مركز حقوقي يطالب الإمارات بفتح تحقيق سريع في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة

الاثنين 27 يونيو 2016 04:06 ص

تفاقمت بدولة الإمارات العربية المتحدة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان ولحرياته الأساسية المكفولة بمقتضى العهود الدولية والإعلانات الحقوقية وزادت الملاحقات والمحاكمات للمعارضين والناشطين الحقوقيين بعد موجة الثورات العربية والتي شكّلت «الربيع العربي».

وتعمّدت دولة الإمارات العربية المتحدة محاكمة المعارضين والناشطين الحقوقيين بتهم ملفقة وبجرائم مفتوحة ومبهمة وبموجب قوانين فضفاضة تنقصها الدقة المفروضة في القوانين وخاصة الزجرية منها.

وبادرت دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال مواد دستورها إلى حظر التعذيب وتخصيص مواد دستورية من أجل حماية الحرمة الجسدية والأدبيّة فلقد منعت مثلا ضمن المادة 26 من الدستور أن «يعرّض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة » كما حجّرت المادة 28 من الدستور:«إيذاء المتهم جسمانيا أو معنويا».

إلا أن دسترة حظر التعذيب والمعاملة الحاطة من الكرامة وتجريم إيذاء المتهم جسمانيا ومعنويا لم يحثّ سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة على التبكير بالانضمام إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1984 بل نجدها وقد تأخّرت كثيرا فلم تصبح دولة الإمارات العربية المتحدة عضوة في اتفاقية التعذيب إلاّ في 19 يوليو/تموز 2012 غير أنّ الإمارات ترفض إلى حدّ هذا التاريخ الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الخاص باتفاقية مناهضة التعذيب .

واختارت الإمارات عدم الانضمام إلى البرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب حتى لا تجد نفسها ملزمة باستقبال اللجنة الفرعية لمنع التعذيب للتحقيق حول شكاوى التعذيب وإساءة المعاملة وحتى لا تكون ملزمة وطبقا للمادة 17 بتركيز آلية وطنية للوقاية من التعذيب في غضون فترة أقصاها سنة من تاريخ الإنضمام.

ورغم مصادقة دولة الإمارات العربية المتحدة على اتفاقية مناهضة التعذيب منذ 19 يوليو/تموز 2012 غير أنها لم تلتزم بأحكام الاتفاقية في سن قوانين متطابقة مع مقتضياتها ويتضح لنا جليا عدم التطابق في مستوى تعريف جريمة التعذيب.

واكتفت الإمارات بتجريم ومعاقبة كلّ موظف عام استعمل التعذيب أو القوّة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها أو لكتمان أمر من الأمور وذلك ضمن الفصل 242 من قانون العقوبات الإماراتي وهو ما يجعله تعريفا دون التعريف الذي تضمنته اتفاقية مناهضة التعذيب.

فلقد أكّدت المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب أنّه يقصد بالتعذيب: «أي عمل ينتج عنه ألم شديد أو عذاب شديد جسديا كان أم عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول منه على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنّه ارتكبههو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أي كان نوعه. أو يحرّض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرّف بصفته الرسمية».

التعذيب يستنطق والآلام تجيب

واجتمعت العهود الدولية والإعلانات الحقوقية على الحظر المطلق للتعذيب زمن الحرب وزمن السلم وأن لا استثناء لذلك وأنّ الحقّ في عدم التعرض للتعذيب حقّ راسخ في القانون الدولي.

ولقد أكّدت المادة 2 من اتفاقية مناهضة التعذيب أنّه «لا يجوز التذرع بأيّة ظروف استثنائية أيا كانت سواء أكانت هذه الظروف .. كمبرر للتعذيب».

وبلغت للمركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان معلومات متضافرة ومتواترة وذات مصداقية تفيد تعرّض المعتقلين من المعارضين والناشطين الحقوقيين في الإمارات إلى التعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة على أيدي جهاز أمن الدولة والقائمين على السجون.

فلقد سلّطت دولة الإمارات العربية المتحدة على المعتقلين ضمن قضية «الإمارات 5» وقضية «الإمارات 94 » وغيرها من القضايا التعذيب وسوء المعاملة وغير ذلك من الانتهاكات التي نالت من حقوقهم الأساسية بعد أن ادّعت عليهم باطلا بالسعي إلى قلب هيئة النظام وتهديد أمن الدولة وسلامتها بل وفيهم من اعتقلته سلطات الإمارات من أجل تغريدات على حسابه على التويتر.

وسبق للمركز أن كشف عن بعض أسماء الموظفين الذين يمارسون التعذيب ويسيئون معاملة المعتقلين من جهاز أمن الدولة ومن القائمين على السجون ومراكز الإيقاف.

أساليب التعذيب

ومن ضمن وسائل التعذيب وضروب إساءة المعاملة «الصعق بالكهرباء، الضرب بالعصيّ، التعليق، قلع الأظافر، نتف الشعر، رمي الحشرات، الغمر بالماء البارد أمام مروحة، وضع المعتقل في تابوت لساعات طويلة، الحبس الانفرادي في زنزانات شديدة الضيق ودون نوافذ، التهديد باستعمال الكرسي الكهربائي، مصادرة النظارات الطبية مما أضعف بصر المعتقلين، الحرمان من النوم، الحرمان من التعرض للشمس والهواء لأشهر، الوقوف على رجل واحدة أثناء التحقيق، إجلاس السجناء تحت الشمس لساعات طويلة، التعرية وتجريد المعتقلين من جميع ملابسهم، الشتم والسبّ والإهانة، منع المعتقلين من إقامة شعائرهم الدينية كالصيام التطوعي وصلاة الجماعة وصلاة الجمعة».

ولقد وثّقت رسائل خطيّة لمعتقلين من المعارضين والناشطين الحقوقيين قاموا بتسريبها إلى خارج المعتقلات سرا كلّ ضروب التعذيب والإهانة وإساءة المعاملة التي مورست ضدّهم وتسببت لهم في عديد الأضرار الجسمانية والمعنوية ومن هذه الرسائل الخطيّة نجد رسائل خطّها المعتقلون ضمن القضية المعروفة «إمارات 94» فلقد عدّدت الرسائل التي خطّها معتقلون أساليب التعذيب وإساءة المعاملة التي سلّطتها عليهم سلطات الإمارات العربية المتحدة والتي نالت من آمانهم الشخصي ومن كرامتهم ومن حرمتهم الجسمانية والمعنوية .

تقارير دولية تشخّص الممارسة المنهجية للتعذيب

ووثقت عدد من التقارير التعذيب وإساءة المعاملة بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومن هذه التقارير نجد تقرير المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، «غابرييلا نول:»

حيث تلقّت المقررة الخاصة في إثناء زيارتها معلومات وأدلة ذات مصداقية تفيد بتعرّض كثير ممن أُلقي عليهم القبض من دون أمر توقيف ونُقلوا إلى أماكن احتجاز غير رسمية، للتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، لأغراض منها انتزاع اعترافات بالذنب أو شهادات ضد محتجَزين آخرين.

كما شخّصت تقارير لـ«منظمة العفو الدولية» ولـ«منظمة هيومن رايتس ووتش» وغيرها من المنظمات المهتمة بما يقع بدولة الإمارات العربية المتحدة من انتهاكات حالات تعذيب وسوء معاملة لمعارضين ومدافعين عن حقوق الإنسان ومن جنسيات إماراتية وأخرى أجنبية.

حرمان ضحايا التعذيب من حقوقهم الأساسية منعا لإثبات التعذيب

وتحتجز دولة الإمارات العربية المتحدة المعارضين والناشطين الحقوقيين لغرض استنطاقهم في مراكز حجز سريّة حتى يتيسرّ تعذيبهم وإهانتهم والحطّ من كرامتهم.

وتتكتم السلطات عن مواقع مراكز الاحتجاز ومقرات الاعتقال وتقود إليها الموقوفين وهم معصوبي الأعين منعا للتعرّف على مكان تواجدها وهو ما يجعل المعتقلين في وضع الاختفاء القسري ويزيد في مخاطر تعرّضهم للتعذيب.

وتمنع سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة عن المعتقلين: «الحقّ في إشعار الأهل بوقوع القبض عليهم وفي زيارتهم والتراسل معهم، وكذلك الحقّ في الاتصال الفوري بمحام والتشاور معه على انفراد، والحقّ في الاتصال بطبيب وفي طلب إجراء فحص طبي».

وهو ما يمثل خرقا لالتزام سلطات أي دولة بكفالة حجز المعتقلين في أماكن معترف بها رسميا وكفالة حفظ أسماء الأشخاص المسؤولين عن احتجازهم في سجلات يتاح الاطلاع عليها وإثبات وقت ومكان الاستجوابات مشفوعة بأسماء الحاضرين فيها وإتاحة وصول الأطباء والمحامين وأفراد الأسرة إلى المحتجزين.   

ولازالت سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة ترفض الكشف عن جميع مراكز الإيقاف والاحتفاظ برغم المطالبات الدولية والحقوقية كما لا زالت ترفض فتحها أمام المنظمات والجمعيات الحقوقية من أجل معاينة ظروف الإيداع ومحافظتها على كرامة المعتقلين وآدميتهم والتحقق من تطابقها مع المعايير النموذجيّة الدنيا لمعاملة السجناء.

ورغم تعهّد دولة الإمارات العربية المتحدة حين الاستعراض الدوري الشامل المقدّم لمجلس حقوق الإنسان سنة 2012 بتعزيز تعاونها مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان إلاّ أنّها لم تسمح إلى الآن بزيارة المقرر الخاص الأممي المعني بالتعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاانسانية والمهينة لدولة الإمارات العربية المتحدة وهو ما يمثّل إخلالا بالالتزامات والتعهدات التي قطعتها دولة الإمارات العربية المتحدة أمام مجلس حقوق الإنسان.

رفض سلطات الإمارات تشكيل لجنة تحقيق في دعاوى تعذيب

رغم تقديم ضحايا التعذيب لشكاوى وتظلمات لسلطات دولة الإمارات العربية المتحدة بتعرّضهم لانتهاكات طالت حرمتهم الجسدية والمعنوية من إلاّ أنّ سلطات دولة الإمارات لم تحرص على التحري حول مصداقية ادعاءات التعذيب ولم تتعقّب المنتهكين ولم تحرص على إعادة الاعتبار للضحايا وجبر ضررهم .

ولم يسبق للإمارتيين وللمدافعين عن حقوق الإنسان على وجه الخصوص أن سمعوا بتشكيل سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة للجنة تحقيق مستقلّة وذات حرفية وكفاءة عالية ومشهود لها بالنزاهة للتحري حول جرائم التعذيب وغير ذلك من سوء المعاملة التي يجترحها موظفوها.

ولم يحدث أن أعلنت سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة عن اتخاذ إجراءات تأديبية كالإعفاء أو الإقالة أو إجراءات قضائية ضد موظفين وضدّ كلّ من حرّضهم وحثّهم أو أمرهم بتعذيب معتقلين.

الإهمال القضائي لادعاءات التعذيب وسوء المعاملة

ولقد اشتكى الناشطون الحقوقيون والمحالون من المعتقلين على دائرة امن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا من عدم اكتراث القضاء الإماراتي لدفوعاتهم بتعرّضهم للتعذيب وغير ذلك من ضروب إساءة المعاملة ورفض التحري حول إدعاءات التعذيب وندب أطباء شرعيين ونفسيين لفحص المتضررين ومعاينة آثار التعذيب وتأمين حماية لضحايا التعذيب والمبلغين والشهود من كل تهديد أو تخويف.

وبدل استبعاد قضاء دائرة أمن الدولة للاعترافات التي انتزعت بفعل التعذيب وغير ذلك من ضروب إساءة المعاملة طبقا لمقتضيات اتفاقية مناهضة التعذيب نجده على العكس من ذلك يعتمد مثل هذه الاعترافات المعيبة ويكتفي بها من أجل إدانة المتهمين.

توصيات

وحيال انتهاكات سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة لحقوق الإنسان وإخضاع المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة في تعدى صارخ على الحرمة الجسدية والنفسية يهم المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجينيف أن يلحّ على:

1.الإفراج دون تأخير عن كلّ الذين تحتجزهم دولة الإمارات من أجل قناعاتهم أو آرائهم التي عبّروا عنها بسلمية.

2.فتح تحقيق سريع وجاد ومن قبل جهة مستقلة بخصوص ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة.

3. التوقف عن إلقاء القبض على المعارضين والناشطين الحقوقيين وإيداعهم أماكن احتجاز سرية.

4.إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وفقاً للمبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطن   

5.تعديل ومراجعة تعريف جريمة التعذيب الذي ورد ضمن قانون العقوبات الإماراتي ليستوعب جميع عناصر التعريف الأممي للتعذيب الذي أكدت عليه اتفاقية مناهضة التعذيب    

6.تكريس مبدأ الفصل بين السلطات واتخاذ تدابير ملموسة لتعزيز استقلال القضاء وتوفير جميع ضمانات المحاكمة العادلة للمعتقلين.

7.التصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولين الاختياريين الملحقين به،والبرتوكول الإختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.

  كلمات مفتاحية

الإمارات التعذيب الإخفاء القسري

الإمارات.. سجن نجل مستشار «مرسي» ثلاث سنوات بتهمة الانضام لـ«الإخوان المسلمين»

«رايتس ووتش» تطالب الإمارات بإطلاق سراح أكاديمي وصحفي انتقدا «السيسي»

«الدولي للعدالة» يطالب السلطات الإماراتية بالإفراج الفوري عن «ناصر بن غيث»

آثار التعذيب تظهر على «ناصر بن غيث» في أولى جلسات محاكمته بالإمارات

الإمارات تجرد مواطنا وعائلته من الجنسية بعد رفضه التعاون مع الأمن

الإمارات .. سجن مصريين اثنين 3 سنوات بتهمة الانضمام لـ«الإخوان»

الكويت تفرج عن الحقوقي «عبد الحكيم الفضلي».. وتنظر في «الإبعاد»