السعودية وإيران و«اللعبة الكبرى» في اليمن

الأربعاء 1 أكتوبر 2014 07:10 ص

اليمن صارت بمثابة ورقة مساومة استراتيجية ربما تلعب بها إيران في الوقت الراهن بشكل مباشر مستغلة الظهور المفاجئ لـ«الحوثيين».

قد لا نكون منصفين إذا لم نقل إن سياسات القوة الداخلية في المناورة داخل اليمن من بين أقدم الأساليب وأعقدها وأكثرها ديناميكية في منطقة الشرق الأوسط.

ما كان للحكومة المركزية السنية الضعيفة التي تمسك بزمام الأمور بالكاد أن تصمد أكثر من ذلك حتى تهاوت قبل أسبوع نتيجة للصراعات الطويلة والمتزامنة وعلى جبهات من الصعوبة بمكان حصرها. هذه الصراعات يتمثل بعضها في: صراعات قبلية مستمرة لا تنبئ بحل وشيك، وحركات انفصالية في الشمال والجنوب، وموقفها من تنظيم «القاعدة» في شبه جزيرة العرب حيث ينظر إلى اليمن على أنه أخصب أراضي شبه الجزيرة لترعرع التنظيم؛ وكلها بمثابة الزيت الذي لن يترك للنار مجالاً لتخبو؛ اثنان من هذه الصراعات مرتبطان بشدة؛ أحدهما داخلي، والآخر خارجي كان لهما أبلغ الأثر على السياسات الداخلية والإقليمية في ضوء الأحداث الأخيرة.

يتمثل الصراع الأول في الحرب المستمرة طيلة السنوات العشر الماضية ضد تمرد «الحوثيين» -الأقلية الشيعية في الشمال- والذين تمكنوا قبل أسبوع فقط من الإطاحة بالحكومة المركزية وظهروا -على الأقل حتى هذه اللحظة- كما لو كانوا يمتلكون قوة أكبر مما كان متوقع، وتبقى الأسئلة التي بحاجة لإجابة قاطعة: ما هي الصورة النهائية التي ستدار بها البلاد؟ ومن سيديرها؟ أما الصراع الثاني؛ وهو الأهم من وجهة نظر جيوسياسية (جغرافية – سياسية) فيتمثل في تورط لاعبين خارجيين قد يكون لدورهما تداعيات إقليمية تنبئ بتغير ميزان القوة في الشرق الأوسط في السنوات المقبلة.

منافسة استراتيجية

فعلى نحو يعيد إلى الذاكرة «اللعبة الكبرى» التي لعبتها كل من بريطانيا العظمى وروسيا في أفغانستان منذ ما يزيد على عشرة قرون من الزمان تخوض السعودية وإيران منافستهما الاستراتيجية منذ عقود بحثا عن الهيمنة والنفوذ في الشرق الأوسط في منطقة تمتد من البحر المتوسط حتى الخليج والبحر العربي، ما يدور بين السعودية وإيران خلال تلك الفترة مبني في مجمله على أسس طائفية وعقائدية فالسعودية تتزعم المسلمين السنة في العالم بينما تتزعم إيران الطائفة الشيعية.

وعلى الرغم من أن المحادثات التي جرت مؤخرا على مستوى وزراء الخارجية بين السعودية وإيران قد أظهرت ذوبانا في العلاقات المجمدة إلا أن الأمر في حقيقته يدل على وجود عداء قديم مترسخ بينهما يحول دون أي تقارب جاد طويل الأمد على الأقل في المستقبل القريب. والذي يبدوا للعيان بشكل قوي أن كلا الطرفين يقوم حاليا بتقييم استراتيجيته طبقا للوضع الراهن بناء على الأحداث التي تعج بها المنطقة، ويحسبان موضع الخطوة التالية بعناية.

وضمن لعبتهما الكبرى؛ خاض اللاعبان -السعودية وإيران- سلسلة من حروب الوكالة لتقويض بعضهما البعض، بعض هذه الحروب وُصفت بالحرب الساخنة وبعضها بالباردة في أرجاء الشرق الأوسط؛ في لبنان؛ يُوجد «حزب الله» المدعوم من إيران، وفي سوريا هناك النظام المدعوم منذ أمد بعيد من إيران أيضا، كما يوجد في العراق الحكومة الشيعية التي تقدم إيران لها كل الدعم منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وقد كانت قبل هذا التاريخ أحد معسكرات السنة القوية.

وفي شرق السعودية حيث توجد البحرين التي تعمل فيها إيران من وراء الكواليس بهدف تقويض حكومة تلو حكومة مستخدمة في ذلك المجتمعات الشيعية، الأمر الذي شعرت معه السعودية بالتهديد ما دفعها عام 2011م لإرسال قوات عسكرية إلى البحرين للمساعدة في قمع الانتفاضة الشيعية هناك، وأخيرًا وليس آخرًا جاءت اليمن؛ وفي الوقت الذي يطفو فيه خلاف على السطح بشأن دورهما في دعم انتفاضة «الحوثيين» فإن التحول الدراماتيكي في الأحداث على الأرض هناك تلعبه إيران بشكل إيجابي، لكن لماذا؟

المصلحة الاستراتيجية طويلة الأمد لإيران في اليمن بسيطة، فهي مركزة على المنطقة الغربية من شبه جزيرة الخليج، وحكومة اليمن هشة، وبلد متوتر على الحدود الجنوبية للسعودية وُصف بأنه غربال نظرا لطرق التهريب القديمة التي ما زال يستخدمها الراغبون في دخول المملكة سرًا، بالإضافة إلى عدد سكان يمثل الشيعة منه 35%، فإن كل هذا يصب في صالح إيران لاستغلال اليمن كقاعدة آمنة لعملياتها في إطار منافستها ضد السعودية، وبالنسبة لإيران الوصول السهل لليمن يعني الوصول السهل للسعودية. لكن هل هذا فعلاً هو ما تسعى إليه إيران؟

تهريب الأسلحة

في مقالة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في مارس/آذار 2012م نسبت الصحيفة لمصادر عسكرية واستخباراتية أمريكية لم تسمها القول بأن «فيلق القدس» -قوات النخبة في الحرس الثوري الإيراني- عمل على تهريب كميات كبيرة من أسلحة الكلاشينكوف «AK-47» وقاذفات الصواريخ «آر بي جي» وأنواع أخرى من الأسلحة إلى المتمردين «الحوثيين في اليمن، وفي يناير/كانون الثاني من عام 2013م تم ضبط مخبأ أسلحة على شاطئ اليمن أفادت وقتها شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية بأن الأسلحة تحمل ماركات إيرانية، وقد ضم المخبأ صواريخ أرض-جو ومتفجرات «سي فور» شديدة الانفجار وأسلحة أخرى تواترت الأنباء بأنها كانت متجهة إلى «الحوثيين».

بالنسبة للسعودية؛ والتي تشترك بحدودها الجنوبية مع اليمن في مسافة تصل إلى 1770 كم سهلة الاختراق فإن المخاطر هناك عالية، فوفقا لما جاء بمقال نشره موقع «أصوات الشرق الأوسط» في نوفمبر/تشرين الثاني 2013م اعتبر مسئولون استخباراتيون سعوديون أن اليمن حلقة الوصل الأمنية الأضعف في الخليج و«الغنيمة الأسهل لطهران لتخترق وتناور».

كما تعد الحدود السعودية-اليمنية نقطة رئيسية لتسلل عناصر القاعدة في شبه الجزيرة العربية؛ والتي ما زال ينظر إليها على أنها أكبر التهديدات الإرهابية للمملكة، لأجل هذه الأسباب جميعًا قدمت السعودية الدعم المادي والعسكري للحكومة المركزية في اليمن، ليس هذا فحسب لكنّها استخدمت مجالها البري والجوي لضرب أهداف تعود لـ«الحوثيين» و«القاعدة» على الجانب اليمني المتاخم للحدود السعودية؛ السعودية ما زالت تترنح من خسارة حليفها القديم «علي عبدالله صالح» الذي أُجبر على التخلي عن منصبه كرئيس لليمن عام 2011م، وتنظر السعودية لليمن منذ ذلك الحين على أنه يدور في دوامة لا يُعرف نهايتها.

وفيما يتعلق بمكاسب المُتمردين «الحوثيين» موخرًا في اليمن أشار «إبراهيم شرقية» زميل دائرة السياسة الخارجية في «مؤسسة بروكنجز» بواشنطن ونائب مدير «مركز بروكنجز الدوحة» في مقال بصحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي: «في إطار الحرب الإقليمية الباردة؛ فإن ما حدث في اليمن عزز من وضع الإيرانيين، لكن بالنسبة للسعوديين فإن وصول أتباع الحوثي لصنعاء من المُؤكد أن ذلك لا يسعدهم».

وكدليل على النفوذ الإيراني الجديد في اليمن نقلت وكالة «رويترز» الأسبوع الماضي إنه تم تحرير عدد من الأسرى في السجون اليمنية؛ ثلاثة من «الحرس الثوري الإيراني» واثنين من «حزب الله اللبناني»، كما أفادت صحيفة «الشرق الأوسط» أن عناصر «الحوثيين» و«حزب الله» الذين أُطلق سراحهم متورطون مع المتمردين «الحوثيين» في تعزيز سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء.

خط في الرمال

ما الذي يعنيه ذلك؟ هل اليمن هامة للسعودية وإيران لهذه الدرجة؟ الإجابة المُختصرة نعم، وكل جانب يبدوا أنه يستعد ليرسم خطه في الرمال والذي يُضرب به المثل. بالنسبة للسعودية؛ ما حدث على الحدود الجنوبية بمثابة كارثة أمن قومي، خاصة وأن مستقبل اليمن يتشكل حاليًا؛ السعوديون لن يسمحوا بزعزعة الاستقرار في تلك المنطقة ما يصب في مصلحة إيران بترسيخ أقدامها في شبه الجزيرة أو يكون سببًا في إطلاق يد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من ناحية الشمال.

خط إيران في الرمال هو العراق وسوريا. هاتان الدولتان الآن بمثابة عازل بين إيران والشرق الأوسط السني، لذا فإن وجود حكومات شيعية تنعم بالاستقرار والثقة فيهما يجعل من إيران ترفض أي تفاوض. الأمر ذاته سيدفع بورقة اليمن كورقة مساومة استراتيجية ربما تمسك بها إيران حاليًا بشكل مباشر في ظل سيطرة «الحوثيين»، بالإضافة إلى الفوضى الداخلية المتوقعة والتي بات من المؤكد أنها ستُخيّم بظلالها السيئ على المستقبل الذي تنتظره صنعاء.

وباللعب بتلك الورقة ستسعى إيران للضغط على السعوديين لتسحقهم بهدوء في العراق وسوريا، أو ربما تخاطر أكثر لتبدأ في إسقاطهم مستغلة هشاشة الحدود الجنوبية. ويبقى السؤال: هل سيكون هناك موقف للسعوديين في اليمن أم سيغضّون الطرف؟ وهكذا تستمر اللعبة الكبرى.

المصدر | مارتن ريردون، الجزيرة

  كلمات مفتاحية

إيران اليمن الحوثيين السعودية

هكذا سقطت صنعاء في يد الثورة المضادة وإيران

الثمن الباهظ للتخلي عن اليمن

إيران تبسط نفوذها على اليمن والخليج الخاسر الأكبر

الإمارات والسعودية تحالفا مع إيران لإزاحة الإسلاميين من المشهد اليمني بأيادي الحوثيين

إيران تنتقد تصريحات «سعود الفيصل» حول دورها في سوريا

العلاقات «السعودية - الإيرانية»: لا نقلة نوعية

اللعبة الإيرانية في اليمن

السعودية وإيران .. «ردع» يسبق «المصالحة»

«واشنطن بوست»: كيف ترسم الطائفية ملامح الحرب في اليمن؟

«وول ستريت جورنال»: إمارات الخليج الناجية من اضطرابات الشرق الأوسط تسعى لقيادة العالم العربي

إيران والسعودية: تحليل جيوسياسي

اليمن: ضحية التنافس الإيراني - السعودي