لعبة النفوذ عبر الطاقة .. لماذا تكثف روسيا شراكاتها النووية في الشرق الأوسط؟

السبت 21 مايو 2016 10:05 ص

منذ بضع سنوات، أخذت آفاق الطاقة النووية في الشرق الأوسط في الانخفاض. جعل عدم الاستقرار السياسي الاستثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية النووية المدنية محفوفة بالمخاطر. بالنسبة لأحد هذه النماذج، كانت مصر في المراحل الأخيرة لدراسة مجموعة عروض لإنشاء مفاعل نووي عندما بدأت الثورة الشعبية في عام 2011. تمت تنحية هذه الخطط فيما بعد على الأرفف من قبل الحكومات الانتقالية المتعاقبة. وتسبب انهيار فوكوشيما في اليابان في 2011 في اهتزاز ثقة الجمهور في جميع أنحاء العالم في سلامة الطاقة النووية وأثار تساؤلات كبيرة حول مستقبل هذه الصناعة. ولكن الآن، على الأقل في الشرق الأوسط، يبدو أن الطاقة النووية آخذة في العودة. في أبريل/نيسان أعلنت شركة «روساتوم» النووية التابعة للدولة في روسيا قيامها بافتتاح مكتب لها في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة. ومن المنتظر أن يعمل هذا المكتب على الإشراف على العديد من مشاريع الطاقة النووية في مصر وإيران والأردن وتركيا. ومن المأمول أن هذا الوجود الإقليمي الروسي سوف يفتح آفاقا جديدة للصناعة النووية في المنطقة.

ويأتي مكتب «روساتوم» الجديد في الوقت المناسب تماما. الشرق الأوسط الآن أصبح موطنا لأكبر عدد من القادمين إلى المجال النووي في العالم مع ستة بلدان على الأقل في المنطقة تنشط باتجاه الحصول على الطاقة النووية. في عام 2011، أصبحت إيران هي الدولة الأولى في المنطقة التي تقوم بتشغيل مفاعل نووي. وتشمل خطط طهران على المدى الطويل التوسع الطموح لقدرتها في مجال الطاقة النووية عبر إنشاء ثمانية مفاعلات إضافية وهو ما تتغاضى عنه صفقة إيران الأخيرة.

من جانبهما، بدأت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة جهودهما لتطوير الطاقة النووية في عامي 2010 و2009 على التوالي. ويأتي تحرك كلا البلدين نتيجة دوافع تنويع الاقتصاد ومصادر الطاقة إضافة إلى رغبتهما في الحصول على الطاقة النووية في سياق التنافس الجيوسياسي مع إيران.

لدى المملكة العربية السعودية الخطط النووية الأكثر طموحا حيث أعلنت أنها تهدف إلى بناء 16 مفاعلا نوويا يدخل الأول منها إلى الخدمة بحلول عام 2032. في حين أن المفاعل النووي الأول في الإمارات قيد الإنشاء مع تاريخ انتهاء متوقع في عام 2017. قامت مصر بدورها بإحياء خططها في بناء سلسلة من مفاعلات الطاقة النووية في الضبعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وقد لحقت كل من تركيا والأردن بالركب، وقد شرعتا في بناء مفاعلات للطاقة النووية بتشغيل روسي ينتظر أن تكون جاهزة عامي 2020 و2025 على التوالي.

ونتيجة لهذه الجهود المتلاحقة فإن حكومات الشرق الأوسط قد صارت على اطلاع على مزودي التكنولوجيا النووية، وأفضل الممارسات التنظيمية وفرص التدريب في المجال. على مدى السنوات القليلة الماضية، تم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون النووي بين الحكومات الإقليمية وموردين محتملين تزايدت بشكل مضطرد. كانت البلد الأكثر استفادة من هذه العقود هي روسيا التي اتبعت استراتيجية تصدير فريدة وخطط انتشار طموحة في جميع أنحاء المنطقة.

ولكن في الوقت الذي تتطلع فيه المنطقة إلى مستقبلها النووي، فإن السوق النووي العالمي يشهد تحولا كبيرا. تقوم كل من الصين والهند وروسيا بضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية النووية المحلية. بكين الآن في المراحل المبكرة من وضع استراتيجية لتصدير تقنيتها الأصلية. من ناحية أخرى، تسعى روسيا لتوسيع أنشطتها النووية من خلال تصدير قدراتها. نموذج الأعمال في روسيا يتمتع بجاذبية فريدة لحكومات الشرق الأوسط. «روساتوم» على استعداد لبناء وتملك وتشغيل المفاعلات النووية، وبيع الكهرباء التي تولد مرة أخرى إلى البلاد بأسعار مضمونة. وقد وعدت روسيا أيضا بتوفير فرص التدريب والتعليم في مجال التكنولوجيا النووية للسكان المحليين، والتي سوف تساعد على خلق فرص العمل.

هذا النموذج له فوائد واضحة لكلا الجانبين. من ناحية، فإن الشركاء النوويين لروسيا يحصلون على عروض مستدامة من الطاقة الكهربية الصديقة للبيئة إضافة إلى تجنب بعض التكاليف المباشرة المرتفعة للإنشاءات التي كانت تحول بينهم وبين التوجه إلى الطاقة النووية في أوقات سابقة. وتأتي أرباح موسكو من بيع الكهرباء واستخدام سلاسل التوريد الروسية في عمليات الإنشاء والبناء وترسيخ العلاقات الاقتصادية الحيوية على المدى الطويل مع القوى في الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى ذلك، توفر هذه الصفقات لموسكو فرصة لإبراز نفسها باعتبارها شريك متقدم عمليا ما يساعدها على استعادة الدور الصناعي الذي كان يوم به الاتحاد السوفيتي في الجزائر، مصر، العراق، وليبيا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط إبان الحرب الباردة.

هذا لا يعني أن روسيا سوف تكون قادرة على بيع منتجاتها في كل مكان. هناك العديد من الدول التي تستطيع تحمل ثقل بناء بنية تحتية نووية. على سبيل المثال، فإن المملكة العربية السعودية لديها حوافز أقل لالتزام النموذج الروسي الحالي، نظرا لثروة البلاد الوفيرة. كما يمكن للسياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط أن تف كحجر عثرة أمام توسع هذه الأنشطة. الدعم السياسي والعسكري الروسي للرئيس السوري «بشار الأسد» تسبب في توتر علاقة بلاده مع تركيا ودول الخليج العربي. إسقاط طائرة مقاتلة روسية من قبل القوات التركية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015 أسهم في زيادة المخاوف بشأن تعطيل الاتفاق بشأن محطة «أكويو» النووية في جنوب تركيا. وعلى الرغم من أن ذلك لم يحدث حتى الآن فإن مصير المشروع لا يزال معلقا مع استمرار العلاقات السياسية بين البلدين في التدهور.

لعبة الطاقة الروسية هي لعبة ذات بعدين اقتصادي واستراتيجي على حد سواء. توفير وصيانة المفاعلات النووية وكذلك تنفيذ عقود المفاعلات له فوائد اقتصادية. تنمية العلاقات طويلة الأجل مع دول الشرق الأوسط يخدم أيضا أغراضا استراتيجية. لا يزال حجم النفوذ الذي تسعى موسكو إلى تحصيله في الشرق الأوسط عبر تصدير تقنياتها النووية أمرا غير معلوم. حققت روسيا بالفعل مكاسب كبيرة في السوق النووية في الشرق الأوسط، ويشير المركز الإقليمي الجديد لـ«روساتوم» أن موسكو ملتزمة تجاه الاستراتيجية النووية على المدى الطويل. ومع ذلك، فإن مدى إمكانية روسيا تعزيز مكاسبها وتوسيع حصتها في السوق يعتمد على أكثر من مجرد توفير التكنولوجيا والخدمات بأسعار معقولة. يجب أن تصبح روسيا شريكا نوويا ذا مصداقية وموثوق به على المدى الطويل خصوصا مع زيادة انخراطها في السياسة في الشرق الأوسط. بالنسبة لروسيا ودول المنطقة، يبقى أن نرى ما إذا كانت صفقات الطاقة يمكن أن تبقى منفصلة عن الإطار الأوسع للجغرافيا السياسية.

  كلمات مفتاحية

روسيا موسكو بوتين الطاقة النووية الطاقة شراكات نووية مصر السعودية الإمارات الأردن

تفاصيل قرض روسيا النووي لـ«السيسي»: فائدة 3% والسداد على 22 عاما

«السيسي» يوافق على قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار لإنشاء محطة نووية

السعودية.. جبهة جديدة في حرب سوق النفط الآسيوية ضد روسيا وإيران

وفد مصري يغادر إلى موسكو لاستكمال مشروع الضبعة النووي

«الإمارات للطاقة النووية» تبدأ بناء محطتها الرابعة في «براكة»

«الأردن» و«روسيا» يوقعان اتفاقية دعم إنشاء أول محطة نووية بالمملكة

30 اتفاقية نووية لروسيا بـ10 مليارات دولار منها بناء 16 مفاعلا للسعودية

موسكو تؤكد شراكتها الاستراتيجية مع الرياض وتبني 16 وحدة نووية بالسعودية