«ستراتفور»: ما الذي تخبرنا به هجمات رمضان في المملكة العربية السعودية؟

الأربعاء 6 يوليو 2016 06:07 ص

اجتاحت موجة متسارعة من العمليات الجهادية الدموية العالم الإسلامي خلال الأسبوع الماضي مع اقتراب شهر رمضان من نهايته. وقد تم نسبة اثنين من أكثر هذه الهجمات دموية، الهجوم على سوق تجاري في العراق وتفجير مطار إسطنبول، إلى «الدولة الإسلامية». كما تم الربط بين الهجمات التي وقعت في بنجلاديش وكولالمبور أيضا وبين تنظيم «الدولة الإسلامية» حيث استهدفت هذه الهجمات الأجانب على وجه التحديد. وقد شهدت كل من أندونسيا وتايلاند محاولات شن هجمات تشير تقارير إلى أنها كانت مرتبطة بمتعاطفين مع «الدولة الإسلامية». ولكن أقل تلك الهجمات نجاحا ربما تكون قد طرحت بعض الآثار التي لا يمكن تجاوزها: ونعني هنا التفجيرات «الانتحارية» الثلاثة التي وقعت في المملكة العربية السعودية، وعلى وجه التحديد الانفجار الذي وقع في المدينة المنورة، واستهدف المسجد النبوي الذي يعظمه المسلمون في جميع أنحاء العالم.

وتعد هجمات 4 يوليو/تموز على المدن السعودية الثلاث دليلا آخر على الاتجاه المرصود، وإن كان بطيء النمو، نحو «التشدد السني» في البلاد. كما كشف عن البراعة التي تظهرها قوات الأمن السعودية إلى الآن في احتواء مثل تلك التهديدات. تفجير مدينة القطيف، التي شهدت منذ فترة طويلة اضطرابات من قبل المجتمعات الشيعية ، كان أقلها تأثيرا حيث لم يتم إيراد أنباء عن أي ضحايا باستثناء المفجر نفسه. كان الهجوم الأكثر بروزا هو الهجوم الانتحاري الذي وقع في موقف سيارات قرب الحرم النبوي في المدينة المنورة والذي أسفر عن مقتل أربعة من ضباط الأمن وجرح خمسة آخرين. الهجوم الذي وقع قرب القنصلية الأمريكية في جدة تسبب في مصرع المهاجم وإصابة اثنين من ضباط الشرطة الذين واجهوه. وعلى الرغم من عدد القتلى المنخفض نسبيا، فإن تنسيق الهجمات التي وقعت في وقت واحد تقريبا يثير المخاوف بشأن احتمال التصعيد. هناك أسئلة أخرى تلوح في الأفق حول هوية منفذ هجوم جدة وكيفية جنوحه إلى التطرف بعد أن عرفه المسؤولون السعوديون على أنه «سائق باكستاني» لم يتم الكشف عنه سلفا.

جدل دبلوماسي

وقد لفت الهجوم الذي وقع في المدينة المنورة الاهتمام الدولي بسبب قربه من ثاني أقدس مواقع الإسلام. يتحمل السعوديون مسؤولية حماية المسجد النبوي، وسوف يفتح الحادث جدلا دبلوماسيا حول مدى قدرة المملكة على ذلك بين أصدقائها وأعدائها في العالم الإسلامي. يشكك الهجوم أيضا في مدى قدرة المملكة العربية السعودية على استضافة مناسبات تعد في جوهرها استحقاقات دولية. مع اقتراب موسم الحج، تدرس الرياض بجد تزويد الحجاج بأساور مزودة بنظام تحديد المواقع من أجل مساعدتهم على إيجاد طريقهم وسط الفوضى والزحام، ومن أجل أن تعمل أيضا كأداة للتتبع بالنسبة إلى قوات الأمن السعودية. ومع تشديد الإجراءات الأمنية ردا على تفجيرات يوم الاثنين، فإن رصد تحركات الملايين من العمال الأجانب في المملكة العربية السعودية سوف يمثل التحدي الأكثر صعوبة.

عاش السائق الباكستاني المسؤول عن تفجير جدة في المملكة العربية السعودية لمدة أكثر من 12 عاما، مما يثير قلقا عميقا بشأن التهديد المحتمل الذي تمثله واحدة من أكير قطاعات المجتمع السعودي وهي العمالة الأجنبية وبخاصة القادمون من آسيا. لا يفوق عدد المغتربين عدد المواطنين السعوديين، ولكنهم يفوقونهم بشكل كبير في سوق العمل. في بلدان أخرى في مجلس التعاون الخليجي مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر، فإن أعداد المغتربين تفوق بشكل كبير أعداد السكان المحليين. وقد كانت وزارات العمل الخليجية تعطي الأولوية لاستقدام العمالة الآسيوية كوسيلة لحماية الأمن الداخلي وتفادي النشاط السياسي القومي المحتمل حال استجلاب عمال من دول الشرق الأوسط.

هل تمثل العمالة الأجنبية خطرا؟

إذا تم إثبات أن المسؤول عن تفجير جدة قد جنح إلى التطرف داخل المملكة العربية السعودية، فإن الجدال حول العمالة الأجنبية سوف يتسبب ربما في تأجيل بعض المشروعات مثل نظام البطاقة الخضراء الذي يمكنه أن يضفي الطابع الرسمي على إقامة أكثر من 10 ملايين من الأجانب  العاملين في البلاد. وبحلول ديسمبر/ كانون الأول، من المقرر أن يتم تطبيق تغييرات كبيرة في سوق العمل من شأنها أن .تسرع الخطط الرامية إلى توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين السعوديين.ولكن حتى ذلك الحين فإن الأجانب الداخلين إلى المملكة سوف يواجهون تدقيقا أكبر. ومع ذلك فمن من الصعب أن نتصور كيف يمكن تشديد أنظمة الرقابة السعودية أكثر من ذلك. واحدة من المهام الأساسية لقوانين العمالة في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي غالبا ما تتعرض لانتقادات واسعة، هي رصد أنشطة وأماكن تواجد ملايين العمال داخل المملكة. وعلى الرغم من أن تسريع الإصلاحات الاقتصادية سوف يقتضي من المملكة العربية السعودية تخفيف القيود المشددة على نظم المراقبة، فإن مثل هذه الهجمات قد تبطئ من وتيرة التغيير.

وبعيدا عن حجم الخطر الذي يمكن أن يمثله المتطرفون المغتربون، فإن نمو مؤشرات زيادة التشدد السني في المملكة يأتي متزامنا مع بداية فترة من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين السعوديين. ويبدو أن سلسلة الإصلاحات التي أعلن عنها ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» بهدف تحويل الاقتصاد السعودي تهدد الوضع الراهن. كانت أجهزة الاستخبارات والشرطة السعودية، تحت قيادة وزير الداخلية وولي العهد الأمير «محمد بن نايف»، فعالة إلى حد كبير في تحديد واحتواء الأخطار الأمنية. ولكن أجزاء أخرى من الرقعة، مثل الوجود العسكري السعودي خارج حدود المملكة، تواصل تغيير الأمور. هناك العديد من التغييرات التي سوف تصاحب جهود الإصلاح التي يتبناها «بن سلمان». بعض من هذه الإصلاحات، التي تهدف إلى حل قضايا مثل البطالة بين الشباب، سوف تتطلب المساس ببعض الحدود المجتمعية التي وضعها رجال الدين منذ فترة طويلة.

نفوذ رجال الدين

هؤلاء العلماء، الذين استغرقوا في إدانة الهجمات، قد لعبوا دورا حاسما في احتواء انتشار الفكر الجهادي في البلاد. وهناك قلق متزايد من أن الحد من نفوذ هؤلاء العلماء بسبب الإصلاحات سوف يحد بالتبعية من قدرتهم على احتواء هذه التهديدات. وقد سلطت حادثة حصار الحرم التي وقعت عام 1979 الضوء على التهديد الذي يمثله الإرهاب الداخلي. هذا التهديد لا يزال موجودا، ومع عودة المقاتلين السعوديين من العراق وسوريا، فإنهم لن يعودوا فقط حاملين للفلسفات الجهادية، ولكن محملين أيضا بالمهارات اللازمة لتنفيذ الهجمات. ظهور قيادات قادرة على تنظيم وتوجيه الخلايا الجهادية الناشئة غير المنظمة، جنبا إلى جنب مع ظهور أجهزة متفجرة أكبر أو أكثر تطورا في المملكة العربية السعودية، هي أمور سوف تؤشر أن التهديدات في المملكة على وشك الانتشار.

 

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

السعودية الدولة الإسلامية الإصلاح الاقتصادي محمد بن سلمان تفجيرات الحرم النبوي

الحياة تعود إلى المسجد النبوي بعد مقتل 7 إثر تفجير انتحاري

إدانات خليجية وعربية ودولية واسعة لتفجيرات السعودية

صحيفة سعودية: 6 قتلى و9 جرحى إثر تفجير انتحاري قرب الحرم النبوي

«جلوبال ريسك»: هجمات «تنظيم الدولة» تستهدف تقويض الشرعية الدينية للسعودية