«و.س.جورنال»: الإقلاع عن النفط .. السعودية تبدأ العمل لكنّ التحديات هائلة

الخميس 2 يونيو 2016 12:06 م

قررت القيادة السعودية أن تخوض مسيرة التحدي لفطم المملكة عن اعتمادها على النفط. بينما يحاول «أحمد أمين» فقط إبقاء متجره للهواتف المحمولة قيد التشغيل. وقد استأجر السيد «أمين» عاملا أجنبيا لتشغيل المتجر قبل أربعة أشهر، لكن العامل قد ترك المملكة بعد أن أيقن أن جزءا رئيسا من الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة السعودية هي استبدال السعوديين بالعمال الأجانب.

«متجري مغلق الآن وأنا أخسر المال في كل يوم»، وفقا للسيد «أمين» الذي يمتلك عملا اليوم لكنه لا يستطيع تشغيله بنفسه.

الهدف السامي للقيادة السعودية والذي بدأ العمل عليه على مراحل منذ إعلان رؤية البلاد في أبريل/نيسان يبدو بعيدا كل البعد عن التحديات التي تواجهها الأعمال الصغيرة مثل عمل السيد «أمين». ولكنها في واقع الأمر فإنها تمثل جزءا من ذات التحدي الكبير المتمثل في تفكيك أكبر دولة بترولية في العالم.

الملك «سلمان بن عبد العزيز آل سعود»، وهو الثمانيني الذي سيكون الابن الأخير من أبناء مؤسس المملكة الحديثة الذي سيحكم البلاد، قد ركز قوة لا مثيل لها في يد نجله البالغ من العمر 30 عاما، الأمير «محمد بن سلمان»، الثاني في ترتيب ولاية العرش الذي يدير جميع السياسيات الاقتصادية المحلية وكذا السياسات العسكرية للبلاد. وقد أطلق الأمير «محمد» جهدا تاريخيا لإعادة تشكيل المملكة المحافظة بشكل عاجل.

«إن جيل الشباب يتحمل المسؤولية بشكل جدي»، وفق ما يؤكده «جان فرانسوا سيزناك»، وهو أستاذ في جامعة جورج تاون يقوم بدراسة اقتصادات دول الخليج العربية. ويضيف بالقول: «إنه ممثلهم».

يبدو التحدي هائلا. منذ اكتشاف النفط لأول مرة في عام 1938، تطورت المملكة إلى واحدة من البنيات الاقتصادية المثالية لعصر النفط. وقد شكلت مليارات البراميل من النفط الخام التي قامت المملكة بضخها وبيعها معالم سياسة المملكة واقتصادها، وحتى جوهرها الاجتماعي، بطريقة يبدو من الصعب التراجع عنها.

يتمتع المواطنون السعوديون بدعم كبير على البنزين والمياه والكهرباء. كما يتم دعم الإسكان وتحمل مسؤولية نفقات الرعاية الصحية من قبل الحكومة ناهيك عن التعليم الذي يشمل منح الدراسة الخارجية. لا يتم فرض أي ضرائب في البلاد وتعتمد الشركات على الطاقة الرخيصة وسهولة الوصول إلى العمالة الأجنبية الرخيصة.

وفي مقابل كل هذه الخدمات فإن العائلة المالكة في البلاد تتوقع أن يكون شعبها مطواعا في اتباع قيادته. لكن هذا العقد الاجتماعي يتم كسره الآن ولا يرجع ذلك فقط إلى تراجع أسعار النفط. 

يتسبب تغير التركيبة السكانية في سحق الدولة البترولية. وبحلول عام 2030، فإن عدد السعوديين فوق سن الـ15 عاما من المرجح أن يتزايد بمقدار 6 ملايين شخص بما يعني دفع أكثر من 4.5 مليون شخص جديد إلى سوق العمل وربما أكثر من ذلك إذا تزايد الإقبال النسائي وفقا لدراسة أعدتها مؤسسة «ماكينزي»، وهي مركز أبحاث مستقل وظفته الحكومة السعودية من أجل توجيه خطة الإصلاح الاقتصادي في البلاد.

هذا يعني مضاعفة عدد السكان البالغين ما يتطلب تمدد نظام الإعانات والدعم وصولا إلى نقطة الانهيار في الوقت الذي يتطلب توليد ما يقرب من ثلاثة أضعاف فرص العمل التي تم توليدها خلال ذروة طفرة النفط الأخيرة بين عامي 2003 و2013.

وردا على ذلك، فإن الحكومة تسعى لتنويع اقتصادها لتجاوز الاعتماد على صادرات النفط الخام. وتخطط القيادة السعودية الجديدة لخصخصة أجزاء من العديد من الشركات الحكومية بما في ذلك حصة تصل إلى 5٪ من شركة النفط العربية السعودية الهائلة المعروفة باسم «أرامكو». كما بدأ طرح مبدأ التوجه نحو المنتجات المكررة مثل البنزين والبتروكيماويات، وتطوير صناعة السياحة وبناء قاعدة للصناعات التحويلية.

مقاومة متوقعة

ومع الإعلان عن هذه الخطوط العريضة، فإن شرائح عديدة من المجتمع السعودي لا تخفي شعورها بعدم الارتياح. طبقة رجال الدين المحافظين في المملكة الذين طالما استفادوا من طوفان أموال النفط لدعم مكانتهم المتميزة في المجتمع السعودي يظهرون غضبهم بشأن جهود الحكومة لتوسيع مشاركة المرأة في العمل العام.

على جانب آخر فإن الشركات التي طالما اعتمدت على مدار سنوات على عقود استقدام العمالة الرخيصة من الخارج والمدخلات المدعومة حكوميا مثل الطاقة، تشعر بالخوف من المتطلبات الجديدة بإحلال العمالة السعودية والدخول في سوق عمل أكثر تنافسية.

حتى إن هناك أجزاء من العائلة المالكة مترامية الأطراف (أكثر من 5000 أمير) تشعر بالقلق مع تركيز الخطة على خلق اقتصاد قائم على السوق التنافسية لتحل محل العلاقات والمحسوبية التي كانت الدعائم الرئيسية للدولة البترولية. في الخريف الماضي، تم بث رسالتين من أمير سعودي مجهول الهوية أبدى خلالهما استياء العائلة من التغييرات الجديدة داعيا الملك إلى التنحي.

واحدة من التحديات الكبرى ليس فقط خلق المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص، ولكن أيضا إقناع المواطنين الشباب أن يقبلوا على مثل هذه الوظائف.

هذا مهم بشكل خاص، ولكنه صعب أيضا وبالأخص في مجالات مثل تجارة التجزئة. وقد تم شغل وظائف المبيعات والأعمال الفنية ووظائف الإدارة منخفضة الرتبة لفترة طويلة من قبل العمال الأجانب غير المكلفين والذين يبدون استعدادا للعمل لساعات طويلة. في الوقت الراهن، تسعى الحكومة السعودية للتخلص من هؤلاء العمال وإغراء المواطنين السعوديين ليحلوا محلهم.

وقد قررت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في مارس/أذار استبدال جميع العمال الأجانب العاملين في محلات تجارة وصيانة المحمول ليحل محلهم عمال سعوديون منذ بداية سبتمبر/أيلول. هذا القرار من شأنه أن يوفر أكثر من 20 ألف فرصة عمل للسكان المحليين.

ورغم إصرار الحكومة على تطبيق حملات «السعودة» في الماضي إلا أنها واجهت صعوبات كبيرة في هذا الصدد عندما حاولت إحلال السكان المحليين محل الأجانب في أسواق الخضروات ومحلات المجوهرات. منذ إعلان القرار، أطلقت الوزارة حملة إعلامية وطنية، كما قامت بتحويل بعض الحافلات إلى أفرع للمحمول وطافت أرجاء البلاد لتعزيز الخطة.

وبدلا من النوافذ فكانت كانت كل حافلة تحتوي على شاشتين تبثان أشرطة الفيديو الترويجية بينما كانت الحافلات تقف أمام محلات المحمول لتسجيل أسماء السعوديين الباحثين عن العمل. 

وقد أعلنت مؤسسة التدريب المهني السعودية في أواخر شهر مايو/أيار أنه قد تم تدريب 19084 من الرجال والنساء وهم على استعداد لشغل وظائف في المبيعات وخدمة العملاء والصيانة الأساسية للهواتف النقالة.

السيد «أمين»، صاحب متجر للهواتف المحمولة، لا يزال يشك في أن الحكومة سوف تكون قادرة على تدريب عدد كاف من الناس في الوقت المناسب لإنجاح الخطة ضمن المهلة المحددة من قبل الوزارة.

ويضيف بالقول: «إنها فوضى كبيرة جدا. عليهم أن يمنحونا عامين على الأقل للقيام بذلك. لقد تمت السيطرة على القطاع من قبل الأجانب لسنوات عديدة».

وقال إنه لن ينظر في افتتاح أي مشاريع أخرى في البلاد في حال استمرت الحكومة في فرض سياسات من هذا القبيل. وأكد بالقول: «سوف أقم بنقل أعمالي إلى دبي أو أي مكان آخر».

السعوديون الشباب وعلى مر السنين قد اكتسبوا سمعة أنهم يكرهون العمل اليدوي. لكن «عبد العزيز البوطي»، 23 عاما، والذي دخل مؤخرا البرنامج التدريبي، يؤكد إن الموقف قد تغير حيث أصبح سوق العمل أكثر تنافسية وتضاءلت التوقعات بشأن الدعم من قبل الحكومة.

«ما هو مهم هو قبولك أنت للوظيفة وليس ما يفكر فيه المجتمع»، مؤكدا أنه يجد متعة بالعمل مع الإلكترونيات والأدوات. النجاح سيأتي من مرونتك. إذا كنت تحب العمل فإنه لا شيء يمكن أن يوقفك».

أحد التدابير الأخرى المنتظرة هو أن السلطات قد تجبر منافذ البيع بالتجزئة على الإغلاق في تمام التاسعة مساء بدلا من الحادية عشرة أو منتصف الليل. ولكن هذا الاقتراح يسبب استقطابا حادا. ويقول مؤيدو الاقتراح أن من شأنه أن يجعل وظائف قطاع التجزئة أكثر جاذبية للسعوديين لأنه سيمسح له بإنهاء العمل في وقت مبكر والعودة إلى ديارهم لقضاء بعض الوقت مع أسرهم. معظم العمال الأجانب في مجال تجارة التجزئة الآن هم من المتزوجين، وإذا كانوا كذلك فإنهم لا يصطحبون أسرهم معهم إلى المملكة. وهؤلاء ليسوا قادرين على تبديل وظائفهم بسهولة، في الوقت الذي سيكون فيه الأمر أيسر حالا بالنسبة للسعوديين إذا جاءتهم عقود أفضل.

ويرى المعارضون أن تقليص ساعات العمل ليس أمرا عمليا في بلد يجبر جميع الشركات بالفعل على الإغلاق خمس مرات في اليوم من أجل الصلاة وحيث درجات الحرارة في كثير من الأحيان ما تكون مشتعلة أثناء ساعات النهار ما يجعل معظم الناس يفضلون التسوق وقضاء الحاجات أثناء الليل.

ويقول هؤلاء النقاد أنه إذا كانت الحكومة تريد إغلاق المتاجر قبل التاسعة فإن عليها ألا تجبرها على الإغلاق في أوقات الصلاة. ولكن ذلك سوف يثير حفيظة المتدينين المحافظين الذين يرون ذلك جزءا من الهوية الإسلامية للبلاد.

السياحة والصناعة

السياحة هي مجال آخر يحرص القادة عل تطويره كجزء من الخطة الجديدة. ولكنه يتطلب أيضا كفاحا من الحكومة في وجه المحافظة الدينية العميقة للمجتمع.

تستقبل مدينة مكة المقدسة عشرات الملايين من الزوار سنويا خلال موسم الحج. هذا يصب في مصلحة شركات البناء السعودية الضخمة التي تسيطر عليها العائلات القوية والتي تقوم ببناء الفنادق الفاخرة ومراكز التسوق الكبيرة.

ولا تزال المدن الإسلامية المقدسة خارج الحدود المسموح بها لغير المسلمين، على الرغم من أن بعض علماء الدين قد جادلوا مؤخرا بأن الحظر ينبغي أن يقتصر فقط على مكة المكرمة وليس المدينة المنورة. لا تزال المملكة تمتنع عن إصدار التأشيرات السياحية، كن الحكومة تقول إنها تعتزم البدء قريبا.

بعض المتحمسين للسياحة يبدون رغبتهم في تحويل البلاد إلى وجهة على مدار السنة من شأنها أن ترحب بالسياح من جميع أنحاء العالم والاستفادة من الكنوز الأثرية وممارسة الغوص. ولكن طبقة رجال الدين في البلاد كثيرا ما ضغطت لتدمير الآثار الإسلامية القديمة والمواقع التاريخية.

بعض سكان المدينة التجارية القديمة من مدينة جدة، وهي ميناء على البحر الأحمر، يحاولون تغيير ذلك. تم التخلي عن الحي التاريخي في المدينة إلى حد كبير من قبل السكان السعوديين الذين انتقلوا إلى ضواحي أكثر اتساعا بعد تدفق أموال النفط إلى البلاد خلال الستينيات والسبعينيات. هناك دعوات الآن لتنشيط المدينة القديمة مع مجموعة متنوعة من الجهود التي تدعمها الحكومة لاستعادة البيوت التاريخية. وهناك مشاريع من أجل ترميم المنازل القديمة المتداعية في الحي الذي صنفه اليونسكو ضمن مواقع التراث العالمي عام 2014.

ولكن التحدي الأكبر الذي يواجه المملكة البترولية يتمثل في آمالها في بناء قاعدة صناعية متنوعة. هذا أمر يصعب القيام به في ظل تسبب زيادة تدفقات الدولارات النفطية في رفع ثمن العمالة السعودية مما يجعل الصادرات الأخرى مكلفة للغاية على المنافسة في الأسواق الخارجية.

وقد كان سوق العمل المكتظ بالعمال الأجانب وسيلة لتجنب هذه المشكلة. ونجحت السعودية في بناء بعض الشركات التي نجحت في المنافسة على المستوى العالمي بعيدا عن النفط في والبتروكيماويات، مثل إنتاج الألومنيوم الذي اعتمد بشكل كبير على ميزة الطاقة الرخيصة التي توفرها الدولة.

هذا النموذج للأعمال الذي يتم دعمه من قبل الدولة يدور حول خلق الثروة لأصحاب الأعمال وليس إضافة قيمة اقتصادية، وفقا لـ«إياد الزهراني» مدير مركز الابتكار في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. «هذا لا يشجع الابتكار. نحن نعلم أن هذا النمط لا بد أن يتغير».

 

والآن فإن مركز الابتكار يرى نفسه فجأة في طليعة جدول الأعمال النشط للمملكة. افتتح المركز مؤخرا حاضنة للأعمال مع مساحة مفتوحة تحوي مجموعة من نماذج الأعمال الناشئة جنبا إلى جنب. ومع جدران مكتظة بالملصقات التي تحوي الكلمات التحفيزية للفلاسفة الصينيين ورواد أعمال وادي السيليكون.

وقد أقام المركز العديد من الروابط مع الشركات متعددة الجنسيات مثل شركة جنرال إلكتريك وشركة سينوبك الصينية للعمل معا على البحث العلمي وتطوير الأعمال. وقد أنتج العديد من براءات الاختراع إضافة إلى 90 منتجا جديدا تشمل عملية تنقية المياه والتي يتم استخدامها في بعض حقول النفط الصخري في الولايات المتحدة.

وقد سجلت الحكومة أحد انتصاراتها مؤخرا عندما أعلنت شركة جنرال إلكتريك أنها تعتزم استثمار ما لا يقل عن 1.4 مليار دولار ومضاعفة قوتها العاملة في المملكة إلى 4000 بحلول عام 2020.

والآن فإن حضانة الأعمال الجامعية تقوم بإصدار دراسات الحالة باللغة العربية، وتحاول الاستفادة من أصغر أعضاء بعض العائلات التجارية البارزة في المملكة.

«الأمر يتعلق بعقلية جديدة»، كما يؤكد «وائل موسى» رئيس الحاضنة، والمعروفة باسم معهد ريادة الأعمال.

  كلمات مفتاحية

السعودية البطالة الإصلاح الاقتصادي رؤية 2030 السياحة الصناعات التحويلية

«رؤية 2030» السعودية: تغييرات اقتصادية مهّدت لها تحولات سياسية

«صندوق النقد»: خطط الإصلاح الاقتصادي لدول الخليج مشجعة

«تليجراف»: «الابتكار» .. مستقبل الإمارات بعد نفاذ النفط

«بلومبيرغ»: لماذا تخشى السعودية المضي قدما نحو الإصلاح الاقتصادي؟

«السعودة» ليست حلا: البطالة تتفاقم في المملكة و3 ملايين عاطل سعودي خلال سنوات

«صندوق النقد»: إصلاحات خليجية مطلوبة للتعايش مع أسعار النفط المنخفضة