ما قبل الانسحاب وما بعده .. النصر الروسي باهظ الثمن في سوريا

الثلاثاء 22 مارس 2016 11:03 ص

تبقى جعبة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» دوما مليئة بالمفاجآت. وسط ضجة كبيرة، بدأت روسيا ما لا يقل عن انسحاب جزئي من سوريا. ومع عودتهم إلى قواعدهم في روسيا، فإن الطيارين الروس قد تم استقبالهم بالأبواق والرايات. وقد ادعى «بوتين» لنفسه نصرا حاسما، ويبدو أن الشعب الروسي أو أغلبه يصدق هذا الأمر. وقد أثبتت خفة اليد الروسية أنها مكلفة ليس فقط للشعب السوري، ولكن أيضا إلى الولايات المتحدة، وأوروبا، وحتى للمصالح الخليجية.

بالطبع لقد رأينا هذا السيناريو من قبل في أوكرانيا. بعد شنها الحرب الهجينة الناجحة ومباغته كل من كييف وواشنطن، فقد تفاوضت موسكو على وقف إطلاق نار مبدئي كان أكثر قليلا من خدعة. واصلت موسكو طريقها من النقطة التي توقفت عندها حيث استأنفت هجومها وسعيها إلى زعزعة استقرار البلاد قبل التفاوض على وقف إطلاق نار آخر تم انتهاكه بصورة عرضية أكثر من مرة منذ ذلك الحين. لم يكن ينبغي لنا أن نتوقع شيئا مختلفا في سوريا، حيث استمر القصف الروسي في انتهاك وقف إطلاق النار الذي قبلت به روسيا.

بعد كل شيء، فإنه في الوقت الذي كان فيه «بوتين» يناقش علنا منح «بشار الأسد» حق اللجوء إلى روسيا، فإن القوات الروسية كانت تواصل حملة من القصف المركز التي استمرت لعدة أسابيع في سوريا التي شملت الاستهداف المباشر للمستشفيات والسماح للقوات النظامية السورية باستعادة السيطرة على مئات المدن وآلاف الأميال من الأراضي. وعلاوة على ذلك فقد سمحت للقوات الكردية باحتلال أجزاء إضافية من الأراضي المتاخمة تركيا، مما تسبب في تحول الأخيرة إلى وضع الأزمة والبدء في صف وحدات الحماية الكردية في سوريا والمطالبة بمساعدة الغرب في إقامة منطقة آمنة.

ماذا حققت روسيا في سوريا بعد كل ذلك؟

 بادئ ذي بدء، فإنها قد باغتت الغرب بشكل تسبب في تراجع ملحوظ للمطالبات الأمريكية والأوروبية بخطوة التنحي الفوري للأسد. نجحت روسيا، إلى الآن على الأقل، في إعادة الاستقرار لـ«نظام الأسد» الذي لا يزال ينتهك إلى الآن اتفاق وقف الأعمال العدائية في إطار سعيه إلى إحكام قبضته على الجزء الغربي من البلاد. من خلال إطالة الصراع وتعقيده فإن روسيا قد ضمنت لنفسها اليد العليا وقدرا كبيرا من النفوذ. خلال التوسط في محادثات السلام جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، فإن روسيا كانت قادرة على تسويق نفسها على أنها صانع سلام في الوقت الذي تواصل في مهاجمة قوات المعارضة السورية بأكثر من مهاجمتها لتنظيم «الدولة الإسلامية». عبر قيامها بذلك، كانت روسيا قد قضت على الجهود السابقة من وكالات الاستخبارات الغربية والخليجية لدعم هذه القوى المعارضة.

وعلاوة على ذلك، فإن روسيا قد أعادت بنجاح تقديم نفسها على أنها قوة عالمية كبرى. وقد كانت قادرة على إثبات ليس فقط قدرتها على الضرب بسرعة في بداية أي حرب هجينة، ولكن أيضا إثبات قدراتها الصاروخية الجديدة حيث أطلقت لسلة من صواريخ كروز في المجال الجوي السوري في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الغربية تحلق لتشن هجماتها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». ثم شرعت روسيا في توسيع نفوذها عبر بناء قاعدة عسكرية جوية جديدة في اللاذقية وقد شملت عملياتها الجوية ضد جماعات المعارضة السورية سلسلة من المناوشات مع طائرات أخرى كادت أن تهدد بنشوب تصعيد أكبر. وسعت روسيا منطقة نفوذها، ونجحت في اقتطاع منصب اللاعب الأكثر تأثيرا في الحرب الإقليمية بالوكالة برمتها.

وعلاوة على ذلك، فقد وعدت روسيا الأكراد بإنشاء دولة لهم في شمال سوريا، ونجحت في تحقيق تحالف فعلي مع حليف الغرب الأكثر أهمية على أرض الواقع في كل من سوريا والعراق. كما نجحت روسيا أيضا في توظيف هذه المشاركة محليا، فعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يشعر الشعب الروسي بوطأتها أكثر من أي وقت مضى، فإن شعبية «بوتين» المحلية قد ازدادت بوضوح. وعلاوة على ذلك، فإن التكلفة الإنسانية للحرب السورية قد تسببت في زعزعة استقرار الاتحاد الأوربي. وما قد يكون أكثر أهمية من ذي قبل، فإنها قد نجحت في عكس حالة الطمأنينة التقليدية لدى الاتحاد الأوربي، حيث أنفقت الولايات المتحدة 3.4 مليار دولار على تجهيزات عسكرية في بولندا جنيا إلى جنب مع وضع قوة متعددة الجنسيات. حتى دول البلطيق قد صارت قلقة على نحو متزايد من التدخل الروسي المحتمل في أراضي حلف شمال الأطلسي.

ماذا عن سلبيات الحرب بالنسبة إلى روسيا؟ أولا، كان التدخل مكلفا، مما أدى إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية في الداخل. ثانيا، تم استهداف روسيا من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» مما أدى إلى إسقاط طائرة ركاب ومصرع المئات من المواطنين. ثالثا، تم إسقاط طائرة روسية مقاتلة بواسطة تركيا وتكلفت حياة الطيار إضافة إلى جندي آخر في عملية الإنقاذ الفاشلة. رابعا، توترت علاقة روسيا مع حلف الناتو بعد اشتباكها مع تركيا، وربما يكون تورط الناتو بشكل مباشر هو أهم الأمور التي كانت روسيا تخشى حدوثها في هذا الصراع. وخامسا فإن روسيا قد صلبت عن غير قصد من مواقف «نظام الأسد» إلى حد جعله يقاوم محادثات السلام التي ترعاها روسيا.

لماذا بدأت روسيا في سحب قواتها إذا؟

كانت روسيا بذلك قادرة على صناعة انقلاب جديد في العلاقات العامة أثار استغراب جميع الأطراف المعنية على الرغم من أن السبب الحقيقي لهذا الأمر يرجع إلى كون «بوتين» ومستشاريه قد رأوا بالفعل أنهم قد حققوا أكثر مما كانوا يتوقعونه. مع تنحية هذه الأسباب جانبا، فإن أحد الأسباب المحتملة ربما ينطوي على مزيج من الألم الاقتصادي الإضافي الذي يعانيه النظام نتيجة المليارات التي يتم إنفاقها في سوريا فضلا عن رغبته الآن في اللعب ببطاقة السلام من أجل الالتفاف على العقوبات المفروضة من قبل الأوربيين.

وقد صرح مسؤول كبير في الكريملين بأن روسيا في واقع الأمر لن تقوم بتخفيف عملياتها ولكنها ستقوم بتكثيفها. الأدلة على نوايا موسكو الحقيقية قد انعكست أيضا في الحقائق على الأرض، وهي الإبقاء على أعداد كبيرة من القوات واللوازم والطائرات والمستشارين العسكريين ومنظومات الصواريخ وسائر الفاعلين، حتى تتيح لنفسها أكبر قدر من المرونة في اتخاذ خطوتها المقبلة.

سمحت روسيا لوقف إطلاق النار بجلب قدر من السلام إلى منطقة الحرب السورية، مع دخول بعض القوافل الإنسانية (وليس كلها) الخاصة بالأمم المتحدة لإغاثة الجوعى من المدنيين السوريين. وقد اضطر الغرب للظهور كشريك قوي في هذا المسار الدبلوماسي مع قدر أقل من النفوذ في واقع الأمر انتظارا لما سوف يفعله نظامه «الأسد» وشريكه الروسي صانع السلام. كل هذا يمثل تحولا كبيرا في المشهد الجغرافي الاستراتيجي لا يمكن التقليل منه بحال.

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا بوتين بشار الأسد الانسحاب الروسي التدخل الروسي النظام السوري المفاوضات

لحظة الحقيقة: هل «بوتين» جاد حقا في تخليه عن «الأسد»؟

«ستراتفور»: كيف يمكن أن يؤثر الانسحاب الروسي على القوات الموالية للنظام السوري؟

«فورين أفيرز»: هل يمكن أن يربح «الأسد» أيضا من الانسحاب الروسي؟

نهاية المهمة: لماذا تسحب روسيا قواتها من سوريا؟

ما الذي قد يعنيه الانسحاب المفاجئ لروسيا من سوريا؟

المرصد السوري: مقتل 530 شخصا في مناطق تشملها الهدنة في 23 يوما

هل من حل قريب في سوريا؟

ما هو السبب العميق للمغادرة الروسية؟

كيري في موسكو لاستطلاع موقف «بوتين» من مستقبل «الأسد»

انسحاب روسي مفاجئ من سوريا

الحسابات الروسية على ضوء وقف إطلاق النار في سورية

لهذه الأسباب .. «بوتين» أنجز بالفعل مهمته في سوريا

معضلة روسية تواجه إيران!

الصراع المعلق في سوريا يفسر انسحاب روسيا الجزئي