لحظة الحقيقة: هل «بوتين» جاد حقا في تخليه عن «الأسد»؟

الجمعة 18 مارس 2016 06:03 ص

هناك تفسيران رئيسيان ومتعارضان ظهرا الفور في أعقاب إعلان الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» قراره في 14 مارس/أذار ببدء سحب قواته من سوريا:

(1) إما أن تكون روسيا تمارس ضغوطا على «الأسد» وإيران لخفض سقف توقعاتهما في محادثات جنيف المرتقبة مع المعارضة.

(2) أن يكون الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» يقدم عرضا مسرحيا ليظهر للغرب والعالم أنه صادق في الضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي، في حين أنه يخطط لاستئناف عمله العسكري في سوريا بطرق مختلفة.

وبعبارة أخرى، فإنه إما أن يكون «بوتين» جادا فعلا أو أنه يخرج لنا أحد الحيل الأخرى من جعبته.

لا يمكن لكلا الافتراضين أن يكونا محقين، لا بد أن يكون أحدهما على الأقل خطئا، أو أن كليهما مخطئين. وهناك أدلة يمكن أن تدعم كلا الافتراضين.

على الجانب الذي يميل إلى اعتبار قرار «بوتين» أكثر مسرحية، فإن «بوتين» قد حافظ بالفعل على بقاء المكونات الأكثر فاعلية من حملته العسكرية في سوريا في مكانها هناك وعلى رأسها منطومات الدفاع الصاروخي «إس - 400» والمستشارين العسكريين، في حين يجعله قرار سحب قواته يبدو بمظهر إيجابي على أنه يستجيب إلى وقف إطلاق النار ويتعاون مع الجهود الدبلوماسية الرامية للتوصل إلى حل سياسي.

أما في جانب الافتراض الأول، فإن سياق قرار الرئيس الروسي يوفر تفاصيل مهمة.

ولكن في أعقاب أحداث الأسابيع القليلة الماضية، فإن التفسير الأكثر احتمالا لقرار «بوتين» قد يكون توليفة من كل من الافتراضات الممكنة.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، قبل الحديث عن جنيف، كان من الواضح أن «الأسد» وإيران قد اتخذوا بعض الخطوات لخدمة مصالحهم الذاتية، والتي ربما أثارت بعض علامات الاستفهام في الكرملين. قامت إيران من بعض الجنرالات الحرس الثوري ووحدات النخبة من سوريا في أعقاب ارتفاع معدل الإصابات بين الضباط الإيرانيين هناك.

تجاوز الخطوط الحمراء

«الأسد»، من ناحية أخرى، قد تجاوز الخطوط المتفق عليها مع الروس في 3 حالات على الأقل. كانت المرة الأولى عندما قال في مقابلة أن هدف نظامه في نهاية المطاف هو استعادة كل من سوريا، بما في ذلك جميع المساحات الشاسعة من الأراضي الواقعة تحت سيطرة المعارضة أو الجماعات الجهادية مثل «الدولة الإسلامية». «بغض النظر عن استطاعتنا فعل ذلك من عدمه، فإن هذا هو الهدف الذي نسعى إليه دون تردد. سوف يكون من غير المنطقي بالنسبة إلينا أن نتخلى عن أي جزء».

لم يستغرق الروس وقتا طويلا للرد. بعد أيام قليلة من مقابلة «الأسد»، طلبت موسكو من الرئيس السوري صراحة أن يتبع القيادة الروسية في مساعيها لحل الأزمة في البلاد. »استثمرت روسيا على محمل الجد في هذه الأزمة، سياسيا ودبلوماسيا، والآن أيضا عسكريا. وبالتالي فإننا نود من الرئيس السوري بشار الأسد مراعاة ذلك»K وفقا لما جاء على لسان مبعوث موسكو لدى الأمم المتحدة «فيتالي تشوركين». وأضاف «تشوركين» بالقول: «لقد سمعت التصريح المتلفز للرئيس الأسد وهو يناقض بوضوح العملية الدبلوماسية الروسية. هناك عملية فيينا، وهناك الاتفاق الأخير للمجموعة الدولية لدعم سوريا الذي تم التوصل إليه في ميونيخ والذي يشمل وقف إطلاق النار ووقف النشاط العسكري في المستقبل المنظور. ونحن نعمل على ذلك الآن».

وجاء التجاوز الثاني للأسد لخطوط صفقته مع «بوتين» في شكل موقفه المتحدي للمسار الدبلوماسي. جاء هذا الموقف الغريب للنظام عبر تصريحات وزير الخارجية السوري «وليد المعلم» قبل يومين فقط من بدء محادثات جنيف.

ووفقا لوزير «الأسد»، «وليد المعلم»، فإن الحكومة قد صارت أقرب إلى النصر، وعلى المعارضة ألا تأمل أن تحقق من خلال المحادثات ما فشلت في تحقيقه عسكريا.

«وفدنا سيغادر إلى جنيف غدا. سننتظر 24 ساعة، وإذا لم يكن أحد هناك، فسوف نعود. إذا كانوا (المعارضة) ستستمر في هذا النهج (رحيل الأسد)، فإنهم ليس لديهم سبب للقدوم إلى جنيف».

وقد كان هذا التحول نحو التشدد في التعامل مع المحادثات مهددا للمسار الدبلوماسي برمته.

جاء الانتهاك الثالث لصفقة «الأسد» وروسيا في شكل استمرار العمليات العسكرية من قبل قوات النظام في حين كانت المعارضة، بشكل عام، متمسكة بشروط اتفاق وقف الأعمال العدائية.

في نفس الوقت، وفي المملكة العربية السعودية، كان وزير الخارجية الأمريكي يعرب عن قلقه بأسلوبه الدبلوماسي المعتاد. «لقد قلنا بشكل واضح أن نظام الأسد لا يمكن استخدام هذه العملية كوسيلة لاستغلال الوضع عندما يحاول الآخرون بحسن نية الالتزام به. وهناك حدود لصبرنا فيما يتعلق بذلك. نحن نعول على الروس والإيرانيين على النحو المتفق عليه، ليقوموا بدورهم لدفع نظام الأسد للانضمام إلى الاتفاق».

تهديد المسار

لإثبات انتهاكات وقف إطلاق النار من قبل نظام «الأسد»، فإن المسؤولين الأمريكيين الذين التقوا مع نظرائهم الروس في كل من موسكو وعمان في 13 مارس/ أذار قد حملوا ملفا كبيرا من الوثائق يحوي تفاصيل عن حوادث انتهاكات النظام المتعمدة لوقف إطلاق النار. وكان أكثر من 70٪ من تلك الانتهاكات قد ارتكبتها قوات «الأسد». وتضمنت الأدلة محادثات بين كبار الضباط في النظام تثبت تورطهم في إعطاء تعليمات مباشرة لقصف بعض المناطق التي لا يوجد بها أي تواجد لتنظيم «الدولة الإسلامية».

قررت واشنطن ألا تظهر على العلن أدلتها الموثقة بشأن انتهاكات نظام «الأسد». ويمكننا أن تصور ما حدث في المحادثة الهاتفية بين «كيري» و«لافروف» حيث كانت رسالة الولايات المتحدة أن على روسيا أن تكبح جماح رجلها أو أن المحادثات سوف تنهار بشكل تام وسوف يتم تقديم كامل الدعم اللازم للمعارضة السورية للإطاحة به بالقوة.

لم يكن انهيار وقف إطلاق النار تحت وطأة انتهاكات «الأسد» يتلاءم مع الهدف الروسي من إجراء عملية عسكرية محدودة في سوريا لتغيير ميزان القوى، والوصول إلى اتفاق سياسي وسحب القوات. كما لم يكن يتوافق مع أهداف الكريملين السياسية في حيث الظهور كشريك في أزمة كبيرة مثل الحرب الأهلية السورية. وكان كان «الأسد» بتهوره يهدد الأهداف الجوهرية لروسيا في سوريا.

ثم جاءت المحادثة الهاتفية بين «بوتين» و«الأسد» صباح 14 مارس/أذار. هناك بعض الهمسات في دمشق أن «بوتين» كان «غاضبا جدا»، ونحن، بالطبع، لا يمكننا مصادقة هذا التقييم. لكن هكذا هو الحال في الشرق الأوسط، لا يمكنك قراءة هذه المعلومات في صحيفة أو رؤيتها عبر التليفزيون. وغالبا ما تبقى الحقائق محجوبة خلف الأصوات العلنية التي تواصل التأكيد على أن كل شيء على ما يرام وأنه ليس هناك أية مشاكل.

ومع ذلك، فقد واصل التليفزيون السوري التأكيد إلى درجة تثير الشكوك والريبة أن قرار «بوتين» بسحب قواته من سوريا قد جاء بالتنسيق مع الحكومة السورية. كانت الرسالة بالطبع موجهة إلى أنصار النظام أنه لا حاجة للذعر وأن الأمور تحت السيطرة. قام «بوتين» بالتنسيق معنا حول قراره وليس هناك ما يدعو للقلق.

ومع ذلك لا أحد في دمشق، بما في ذلك الدائرة المقربة من «الأسد»، كان قد توقع قرار «بوتين».

ومع ذلك فإن سياق القرار يبقى واضحا تمام الوضوح. سحب القوات الروسية ليست لعبة، وهو ليس على نمط الانسحاب الأمريكي من العراق. وكانت رسالة الرئيس الروسي بسيطة: هل تخضع لقوانيننا. إذا لم تقم بذلك فوداعا ونراك في وقت لاحق، وعليك أن تذهب وتكافح من أجل نفسك.

هل يعني ذلك أن «بوتين» سوف يسحب قواته حقا .. الجواب أن الأمر ليس بالضرورة كذلك..

والسؤال، بشكل غير صحيح، ويعطي أهمية لوجود القوات المسلحة لمجرد الوجود. يأتي قرار «بوتين» في سياق استراتيجي صارم. استمرار تلك القوات في سورية، بعد أن أصبح «الأسد» بعيدا عن نقطة الانهيار التي كان قد بلغها في الصيف الماضي يعني تغيرا ملحوظا في موازين القوى. لكن هذه النتيجة سوف تدفع «الأسد» نحو موقف شديد التصلب لا يتناسب مع أهداف الكريملين. الرئيس السوري يشعر بالارتباك حول الحسابات الاستراتيجية الروسية بشأن الحفاظ على منصبه. وقبل هذا فإنه لا يتبين بوضوح السبب الحقيقي الذي يدفع «بوتين» إلى مساعدته فضلا عن أن يعي حسابات الميل في موازين القوى تجاه حل سياسي محدد قد لا يكون بالضرورة يصب في مصلحته.

مشكلة الرئيس السوري هي أنه صاحب رؤية مزدوجة مزمنة. هو غالبا ما يرى الأشياء على وجهين غالبا لا يكون أيهما حقيقي. وقد نصحه كثير من القادة الدوليين والإقليميين على عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين في سوريا، ولكنه فعل ذلك على أي حال ودفع بلاده إلى حرب أهلية شاملة.

هو أشبه بشخص يغرق، وعندما تم إنقاذه من قبل الآخرين، فقد خرج رافعا يده وهاتفا بالنصر، ثم بدأ في عصيان تعليمات أولئك الذين أنقذوه حتى قبل أن يصل إلى بر الأمان. ومن المفارقات، أن «الأسد» لا يزال يعيش في سياق عالم وهمي من «السيادة»المشروعة كما حاول السيد «المعلم» تصوير ذلك. هذا الرجل لا يمكن أن يرى أنه باق في منصبه فقط على أكتاب الجنود الروس والإيرانيين.

«الأسد» مهووس بالبقاء في السلطة والسيطرة على كل من سوريا، ويتحدث كرئيس طاووس لا يدرك أنه قد فقد ريشه. وعلاوة على ذلك، فإنه يعتقد أنه قد كسب نقلة كبيرة حين نجح في إقناع الإيرانيين باستدعاء الروس. لكنه لا يرى أنه هو نفسه، يتم استخدامه من قبل الإيرانيين كبيدق على رقعة شطرنج أكبر حجما.

مسالة بقاء «الأسد» في السلطة من عدمه ليست قضية سيادة كما يطرحها السيد «المعلم». إذا سمح للأسد بالبقاء، فإن زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية»، «أبو بكر البغدادي»، ينبغي أن يبقى كذلك. إذا كان الأمر مسابقة في سفك الدماء فإنه من الأفضل أن يتم ترك فرص متساوية لكلا الجزارين. لا أحد يعارض مبدأ حق الشعب السوري في اختيار رئيسه. هذا مبدأ حقيقي وأساسي ولكن كيف يمكن السماح لمجرمي الحرب برئاسة ضحاياهم؟ «الأسد» يجب أن يحال إلى محكمة العدل الدولية، ويجب منعه هو وجميع من ارتكبوا هذه الفظائع في حق الشعب السوري من خوض الانتخابات، ثم ينبغي أن يعطى للشعب السوري الحق الكامل في اختيار قادته على سبيل السيادة.

ما الذي سيحدث الآن إذا؟

إذا بقى «الأسد» على عناده مصرا على عرقلة المحادثات، فإن «بوتين» سوف يسحب قواته بسرعة نسبيا. عندما يبكي الرئيس السوري طلبا للمساعدة مرة أخرى، فإنه «بوتين» سوف يضع له شروطه مقدما حتى يضمن أن «الأسد» لن يتركه في نقطة ما على الطريق.

إذا أبدى «الأسد» إشارات أنه قد التقط الرسالة وقام بتغيير موقفه في المحادثات وعلى أرض الواقع فإن «بوتين» سوف يسحب قواته ببطء شديد حتى يتم التوصل إلى اتفاق، وتنفيذ استراتيجية خروج مناسبة للأسد.

الفارق بين الحالتين إذا يكون فقط في وتيرة انسحاب القوات. إما أن تكون سريعة أو بطيئة اعتمادا على موقف «الأسد» خلال المحادثات ومدى احترامه لوقف إطلاق النار.

في كلتا الحالتين، فإن «بوتين» يدرك أن هناك بعض المساحة من الوقت لممارسة الضغوط على الطريق السوري. بعد كل شيء، فإن الكريملين هو من قام بخلق هذه المساحة.

في نهاية المطاف، فإن مصير اللعبة في سوريا سوف يتم تحديده بين «كيري» و«لافروف». وسوف يتم تقسيم سوريا بحكم الأمر الواقع أيا كان المسمى الذي سيتم إخراجه لهذا التقسيم، سواء فيدرالية أو حكومة لا مركزية أو حكم ذاتي. ولكن ستكون مهمة كل وزير خارجية أن يقوم بالسيطرة على حلفائه. واجه الروس بعض الصعوبات لكبح جماح «الأسد لا يزال «الأسد» ينظر إلى الأوضاع من خلال منشوره ثنائي الرؤية. كان «الأسد» يعتق أنه سيكون بإمكانه أن يحدد بمفرده مسارات العمل التي تم إنشاؤها من قبل الآخرين (الروس) من أجل أن يكون قادرا على استعادة كامل سوريا مرة أخرى، بينما في حقيقة الأمر فإنه ليس بإمكانه أن يفعل ذلك دون أن يخوض حربا مفتوحة يقبل الروس بدخولها من أجله. وحتى إنه لا يستطيع أن يرى أن روسيا ليس بإمكانها أن تفعل ذلك.

هذه هي لحظة الحقيقة بالنسبة للأسد. إيران بمفردها ليس لديها ما يلزم من أجل حفظ رئاسته السيادية للغاية. وسوف يتدخل الإيرانيون فقط من أجل التوسط بين «الأسد» و«بوتين». كانت طهران هي الراعي الفخري للصفقة التي جلبت الروس إلى سوريا، وقد طلبت من روسيا أن تمتنع عن اتخذا قرار أحادي بشأن مصير «الأسد»، وقد قبل «بوتين» ذلك. ولكن ما يفعله «بوتين» الآن أنه يقرر فقط بشأن بقاء قواته هناك. في ظاهر الأمر، فإنه لا ينتهك اتفاقه مع «خامنئي»، ولكن في جوهر الأمور فإنه الجميع يعلم أنه يجلس في قمرة القيادة، وأنه من يمتلك حقا تحديد مصير الرئيس السوري.

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا بوتين بشار الأسد الانسحاب الروسي من سوريا

«ستراتفور»: كيف يمكن أن يؤثر الانسحاب الروسي على القوات الموالية للنظام السوري؟

«فورين أفيرز»: هل يمكن أن يربح «الأسد» أيضا من الانسحاب الروسي؟

نهاية المهمة: لماذا تسحب روسيا قواتها من سوريا؟

ما الذي قد يعنيه الانسحاب المفاجئ لروسيا من سوريا؟

مواقف لافتة لـ«الممانع الكبير» بوتين!!

ما قبل الانسحاب وما بعده .. النصر الروسي باهظ الثمن في سوريا

لهذه الأسباب .. «بوتين» أنجز بالفعل مهمته في سوريا

«بوتين» و«روحاني» يبحثان هاتفيا أزمة سوريا ويتفقان على تعزيز الاتصالات