«ستراتفور»: المناورات السياسية حول الأكراد .. من تركيا إلى كردستان العراق

الخميس 18 فبراير 2016 08:02 ص

تستعد تركيا وكردستان العراق لإجراء استفتاءين هامين سوف يؤثر كل منهما على مصير الأكراد في المنطقة، وإن كان ذلك بطرق مختلفة جدا. في أنقرة، يسعى الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» إلى جمع مزيد من السلطة تحت رئاسته باسم التصدي إلى التهديد الذي تمثله الأقلية الكردية الجامحة في تركيا. في أربيل، فإن رئيس إقليم كردستان، «مسعود بارزاني»، يأمل في تجديد ولايته الانتخابية من خلال إحياء قضية الاستقلال الكردي.

يبدو الهدف الأساسي لكلا الرئيسين هو استخدام الأصوات الشعبية من أجل تعزيز نفوذهما، في الوقت الذي يكافحان فيه على حد سواء لأجل احتواء المعارضة. ولكن إذا لم يكونا حذرين، فإن ذلك يمكن أن يخل بالعلاقات الحساسة التي تعمل كل من أنقرة وأربيل بجد على إنشائها.

تحليل

في أواخر عام 2009، بدأ «أردوغان» في السعي نحو إقامة علاقات دبلوماسية أقرب إلى حكومة إقليم كردستان كجزء من استراتيجيته الأوسع من أجل حل المشكلة الكردية الداخلية في تركيا. في مقابل الحصول على قدر أكبر من حرية التصرف في توجيه الضربات ضد المسلحين الأكراد في كردستان العراق، فقد قام «أردوغان» بتشجيع الاستثمارات التركية في المنطقة كما سمح لصادرات الطاقة الكردية بالتدفق من خلال تركيا. كما قام أيضا بتشجيع أنشطة شركات البناء والطاقة التركية في شمال العراق.

على الرغم من استفادة الجانبين من العلاقات مع بعضهما البعض، فإن تلك العلاقة لا تزال هشة بشكل كبير. تركيا لديها مصلحة في تمكين أربيل، ولكن فقط إلى حد سحبها بعيدا عن بغداد، وبالتبعية إيران. بسبب الأقلية الكردية المضطربة الخاصة بها، لا تزال أنقرة تشعر بالقلق من فكرة قيام دولة كردية مستقلة.

«أردوغان» يوظف التهديد الكردي

بالنسبة إلى «أردوغان»، فإن التهديد الذي تمثله الحركة الكردية المحلية في تركيا يمثل أيضا فرصة لحشد الدعم إلى مبادرة لا تحظى بشعبية كبيرة. يدفع الرئيس التركي منذ فترة لإحلال النظام الرئاسي محل النظام البرلماني في البلاد، وهو الاقتراح الذي أثار احتجاجا شديدا من المعارضين لـ«أردوغان». في حين أن معظم الأحزاب السياسية في تركيا تدعم فكرة إنشاء دستور جديد، فإن عددا قليلا من خارج حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه «أردوغان» يؤيد دعوته إلى رئاسة تنفيذية. في الواقع، فإنه حتى حزب العدالة والتنمية نفسه يبدو منقسما من الداخل حول هذه المسألة، وقد هدد عدد من مسؤولي الحزب، بينهم نائب رئيس الوزراء «بولنت أرينتش» بترك الحزب بسبب ذلك. ويخشى كثيرون من أن إنشاء الرئاسة التنفيذية، التي من شأنها أن تمنح رئيس الجمهورية القدرة على حل البرلمان، وتعيين وزراء ونقض القوانين، من شأنها أن تمنح «أردوغان» الكثير من السلطة.

من دون دعم كاف من النواب تركيا، فإن على «أردوغان» أن يتجه إلى الشعب التركي من أجل دفع المبادرة. من أجل ذلك، فقد بدأ «أردوغان» يتبنى خطابا قوميا من أجل الاستفادة من العداء التركي تجاه الأقلية الكردية في البلاد. وبالفعل، فقد تم تصميم سياسات عدوانية على نحو متزايد «أردوغان» تجاه المنظمات السياسية الكردية في تركيا لتأمين دعم القوميين، ما يوفر مبررا على أهمية وجود رئاسة مركزية قوية لسحق المصادر المحتملة للاضطرابات.

ورغم أن حكم «أردوغان» قد شهد منح بعض المناصب السياسية والقانونية للقادة الأكراد، فقد قام «أردوغان» أيضا بتصليب نهجهن خاصة في الأشهر الأخيرة، في مواجهة الجماعات الكردية المسلحة مثل حزب العمال الكردستاني، وهي الخطوة التي تسببت في سقوط أعداد من القتلى المدنيين خلال اشتباكات بين قوات الأمن التركية والمتمردين. وقد طالب الرئيس مؤخرا اثني عشر شخصا هم رؤساء البلديات من المناطق ذات الأغلبية الكردية بمعالجة التشدد بشكل أكثر حسما وفي الوقت نفسه، سعى «أردوغان» لتعزيز سيطرته على المناطق الكردية في تركيا من خلال سن تدابير أمنية أكثر صرامة، بما في ذلك حظر التجول واسع النطاق الذي صعد من السخط بين صفوف السكان الأكراد.

ومن المفارقات، فإنه خلال السنوات القليلة الأولى في السلطة، اعتمد حزب العدالة والتنمية بشكل كبير على أصوات الأكراد من أجل تأمين الأغلبية المطلقة في البرلمان التركي. (بعد كل شيء، فإن الأكراد يشكلون ما بين 10 و 20% من مجموع سكان تركيا). لتأمين هذا الدعم، أيد الحزب عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني كما قام بتقديم مقترحات لتعزيز التنمية الثقافية والحكم الذاتي بين الأكراد. بعد ظهور نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية» في كل من سوريا والعراق، أصبحت أنقرة مهددة بسبب تصاعد نشاط المتشددين الأكراد الانفصاليين داخل وخارج حدودها. السياسات التي اتبعتها تركيا تجاه الأكراد في المنطقة (بالأخص في العراق وسوريا) تسببت في تضرر صورة حزب العدالة والتنمية بين أكراد تركيا. على الرغم من أن الحزب الحاكم قد حاول تأمين أصوات الأكراد والقوميين معا خلال انتخابات 2015 في يونيو/حزيران إلا أنه لم يوفق. الآن، في الوقت الذي يركز فيه «أردوغان» اهتمامه على القوميين في الفترة التي تسبق الاستفتاء الدستوري، والضغوط السياسية والقانونية والأمنية سوف تتزايد على أكراد تركيا.

«بارزاني» يستثمر في حركة الاستقلال

في مكان آخر من المنطقة، فإن رئيس إقليم كردستان العراق يميل أيضا إلى حد كبير لاستقطاب السكان الأكراد من أجل ترسيخ سلطته. ومع ذلك، فإنه يفعل ذلك بطريقة مختلفة جدا: من خلال الدعوة لإجراء استفتاء على الاستقلال الكردي.

وسط تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية في كردستان العراق، فإن «بارزاني» يواجه خطرا متزايدا يهدد شرعيته كحاكم في المنطقة. وقد شغل «بارزاني» رئاسة الإقليم عبر أكثر من عقد من الزمان ولكنه يمتلك الآن أساسا قانونيا هشا لموقفه. انتخب «بارزاني» لآخر مرة في عام 2009، وكان من المقرر أن تنتهي فترة حكمه مع عام 2013. ومع ذلك، منعت المخاوف الأمنية في حكومة إقليم كردستان من إجراء انتخابات ذلك العام، مما أدى إلى التمديد لـ«بارزاني» لمدة سنتين كان يفترض أن تنتهي في أغسطس/آب الماضي، لكن «بارزاني» قد رفض التنحي.

وقد مثل عدم استعداد «بارزاني» للتخلي عن منصبه واحدا من أكبر العقبات التي تحول دون حل الخلاف السياسي الذي طال أمده في حكومة إقليم كردستان. قام «غوران»، ثاني أكبر الأحزاب في البرلمان الكردي، بحشد أنصاره ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أكتوبر/تشرين الأول لعام 2015. تحولت المظاهرات إلى أعمال عنف عندما تم إطلاق النار على بعض مكاتب الحزب الحاكم مما أسفر عن مقتل 5 أشخاص. قام الحزب الحاكم في المقابل باستبعاد 4 وزراء من «غوران» وقام بمنع المتحدث البرلماني للحزب من دخول أربيل. وقد حاول «بارزاني» رأب الصدع من خلال اقتراح العديد من جولات المحادثات السياسية، ولكن المعارضة قد اختارت مقاطعتها.

تفاقم المشاكل المالية من المشاكل السياسية لحكومة إقليم كردستان العراق. وقد أجبر انخفاض أسعار النفط الحكومة على خفض الرواتب بنسبة وصلت إلى 75 في المائة بينما تأخرت رواتب العديد من الموظفين. ظهرت احتجاجات، ليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ولكن أيضا ضمن لقواعد السياسية التقليدية للحزب الحاكم، بما في ذلك أربيل. قد يكون الاستفتاء على الاستقلال واحدة من الأدوات القليلة التي يملكها «بارزاني» لكسب التأييد والتخفيف من حدة الانقسامات السياسية.

المكاسب الداخلية والأخطار الخارجية

يستهدف كلا هذين الاستفتاءين الجمهور المحلي، ولكن كلا منهما قد يكون له تداعيات أبعد من الحدود التركية أو الكردية. بالنسبة إلى حكومة إقليم كردستان، فإن إنشاء نظام رئاسي تنفيذي في تركيا قد يصبح سببا للقلق، وخاصة إذا كان له أن يمكن «أردوغان» من اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية ضد الجماعات المسلحة الكردية في المنطقة. كلما وسعت تركيا من بصمتها الأمنية في المنطقة الكردية، إنها يمكن أن تضر بالعلاقات بين أنقرة وأربيل.

تركيا، من جهتها، عليها أن تكون حذرة من قيام دولة كردية مستقلة على حدودها الجنوبية لاسيما في الوقت الذي تكافح فيه لاحتواء تمرد الأكراد الأتراك. تشعر أنقرة بالقلق خصوصا إذا نشأت حكومة كردية يحكمها «غوران» أو أي حزب معارض آخر لأن مثل هذه الحكومة سوف تبدي على الأرجح المزيد من التسامح والدعم لحزب العمال الكردستاني في حين سوف تقيد العمليات التركية ضد الجماعة المتشددة.

هذا يخبرنا أن الاستقلال الفوري هو هدف غير واقعي بالنسبة لحكومة إقليم كردستان. «بارزاني» نفسه قد حذر من أن الاستفتاء ليس مقصودا منه أن يؤدي إلى إعلان الاستقلال على الفور. بدلا من ذلك، سوف يأخذ الاستفتاء المحتمل شكلا رمزيا. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن حكومة كردستان لا يمكنها العمل كدولة مستقلة في الوقت الحالي. إذا اختارت حكومة إقليم كردستان الانفصال عن العراق، فإنه سيتعين عليها أن تعتمد على دول أخرى لتصدير بضائعها. تركيا، على وجه الخصوص، سوف تكون طريقا رئيسيا لصادرات النفط والغاز الطبيعي الكردية والتي يجب أن يتم نقلها عبر خط أنابيب كركوك-جيهان. ومع ذلك، فإنه ليس مرجحا أن ينظر الأتراك بعين العطف إلى دولة كردية مستقلة.

الأهم من ذلك، أن استقلال الأكراد سوف يقوض علاقات أربيل مع كل من بغداد والولايات المتحدة. من وجهة نظر بغداد، فإن إعلان الاستقلال من جانب حكومة إقليم كردستان سوف يكون له كلفة هائلة من حيث عائدات النفط والغاز الطبيعي المفقودة. وقد ادعت أربيل بالفعل ملكيتها وأحكمت سيطرتها على حقول النفط المتنازع عليها في كركوك، والتي لديها القدرة على إنتاج ما يقرب من مليون برميل يوميا. ومن الممكن أيضا أنه إذا انفصلت حكومة إقليم كردستان رسميا عن العراق، فإن ذلك قد يثير دعاوى مماثلة في البصرة، المحافظة النفطية الغنية في الجنوب. وفي الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة سوف تجد نفسها في موقف حرج، حيث ستكون غير قادرة على الاعتراف باستقلال إقليم كردستان خوفا من تقويض علاقتها المهمة مع بغداد.

في جميع الاحتمالات، فإن هذه الشبكة المعقدة من المصالح والقيود سوف تضمن أن أي من الاستفتاءين لن يؤثر على انكماش العلاقات بين أنقرة وأربيل. ومع ذلك، فإن كلا منهما سوف يكون له تأثير كبير على الأكراد الذين يحكمونهم.

  كلمات مفتاحية

تركيا كردستان العراق أردوغان بارزاني حزب العمال الكردستاني الأكراد أكراد تركيا

«أردوغان» لأمريكا: حولتم المنطقة لـ«بركة دم» بدعمكم الأكراد

«ضمانات» أمريكية لموقع الأكراد في مستقبل سوريا

«بارزاني» يستعجل الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان عن العراق في عهد «أوباما»

«أردوغان» يرفض الحوار مع «الكردستاني» ويؤكد:سيدفعون ثمن خيانتهم

«بارزاني» يؤكد: القوات التركية جاءت إلى العراق بعد اتفاق مسبق مع بغداد

أوباما يدعو تركيا و«أكراد سوريا» لضبط النفس

الأكراد يعلنون نظاما فيدراليا في مناطق سيطرتهم شمالي سوريا

وفد من كردستان العراق يزور موسكو لبحث إمداده بأسلحة روسية

«ستراتفور»: دليل موجز لفهم الأكراد

تحولات السياسة التركية: هل تقبل أنقرة بدور للأكراد في حرب «الدولة الإسلامية»؟

«الخارجية التركية»: ضم «كركوك» للاستفتاء انتهاك خطير للدستور العراقي