لماذا تسعى تركيا وروسيا إلى تفادي المواجهة مع بعضهما البعض؟

الخميس 14 أبريل 2016 11:04 ص

ملخص

تركيا وروسيا هما متنافسان يحملان أولويات متباينة في البحر الأسود والقوقاز وسوريا. ومع ذلك فإن كلا الجانبين لديهما مصلحة في تجنب المواجهة مع بعضها البعض على المديين القصير والمتوسط.

عندما قامت القوات التركية بإسقاط طائرة عسكرية روسية في يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن العلاقة بين موسكو وأنقرة قد دخلت في أزمة. تم تبادل الكلمات القاسية. فرضت روسيا عقوبات على تركيا وأوقفت وكالات السفر في البلاد عروضها إلى تركيا وتوقفت الطائرات المتجهة إلى وجهات سياحية تركية، وتمت إعادة نظام التأشيرة. من جانبها، فإن تركيا قامت بتعطيل السفن الروسية الداخلة إلى البوسفور. ومع ذلك، من المهم أن ننظر إلى ما خلف الخطوات الفورية نحو الأهداف والتحديات التي تواجه البلدين من الناحية الاستراتيجية. جعلت الجغرافيا روسيا وتركيا متنافسين ولديهما أهداف مختلفة في القوقاز وسوريا وخارجها. ولكن في الوقت الراهن، فإنه ليس من مصلحة أي من البلدين الانخراط في النزاع.

الجغرافيا تخلق التنافس

وقد جعلت الجغرافيا من روسيا وتركيا متنافسين تقليديين مع وقوع روسيا إلى الشمال من البحر الأسود وتركيا إلى جنوبه. من أجل تعزيز فرص التجارة وتحقيق الأهداف الأمنية، فقد حاولت كلا القوتين تاريخيا السيطرة، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الأراضي حول شواطئ البحر الأسود. على مدى ثلاثة قرون بدءا من بداية القرن السابع عشر عندما حاولت روسيا توسيع وجودها جنوبا، فقد دخلت الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية في عشرات الصراعات في المناطق التي تعرف في العصر الحديث على أنها روسيا، أوكرانيا، رومانيا، بلغاريا، البوسنة والقوقاز والأناضول بحد ذاتها. بالنسبة للإمبراطورية الروسية، فإن الصراع مع العثمانيين كان يدور حول السيطرة على أراض زراعية جديدة، وزيادة نفوذها في المناطق الاستراتيجية مثل البلقان والقوقاز، وربما الأكثر أهمية، السيطرة على البحر الأسود والمناطق المحيطة به. وبحلول القرن التاسع عشر، كانت روسيا مصدرا رئيسيا للمنتجات الزراعية، وفي منتصف القرن كانت أوديسا الواقعة على شاطئ البحر الأسود أكبر مواني تصدير الحبوب في العالم. وعلاوة على ذلك، فإن روسيا كانت في حاجة إلى المياه الدافئة والتي يمكن أن يستخدمها جيشها على مدار السنة، وقد أتاح لها البحر الأسود هذه الفرصة.

تركيا لديها علاقات سياسية وعسكرية قوية مع أذربيجان، في حين أن روسيا هي الحليف الرئيسي لأرمينيا. تركيا عضو حلف شمال الأطلسي وبالتالي فإن أنشطتها في البحر الأسود جنبا إلى جنب مع زملائها في حلف الناتو، رومانيا وبلغاريا، غالبا ما تقابل بتشكك من قبل موسكو. وعلاوة على ذلك فإن تركيا تعارض نظام الرئيس السوري «بشار الأسد» الحليف لروسيا. تبقى اليوم كل من تركيا وروسيا متنافسين في منطقة البحر الأسود. تتحكم تركيا في قدرة البحرية الروسية على الخروج من البحر الأسود والدخول إلى البحر المتوسط ويستمر البلدان في مواقفهما على جوانب مختلفة من الصراعات الإقليمية من سوريا إلى القوقاز.

ومع ذلك، فإن كل من تركيا وروسيا لديهما أولويات جيوسياسية مباشرة في أماكن أخرى. النظام في تركيا لديه مخاوف خاصة بشأن ضمان الاستقرار الداخلي وتقويض الأكراد. وقد وفر تفكك العراق وسوريا فرصا للجماعات الكردية لإثبات ذاتها بينما تضع أنقرة على رأس سلم أولوياتها مكافحة الانفصال الكردي. وتركز تركيا إلى حد كبير على الأمن الداخلي، ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من اهتمامها بهزيمة «الأسد» في سوريا ، فإنها لا تريد إطلاق تدخل بري مكلف في البلاد.

وبالمثل، فإن رأس أولويات روسيا وتهديدات الأمن القومي إلى حد كبير لا ينطويان على تركيا. التحدي الرئيسي في روسيا هو ضمان أن أوكرانيا، المنطقة العازلة الحرجة، سوف تظل محايدة عسكريا. بالنسبة لموسكو، فإن مخاوفها تدور حول انخراط الولايات المتحدة وزيادة تواجدها العسكري في أوربا الشرقية ومنطقة البحر الأسود. لم يكن التدخل الروسي في سوريا يهدف في المقام الأول إلى دعم «بشار الأسد» على الرغم من الدعم الروسي لحكومته. ولكن التدخل كان يهدف في المقام الأول إلى إظهار قدرات روسيا ووضع موسكو في موضع يمكنها من أن تكون شريكا لواشنطن وبالتالي تعزيز الموقف التفاوضي لروسيا بشأن قضايا مثل أوكرانيا. مع تركز أولويات كلا البلدين في قضايا مختلفة، يتم تخفيض زخم الصراع بشكل كبير.

هدوء التوترات

في 28 مارس/آذار، وصل فريق تقييم عسكري روسي إلى تركيا في زيارة تستغرق ثلاثة أيام إلى قيادة لواء المشاة البرمائية في محافظة أزمير على بحر إيجة في أول زيارة عسكرية روسية رسمية إلى تركيا بعد حادثة إسقاط الطائرة. وبعد أسبوع، قال وزير الثقافة والسياحة التركي «ماهر أونال» في كلمة له أمام البرلمان التركي أنه يعتقد أن 2.5 مليون روسي سوف يزورون تركيا هذا العام مع بدء العلاقات في التعافي. على الرغم من التدابير التي فرضت في أعقاب حادث الطائرة لا تزال رسميا في مكانها، فإن كلا من روسيا وتركيا تبديان إشارات على أن العلاقات قد تتحسن في الوقت الذي تركز فيه كل من أنقرة وموسكو على المنافسات والتهديدات الجيوسياسية الخاصة بكل منهما.

ردود الفعل من كل من روسيا وتركيا بعد اندلاع القتال العنيف في ناغورنو كاراباخ في 2 نيسان/إبريل تعكس أيضا هذه الدينامية. أنقرة وموسكو تتنافسان على النفوذ في المنطقة، ولكن نشوب صراع مسلح واسع النطاق يضع كل من روسيا وتركيا في مواجهة بعضهما البعض لا يصب في مصلحة أي منهما. وبعد بداية القتال في ناغورنو كاراباخ، قال الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» أن روسيا منحازة إلى أحد أطراف الصراع وأن تركيا سوف تدعم أذربيجان حتى نهاية المطاف. لكن بعيدا عن الخطابة، فإن تركيا قد نأت بنفسها عن الأزمة بشكل كبير في حين القيادة الروسية سرعان ما انتقلت إلى التوسط بين أذربيجان وأرمينيا. القوقاز منطقة متفجرة. وبينما ترى كل من تركيا وروسيا أنها منطقة استراتيجية بالنسبة لها، ومع مواجهة كلا البلدين لتحديات في أماكن أخرى، فإن أيا منهما لا تريد أن ترى حربا واسعة النطاق في المنطقة في هذه اللحظة.

خاتمة واستنتاج

بسبب جغرافية كل منهما، فإن كلا من تركيا وروسيا متنافسان بالطبيعة. وقد أوجزنا أنه على المدى الطويل فإن تركيا من المرجح أن تسعى إلى تثبيت أقدامها في المنطقة. في المدى القصير والمتوسط، فإن موسكو وأنقرة لا تشعران بالقلق تجاه بعضهما البعض ولكن بدلا من ذلك فإنهما ملتفتتان نحو تحديات جيوسياسية أخرى. كما أظهرت الاستجابة للأزمة في ناغورنو كاراباخ، عندما اشتبك حلفاء كلا البلدين معا، فإن كلا من روسيا وتركيا قد تحلتا بضبط النفس وسارعت كل منهما إلى تجنب المواجهة مع الأخرى. منذ نوفمبر/تشرين الثاني، زار وفد عسكري روسي صغير فقط تركيا، ولكن من الممكن أنه، ومن وراء الكواليس، يجري اتخاذ المزيد من الخطوات لتخفيف التوترات بهدوء. أي من تركيا وروسيا لا تريدان صراعا مع بعضها البعض، وبينما تستمر مصالحهما في التباعد، فإنه من غير المرجح أن يشتبكا معا على المدى القصير.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا سوريا بوتين أردوغان العلاقات التركية الروسية أذربيجان ناغورني قره باغ

تركيا وروسيا ومستقبل الشرق الإسلامي

تركيا وروسيا ومجلس التعاون .. هل لا يزال وقف إطلاق النار في سوريا ممكنا؟

صراع الإمبراطوريات: لماذا تتقاتل روسيا وتركيا؟

تركيا بعد إسقاط الطائرة الروسية

ما الذي نتوقعه بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية؟

روسيا تبدأ حظر جميع واردات الخضروات والفاكهة من تركيا الإثنين المقبل

«بوتين»: بعض المشاكل تعيق مشروع «السيل التركي» وموسكو لم تستغن عنه

موسكو مستعدة للاجتماع بوزير الخارجية التركي في إشارة على تراجع الأزمة

‏«لافروف»: مستعدون للعمل مع تركيا لإيجاد حل للنزاع في سوريا

«أنس العبدة»: لا تغيير في السياسة التركية تجاه الثورة السورية أو نظام «الأسد»

«فورين أفيرز»: معالم التقارب التركي الروسي في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة

تركيا بعد الانقلاب الفاشل .. أقرب إلى روسيا وأبعد عن الولايات المتحدة

مركز الدراسات الاستراتيجية: لماذا تعد روسيا أبرز المستفيدين من فشل انقلاب تركيا؟

«حرييت ديلي نيوز»: تفاصيل الدبلوماسية السرية التي أنهت الأزمة بين تركيا وروسيا

«أردوغان» خلال لقائه «بوتين»: العلاقات الروسية التركية عادت إلى مسارها الإيجابي

«أردوغان»: تركيا وروسيا مصممتان على إعادة العلاقات إلى سابق عهدها

«جاويش أوغلو»: نعمل على إنشاء آلية ثلاثية مع روسيا لحل الأزمة السورية

لقاء «بوتين» و«أردوغان»: هل تتغير خارطة تحالفات الشرق الأوسط؟

«جورج فريدمان»: إلى أي مدى يمكن أن يصمد التحالف التركي الروسي؟

التقارب التركي الروسي.. لماذا على الغرب أن يحرص على إبقاء تركيا في معسكره؟

وهم روسيا حول نفوذها في الشرق الأوسط