كيف يمكن أن تضر هزيمة «الدولة الإسلامية» في الفلوجة بمستقبل العراق؟

الأربعاء 1 يونيو 2016 12:06 م

ربما كان بإمكان العراق أخيرا تحويل الزاوية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». لكنه يواجه مخاطر مرتفعة على صعيد مستقبل البلاد المقسمة.

ويشن الجيش العراقي والميليشيات المتحالفة معه في الوقت الراهن قتالا عنيفا على حواف مدينة الفلوجة في محاولة لاستعادة المدينة من مسلحي تنظيم «الدولة الإسلامية». ويعد هذا الهجوم اختبارا حاسما للقوات المسلحة العراقية المتباينة في حربها الأوسع نطاقا ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي سيطر على جزء كبير من البلاد في منتصف عام 2014. بدعم من القوات الجوية التى تقودها الولايات المتحدة، فإن الجيش العراقي والمليشيات ذات الغالبية الشيعية المعروفة باسم وحدات الحشد الشعبي تواجه مقاومة شرسة من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» في الفلوجة. وقد شن التنظيم هجوما مضادا يوم أمس الثلاثاء مستخدما 6 سيارات مفخخة وهو تكتيك يستخدمه مقاتلو «الدولة الإسلامية» في العراق حين يتم وضعهم تحت ضغط من قبل القوى المنافسة.

ومع بداية القتال، فإنه لا يزال هناك أكثر من 50 ألفا من المدنيين المحاضرين في مدينة الفلوجة ما يقرب من 40 ميلا غرب بغداد. وجود المدنيين يخلق تحديا آخر للقوات الموالية للحكومة في الوقت الذي تلقي فيه بثقلها على المدينة. وفي الوقت الذي تواصل فيه «الدولة الإسلامية »بشكل يومي فقدان الأراضي في كل من العراق وسوريا يقول محللون إن المسلحين قد يحولون تكتيكاتهم لزيادة التكاليف البشرية لأي انتصار عسكري للقوات الحكومية.

«هذا السيناريو يبدو مخيفا» وفق ما يؤكده «بول سالم» نائب رئيس معهد الشرق الأوسط لشؤون السياسات والأبحاث في واشنطن. ويضيف: «إنه نوع من التمحور حول استراتيجية لجعل التكاليف الإنسانية في أعلى معدلاتها كنوع من الانتقام. لا أعتقد أنهم يتوقعون الفوز، ولكن إذا كان بإمكانهم أخذ عشرات الآلاف من المدنيين معهم فإن هذا سيجعل الجميع يتوقفون قبل التفكير في شن عمليات مماثلة في الموصل أو أي أماكن أخرى».

الموصل، في شمال العراق، هي أكبر مدينة لا تزال تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتبقى هي الجائزة الاستراتيجية الأكثر أهمية في الحرب الشاملة ضد التنظيم. وكانت الحكومة قد أعلنت عملية لاستعادة المدينة من التنظيم في مارس/أذار الماضي، ولكن الحملة سارت بوتيرة بسيطة مع ادعاء الميليشيات السيطرة على القرى الصغيرة جنوب المدينة واحدة تلو الأخرى. الموصل، تقع على مسافة بعيدة في الشمال، وينظر إليها على أنها تهديد أقل عجلة في بغداد. الفلوجة، من ناحية أخرى، تشغل حيزا كبير في وجدان الشعب العراقي الذي يخشى من وجود أحد معاقل الجهاديين على بعد ساعة واحد بالسيارة من العاصمة.

وقد قامت القوات الموالية للحكومة العراقية بقطع خطوط الإمداد إلى الفلوجة في شهر فبراير/شباط ووضع المدينة تحت الحصار وإجبار الآلاف من المدنيين العراقيين المحاصرين على الدخول في مجاعة. وفي الوقت الراهن فإن المعركة في المدينة لا تزال جارية بينما يقوم هؤلاء المدنيون بمحاولات يائسة للفرار. «الناس لا يأخذون الطرق العادية للخروج نظرا لأن هذه الطرق يتم التحكم بها من قبل المقاتلين وهناك مخاطر أكبر من أن يتم اعتراضها»، وفقا لـ«ديانا الطحاوي» الباحثة العراقية في منظمة العفو الدولية. «ولذلك فإن الناس عادة ما يغادرون في منتصف الليل».

في الوقت الذي يتعين فيه على الجيش العراقي والمليشيات ذات الأغلبية الشيعية الاستيلاء على مدينة الفلوجة، فإنها سوف تواجه مهمة أكثر صعوبة في كسب ثقة الأقلية السنية التي تحمل شكوكا متنامية تجاه الحكومة المركزية في بغداد تراكمت خلال السنوات التي تلت الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 وسقوط نظام «صدام حسين»، الحاكم السني. خلال عملية إعادة ترتيب النظام العراقي التي تلت ذلك، خسر السنة موقف الهيمنة الاجتماعية النسبية التي تمتعوا بها في عهد «صدام»، وفشلت الحكومات العراقية المتعاقبة في دمج السنة وإشراكهم في العملية السياسية. الاستياء الذي تشعر به قطاعات واسعة من الجمهور السني هو واحد من الظروف التي مكنت «الدولة الإسلامية» من السيطرة بسهولة على المراكز السكانية مثل الفلوجة والموصل في عام 2014.

وعلى مدار تاريخها، كانت الفلوجة قاعدة للتمرد ضد السلطات في بغداد سواء أكانت أمريكية أو عراقية. وكانت المدينة معقلا رئيسيا للمتمردين ضد الاحتلال العسكري الأمريكي بعد عام 2003. وقد نجحت القوات الأمريكية في استعادة المدينة بعد أن خاضت سلسلة من المعارك الأعنف على مدى الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق، مع مقتل 95 جنديا أميركيا على الأقل.

كانت الفلوجة أيضا بؤرة الاحتجاجات التي يقودها السنة ضد حكومة بغداد بدءا من عام 2012. وكانت شرارة هذه الاحتجاجات هي عملية إلقاء القبض على الحراس الشخصيين لوزير المالية السني في العراق «رافع العيساوي». وقد طالبت الاحتجاجات بمعالجة المظالم التي تتراوح من الفساد الحكومي إلى الانتهاكات السياسية المثيرة للجدل تحت شعار اجتثاث البعث ومطاردة بقايا نظام «صدام حسين». وقد أسهم رئيس الوزراء «نوري المالكي» في تعميق أزمة مشاركة السنة في المؤسسات العراقية مما أثار صعود الجماعات المتمردة بما في ذلك «الدولة الإسلامية».

وقد كانت الميليشيات الشيعية المعروفة باسم وحدات الحشد الشعبي مدعاة للقلق بشكل خاص في الفلوجة. بدعم من إيران، القوة الشيعية المهيمنة في الشرق الأوسط، شأت الميليشيات ذات الغالبية الشيعية في عام 2014 ردا على انهيار الجيش العراقي في المواجهات مع الدولة الإسلامية في جميع أنحاء البلاد. وقد أرسلت إيران «قاسم سليماني»، قائد وحدة النخبة في الحرس الثوري الإيراني، للمساعدة في مراقبة المعركة في الفلوجة. ومع كونه شخصية قوية في السياسة الخارجية الإيرانية، ففي السنوات الأخيرة، ساعد «سليماني» نظام «بشار الأسد» في جهوده لإنهاء التمرد في سوريا كما كان شخصية محورية في معركة النظام العراقي ضد «الدولة الإسلامية».

يشعر النقاد بالقلق من أن إرسال ميليشيات شيعية إلى الفلوجة سوف يكون وصفة لاندلاع العنف الطائفي. في أحد مقاطع الفيديو واسعة الانتشار ظهر «أوس الخفاجي»، زعيم ميليشيا أبو الفضل بن العباس ليصف الفلوجة باعتبارها معقلا للإرهاب. «لا يوجد وطنيون، لا يوجد أناس متدينون في الفلوجة. إنها فرصتنا لتطهير العراق من خلال القضاء على سرطان الفلوجة».

في محاولة على ما يبدو لإخماد الجو الطائفي، دعا آية الله العظمى «علي السيستاني»، الزعيم الديني الشيعي ، إلى ضبط النفس خلال معارك الأسبوع الماضي. كما نأى رئيس الوزراء «حيدر العبادي» بحكومته عن تصريحات «الخفاجي».

وعلى الرغم من كل تلك المحاولات، فإن الحملة الحالية لاستعادة الفلوجة تخاطر بتكرار نفس أخطاء الاحتلال الأمريكي والحكومات العراقية السابقة بالتركيز على الفوز في المعارك المباشرة على المدى القصير في الوقت الذي يتم فيه استعداء السنة على المدى الطويل. «هذه ليست مشكلة عسكرية» وفق ما يؤكده «ريناد منصور»، المحلل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. «ما تحتاجه حقا هو الشعب. 60 ألفا من المدنيين يقطنون في الفلوجة تحتاج إلى تقلبهم ضد الدولة الإسلامية».

  كلمات مفتاحية

العراق الفلوجة الدولة الإسلامية الحشد الشعبي الموصل التحالف الدولي الميليشيات الشيعية أهل السنة

القوات العراقية تفشل في اقتحام الفلوجة بعد 3 أيام من المواجهات

«يونيسيف»: 20 ألف طفل محاصرون في الفلوجة يواجهون خطر التجنيد القسري

الفلوجة .. مدن المقاومة لا تباد

مأساة الفلوجة وملهاتها

«الدولة الإسلامية» يسقط مروحية تابعة للجيش العراقي شمال غرب الفلوجة

«السيستاني» يدعو إلى حماية المدنيين خلال معركة الفلوجة

ظهور قائد القوات البرية للحرس الثوري بالفلوجة

«الجبوري» يكشف عن «انتهاكات» ارتكبتها القوات الأمنية ضد مدنيين بالفلوجة

لأول مرة.. حاملة طائرات أمريكية تستهدف «الدولة الإسلامية» من البحر المتوسط

الجعفري: «قاسم سليماني» يعمل «مستشارا عسكريا» في العراق

«رويترز»: شقوق تتكشف في خلافة الدولة الإسلامية الآخذة في التآكل