لهذه الأسباب .. «بوتين» أنجز بالفعل مهمته في سوريا

الجمعة 25 مارس 2016 04:03 ص

تسبب الرئيس الروسي مؤخرا في ضجة دولية كبيرة عندما أعلن فجأة أن حكومته قد بدأت انسحابها العسكري من سوريا. وقال «بوتين» إن روسيا قد نجحت في إحداث تغيير جذري في الأوضاع على أرض الواقع من خلال مشاركتها، وأنها نجحت في إنجاز أهدافها الاستراتيجية. جاء ذلك خلال بيان تليفزيوني مشترك بصحبة كبار المستشارين في موسكو، ومن بينهم وزير الدفاع الروسي «سيرغي شويغو» ووزير الخارجية «سيرغي لافروف». ونتيجة لذلك، فإنه تم الإعلان عن بدء الانسحاب الروسي من قبل القيادة العامة للجيش السوري.

وقد كان إعلان 14 مارس/آذار مفاجئا ومدهشا على حد سواء، لأنه يأتي بعد 6 أشهر فقط من إعلان روسيا دخولها إلى الحرب الأهلية السورية مع وعود ضخمة بتشكيل تحالف عالمي لمواجهة التطرف الإسلامي. ليس من المستغرب إذا أن الكثير من المراقبين قد ذهبوا إلى تفسير التحرك الروسي على أنه خطوة استباقية تهدف إلى تفادي المزيد من التورط في المستنقع السوري حيث يدور الصراع الطاحن على مدار أكثر من نصف عقد.

ربما يكون الأمر كذلك. ولكن قرار «بوتين» يعكس أيضا حسابات التفاضل والتكامل والدهاء طويل الأمد من جانب الكريملين.

في البداية كان القرار الروسي بالتدخل مدفوعا من قبل عدة أهداف متداخلة. خطابيا، قامت حكومة «بوتين» بتأطير أفعالها كبداية لحملة صليبية توسعية ضد «الدولة الإسلامية» كأحد المنتجات الثانوية للعجز الغربي. ولكن الدوافع الحقيقية تكمن في الوصول إلى صفقة أكثر واقعية.

أولا وقبل كل شيء، كان الكرملين حريصا على تعزيز نظام حليفه طويل الأمد «بشار الأسد» الذي كان يعاني آنذاك من فقدان مساحات كبيرة من الأراضي لصالح خصومه السياسيين. وفي ذات الوقت، فقد كان حريصا أيضا على تعزيز موقفه الاستراتيجي في شرق البحر المتوسط، والذي يتمثل في القاعدة البحرية الروسية الموجودة في ميناء طرطوس السوري. وفي الوقت نفسه، كانت حكومة «بوتين» تسعى بشكل يائس إلى استعادة الزخم الذي فقدته في الأشهر السابقة في أوكرانيا، حيث واجهت قواتها مقاومة أكبر مما هو متوقع.

في خلال ستة أشهر، كان قد تم تحقيق جميع هذه الأهداف إلى حد كبير، وبفضل المساعدات الروسية، فقد نجحت حكومة الأسد في مواصلة تشبثها بالسلطة. ورغم أن قوات النظام السوري لم تنجح في استعادة مساحات كبيرة من الأراضي فإنها قد نجحت في ترسيخ سيطرتها على ما يعرف بـ«علويستان» وهو جيب عرقي في غرب البلاد يمكن للنظام الحالي أن يبقى فيه على قيد الحياة بصورة مختلفة. ونتيجة لذلك، فإن أيام «الأسد» في السلطة لا تبدو معدودة حتى الآن.

الوجود العسكري الروسي في سوريا، في الوقت نفسه، يبدو أنه قد توسع بشكل كبير. منذ سبتمبر/أيلول، نجحت روسيا بشكل كبير في تعزيز قاعدتها البحرية الجديدة في طرطوس كما قامت بإنشاء قاعدة جوية لها في اللاذقية وبدأت العمل في اثنين على الأقل من المنشآت العسكرية الأخرى القريبة. كما واصلت ضخ قواها العاملة ومعداتها في المنطقة ووضعت طراداتها البحرية من أسطول البحر الأسود في مناوبات دائمة قبالة سواحل سوريا.

حقق الانتشار الروسي في سوريا مكاسب سياسية كبيرة. من خلاله كان «بوتين» قادرا على تحويل الرأي العام الروسي بعيدا عن الإخفاقات الهائلة للحكومة (التعثر المالي وتضاؤل إمدادات البضائع الأجنبية وتزايد الممارسات السلطوية). وقد سمح هذا التدخل أيضا لروسيا بالخروج، جزئيا على الأقل، من العزلة الدولية التي الناجمة عن العدوان السابق لها ضد أوكرانيا. وعلى الرغم من أنه لم يؤد بعد إلى رفع العقوبات الغربية، فإنه قد وضع موسكو كوسيط رئيسي بين القوى في الشرق الأوسط.

روسيا، بعد كل شيء، كانت جزءا لا يتجزأ من وقف إطلاق النار المزعوم الذي تم التوصل إليه في جنيف منتصف شهر فبراير/شباط، والذي يبقى الضغط المتواصل على «الأسد» أمرا ضروريا من أجل استمراره. وهذا، بدوره، يعطي الكرملين صوتا حاسما في السياسة الإقليمية لأن الغرب سوف يحتاج إلى مساعدة روسيا من أجل ضمان امتثال نظام «الأسد» لشروط أي حل سياسي.

لم تتنازل روسيا عن أي من مميزاتها الاستراتيجية على الأرض. وقد كان الكريملين خجولا في الإفصاح حول حجم وقوة الوحدة العسكرية التي ستبقى في سوريا بعد انسحاب «الجزء الرئيسي» من القوات. بعد، فإن كل المؤشرات تدل على أن القوة المتبقية سوف تظل كبيرة وذات قدرات عالية. في الواقع، فإن روسيا تواصل تنفيذ غاراتها الجوية على أهداف معادية للنظام في الوقت الذي تشرع فيه قواتها في الانسحاب من البلاد. وإذا لزم الأمر، فإن موسكو لا يزال بإمكانها أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء. وكما أكد «بوتين» نفسه، فإن روسيا بإمكانها أن تعيد قواتها العسكرية إلى سوريا إذا رأت ضرورة لذلك، ويمكن القيام بذلك في غضون بضع ساعات.

ونظرا لاستمرار الفوضى في سوريا، فإن من المغري أن ننظر إلى قيام روسيا بخفض قواتها على أنه مناورة دفاعية دقيقة. ولكن توجه «بوتين» يحمل بصمات استراتيجية أكثر تعقيدا ودقة، وهي خطوة تهدف إلى رفع النفوذ السياسي لحكومته مع المحافظة على المزايا الاستراتيجية التي نجح في تأمينها حتى الآن.

في ضوء ذلك، يمكننا أن نقول إن بوتين قد قام بالفعل بإنجاز مهمته.

المصدر | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

روسيا سوريا بوتين الأسد الانسحاب الروسي من سوريا المعارضة السورية جنيف التدخل الروسي

ما قبل الانسحاب وما بعده .. النصر الروسي باهظ الثمن في سوريا

رغم قرار الانسحاب.. الإرث العسكري الروسي سيبقى حاضرا بقوة في سوريا

لحظة الحقيقة: هل «بوتين» جاد حقا في تخليه عن «الأسد»؟

نهاية المهمة: لماذا تسحب روسيا قواتها من سوريا؟

«ستراتفور»: لماذا سحب «بوتين» قواته من سوريا؟

ما الذي قد يعنيه الانسحاب المفاجئ لروسيا من سوريا؟

«بوتين» و«روحاني» يبحثان هاتفيا أزمة سوريا ويتفقان على تعزيز الاتصالات

في «الحقيبة»!

«واشنطن بوست»: أوباما وبوتين .. حرب باردة جديدة!