التقارب التركي الروسي.. لماذا على الغرب أن يحرص على إبقاء تركيا في معسكره؟

السبت 13 أغسطس 2016 07:08 ص

ضمن تغطية المعهد للقاء الأخير بين الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» ونظيره الروسي «فلاديمير بوتين»، قال تقرير لمعهد «بروكينجز» البحثي أن اللقاء «يثير المخاوف حول ما إذا كانت تركيا قد أدارت ظهرها للغرب، وهذه المرة، من أجل مصالحها».

جاء توقيت القمة في أعقاب شعور متزايد بالغضب في تركيا من الغرب، لأنه بدلا من تضامنهم مع الدولة التركية ضد الانقلاب وانتقاده، راح الزعماء الغربيون ينتقدون رد فعل القيادة التركية على انقلاب 15 يوليو/تموز عبر عمليات التطهير التي استهدفت حتى الآن 80 ألف شخص في القضاء، والإعلام، والجيش.

وظهر الغضب التركي الأكبر في اتهام «أردوغان» للغرب بأن لديه سابق معرفة بالانقلاب وهدد بإعادة عقوبة الإعدام، وفي إبداء الرأي العام التركي، خيبة أمله من التعاطف الغربي مع المتورطين في الانقلاب، بدلا من الدفاع عن الديمقراطية التركية.

ولكن خيبة الأمل الأكبر للأتراك جاءت من تأخر واشنطن في إصدار بيان لا لبس فيه يدين محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في بلد عضو بحلف الناتو، وبدون أن يبادر مسئول أمريكي بزيارة تركيا رغم الحديث غير المؤكد عن زيارة كيري لتركيا.

«بوتين» يستغل الفرصة

وأشار التقرير إلى أن «بوتين»، وعلى النقيض من القادة الغربيين، استغل الموقف لمحاولة «إعادة ضبط» العلاقات الروسية التركية، بعد خطاب اعتذار «أردوغان» لروسيا الذي صيغ بذكاء ومكنه من حفظ ماء الوجه وتلبية مطالب «بوتين» لرفع العقوبات وتهيئة الأجواء للقمة.

ويستعرض التقرير للعلاقة التركية الطويلة والمعقدة مع روسيا والتي تمتد إلى قرون مضت، منذ حروب روسيا والعثمانيين، ثم مساعدة السوفييت تركيا في دحر الاحتلال الغربي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ومحاولة «ستالين» دعم حكومة يسارية في أنقره على غرار تلك الموجودة في أوروبا الشرقية، ما دفع تركيا لأحضان الغرب فأصبحت عضوا في حلف شمال الأطلسي في عام 1952.

ويشير إلى تاريخ التوتر بين واشنطن وأنقرة منذ سنوات، والذي ازداد تدهورا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، مثل التوتر الذي نشب بسبب قبرص عام 1964 ودعم تركيا الأقلية التركية وضمهم لتركيا، ما قرب بين روسيا وتركيا في مراحل تاريخية لاحقة.

وهناك التوتر الذي وقع عام 1975، عندما فرض الكونغرس عقوبات على أنقرة بسبب ضمها شمالي قبرص بعدما أخذته من اليونان والي تكررت فيه الأجواء الحالية ودعوات الانسحاب من حلف شمال الأطلسي، وتحسين العلاقات بالمقابل بين تركيا والاتحاد السوفيتي. ولكن الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا في عام 1968 وأفغانستان في عام 1979 ذكر القيادة التركية بأهمية عضوية حلف شمال الأطلسي، وأقنعهم بمزيد من الحذر والاستمرار مع حلف الناتو.

ومنذ نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، دخلت تركيا في علاقات اقتصادية وسياسية أوثق مع روسيا، وأصبحت العلاقات الثنائية قوية خصوصا في العقد الأخير. وروسيا شريك تجاري أهم من ألمانيا بالنسبة إلى تركيا؛ ووسعت الشركات التركية بشكل كبير من عملياتها في روسيا، وألغيت التأشيرة بين البلدين وتوالي السياح الروس علي تركيا.

ولكن هذا الصرح الاقتصادي انهار عندما أسقطت تركيا الطائرة الروسية وتدهورت العلاقات بين البلدين، وتم فرض حظر على السياحة الروسية، وأغلقت العديد من الشركات التركية في روسيا وسعت تركيا لتوثيق التعاون مع منظمة حلف شمال الأطلسي.

هل تقول تركيا وداعا للغرب؟

يرى معهد «بروكينغز» أن هذا هو السؤال الكبير، والصعب الذي لا يمكن الإجابة عليه بشكل يقيني، فقادة تركيا عقب انهيار الدولة العثمانية ظلوا يعتبرون الغرب «مصدر إلهام لجهود التحديث الخاصة بهم»، والجمهورية التركية كانت تحلم أن تصبح «غربية» في كل شئون حياتها.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اندمجت مؤسسات تركية مع مجلس أوروبا وصندوق النقد الدولي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، ومنظمة التعاون والتنمية، ومنظمة التجارة العالمية، وحافظت على علاقات وثيقة جدا مع الاتحاد الأوروبي وكافة المؤسسات التي تشكل أساس النظام الليبرالي الدولي اليوم.

ونظرا لأن تركيا ليست دولة مصدرة للطاقة مثل روسيا، يحتاج اقتصادها الليبرالي للتصدير وجذب السياحة لتوفير العائدات المالية، وفرص العمل، والنمو، ولذا فقد تحولت روسيا لسوق اقتصادي مهما للصادرات التركية.

ومع ذلك: في عام 2014، ذهبت 44% صادرات تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل أقل من 4% فقط إلى روسيا. يدرك الأتراك أن روسيا لا يمكن أن توفر الابتكار التكنولوجي لتركيا، بخلاف الاستثمارات الغربية، ولذلك فعلى الرغم من العلاقات السياسية المتوترة مع الاتحاد الأوروبي، لا تزال أوروبا هي شريان الحياة الاقتصادية في تركيا، وعضوية الناتو الآن أكثر لا غنى عنها للأمن القومي التركي أكثر حتى مما كان عليه الوضع قبل شهر.

قلق من الهيمنة الروسية

ويري المعهد الأمريكي أن عمليات التطهير أضعفت الجيش التركي في وقت تعاني فيه تركيا من حالة اضطراب، حيث ضمت روسيا مؤخرا شبه جزيرة القرم وتحضر لانفصال في أوكرانيا وجورجي،ا بخلاف خطر الفوضى الجارية في سوريا. ولذلك فن عضوية الناتو الآن أكثر أهمية للأمن القومي التركي.

ويشير إلى أن الغرب يرغب في أن تكون السياسة الواقعية هي المبدأ الموجه لصانعي القرار التركي، وألا يشكك الأتراك في مزايا علاقة بلادهم مع الغرب، وقد ذكر «كارل بيلدت»، أنه يتعين على الغرب أن يدرك أن تركيا تعيش صدمة، وأن «أردوغان» يستحق الدعم مع التحذير الواضح من الغرب في الوقت نفسه أنهم يريدون رؤية مؤشرات ملموسة على أن سيادة القانون سيتم احترامها، وألا تنزلق تركيا نحو السلطوية أو تعيد عقوبة الإعدام في لحظة جنون، وإلا فقدت الانضمام للغرب وغاب عنها الازدهار والاستقرار.

ويختم التقرير بتأكيد أنه ليس هناك ضرر من تطوير تركيا علاقات أوثق مع روسيا، بشرط أن تبقي في الحظيرة الغربية وتظل عضوا في النظام الليبرالي الدولي. وبالمقابل يطالب الغرب أن يعترف بمصالح تركيا، ولا يسعي لدفعها إلى «محور المستبعدين».

ويضيف: «ينبغي على الولايات المتحدة أن تأخذ المخاوف التركية بشأن تورط كولن في محاولة الانقلاب على محمل الجد وتتعاون في التحقيق، حتى ولو كانت مسألة تسليمه شائكة، وأن تسعي زيارة كيري المقبلة لقطع شوط طويل في المساعدة على إعادة بناء الثقة بين البلدين».

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا تركيا التقارب التركي الروسي انقلاب تركيا الولايات المتحدة

«أردوغان»: تركيا وروسيا مصممتان على إعادة العلاقات إلى سابق عهدها

«أردوغان»: على أمريكا أن تلزم حدودها .. وهناك دول لم تهنئنا وقفت مع الانقلاب

لماذا تسعى تركيا وروسيا إلى تفادي المواجهة مع بعضهما البعض؟

صراع الإمبراطوريات: لماذا تتقاتل روسيا وتركيا؟

أردوغان وبوتين والأسد بينهما

تقارب إيران مع روسيا وتركيا .. أكبر من تنسيق وأقل من حلف