كيف يهدد سوق العمل مستقبل الإصلاح في السعودية؟

السبت 30 أبريل 2016 12:04 م

منذ ما يقرب من عامين، بدأت أسعار النفط في تراجعها الحاد ما دفع المنتجين الرئيسيين نحو إجراء تعديلات أساسية سيكون لها عواقب بعيدة المدى اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وفي حين أن هذه التعديلات سوف تمثل بالتأكيد تحديات هائلة خاصة بالنسبة إلى البلدان متوسطة الدخل مثل المملكة العربية السعودية التي تفتقد إلى صناديق الثروة الهائلة التي تملكها الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، إلا أنها تمثل فرصة هائلة لهذه الدول من أجل النظر في سبل أكثر فاعلية لتنظيم مجتمعاتهم.

ويبدو أن المملكة العربية السعودية قد قررت أن تخوض هذا التحدي. هذا الأسبوع، قامت البلاد بإطلاق رؤيتها لعام 2030، وهي خطة تهدف إلى ضمان النمو المستدام على المدى الطويل. نالت الخطة إشادة كبيرة كما تعرضت لانتقادات بسبب طموحها المبالغ فيه، حيث وعدت بتحويل المملكة إلى أحد الاقتصادات الـ15 الأكثر قوة في العالم خلال العقدين المقبلين وهو اقتصاد يرتكز على العمالة الماهرة والأسواق المفتوحة والحكم الرشيد. الطريقة الوحيدة التي ربما تمكن المملكة العربية السعودية من فعل ذلك تتطلب من البلاد القيام بتنويع محفظة أصولها وبيع أسهم في شركة أرامكو عملاق النفط الحكومي بهدف إنشاء صندوق للثروة السيادية.

ولكن رؤية 2030 فشلت في معالجة قضية حاسمة واحدة: وهي انخفاض نسبة القوة العاملة. 41 في المائة من السكان الذين بلغوا سن العمل هم الذين لديهم أعمال في واقع الأمر، بالمقارنة مع متوسط نسبة بلغ 60 في المائة في منظمة التعاون والتنمية. كما أن النسبة الأكبر من هؤلاء العاملين يعملون في القطاع العام المتضخم. وهذه هي أكبر علامة على عدم الكفاءة في الاقتصاد السعودي، وسوف يكون التعامل معها أكثر صعوبة من التعامل مع أي أمر آخر.

سوف يكون المفتاح لذلك ليس فقط في زيادة فرص العمل ولكن في زيادة الإنتاجية بشكل عام. بعد كل شيء، على عكس سائر دول مجلس التعاون الخليجي التي تتمتع بكثافة سكانية منخفضة مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر، فإن المملكة العربية السعودية، التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 20 مليون نسمة (عدا غير المواطنين) لم تعد قادرة على تحمل انخفاض إنتاجية العمل. في الواقع فإن عائدات النفط الآن تمثل 5500 دولار لكل شخص وهو ما يعني أنها لم تعد صالحة لتصبح بديلا مستداما.

من أجل النجاح في هذا الأمر، فإن المملكة العربية السعودية يتعين عليها تحويل هيكل الحوافز الخاص بها بحيث تذهب الوظائف الجديدة في القطاع الخاص لصالح السعوديين وليس الأجانب. تعتمد التسوية الأساسية في المملكة على التحالفات التي تعقدها العائلة المالكة مع الشركات التي لها مطلق الحرية في استقدام العمالة، في حين يتم ضمان وظائف القطاع العام للمواطنين.

هذه التسوية يمكن عزوها إلى السبعينيات، عندما تحولت برامج البنية التحتية الطموحة العائلات التجارية المحلية إلى متعاقدين، والذين واصلوا ضغوطهم فيما بعد من أجل الحصول على المزيد من التأشيرات لاستقدام الموظفين. تطورت هذه الشركات إلى مؤسسات صناعية وتجارية قوية صارت تعتمد على العمالة الرخيصة من أجل ضمان ربحيتها.دول مجلس التعاون الخليجي هي الآن المنطقة الوحيدة المفتوحة أمام سوق العمل العالمي، ما يضمن أن شركاتها لديها أقل معدل أجور نسبة إلى المهارة في العالم.

ونتيجة لذلك، فإن اعتماد المملكة على الأجانب ليس له مثيل في التاريخ الاقتصادي الحديث. في عام 2015، كان هناك حوالي تسعة ملايين من العمال المهاجرين في المملكة العربية السعودية، شكلوا أكثر من 60 في المائة من قوتها العاملة. أصبح القطاع الخاص حكرا على الوافدين الذين يشغلون 83 في المائة على الأقل من مواقعه.

في عدد قليل من البلدان الأخرى يمكن أن يقبل المواطنون هذه المنافسة المفتوحة مع العمالة الأجنبية. يقبل السعوديون بذلك فقط لنهم يضمنون أنه يتم توظيفهم من قبل الدولة بمتوسطات أجور أعلى من المتوسطات السائدة. ما يقرب من 3.4 مليون من السعوديين يعملون الآن في القطاع العام والأجهزة الأمنية وهم يتقاضون أجورا تتراوح ما بين ضعفي إلى 4 أضعاف الأجور في القطاع الخاص. إذا لم يتم تضييق الفجوة في الأجور بين الأجانب وأجور القطاع العام السعودي فإن المواطنين ببساطة لن يكون لديهم حوافز لقبول وظائف في القطاع الخاص.

ولكن كلما حاولت المملكة للحد من التوظيف في القطاع العام، فإن معدلات البطالة تزداد بشكل مضطرد. وبموجب نظام الحوافز الحالي، فإن خطط الحكومة لخصخصة الشركات وتحسين الإنتاجية والخدمة المدنية سوف تدمر الوظائف التي يشغلها السعوديون.

التحدي المتمثل في خلق فرص عمل للسعوديين قد يبدو وكأنه مشكلة الأغنياء. قد يجادل البعض أن كل ما على المملكة أن تفعله هو أن تقوم بتفريغ مواقع العمل من الأجانب حتى يتم شغلها من قبل السعوديين. ولكن في حقيقة الأمر فإن هذا الاستبدال البسيط ليس حلا. فرص العمل الحالية إما أنها فرص جيدة العائد ولكنها تحتاج مهارات مكثفة جدا، أو أنها فرص لا يحتاج إلى مهارات ولكنها منخفضة العائد.

ستكون هناك حاجة لإجراء تغييرات هيكلية من أجل تطوير المهن اليدوية. زيادة الاعتماد على رأس المال والتكنولوجيا سوف يقضي على العديد من الوظائف منخفضة الرتبة. وفي الوقت نفسه، فإن العديد من الوظائف التي تتطلب مهارات عالية، والناتجة إلى حد كبير عن دعم الطاقة ورأس المال الهائل، لا بد أن يتم خفضها لخلق المزيد من الوظائف التي تتطلب مهارة متوسطة. الشركات لن يتعين عليها فقط أن تدفع بما فيه الكفاية لجذب السعوديين في هذه المواقف، ولكن أيضا عليها أن تقوم بتدريبهم من أجل زيادة إنتاجيتهم.

كل هذا يفترض أن سوق العمل سوف يصبح أكثر صرامة. وبالتالي فإن الحل المثمر في هذه الحالة سوف يتطلب خفضا كبيرا في أعداد العمالة الأجنبية إلى الحد الذي يرفع الأجور في القطاع الخاص إلى مستوى يناسب طلعات السعوديين. البديل هو أن دولة الرفاه سوف تتحول ببطء إلى دولة فقيرة.

 وبالتالي فإن المملكة قد شرعت في برنامج «السعودة» الذي يتطلب من الشركات في بعض القطاعات توظيف نسبة محددة من المواطنين. حتى الآن، يقاوم القطاع الخاص إلى حد كبير هذه السياسات. إدارة سوق العمل عبر إصدار المراسيم هو أمر من الصعوبة بمكان. سوف يتطلب الأمر البحث عن أساليب أكثر فاعلية من أجل تقنين عمل المهاجرين وهو أمر يتطلب مزيجا من القدرات التنظيمية والإرادة السياسية.

بالفعل، تبلغ نسبة البطالة الرسمية في البلاد حوالي 11.6 في المائة وهي ترتفع لتبلغ 32.8 في المائة بين صفوف النساء، و29.4 في المائة بين صفوف الشباب. في حين أن المعدل الفعلي أن يكون أعلى من ذلك بكثير وبخاصة إذا تم تضمين العمال المحبطين. هناك أكثر من مائتي ألف شاب سعودي يدخلون إلى سوق العمل سنويا. وبينما تستمر مستويات التعليم في الارتفاع،ما يقرب من ثلثي الشباب السعودي يذهبون إلى الجامعة ، إن الضغوط الاجتماعية تستمر في النمو كذلك.

القيد الحقيقي الذي يعوق عملية خلق فرص العمل في السعودية يكمن في نمط اقتصادها السياسي. مع انخفاض الريع النفطي، فإن العقد الاجتماعي السعودي يتعرض لضغوط غير مسبوقة. وسوف يسهم قطع الدعم سواء عن رجال الأعمال أو عن السكان المحللين في إضعافه بشكل أكبر.

الطريقة التي سوف يتعامل بها آل سعود مع هذا الأمر تبقى غير مؤكدة. دعم رجال الأعمال في البلاد قد يتطلب زيادة في القمع حيث سيولد مطالب ديمقراطية، في حين أن مواصلة الدعم للسكان سوف يبقى المطالب الديمقراطية عند الحد الأدنى. على كل، فإن الاختيارات الضمنية والصريحة التي سوف يتم القيام بها تبقى عوامل حاسمة في مدى نجاح رؤية السعودية 2030 وسائر أجندات الإصلاح المماثلة.

 

المصدر | بروجيكت سينديكت

  كلمات مفتاحية

سوق العمل السعودي الإصلاح الاقتصادي البطالة المرأة السعودية رؤية السعودية 2030

كيف نحرر سوق العمل السعودية؟

«العمل السعودية» تجري مراجعة شاملة لأوضاع سوق العمالة المنزلية

«بلومبرج»: السعوديات تغزون سوق العمل بأعداد قياسية.. والفضل للملك «عبدالله»

هل هناك أمل في إصلاح سوق العمل السعودي؟

السعودية تحتاج لإنفاق 14.9 مليار ريال سنويا لإصلاح سوق العمل