كيف يؤثر التنافس السعودي الإيراني على «منظمة التعاون الإسلامي»؟

الأحد 3 يوليو 2016 07:07 ص

أشار تقرير لمركز «وودرو ويلسون» البحثي إلى أن المواجهة المريرة بين الخصمين السعودي والإيراني انعكست على عدة دول في الشرق الأوسط وعلى العديد من المنظمات الإسلامية الإقليمية والدولية، مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وحتى منظمة التعاون الإسلامي.

وفي إبريل/نيسان الماضي أصدر مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في تركيا، بيان أدانه فيه «الأعمال الإرهابية لحزب الله واستمرار دعم إيران للإرهاب والتدخل في شؤون دول المنظمة».

وردت إيران، باتهام المنظمة بالرضوخ للضغوط السعودية، واتهام المنظمة بأنها «تعاني من ضعف بنيوي وواقعة تحت تأثير عدد من الدول التي تقوم بتوجيهها نحو أهدافها الخاصة من خلال أدواتها المادية»، محذره من أن المنظمة «ستندم على مواقفها التي اتخذتها ضد إيران وحزب الله».

وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني «عباس عراقجي»: «تمكن السعوديون من خلال أسلوب التهديد والترغيب المصادقة على عدد من البنود في تلك الأجواء المسمومة».

ولاحقا أعلن «محمد حسن أصفري»، عضو لجنة السياسية الخارجية في البرلمان الإيراني أن بلاده رفعت شكوى إلى منظمة التعاون الإسلامي والجمعية العامة للأمم المتحدة ضد المملكة بزعم منع الإيرانيين من أداء فريضة الحج لهذا العام.

وقال «أصفري» إن طهران غير مستعدة لإرسال مواطنيها للحج هذا العام طالما أن «السعودية لم تغير سلوكها تجاه إيران وتعمل على زج موضوع الحج في الخلافات السياسية».

وأكدت السعودية، الاثنين الماضي، رفضها المحاولات الإيرانية لـ «تسييس فريضة الحج واستغلالها للإساءة إلى المملكة»، على حد تعبيرها، محملة طهران مسؤولية منع مواطنيها من أداء الحج هذا العام.

ووصف المركز قرار منظمة المؤتمر الإسلامي، والتي تعد أكبر هيئة دولية بعد الأمم المتحدة، وتضم 57 دول مسلمة، بأنه قرار قاس معاد لإيران، منوها لصمت المنظمة عن تفاقم النزاع بين الجارتين منذ إعدام الرياض رجل الدين الشيعي «نمر النمر» الذي تسببت في صدع عميق بين البلدين.

لماذا غيرت المنظمة حيادها؟

ونوه التقرير لأن إدانة المنظمة لأحد أعضاءها جاء بمثابة خروج عن سياستها الحيادية الصارمة تجاه عدم الانحياز العلني مع أي من الدول الأعضاء إذا وقعت خلافات بينهم.

ففي أغسطس/آب 2012، دعا الراحل الملك «عبدالله» إلى قمة إسلامية طارئة للنظر في قضية تعليق عضوية سوريا في منظمة المؤتمر الإسلامي، وكانت هذه واحدة من أبرز القضايا الخلافية السياسية بين الدول الأعضاء في ذلك الوقت، وانتهي الأمر بإصدار الأمانة العامة بيانا مخففا يدعو إلي «تعزيز التضامن الإسلامي».

ولكن هذه المرة، في 21 يناير/كانون الثاني 2016، تبدل نهج منظمة المؤتمر الإسلامي بشكل غير معهود، وبدلا من التصرف بروح من «التضامن الإسلامي»، فإنها عقدت اجتماعا طارئا لمجلس وزراء الخارجية (CFM) هدفه الوحيد هو عقاب وتعليق عضوية إحدى الدول الأعضاء.

وكانت منظمة المؤتمر الإسلامي أعلنت أنها على استعداد لحل الأزمة بين المملكة العربية السعودية وإيران بالوسائل الدبلوماسية، وقال «طارق بخيت»، مدير المنظمة للشؤون السياسية، قبل تسعة أيام فقط من الاجتماع الطارئ إن المنظمة مستعدة للعب دور الوسيط.

وأشار إلى منظمة المؤتمر الإسلامي لا يمكن أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء أو بجانب دولة ضد أخرى، وأن الأمين العام للمنظمة «إياد مدني» مستعد للتوصل إلى حل دبلوماسي والمساعدة في إصلاح العلاقات المتدهورة بين السعودية وإيران.

لكن نتائج اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي جاءت مختلفة تماما، وصبت مزيدا من الوقود على نار الكراهية المتبادلة بين إيران والمملكة العربية السعودية، بعدما حدث تحول مفاجئ في موقف المنظمة من إيران، ما يثير تساؤلات حول تأثير ذلك على مكانة منظمة المؤتمر الإسلامي في العالم الإسلامي.

السعودية تشدد قبضتها على المنظمة

باستثناء المملكة العربية السعودية، ساهم الربيع العربي في صراعات وحروب أهلية عنيفة طالت العديد من الدول العربية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي مثل: البحرين، مصر، العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، وتونس.

في ظل هذه الظروف، انتخب اجتماع قمة القاهرة الإسلامية عام 2013 «إياد مدني»، وهو وزير سعودي سابق لوزارة الحج ووزارة الثقافة والإعلام، وكانت الانتخابات تكريما إلى حد كبير للاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي، والمكانة الدولية الصلبة للمملكة.

ويقول تقرير المركز أنه «مدني» رثي عدم وجود الحافز للتماسك السياسي من جانب الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، مؤكدا أن عضويتهم في وقت واحد في عدة منظمات دولية أخرى، مثل حلف شمال الأطلسي، وجامعة الدول العربية ومجلس التعاو«مدني»، رغم كل الصعاب، في أول سنتين من ولايته في بذل جهد لإشراك الدول الأعضاء في الشرق الأوسط، في بناء مناطق إقليمية تصمد أمام التحديات في العالم الإسلامي، ولكن هذه الجهود لم تحقق أية نتائج ملموسة.

كما لاحظ عدم جدوى بناء تحالفات إسلامية واسعة داخل منظمة المؤتمر الإسلامي، مشيرا إلى أن «مدني» قد بدأ الاعتماد على تحالفات أضيق وأقرب سياسيا، مثل دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، التي تعتبر دولها في مركز الصدارة بمنظمة المؤتمر الإسلامي، خصوصا السعودية.

المنظمة رهينة الظروف السياسية

ويشير التقرير إلى أنه، برغم رفع السعودية شعار «الإخاء بين الأمة الإسلامية» للاستهلاك العام، إلا أنها غلبت مؤخرا الحسابات الجيوسياسية بدلا من الدينية التي كانت تشكل الملامح الأوسع لسياستها الخارجية. وأنه في مواجهة العداء المتزايد بين طهران والرياض، بذل السعوديون الكثير من الضغوط على المنظمة بهدف استغلالها بالكامل للأغراض السياسية.

وأرجع التقرير ذلك إلى الاتفاق النووي الذي توصلت إليه القوى العالمية مع إيران، والذي أغضب الرياض، وخلق أجواء من المنافسة الاستراتيجية مع إيران، ولو على حساب تقسيم العالم الإسلامي.

وفي هذا الصدد لجأت السعودية لتكتيكات تخويف الدول الأعضاء، مستخدمة القوة المالية، لدعم موقفها ضد طهران. وظهر هذا في السخاء السعودي مع الصومال، والبحرين والسودان الذي قطع العلاقات مع إيران في نفس يوم حصولها على دعم مالي سعودي، فضلا عن قطع الرياض المساعدات المالية للمعارضة لبنان، التي رفضت دعم السعودية ضد إيران.

والمشكلة أن ما فعلته الرياض لم يعزل طهران، ولكنه عمق الخلافات بين الطوائف الدينية داخل منظمة المؤتمر الإسلامي، والتي يفترض، على عكس جامعة الدول العربية، تمثل في مجملها كل العالم الإسلامي، ما دعا المسلمون الشيعة للسؤال عن استقلالية منظمة المؤتمر الإسلامي والتزامها بالتضامن الإسلامي كما ينص ميثاقها، والإشارة إلى وجود فجوة في المصداقية بين المثل العليا المعلنة للمنظمة وممارساتها الفعلية.

ويخلص التقرير إلى أن قمة منظمة المؤتمر الإسلامي الأخيرة في إسطنبول، في إبريل/نيسان هذا العام، لم تتخذ أي خطوات حقيقية لتعزيز التفاهم المتبادل والثقة بين السنة والشيعة، وهو ما لا يبشر بالخير بالنسبة للعالم الإسلامي، فعدم وجود تماسك يزيد ويغذي الأيديولوجية الجهادية، التي هي أكبر تهديد عالمي متزايد.

كما يشير إلى أن الصراع بين السعودية وإيران يظهر بوضوح أن الصراع يدور داخل حضارة واحدة (الإسلامية)، وليس صراع بين الحضارات، وأن وراءه صراع قديم يمتد لقرون في تاريخ الإسلام بين الشيعة والسنة، ولكنه نما بحده في الآونة الأخيرة، وانعكس على جميع البلدان والمنظمات الإسلامية.

ويبقي السؤال: هل منظمة المؤتمر الإسلامي قادرة على إقامة حوار جماعي حقيقي بين الدول الأعضاء فيها، وتجاوز الانقسامات الطائفية أم لا؟، فإذا لم يكن ذلك ممكنا ربما سيكون من الملائم أكثر الحديث عن «منظمة تعاون إسلامي سنية» فقط في طور التكوين.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران منظمة التعاون الإسلامي الصراع السعودي الإيراني

إيران: منظمة التعاون الإسلامي ستندم على مواقفها ضدنا

«التعاون الإسلامي» تدعم بقوة موقف السعودية في نزاعها مع إيران

«التعاون الإسلامي» تدين الاعتداء على المقرات الدبلوماسية للسعودية في إيران

4 نساء بينهن سعودية يتقلدن مناصب قيادية في «منظمة التعاون الإسلامي»

«التعاون الإسلامي» تدعو المعارضة السورية للتوافق على خطة عمل في الرياض