استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الفلوجة .. مدن المقاومة لا تباد

الثلاثاء 31 مايو 2016 06:05 ص

يقال بأن حصار مدينة الفلوجة، الواقعة على مبعدة 60 كيلومترا من بغداد، مستمر منذ عامين. يقال لنا، أيضا، أن من سيدخلها إنما يفعل ذلك إحسانا، لإنقاذها من قبضة منظمة إرهابية تدعى داعش، وأن قصفها، وتهديمها، وتهجير نسائها، وأطفالها، سيحررهم من الحصار والجوع والمرض.

هذه أكاذيب تستحق الرمي في حفرة التلفيقات التي ينتجها الساسة العراقيون ويعاد تدويرها إعلاميا. فهي تستند إلى منطق يماثل، في ابتذاله، ادعاء المحتل الصهيوني بأنه حين يستولي على أراضي الفلسطينيين إنما يفعل ذلك لانشاء مصانع سيستفيد الفلسطيني من العمل فيها.

الحقيقة هي أن الفلوجة، طالما كانت ولاتزال شوكة في خاصرة الغزاة وحكامه بالنيابة. حصارها ليس وليد اليوم أو العامين الأخيرين، وإعلان «تحريرها» شهده التاريخ مرات ومرات. ارتبط ادعاء تحريرها، دوما، برغبة الغزاة والحكام الفاشلين، بعدم قدرتهم على إخضاع أهلها الأباة.

تخبرنا سردية الغزاة، من مرتزقة أمريكيين وميليشيات إيرانية، بأنهم يحاربون تنظيم الدولة، وأن معقلها هو الفلوجة، ليحموا أمن البلد ومواطنيه مما ينفي، بالضرورة:

أولا، عن أهل الفلوجة حق المواطنة باعتبارهم إرهابيين ويشرعن ابادتهم.

ثانيا، مما يعيدنا إلى سردية المحتل البريطاني في أربعينيات القرن الماضي ومن بعده الأمريكي، الذي صرح بأنه إنما جاء محررا وليس محتلا. وتكرار خطاب كهذا يؤكد أن مفهوم «الاحتلال» لم يعد خارجيا فحسب.

الحقيقة هي، أيضا، أن الغزاة وحكامه بالنيابة يخشون الفلوجة لأنها، ببساطة، مدينة المقاومة التي رفض أهلها الخنوع حين قاوموا أكبر قوة عسكرية في العالم وأنزلوا بها الخسائرالفادحة. رفض أهلها أن يحنوا رؤوسهم ليلعقوا، كما فعل آخرون أحذية المحتل الخارجي.

ففلوجة المقاومة، التي حاول الغزاة إبادتها باليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض، وقصفها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بالبراميل المتفجرة، لا تحاصر وتقصف لأنها معقل للإرهاب وداعش. هل كان لداعش وجود في أربعينيات القرن الماضي حين قاوم أهل المدينة المحتل البريطاني، وحين ـراد الأمريكان فرض إرادتهم عليهم، فقاتلوها ودفع شبابها حياتهم ثمنا، لا دفاعا عن أنفسهم فقط بل عن ديمومة العراق وكرامته؟

تبين حملات التضليل التي تطبخها وتبثها حكومات الاحتلال المتعاقبة، بدءا من حكومة إياد علاوي (علماني) إلى نوري المالكي وحيدر العبادي (كلاهما من حزب الدعوة الإسلامي)، ان هناك سياسة منهجية لمسح الفلوجة وإبادة أهلها عن الوجود. فمن التصريحات الطائفية إلى الدعوات الصريحة للتخلص من أهلها الموصوفين حينا بأنهم كالسرطان الذي يستوجب التخلص منه إلى الحصار والتجويع والقصف بأنواعه. كل التصريحات تشير إلى أن هناك خوفا مزمنا من المدينة المقاومة إما لوقوفها صامدة أمام سياسة تغيير الهوية الوطنية العراقية أو لأنها تذكر الساسة الخانعين بعار استخذائهم، إذ قلما يوجد من يرغب ببقاء من يذكره بحقيقته، أو لأنها المدينة المتنافس عليها أمريكيا وإيرانيا، أو لكل هذه الأسباب مجتمعة.

مزق التدخل الإيراني الواضح في محاصرة وترويع أهل الفلوجة، غشاء التعمية الأخير الذي يتغلف به دعاة المقاومة والممانعة الإيرانية فضلا عن ادعاءات ساستها بأن وجود قاسم سليماني، القائد الفعلي لميليشيا ما يسمى بالحشد الشعبي، إنما تم بناء على طلب من الحكومة العراقية. أليس هذا هو بالضبط ما تدعيه أمريكا ؟ ولم لا تشمل الدعوات بقية الدول العربية والإسلامية؟

اليوم، يواجه أهل الفلوجة خطر المجاعة إن بقوا في مدينتهم وخطر القتل على أيدي ميليشيات الحشد إن حاولوا الفرار. الأفلام التي يبثها عسكر النظام والميليشيات الإيرانية بما تحويه من جرائم يفتخرون بها قتلا وقطع رؤوس وسحل جثث الشباب العارية، على مشارف الفلوجة، مؤهلة للفوز في مسابقة الجرائم الانسانية التي أسس لها المحتل الأمريكي والبريطاني.

أما الوضع الإنساني للمدنيين، فيلخصه مصطفى الطربولي، المتحدث باسمهم قائلا في رسالة صوتية أرسلها من داخل المدينة المحاصرة:

«نتعرض، الآن، لقصف المدفعية والراجمات وطائرات السوخوي المعروفة بأنها غير دقيقة. أطلق علينا 2000 صاروخ، خلال الأيام الأخيرة، مما أدى إلى تدمير البيوت على ساكنيها. لم نعد نتمكن من سحب القتلى تحت الأنقاض.. لا نستطيع إيصال الجرحى إلى المستشفيات. الأطباء في مستشفى الفلوجة، يجرون العمليات بلا مخدر. نعاني من نقص الأدوية والطعام. لا ماء ولا كهرباء. حين تم إرسال بعض المساعدات إلينا استولت عليها قوات الحشد».

ويناشد الطربولي العالم بالانتباه إلى مأساة المدنيين في الفلوجة، إلى إيقاف القصف الهمجي وإيصال المساعدات. فكبار السن والاطفال بأمس الحاجة إلى الغذاء والماء والدواء.

لقد حاول الطائفيون، منذ تسلمهم الحكم، محو الهوية الوطنية للعراقيين وبكافة الطرق وتحت مختلف الذرائع. فمن تغيير أسماء الشوارع والمدن وتهديم النصب العامة المشتركة للجميع إلى محاولة محو الذاكرة الجماعية للشعب عبر إدعاء امتلاك الرموز الدينية وإقامة الشعائر وتحديد أيام الاحتفالات الرسمية.

ومن إقصاء الناس وتهميش وجودهم إلى إجبارهم على النزوح للاستيلاء على مساكنهم وتغيير ملامح المجتمع المشتركة. ومن تغيير أسماء الاشخاص إلى القصف والحصار والتجويع.

هناك، الآن، في الفلوجة 50 ألف مواطن محاصر من قبل نظام طائفي لا يعرف أي لغة غير التدمير وستر فساده عبر تحقيق انتصار وهمي، متعاميا عن حقيقة ان الشعوب لا تجتث والمدن الحية لا تباد.

فحين حاصر جنود روما مدينة قرطاج مدة 3 سنوات، نجحوا في دخولها وتدميرها تدميراً شاملاً. ذبحوا معظم المدنيين ثم حرقوا كل ما تبقى في المدينة، هدموا جدرانها ثم حرثوا الأرض بالملح لكي لا ينمو فيها أي نبات بعد ذلك ولا يسكنها أحد. إلا أنها، كما هي هيروشيما التي أراد الأمريكان مسحها بالقنبلة الذرية، نهضت من جديد.

٭ د. هيفاء زنـﮔنة كاتبة من العراق.

  كلمات مفتاحية

العراق الفلوجة المقاومة الإرهاب الدولة الإسلامية الاحتلال الأمريكي الميليشيات الإيرانية المالكي

مأساة الفلوجة وملهاتها

الفلوجة بين القصف الأمريكي والقصف الطائفي

فارون من الفلوجة: الجدران مفخخة ولا طعام أو شراب أو دواء

الموت القادم إلى الفلوجة

خبراء: معركة الفلوجة ستؤدي إلى دمار شامل وشروخات كبيرة في العراق

كيف يمكن أن تضر هزيمة «الدولة الإسلامية» في الفلوجة بمستقبل العراق؟