ما هو السبب العميق للمغادرة الروسية؟

الأربعاء 23 مارس 2016 02:03 ص

جاء الروس في مفاجأة استراتيجية (ليس تكتيكية) الى سوريا، وهم يخرجون منها بمفاجأة استراتيجية وتكتيكية على حد سواء. ذات يوم يقول «بوتين» هذا، وفي الغداة يبدأون بالخروج، والعالم، بوسائل تجسسه المتنوعة، يتفاجأ من أقوال بوتين. ومع أن ليس كل القوة العسكرية الروسية تترك سوريا (الصواريخ المضادة للطائرات الحديثة، عدد من طائرات القصف وبعض العناصر الاخرى ستبقى)، فإن السيطرة الروسية في قواعد البحر والجو الخاصة بها في الشاطئ السوري ستستمر، وبالطبع التواجد السياسي والنفوذ الحصري على قواعد اللعب العظمى في سوريا ستستمر – ولكن قوة الدمار الجوي الروسية تغادر.

هذه هي القوة التي في الأشهر الخمسة دمرت تقريبا حتى الأساس مدن وبلدات وعشرات القرى في سوريا.

المسلي هو أنه قبل دقيقة من حديث «بوتين»، لم يقدر أحد بأن الروس سيغادرون، وبعد دقيقة من حديثه، يكاد يكون كل واحد يعرف كيف يفسر لماذا يغادرون: بسبب الثمن الاقتصادي الباهظ، بسبب الانخفاض في أسعار النفط، بسبب ذكريات أفغانستان الأليمة التي لدى الروس، بسبب تورطهم مع تركيا والناتو، بسبب مواجهتهم مع العالم السني؛ يحتمل أن يكون كل واحد من هذه الأسباب صحيحا.

أما بوتين نفسه فقد أعلن بأن سبب المغادرة هو أن القوات الروسية «حققت الأهداف التي وضعت لها». وهنا بالذات تكمن مشكلة. ليس فقط بسبب حقيقة أن أهداف القوة الروسية لم تفصل عندما وصلت إلى سوريا، بل بسبب شيء جوهري آخر وهو:

حسب كل المؤشرات في الميدان، القوة الروسية لم تحقق أهدافها، وتركت المهامة غير منتهية، وهي تغادر سوريا بالذات في توقيت ليس جيدا من ناحية نظام الأسد.

لماذا؟ ماذا تعني هذه الامور؟ صحيح أنه لا شك أن التدخل الجوي الروسي المكثف أنقذ على ما يبدو نظام الأسد (على الاقل لفترة زمنية) وأكسبه عددا من الإنجازات الإقليمية، لكنه لم يحقق بأي شكل الحسم أو يغير بشكل واضح الوضع.

أولا، القسم من مدينة حلب الذي يوجد في يد الثوار لم يُحتل على الإطلاق، بل ولم يطوق. والقوة العسكرية للأسد ومرتزقته لم تنجح في الوصول إلى حدود تركيا؛ كل منطقة إدلب في شمال غرب سوريا، التي تهدد اللاذقية، العاصمة العلوية، تبقى بسيطرة الثوار التامة.

وكقاعدة، فإن الثوار موجودون وقائمون، ولم يتنازلوا عن هدفهم في إسقاط النظام العلوي لبشار. صحيح أن الثوار «المعتدلين» تضرروا، ولكنهم لا يزالون في الميدان؛ وبالذات (المنظمات المتطرفة)، مثل جبهة النصرة وداعش، بالكاد تضررت من القصف الروسي.

بكلمات أخرى، فإن الروس يغادرون دون أن يحقق النظام السوري إنجازا استراتيجيا واضحا في الميدان. فالوضع لم يستقر، وهو يواصل كونه هشا، فيما أن دولاب الحظ قد ينقلب مرات عديدة أخرى. وعليه، برأي، فإن الجهات الأكثر خسارة من الخروج الروسي هم الإسد، حزب الله وإيران.

بشكل عام، فإن إيران أيضا أخرجت معظم قواتها المقاتلة من سوريا، بحيث أن اساس القتال يتم هناك من قبل «المبعوثين»، و«المبعوث» الأقوى هو حزب الله، الذي سيبقيه الخروج الروسي فقط في سوريا لينزف دمه.

إذن ما هو السبب العميق للمغادرة الروسية؟ تقديري هو أنهم بعد بضعة أشهر فهموا ما استغرق (إسرائيل) الكثير من السنين كي تفهمه في لبنان: «القصة» بلا غاية! أضيفوا إلى هذا كل ما تبقى من أسباب.

وماذا عن كل الأحاديث عن «مسيرة التسوية السياسية» في جنيف؟ بتقديري، أقوال عابثة، سخرية على أفضل حالها. ليس في الميدان أي مكان لذرة تفاؤل، على الأقل ليس في السنوات القريبة القادمة.

المصدر | معاريف العبرية - ترجمة المصدر السياسي

  كلمات مفتاحية

سوريا الانسحاب الروسي روسيا بوتين نظام الأسد الأسد إيران حزب الله المعارضة السورية

انسحاب روسي مفاجئ من سوريا

ما قبل الانسحاب وما بعده .. النصر الروسي باهظ الثمن في سوريا

رغم قرار الانسحاب.. الإرث العسكري الروسي سيبقى حاضرا بقوة في سوريا

«فورين أفيرز»: هل يمكن أن يربح «الأسد» أيضا من الانسحاب الروسي؟

الانسحاب الروسي من سوريا .. أهداف محققة وتداعيات مرتقبة

الحسابات الروسية على ضوء وقف إطلاق النار في سورية