شبح الدولة في العراق: ما الذي تعنيه مظاهرات بغداد؟

الأربعاء 4 مايو 2016 12:05 م

عندما اقتحم محتجون مبنى البرلمان العراقي يوم السبت الماضي، فقد أكد الأمر أحد العوامل الحاسمة التي تفسر لماذا لا تحرز البلاد أي تقدم في معركتها في مواجهة الجهاديين. لا يمكن أن تنجح أي جهود لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» في غياب نظام سياسي فعال لا يمكن أن يكون هناك دولة حقيقة في العراق حين يقتتل أولئك الذين تفترض أنهم يخوضون الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» على السلطة. الوضع في البلاد أكثر تعقيدا نظرا لأن البلاد لم تكن دولة فاعلة في أي وقت فيما بعد حكم البعث بسبب التناحر المستمر بين الفصائل.

في 30 أبريل/نيسان كان أنصار الزعيم الشيعي العراقي «مقتدى الصدر» قادرون على اختراق المنطقة الخضراء شديدة التأمين في بغداد واقتحام برلمان البلاد. قام الآلاف من المتظاهرين الغاضبين المطالبين بإنهاء الفساد والمحاصصة السياسية باقتحام المبنى، مما اضطر الحكومة لإعلان حالة الطوارئ في العاصمة. وقع هذا الأمر بعد دقائق من مؤتمر صحفي عقده «مقتدى الصدر» في مدينة النجف الشيعية أدان خلاله الجمود السياسي الذي منع البرلمان من إقرار تعيين حكومة تكنوقراط بزعامة «حيدر العبادي». غادر المحتجون محيط الحكومة في 1 مايو/أيار و لكنهم تعهدوا بالعودة قبل نهاية الأسبوع إذا لم تتحقق مطالبهم. ويعكس هذا التطور الصراع على السلطة داخل الفصائل المختلفة في العراق ويعكس مدى صعوبة التوصل إلى تسوية سياسية في البلاد.

الشيعة في مواجهة الشيعة

وقد لعبت الحركة الصدرية دور الطليعة في المعارضة الشعبية لنظام الحصص الذي يسند المناصب الحكومية العليا لقادة الأعراق والطوائف الذين تحوم حولهم شبهات الفساد المنظم. هناك سببان لهذا. أولا، تستمد جماعة «الصدر» دعمها من الفئات الاجتماعية الدنيا ولذا فإن عليها أن تتجاوب مع الاستياء العام من النخبة السياسية. ثانيا، فإن «الصدر» يرى الوضع الحالي باعتباره فرصة لتعزيز الهدف طويل الأمد لمجموعته بإزاحة المؤسسة الشيعية التي يهمين عليها اثنين من منافسيه الرئيسيين، حزب الدعوة الإسلامية الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، والمجلس الأعلى الإسلامي في العراق بقيادة «عمار الحكيم».

وعلى الرغم من أنه محاولاته الدائمة تقديم حركته كحركة قومية غير طائفية، فإن جماعة «الصدر» لا تختلف كثيرا عن الطرفين الآخرين للحركة الشيعية. الحركة الصدرية هي كيان طائفي بحكم تكوينه نظرا لأنها حركة إسلامية شيعية، كما أنها كانت تاريخيا جزءا من الائتلاف الحاكم الذي عمد إلى تقوية نفوذه بين الشيعة. الاستقطاب الطائفي المتصاعد منذ أن احتلت «الدولة الإسلامية» الموصل في يونيو/حزيران 2014 قد أسهم أيضا في محاذاة «الصدر» مع منافسيه.

وبالتالي فإنه كان يتعين على «الصدر» أن يحد من خلافاته مع القوى الشيعية لمنع إلحاق الضرر الجماعي بالشيعة العراقيين. في الواقع، فإن تحقيق التوازن بين الحاجة إلى ضمان هيمنة الشيعة على الحياة السياسية الهشة في العراق وبين الاحتفاظ بموقع الصدارة بين المجموعات الشيعية كان هو السمة المميزة لحركة «الصدر» منذ صعودها في عام 2003 في أعقاب لإطاحة بنظام الرئيس العراقي الأسبق «صدم حسين». . لهذا السبب، فقد تأرجحت مواقف «الصدر» بين الاصطفاف مع التيارات الشيعية لمواجهة التحديات المجتمعية وبين محاولة اتخاذ مواقف مجتمعية لتعزيز أهدافه الحزبية.

ومن العوامل الأخرى التي تسهم في رسم هذه الدينامية هو النفوذ الإيراني بين الجماعات الشيعية العراقية. هناك وجهتي نظر متناقضتين تسيطران على الحكمة التقليدية بشأن هذه المسألة. ففي حين يعتقد البعض أن الإيرانيين يستخدمون الميليشيات الشيعية العراقية ضد حكومة بغداد، فإن هناك آخرين يعتقدون أن «الصدر» يقاوم النفوذ الإيراني.

ولكن كلا الرأيين ليس صوابا بشكل تام. إيران لديها تأثير على كل الفصائل الشيعية العراقية، بما في ذلك «الصدر»، الذي كان الإيرانيون قادرين على استقطابه قبل ثمان سنوات حين توجه إلى إيران لتعزيز مؤهلاته الدينية. الأحزاب السياسية الشيعية والميليشيات مفيدة لطهران بطرق مختلفة. والأهم من ذلك أن إيران تريد أن ترى النظام السياسي العراق مستقر تحت سيطرة الشيعة.

ولكن إيران لم تكن قادرة على تحقيق هذا الهدف بشكل تام لأن الشيعة العراقيين منقسمون للغاية بين الفصائل. وقد لعبت طهران منذ فترة طويلة لعبة دعم بعض الفصائل في مواجهة البعض الآخر، كما كانت تلعب دور الوسيط بينها في بعض الأحيان. من الناحية المثالية، يأمل الإيرانيون في عراق ذي قدرات عسكرية قوية يهيمن عليه الشيعة. ولكن ذلك لم يتحقق، وكان على طهران وحلفائها من الشيعة العراقيين أن يقوما معا بتأسيس ميليشيا ضخمة عرفت باسم قوات الحشد الشعبي، لدعم الجيش العراقي، التي أثبت عجزه عن التعامل مع التهديد الجهادي. وفي الوقت نفسه، فقد لعب الإيرانيون دورا رئيسيا في إجبار سلف «العبادي»، «نوري المالكي»، على التنحي.

أوهام دولة ما بعد البعث

ويتحمل «المالكي» المسؤولية الكبرى بشان الأوضاع الحالية للشيعة بسبب الطريقة التي تعامل بها مع اثنين من الأقليات الرئيسية في البلاد هما السنة على وجه الخصوص ثم الأكراد. لم يكن الشيعة في أي من الأوقات على وفاق بين المجموعتين ولكن الأوضاع كان يجري احتواؤها مع وجود القوات الأمريكية في البلاد. وبمجرد مغادرة القوات الأمريكية مع نهاية عام 2011، فقد بدأت العلاقات تتدهور بشكل خطير. وفي الوقت نفسه، قدمت الحرب الأهلية في سوريا المجاورة للحركة الجهادية قدرا هائلا من العمق الاستراتيجي ما سمح للدولة الإسلامية بالعودة إلى العراق وإعلان الخلافة.

ولم يكن أي من إيران أو الشيعة العراقيين مهتمين بالتفاوض مرة أخرى حول موازين القوى الداخلية داخل الطائفة الشيعية من أجل استبدال «المالكي» برئيس وزراء جديد. . فقدان ثاني أكبر مدينة في البلاد، الموصل، اضطرهم إلى الإسراع بالموافقة على تعيين «العبادي». وكان الأمل أن «العبادي» لن يقوم فقط بتسوية المشاكل بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي في الشمال، ولكنه سوف ينجح في إعادة الكثيرين من السنة الذين دعموا «الدولة الإسلامية» إلى الحياة السياسية. في حين كانت إدارة «العبادي» قادرة على استعادة السيطرة على المناطق السنية الكبيرة في شمال وغرب بغداد، فإن «الدولة الإسلامية» لا تزال تتمتع بوجود راسخ في أجزاء كبيرة من اثنين من المحافظات السنية الرئيسية في الأنبار ونينوى.

يتطلب تدمير تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق مكونين رئيسيين. أولا، يجب على الشيعة والأكراد التوصل إلى تفاهم حول مسألة الحكم الذاتي الكردي، وخاصة حول كيفية تصدير النفط وتقاسم العائدات وخصوصا عندما تبقى أسعار النفط منخفضة. ثانيا، يجب أن يتم منح السنة نفوذا سياسيا أكبر في بغداد. كل من هذه القضايا المزمنة التي تعود إلى الأيام الأولى من محاولات الولايات المتحدة لإقامة دولة عراقية ديمقراطية. تم إنشاء المؤسسات ولكن عملية الوصول إلى اتفق لتقاسم السلطة لم تشهد نجاحا يذكر.

خلال الـ13 عاما التالية، فشل العراق في أن يصبح شبيها بدولة حقيقية. بدلا من ذلك، فقد حازت نظاما مختلا بسبب الخلافات العرقية والطائفية. الدرس النقدي الذي يمكن أن نعيه من محاولة الولايات المتحدة لإحداث تغيير في نظام الحكم في العراق (وكذلك أفغانستان) هو أن الإطاحة بنظام ما لا تضمن تشكيل نظام جديد فعال. تغيير النظام لا يحدث في الواقع. بدلا من ذلك فإن إسقاط الأنظمة الاستبدادية سوف يؤدي إلى انهيار النظام. وهو نفس الدرس المستفاد من الربيع العربي.

في هذه الحالات، فإن الفصائل التي ظلت معرضة للقمع لعقود سوف تندفع للهيمنة على المشهد. قد تسعى القوى الغربية للوساطة لكن هذه الفصائل العرقية والطائفية ليست قادرة ببساطة على الوصول إلى اتفاق. والنتيجة هي الفوضى التي نشهدها في ليبيا واليمن وسوريا. هذه هي الظروف المثالية التي تبحث عنها «الدولة الإسلامية» من أجل تحقيق طموحاتها في تأسيس خلافة عابرة للحدود الوطنية.

في حالة العراق، فإن التهديد الذي مثلته «الدولة الإسلامية» لم يكن كافيا لإقناع الفصائل المختلفة بوضع خلافاتهم جانبا، على الرغم من أن الشيعة والأكراد يعلمون أن أيا منهما لن يستطيع هزيمة «الدولة الإسلامية» بمفرده. تدهورت الأوضاع إلى ما وراء خطوط الصدع بين الشيعة والسنة والشيعة والأكراد والسنة والأكراد، كما هو واضح من قيام حركة «الصدر» باقتحام البرلمان. كما يشهد الشيعة انقساما داخليا، فضلا عن الانقسامات التي يعانيها الأكراد.

في ظل هذه الظروف، من غير المرجح أن ينجح الشيعة والأكراد في تسوية الخلافات العالقة بينهما كما أن هناك فرص أقل بكثير في إقناع السنة بالانقلاب على «الدولة الإسلامية». وذلك لأن العراق لم يكن دولة حقيقية منذ سقوط النظام البعثي. ورغم أنه لا أحد يريد الاعتراف بذلك، فمن المؤكد أن القومية العراقية قد ماتت منذ زمن طويل. وقد ظلت البلد لسنوات عديدة في حالة من الفوضى، مع صراع دائم، على مختلف المستويات بين جميع الفصائل.

  كلمات مفتاحية

العراق الدولة الإسلامية مقتدى الصدر حيدر العبادي

محاولة للدخول في المتاهة العراقية

«الحشد الشعبي» قوة أكبر من الجيش العراقي على خطى الحرس الثوري الإيراني

ماذا يريد «مقتدى الصدر»؟

«الصدر» يحتجز نائبا سابقا لرئيس الوزراء العراقي

«الصدر» يدعو لاقتحام المنطقة الخضراء وسط بغداد

«الصدر» يدعو أنصاره للمشاركة في احتجاجات بغداد الجمعة القادم

العراق .. البحث عن هيبة الدولة!

الميليشيات الشيعية في العراق تدافع عن نفوذ إيران في بغداد: «نحترم الولي الفقيه»