتراك، حتى لو كان العديد منهم يشتركون في نفس التقليد الديني السني. (لا تزال هناك جيوب يهودية، وشيعية. وما زال، حتى كتابة هذا التقرير، يوجد الأكراد الزرادشتيون المنتشرون في جميع أنحاء المنطقة). وعلى الرغم من أن الأكراد أكثر ارتباطا بالفرس من أي مجموعة عرقية أخرى، فهم مجموعة فريدة من نوعها ثقافيا، ولهم هوية فريدة.

ولكن هذه الهوية الثقافية الفريدة، وبسبب تلك الظروف، تقسمت حسب هويتهم اللغوية. اللهجات الكردية تنقسم تقريبا إلى فئتين: الكورمانجية في الشمال (تركيا وأرمينيا وسوريا وشمال العراق) والسورانية في الجنوب (في وسط العراق وإيران). أولئك الذين يتكلمون لهجات مختلفة يمكن أن يفهموا بشكل عام بعضهم البعض، ولكن يمكن أن يكون هناك اختلافات لغوية كبيرة. وتمشيا مع تعقيد سياسة الهوية الكردية، وهناك أيضا فرع لهجة غوراني، المعروفة باسم «زازا»، التي يتحدث بها ما لا يقل عن 4 ملايين في تركيا الذين يعرّفون أحيانا تحت مسمى الأكراد وأحيانا كمجموعة متميزة.

وقد خلقت هذه الظروف أيضا انقسامات سياسية. معظم الأفرع الكردية المختلفة في المنطقة يتفقون عموما على أن الأكراد يجب أن يتم إنشاء دولة خاصة بهم، ولكنهم يختلفون حول أفضل طريقة للقيام بذلك. ويؤيد البعض التعاون مع حكومة الولايات المتحدة. والبعض الآخر لا يؤيد. وقد تحولت هذه الخلافات أحيانا إلى مواجهات عنيفة. عندما قام حزب العراق الديمقراطي الكردستاني (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، بالتحالف مع الحكومة في أنقرة في شهر أغسطس/آب عام 1995، على سبيل المثال، قام حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) بالرد بمهاجمة الحزب الديمقراطي الكردستاني، لتذكيره بتكلفة دعم العدو الإقليمي.

وقد استغلت الأطراف الخارجية المنافسات لمنع نمو دول كردية مستقلة. وأسبابهم في ذلك كثيرة. هناك، بالطبع، قضية الأراضي التي لا توجد دولة ترضى طواعية تسليمها إلى أي شخص، ناهيك عن الأقليات العرقية التي يمكن أن تتحدى حكمها. ولا ترغب أي دولة في تسجيل سابقة من شأنها أن تشجع الأقليات العرقية الأخرى في الشرق الأوسط نحو الانفصال. كما يتم عرقلة قيام الدولة الكردية لأسباب مالية. تركيا، على سبيل المثال، تريد استمرار الوصول إلى موارد الطاقة في شمال العراق، ناهيك عن استمرار نفوذها على كردستان العراق، وبالتالي فإنها قررت دعم الحزب الديمقراطي الكردستاني.

قد يكون العراق أيضا، بسبب الفوائد المالية من إيرادات النفط الناتجة عن حكومة إقليم كردستان، أقل ميلا للمشاركة مع كردستان كدولة فعلية.

وما يعقد المسألة بشكل أكبر هي الجهود الجارية لاستغلال الأكراد، والدول تتنافس مع بعضها البعض على ذلك. في الواقع، هناك منافسة جارية في إيران وتركيا على الأحزاب الكردية على النفوذ في حكومة إقليم كردستان. وقد تحالف مؤخرا حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) وحزب غوران. وهذا يعرض تحالف تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني للخطر في الوقت الراهن، ولكن إذا كان للتاريخ أي إشارة، فإن الوضع يمكن أن يتغير في أي لحظة.

محرك الحكم الذاتي

مع الكثير من الأمور على المحك، فليس من الغريب أن حكومات في المنطقة قد أخمدت مرارا دعوات من أجل الاستقلال الكردي. وقد فشلت ثورات في سوريا وإيران وتركيا والعراق منذ الحرب العالمية الثانية. ولكن في عام 1991، نشطت حرب الخليج تمردا فاشلا آخر من أاكراد العراق ضمن مساعي الأكراد للحكم الذاتي.

وقد أدت الإدانة دولية لغزو صدام حسين للكويت، ومنطقة الحظر الجوي اللاحقة من الولايات المتحدة على العراق، إلى خلق مساحة آمنة لظهور دولة كردية بحكم الأمر الواقع.

ومع ذلك فقد ظلت الوحدة السياسية بعيدة المنال. ولكن، في عام 1994 اندلعت حرب أهلية بين اثنين من أكبر الأحزاب الكردية في العراق: الحزب الديمقراطي الكردستاني، المدعوم من الحكومات التركية والعراقية، والاتحاد الوطني الكردستاني المدعوم من حزب العمال الكردستاني التركي وفيلق بدر الإيراني. ولكن بعد مرور أربع سنوات تمكنت الولايات المتحدة من التوسط لإحلال السلام بين الطرفين.

الجماعات المسلحة المتطرفة التي ظهرت من كنف الأحزاب السياسية مصرة على مواصلة تشكيل دولة كردية. صقور حرية كردستان تركيا، الجناح الإرهابي لحزب العمال الكردستاني، قام بشن هجمات لأكثر من عقد من الزمن، على الرغم من الاعتداءات أصبحت أكثر تواترا خلال الأشهر القليلة الماضية.

كذلك فرع حزب العمال الكردستاني الإيراني وحزب الحياة الحرة في كردستان، اللذان قاما في الوقت نفسه، بهجمات متقطعة ضد قوات الأمن الإيرانية في المناطق ذات الغالبية الكردية لحوالي عقد من الزمان. الناخبين الإيرانيين يميلون إلى تذكر نوبات العنف هذه عندما يذهبون إلى صناديق الاقتراع ويصوتوا في كثير من الأحيان ضد المرشحين الأكراد وفقا لذلك.

ولكن هناك بعض المؤشرات للتماسك. مؤخرا، جلبت الصراعات في العراق وسوريا الفصائل الكردية في سوريا معا، وذلك بفضل صعود عدو مشترك: وهو «الدولة الإسلامية». وعلى الرغم من الماضي الذي كسته الصراعات، فإنه حتى حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني يعملان معا لمحاربة الجماعة الجهادية، على الرغم من أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يواصل السماح لتركيا بضرب أهداف حزب العمال الكردستاني بشكل منتظم.

ومع ذلك، لا تزال هناك شقوق عميقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، على وجه الخصوص، حيث يعمل الاتحاد الوطني الكردستاني هو لضمان أن تبقى المنطقة خالية من سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، بل ويعمل على الذهاب لأبعد من ذلك لعقد صفقات مع بغداد للقيام بذلك. ونظرا لكون البشمركة، تشارك في القتال ضد «الدولة الإسلامية»، فإن التوتر بينهما غالبا ما يترجم إلى خسائر في ساحة المعركة.

وفي الحين الذي فيه كان أكراد العراق قد حققوا بعض النجاح في إقامة دولة بحكم الأمر الواقع، فإنه من غير المحتمل أن تظهر في أي وقت قريب دولة كردية كبيرة.

سوف يبقى الأكراد هدفا سهلا للقوى الأجنبية، حتى تلك التي من خارج منطقتهم الأصلية، التي ترغب في استخدامهم لأغراض سياسية خاصة بها. فعل البريطانيون ذلك في تركيا 1920، والولايات المتحدة تفعل ذلك الآن في سوريا، حيث تدعم وحدات كردية في شن حرب بالوكالة ضد «الدولة الإسلامية». وهذه القوى ليست تلك التي تطمح لكردستان موحدة ومستقلة من شأنها أن تشكل مستقبل الأكراد.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

الأكراد سوريا العراق إيران كردستان العراق حزب العمال الكردستاني الأزمة الكردية

أكراد سوريا: الرقة ستصبح جزءا من نظامنا الفيدرالي بعد هزيمة «الدولة الإسلامية»

«نيوزويك»: لماذا يراهن «بوتين» على الأكراد؟

«ستراتفور»: المناورات السياسية حول الأكراد .. من تركيا إلى كردستان العراق

«ورقة الأكراد» .. عبوة لتفخيخ أي حل في سوريا

«التايمز»: الانتقام الكردي .. الأكراد يقومون بالتطهير العرقي للعرب

حصرية الوكيل الكردي

العرب والكرد ومرحلة ما بعد داعش

الأكراد أمة .. العرب طوائف