أمريكا تتخبط في إعادة بناء الجيش العراقي

السبت 4 يونيو 2016 06:06 ص

يعتقد مسؤولون أمريكيون من العسكريين والمدنيين الحاليين والسابقين أن المساعي التي بدأت منذ 17 شهرا لإعادة بناء الجيش النظامي العراقي وإعادة وحدته قد أخفقت في إنشاء عدد كبير من الوحدات القتالية الفعالة، أو الحد من قوة المجموعات الطائفية.

تأتي المخاوف بشأن نتائج المحاولة الأمريكية لتعزيز الجيش العراقي، بينما تشن القوات الحكومية العراقية ومجموعات شيعية هجوما لاستعادة مدينة الفلوجة، غربي العراق، من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية»، حسب تقرير لوكالة «رويترز» للأنباء.

وتخشى منظمات إنسانية أن تتسبب العملية في كارثة إنسانية بوجود نحو 50 ألف من المدنيين السنة محاصرين داخل المدينة المطوقة.

وقال مسؤولون عسكريون أمريكيون من السابقين والحاليين إن الضعف المتواصل في وحدات الجيش النظامي العراقي، والاعتماد على المجموعات الشيعية المسلحة المتحالفة معه قد يقوض جهودا أوسع نطاقا يقوم بها رئيس الوزراء، «حيدر العبادي»، لدحر «الدولة الإسلامية»، وكسب تأييد العراقيين السنة.

فالشقاق الطائفي بين الأغلبية الشيعية والأقلية السنية يهدد بتقسيم البلاد للأبد.

ويتفق المنتقدون على وجود بعض النجاحات العسكرية ويشيرون إلى انتصارات متواصلة تحققها القوات الخاصة العراقية، التي تلقت تدريبا أمريكيا، والتي بدأت تقاتل «الدولة الإسلامية» منذ عامين.

لكن الوجود العسكري الأمريكي وقوامه 4000 فرد فشل في تغيير مجرى السياسة العراقية، الذي يذكي صعود المجموعات الطائفية وينميها.

وقال الجنرال الأمريكي المتقاعد، «ميك بدناريك»، الذي قاد جهود تدريب الجيش العراقي بين عامي 2013 و2015، إن الجيش العراقي لم يطرأ عليه تحسن كبير في الأشهر الثمانية الماضية.

وحمل «بدناريك» المسؤولية لعدد من المشاكل من قلة عدد العراقيين الراغبين في الانضمام إلى رفض عدد من الضباط العراقيين الأدنى رتبة إرسال وحدات للحصول على تدريب أمريكي.

وقال: «قدرة الجيش العراقي لم تتحسن بقدر كبير لأسباب بينها التحدي المستمر المتمثل في التجنيد والبقاء. يقوم ضباطنا بتدريب من يحضرون، والمشكلة أننا لسنا واثقين من هوية من سيحضرون».

وقال ضابطان أمريكيان كبيران و«بدناريك» إن القوات الخاصة العراقية هي القوة الوحيدة التابعة للقوات الحكومية التي تعمل بلا طائفية، وهي الأكثر فعالية مع وجود استثناءات قليلة.

وعبر مسؤولون أمريكيون عن القلق من أن ينال الإجهاد من وحدات القوات الخاصة بعد نحو عامين من القتال المتواصل.

نفوذ الميليشيات

قال مسؤولون عسكريون أمريكيون إن وحدات الجيش النظامي العراقي في عموم البلاد تتابع من بعيد القوات الخاصة العراقية والمجموعات الشيعية، وهي تستعيد الأراضي من قبضة «الدولة الإسلامية».

ولطالما استفادت هذه المجموعات من فراغ السلطة الذي برز بعد هزائم «الدولة الإسلامية».

ويقول ضابط حالي بالجيش الأمريكي إن القيادي الشيعي «أبو مهدي المهندس» يهيمن على قيادة عمليات الجيش العراقي بمحافظة صلاح الدين.

وأكد ذلك مسؤول أمني عراقي وثلاثة مسؤولين عراقيين يراقبون الأوضاع بالمحافظة.

و«المهندس» قيادي بقوات «الحشد الشعبي» الشيعية شبه العسكرية.

وفرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عام 2009 بزعم ضلوعه في الهجوم على قوات أمريكية بالعراق.

وأدين غيابيا في محاكم كويتية على تفجيرات 1983 على السفارتين الأمريكية والفرنسية بالكويت.

وقال أربعة ضباط بالجيش الأمريكي بينهم حاليون وسابقون إن الفرقة الخامسة من الجيش العراقي في محافظة ديالى، شرقي البلاد، تعتبر تحت قيادة «منظمة بدر» الشيعية واسعة النفوذ، التي تربطها صلات قوية بـ«الحرس الثوري الإيراني».

وفي بغداد يقدر ضباط بالجيش الأمريكي أن عشرة إلى عشرين بالمئة من أصل 300 ضابط يديرون قيادة عمليات الجيش العراقي لهم ارتباط بـ«منظمة بدر» أو برجل الدين الشيعي «مقتدى الصدر».

ويقول مسؤول عسكري أمريكي كبير وثلاثة مسؤولين بالحكومة العراقية إن القوات الخاصة العراقية بعد أن نجحت بدعم من غارات أمريكية في استعادة مصفاة النفط الاستراتيجية في مدينة بيجي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نهب المقاتلون الشيعة جميع المعدات التي تم إنقاذها بالمصفاة.

وخلال العام المنصرم كافح ضباط بالجيش الأمريكي لضمان عدم حصول تلك المجموعات المسلحة على أسلحة أمريكية تسلم إلى مخزن السلاح الرئيسي بالجيش الأمريكي في التاجي وإلى كتيبة في منطقة الصقلاوية.

وقال ضابط أمريكي: «ننقل الأسلحة إلى وحدات في تلك المناطق وينتهي بها الحال بين أيدي المجموعات المسلحة إما بسبب قادة فاسدين أو عمليات سرقة».

لكن الضابط أشار إلى تشديد الرقابة وقلة عدد الحالات.

وقال: «لا يمكن القضاء على ذلك تماما... إذا تحدثنا بواقعية».

«جـهة رسـمـية»

قالت الحكومة العراقية وقادة بارزون بالمجموعات شبه العسكرية إن التقارير التي تتحدث عن سوء التدريب وهيمنة الفصائل الشيعية في الجيش لا أصل لها من الصحة.

وقالوا إن المجموعات المسلحة تنفذ أوامر رئيس الوزراء وقادة جيشه.

ووصف المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية، العميد «يحيى رسول»، تلك المجموعات بأنها «جهة رسمية متصلة بمكتب رئيس أركان القوات المسلحة».

 وقال إنهم لا يتلقون أوامر إلا من المسؤولين الحكوميين، و«يلعبون دورا كبيرا في دعم قوات الجيش والشرطة الاتحادية».

ويتولى «محمد البياتي»، وزير حقوق الإنسان السابق والقيادي البارز بـ«منظمة بدر»، قيادة القوات في محافظة صلاح الدين.

وقال إن المجموعات الشيعية تخضع لسيطرة الجيش والشرطة وتسلسل القيادة العسكري النظامي.

وأضاف أن أي تقارير عن قيام هذه المجموعات بالعمل من تلقاء نفسها كاذبة.

وتابع: «كنت في قيادة عمليات صلاح الدين أمس. كل الأوامر تأتي من الشرطة وقيادة الجيش. المجموعات المسلحة تدعم الجيش والشرطة».

وقال «أحمد الأسدي»، المتحدث باسم قوات «الحشد الشعبي»، إن القوات الشيعية لم ترتكب عمليات سرقة في مصفاة بيجي.

وأضاف: «أنفي كليا مثل هذه المزاعم».

وتابع أن الدولة الإسلامية سرقت المعدات ودمرتها.

ولم يرد مكتب رئيس الوزراء «العبادي» ولا السفارة العراقية في واشنطن على طلبات للتعليق.

مخـاوف أمريـكـية

لكن مسؤولين حاليين وسابقين بالجيش الأمريكي وزعماء سنة بالمنطقة يقولون إن المجموعات المسلحة لا تزال تستغل الفراغ الذي برز في مناطق تسكنها أغلبية سنية بعد الهزائم التي تعرضت لها «الدولة الإسلامية».

وفي غياب وحدات قوية من الجيش النظامي لا تزال المجموعات المسلحة هي اللاعب الأبرز.

وقال «نورمان ريكليفز»، المستشار الحكومي الأمريكي السابق لوزارتي الداخلية والدفاع العراقيتين، إن الدولة لم تنجح في ملء الفراغ في معظم المناطق التي تمت استعادتها من «الدولة الإسلامية».

وأصاف أن المجموعات المسلحة حاليا في أوج قواتها منذ هزمتها القوات الحكومية العراقية في سلسلة من المعارك في عموم العراق في 2008.

ويزور «ريكليفز» العراق بانتظام، ولا يزال على صلة بجهاز الأمن العراقي، وبسياسيين من السنة والشيعة.

وقال الرجل: «في المدن التي تشغلها المجموعات المسلحة كسامراء وتكريت وفي أجزاء مهمة من شرق العراق.. فإنها تشكل أهم قوة هناك. للمرة الأولى منذ 2008  فقدت الحكومة السيطرة على أجزاء كبيرة من المدن لصالح المجموعات المسلحة».

وقال مسؤول عسكري أمريكي بارز إن الانتكاسات تثير تساؤلات بشأن استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي، «باراك أوباما»، في العراق.

وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن أي جهود للتدريب العسكري ستفشل إلى أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطا أكبر على القادة السياسيين الشيعة والسنة لإبرام اتفاق حقيقي لتقاسم السلطة.

وتابع: «نحتاج للإسراع في جهود المصالحة ليشعر السنة أنهم جزء من الحكومة. هل تركيزنا على ذلك بأي طريقة كانت؟».

وقال مسؤولون في إدارة «أوباما» إن الاستراتيجية الأمريكية نجحت، وإن القوات العراقية تتطور تدريجيا بدعم أمريكي.

ويقول مسؤولون أمريكيون وعراقيون إن مستشارين أمريكيين ساعدوا في تدريب وحدات حالية، وإنشاء قطاعين جديدين بالجيش العراقي، وتحقق ذلك رغم نقص التمويل الذي يعانيه العراق واللازم لتجنيد عناصر جديدة، وقلة عدد المتطوعين من العراقيين الشيعة.

لكن مسؤولين أمريكيين، بينهم مسؤول مدني ومسؤول سابق وجنرال سابق وثلاثة من المسؤولين العسكريين الحاليين، يقولون إن التحسن طفيف في الاستعداد القتالي للجيش العراقي بشكل عام.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قدر مسؤولون عسكريون أمريكيون أن خمسة فقط من قطاعات الجيش العراقي هي المستعدة للقتال واعتبروها مستعدة بنسبة 60 إلى 65 بالمئة فقط.

ويقول المسؤولون إن تلك الأرقام لم تزد اليوم إلا بهامش قليل.

«نصيب الأسـد»

وقال المتحدث باسم الجيش الأمريكي في العراق، الكولونيل «كريس جارفر»، إن القوات الأمريكية رغم الصعوبات ترى أن وحدات الجيش العراقي تتحسن بعد التدريب.

وأشار، أيضا، إلى تقدم كتائب الجيش في مناطق حول الفلوجة كمؤشرات على النجاح.

لكن «جارفر» أقر بأن نصيب الأسد من الهجمات العسكرية تقوم بها القوات الخاصة، وبأن عامين من القتال قد نالا من جنود قوات النخبة تلك.

وقال: «اعتمدت الحكومة العراقية بشدة على قوات العمليات الخاصة، وهناك قلق حقيقي من أن يصيب الإجهاد تلك القوات ويؤثر على فعاليتها القتالية».

وأضاف أن الجيش النظامي العراقي لا يزال يسعى جاهدا إلى زيادة عدد قواته.

وتابع: «أصبح التجنيد والتمويل تحديين حقيقيين لحكومة العراق. إنهما مشكلتان ينبغي على الحكومة العراقية التعامل معهما»"

ورفض العميد «رسول»، المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية، أي إشارة إلى أن الجيش العراقي ليس ندا للقوات الخاصة العراقية.

وقال: «لدينا قوات تمكنت من استعادة أراض من داعش (الدولة الإسلامية). بعد سقوط الموصل أعادت القيادة المشتركة بوزارة الدفاع تجهيز قوات الأمن العراقية وتدريبها.»

واعتبر المسؤولون الأمريكيون السابقون والحاليون أن هجوم الفلوجة يكشف مرة أخرى ضعف وحدات الجيش النظامي.

وقال «ريكليفز»: «لا يبدو أن الجيش النظامي قد بني مرة أخرى... إنه أمر يدعو للرثاء حقا».

 

المصدر | الخليج الجديد + رويترز

  كلمات مفتاحية

العراق أمريكا الجيش العراقي إعادة بناء الميليشيات الطائفية حيدر العبادي

«الحشد الشعبي» قوة أكبر من الجيش العراقي على خطى الحرس الثوري الإيراني

«العبادي» يقرر تسريح 30% من أفراد مليشيات «الحشد الشعبي»

اتفاق بين القاهرة وبغداد على تدريب أفراد من الجيش العراقي في مصر

جنود فرنسيون يدربون الجيش العراقي في قاعدة عسكرية بالإمارات

تنامي الصراع بين «الحشد الشعبي» والجيش العراقي وتهديدات بانقلاب

هل يبقى العراق موحدا؟