الركود الاقتصادي وحرب العملات

الخميس 5 مايو 2016 06:05 ص

العبرة التي تستخلص من متابعة أسواق الأسهم العالمية المضطربة على مدى ثلاثة أشهر خلت، هي أن حرب العملات دخلت مرحلة جديدة من التعقيد. وقد أسفرت تقلبات الأسواق عن تحييد قدرات البنوك المركزية التي كانت أكثر التزاماً بخفض عملاتها. ويقدم بنك اليابان النموذج الأكثر وضوحاً عند الحديث عن عقم السياسات النقدية.

واللغز المثير للحيرة هو أن تلجأ اليابان التي ينوء قطاعها العام تحت عبء ديون هي الأكبر عالميا، إلى الملاذات الآمنة في سوق عالمية عاصفة، خاصة خلال الربع الأول من العام الحالي.

ويعكس ارتفاع الين على الرغم من معدلات الفائدة السلبية قوة عناصر جذب أسواق العملات. ومنذ أن بدأ سوق الأسهم الياباني التحرك بالتناغم مع حركة الين منذ اعتماد نظرية «أبينوميكس» عام 2012، لا تزال الأسهم اليابانية تتراجع وهو أمر منطقي بالنظر للأثر التنافسي الذي تمارسه موجات خفض العملة على حركة الصادرات أو أرباح الشركات.

وفي أوروبا فقد الخطاب الحمائمي لماريو دراغي رئيس البنك المركزي الأوروبي، سحره، وبعد الإعلان عن حزمة تحفيز مالي فاقت التوقعات الشهر الماضي استمر ارتفاع اليورو مقابل الدولار. وجاءت كلمة جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي مؤخراً التي قالت فيها إن معدلات أسعار الفائدة قد تستمر منخفضة لوقت طويل، لتضع الملح على الجروح في منطقة اليورو.

وأياً كانت الدوافع يمكن القول إن المجلس انتقم. فتراجع الدولار، مهما كان محدوداً، ساعد على تأجيج نار حرب العملات التي أثرت سلبا في قسم كبير من الناتج العالمي ونمو أرباح الشركات اليابانية وشركات منطقة اليورو لمصلحة الولايات المتحدة. إلا أن الأخيرة كانت أول المستفيدين من خفض عملتها عندما أطلق مجلس الاحتياطي الفيدرالي أول حزمة تيسير كمي بعد الأزمة المالية العالمية. ومنذ ذلك الوقت والحرب مستعرة.

وتقف الصين بعيداً عن حلبة المتصارعين. فبالرغم من الاعتقاد السائد في أوساط الساسة الأمريكيين ومرشحي الحملات الانتخابية، بأن البنك المركزي الصيني قد ضخ مليارات الدولارات لدعم العملة المحلية المتضخمة أصلاً، إلا أن محاربي البنك وفروا أسلحتهم الأشد فتكاً لمواجهة صناديق التحوط التي تراهن على خفض الرينمنبي، وهو ما لا يرغب فيه البنك الذي لقن مديري تلك الصناديق درساً قاسياً، مفاده أن حرصهم على عدم محاربة مجلس الاحتياطي الفيدرالي يجب أن ينطبق أيضاً على البنك المركزي الصيني.

ومن أبرز المحايدين أيضاً البنك المركزي البريطاني الذي يتحوط لاحتمال خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، ما وضعه في موقف الداعم لتراجع الجنيه تلقائيا. وقد لا تتاح فرصة أفضل من هذه الفرصة خاصة مع بلوغ العجز في الموازنة نسبة 7% من الناتج الإجمالي المحلي. ونظراً للتراجع غير المدروس للجنيه فإن مصطلح التخفيض المتعمد لا ينطبق على بريطانيا.

وقد تسبب التغيير تكتيك حرب العملات بوضع اليابان ومنطقة اليورو في موقع لا تحسد عليه. فقد كان خفض العملة أهم أدوات سياستهم النقدية التي باتت بلا جدوى. كما أن قدرة البنك المركزي الياباني ونظيره الأوروبي على رفع معدلات التضخم تضاءلت عن ذي قبل. وهذا واقع يؤثر في العالم كله. ففي الوقت الذي كان ينظر إلى تخفيض العملة تقليدياً على أنه إجراء لإغاظة المنافسين، صار عنصراً إيجابياً في حال ساعد على تجنيب الاقتصاد العالمي مخاطر الانكماش.

والأمل المتبقي لنا هو أن يبرهن الاقتصاد الأمريكي على أنه أقوى أداء مما تكهنت به جانيت يلين، واحتمالات تناغم السياسات النقدية العالمية من جديد والتأكد من أن حرب العملات كانت ضرورية لدفع معدلات أسعار الفائدة والعائد على السندات إلى النطاق السلبي.

ولعل هذا يؤثر في النظام المصرفي الأوروبي الذي بلغت أرباحه درجة من الهشاشة غير مسبوقة.

  كلمات مفتاحية

الركود الاقتصادي حرب العملات أسواق الأسهم العالمية البنوك المركزية أسعار الفائدة

«صندوق النقد»: خطط الإصلاح الاقتصادي لدول الخليج مشجعة

مجموعة العشرين تحذر من هبوط أكثر للاقتصاد العالمي

«هافينغتون بوست» ترصد 4 تداعيات لانخفاض أسعار النفط عالميا

استمرار نمو الديون الحكومية العالمية في 2016

خفض توقعات النمو في السعودية ودول الخليج لكن المنطقة ستتجنب الركود

«جيوبوليتكال فيوتشرز»: ركود الاقتصاد السعودي يهدد الأسواق العالمية