"تحرير" الفلوجة، أو على الأقل مركزها وأجزاء رئيسية منها، من هيمنة «الدواعش» هو نصر مهم للعراق ولجهود محاربة الإرهاب في المنطقة، قدمت فيه تضحيات كبيرة وجليلة كي تستعيد المدينة حريتها من القبضة الداعشية المرعبة.
أي شبر من الأرض يتحرر من هيمنة هؤلاء ونظرائهم في العراق وسوريا وليبيا، وأي بلد آخر هو نصر جدير بأن يُثمن، فما بالنا بتحرير مدينة في أهمية مدينة الفلوجة الواقعة على الطريق الدولي إلى العاصمة بغداد؟
لكن على هذا النصر أن يستكمل، ليس فقط باستكمال تطهير المدينة من جيوب «داعش» المتبقية، التي يقال، إنها من أشرس الجيوب، كونها تضم مجموعات من الانتحاريين، وإنما أيضاً، وهذا هو الأساس، بتحويل النصر إلى نصر سياسي.
سيتم ذلك إذا جرت الاستفادة من تجارب تحرير مدن ومناطق أخرى في العراق، التي دار بعدها حديث عن تجاوزات حدثت تجاه المدنيين بعد هزيمة الدواعش، وبمعالجة جذور العوامل التي أدت إلى توفير نوع من «الحواضن» الشعبية لـ«داعش»، ليس حباً فيها، أو رغبة في بقائها، وإنما تعبير عن الغضب مما لحق بمناطق وبشرائح واسعة من العراقيين من تهميش وغبن بعد الاحتلال الأمريكي حتى اليوم.
أدى حل الجيش العراقي الذي كان من أكبر جيوش المنطقة وتجاوزات المحتلين الأمريكان في تلك المناطق التي شهدت مقاومة لوجودهم إلى حال من الاستياء الواسع، عبر عن نفسه في صور شتى، خاصة مع عجز الدولة العراقية بعد الاحتلال في استيعاب كافة مكونات المجتمع في العملية السياسية، والإمعان في لعبة المحاصصة الطائفية البغيضة التي جرت معها كوارث عدة.
ليس أقل هذه الكوارث أهمية ذلك الفساد المستشري في مفاصل الحكم، ونشوء شرائح منتفعة من وجودها في السلطة أو قربها منها، خلقت حالاً من الاسترخاء واللامبالاة تجاه أمن البلاد ووحدتها، استغلتها «داعش» لبسط هيمنتها على محافظات رئيسية في العراق دون مواجهة تذكر، وهو أمر كان بالإمكان منعه لو وجد الأداء السياسي الرشيد، واليقظة الضرورية، ما كان سيوفر على العراق والعراقيين والمنطقة كلها التضحيات المهولة المستمرة حتى اللحظة.
تحرير الفلوجة نصر مفصلي، لكن معركة الدولة العراقية مع الإرهاب ما تزال طويلة، ولعل تحرير الموصل وكامل محافظة نينوى في مقدمة أولويات ذلك، ويظل تحقيق المصالحة الوطنية بين العراقيين، من كافة المكونات، على أسس التمسك بوحدة أراضي العراق وسيادته وكرامة كافة أبنائه، شروطاً ضرورية ليس لإحراز النصر العسكري فقط، وإنما لصون هذا النصر من المخاطر الكثيرة التي ستظل تتهدده، إن لم تسد النظرة السياسية الرشيدة في إدارة الدولة.
* د. حـسـن مـدن كاتب بحريني
