تركيا بعد الانقلاب الفاشل .. أقرب إلى روسيا وأبعد عن الولايات المتحدة

السبت 23 يوليو 2016 10:07 ص

قامت السلطات التركية بإلقاء القبض على الطيارين الذين شاركوا في إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد أن اقتحمت المجال الجوي التركي لفترة وجيزة. وقال مسؤول تركي إن عملية الاعتقال تأتي مرتبطة بضلوعهم في الانقلاب الفاشل. واحدة من النتائج المباشرة لعملية الانقلاب صارت واضحة الآن. قرر الرئيس «رجب طيب أردوغان» إصلاح علاقاته مع روسيا وهو يعطي إشارات إلى الروس ربما تغني أنه لم يشارك في طلب إسقاط الطائرة، وأن خصومه السياسيين كانوا ضالعين في ذلك.

ولكن هناك العديد من المشاكل والثغرات في هذه الرواية للأحداث. وقعت حادثة اعتراض الطائرة الروسية بعد عدد من عمليات التوغل المتتالية للروس في المجال الجوي التركي. ووفقا لمصادر متعددة، منها المصادر التركية، فإن الطائرة الروسية التي تم إسقاطها كانت تحلق فوق المناطق التركية منذ فترة قصيرة. لم يكن لدى قوات الدفاع الجوي الكثير من الوقت للاستعلام أو الحصول على إذن من القيادة لإسقاطها، بما يعني أن قرار إسقاط الطائرة حال دخولها للمجال الجوي التركي صدر قبل وقوع الحادث. البديل لهذا السيناريو أن نقول أن وحدات مراقبة العمليات على الأرض، وليس الطيارين، تصرفوا خارج سلطتهم. وهذا يعني أن أمر الإسقاط صدر عن عقيد في هذه الوحدات، على أدنى تقدير.

وجاء رد فعل الحكومة التركية بما في ذلك «أردوغان» فوريا، حيث سارعوا على الفور لتأكيد أن الانتهاك الروسي لم يكن الأول من نوعه، وقاموا بتوجيه إدانة شديدة إلى الروس. ولم تشر أي تسريبات رسمية أو غير رسمية أن هناك أي خطأ حدث في عملية إسقاط الطائرة. لم يتم إعفاء أي أحد من منصبه، ولم يتم الإعلان عن إجراء أي تحقيقات.

على المستوى السياسي، فإن المؤشرات تسير في ذات الاتجاه. تم تصميم التدخل الروسي في سوريا لدعم نظام «بشار الأسد». عارضت حكومة أردوغان الأسد بسبب قيامه بقتل التركمان في سوريا. تسبب التدخل الروسي في سوريا في إغضاب الأتراك، وجعل تركيا تبدو في مظهر أقرب إلى الضعف. وضع التدخل الروسي «أردوغان» في وضع سياسي صعب، كما أن تكرار توغل الطائرات الروسية في المجال الجوي التركي جعله يبدو ربما أكثر ضعفا. كانت هناك ضغوط كبيرة على «أردوغان» لاتخاذ ردة فعل بطريقة أو بأخرى.

كان إسقاط الطائرة الروسية مبررا من الناحية السياسية. ومن غير المرجح أنه لم تكن هناك أوامر عامة بمنع أي طائرة من مواصلة التطفل. أي شخص يصدر مثل هذا الأمر دون تصريح من أعلى المستويات، ربما من «أردوغان» نفسه، كان من الممكن أن يتعرض إلى محاكمة عسكرية. لم يفعل «أردوغان» شيئا يشير إلى أنه لم يصرح بالهجوم أو أنه لم يكن موافقا عليه.

ومع ذلك فإنه من المنطقي أن نضع هذه التلميحات في سياق الاستراتيجية التركية الحالية. يدعي الأتراك أن «فتح الله كولن» يقف وراء محاولة الانقلاب، وهو يعيش في الولايات المتحدة، وطالب «أردوغان» الولايات المتحدة بتسليمه. في المقابل، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع تسليم «كولن» بالنظر إلى معاهدات تسليم المجرمين وإلى القانون الأمريكي. ولكن جزءا لا يتجزأ من الطلب هو الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ساعدت في هندسة محاولة الانقلاب. وقد امتلأت صحف الشرق الأوسط بالحديث عن هذا الاتهام. وفي حين أن العديد يتساءلون الآن إذا ما كانت هذه محاولة انقلاب بالأساس، فإن الكثيرين يزعمون أن الولايات المتحدة كانت تقف وراءها.

عندما تم إسقاط الطائرة، فإن ذلك كان يعني انهيار العلاقات التركية الروسية. وبالتالي أجبرت تركيا على البحث عن علاقات أوثق مع الولايات المتحدة. لم تكن تركيا قوية بما فيه الكفاية لتعادي روسيا والولايات المتحدة معا، ولكن تركيا لم تكن تشعر بالارتياح في توثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة. من ناحية، فإنها لا تريد أن تضطلع بدور عسكري أكبر في سوريا خاصة فيما يتعلق بمكافحة «تنظيم الدولة». كانت الولايات المتحدة راغبة في أن تعلب تركيا دورا أقوى، ولكن الأتراك، الذين يعتقدون أنه سيصبح احتلالا لا نهاية له، لم يكونوا على استعداد للاضطلاع بأعبائه.

من ناحية أخرى، تزايدت الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم «الدولة الإسلامية» في البلاد في الوقت الذي بدأ فيه الأتراك يتحولون نحو المواقف المرغوبة أمريكيا. لم يرد «أردوغان» أن يصبح رهينة أمريكية في قتال لم يرد خوضه. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه لم يرغب أن يتم سحبه في تحالف مناهض لروسيا هندسته الولايات المتحدة، وهو يضم أيضا بولندا ورومانيا.

لم يرد «أردوغان» أن يصبح الشريك الأصغر للولايات المتحدة، ولكن إسقاط الطائرة الروسية قاده نحو هذا الاتجاه. قام «أردوغان» مؤخرا بالتحرك بشكل مفاجئ نحو تطبيع علاقاته مع (إسرائيل)، وفي نفس الوقت قام بتقديم اعتذار إلى روسيا بشأن إسقاط الطائرة. التحرك نحو (إسرائيل) يهدف إلى استرضاء الولايات المتحدة، بينما تهدف الخطوة الأخرى إلى إنهاء المواجهة مع روسيا، وبالتالي عدم الانجرار للمشاركة في أي خطة دفاعية أمريكية ضد الروس.

لا يشعر «أردوغان» أبدا بالرضا عن حاجته إلى تقديم اعتذارات. ولكن محاولة الانقلاب أعطته الفرصة لإعادة تعريف مفهوم الاعتذار. لم يكن إسقاط الطائرة الروسية مصرحا به من قبله، ولكن من قبل أولئك الذي قاموا بمحاولة الانقلاب. كان «أردوغان» ضحية لعملية إسقاط الطائرة تماما كما كانت روسيا. من خلال معاقبة مدبري الانقلاب، فإنه يتم إصلاح أي ضرر مع الروس. وعبر إنهاء أي مواجهة مع روسيا فإنه يقوم بإعطاء نفسه مساحة للمناورة، كما أنه يحرر تركيا من الضغط الأمريكي.

أيا ما كانت محاولة الانقلاب فإنها تعني أن هناك الكثير للقيام به بعيدا عن ذلك بطبيعة الحال. ولكن جزءا من تداعياتها يدور حول استعادة تركيا لبعض المساحات التي خسرتها نتيجة الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة في أعقاب حادثة إسقاط الطائرة. خدعة أن الذين قاموا بإسقاط الطائرة هم الذين قاموا بالتخطيط للانقلاب ستجعل «أردوغان» لا يبدو على خطأ. هناك من سيصدق هذه الخدعة وبالأخص في تركيا، وهم الجمهور المستهدف. في غضون ذلك، سوف يقوم «أردوغان» بالضغط بقوة على الولايات المتحدة وتحويل ثقله نحو روسيا، من أجل إحداث توازن كلاسيكي في ميزان القوى. 

  كلمات مفتاحية

تركيا انقلاب تركيا أردوغان الولايات المتحدة روسيا

«فورين أفيرز»: معالم التقارب التركي الروسي في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة

«جورج فريدمان»: التداعيات المحلية والجيوسياسية للانقلاب الفاشل في تركيا

لماذا تسعى تركيا وروسيا إلى تفادي المواجهة مع بعضهما البعض؟

تركيا وروسيا ومستقبل الشرق الإسلامي

صراع الإمبراطوريات: لماذا تتقاتل روسيا وتركيا؟

مباراة ودية منتظرة بين منتخبي تركيا وروسيا إثر تطبيع العلاقات

ارتفاع ملحوظ في السياحة الروسية الوافدة إلى تركيا