الانقلاب وما بعده: جذور حركة «كولن» في تركيا

الثلاثاء 9 أغسطس 2016 12:08 م

بعد 3 أسابيع من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، لازالت هناك تساؤلات حول مدى تشعب المؤامرة ومن المتورط الحقيقي فيها. ولازال من الممكن طرح بعض التخمينات.

أدان حزب العدالة والتنمية الحاكم «فتح الله كولن» المقيم بولاية بنسلفانيا الأمريكية وأتباعه. وربما يتسرب الشك لهذا الاتهام مع الصراع على السلطة الموجود بين العدالة والتنمية وجماعة «فتح الله كولن»، إلا أن الأعداد الكبيرة من أتباع «كولن» المتورطين في محاولة الانقلاب تغذي فرضية الاتهام.

التاريخ المعقد

وقد برزت إلى السطح الانتباه للتاريخ المعقد للعلاقة بين حكومة العدالة والتنمية وجماعة «كولن» بعد محاولة الانقلاب الأخيرة. وقد بدأت العلاقة بينهما في عام 2002 بشكل مغاير لما هي عليه اليوم، حين كان الاثنان يتعاونان سياسيًا من أجل قيادة تركيا والوقوف أمام الهيمنة العسكرية على الحياة المدنية. وسار الحلف بشكل جيد، فـ«أردوغان» توسع في السلطة السياسية، وجماعة «كولن» قد انخرطت في الخدمة المدنية، وتوغلت داخل الشرطة والوظائف الحكومية والقضاء. وقام بعد ذلك أتباع «كولن» بمحاكمات صورية معدة لتطهير الجيش والبيروقراطية من المنافسين بالمشروع السياسي المشترك الأكثر راديكالية. وهكذا أدى الاختلاف في الطموحات والتنافس على السلطة إلى الصراع. وفتح تابعين لـ«كولن» تحقيقات في قضايا فساد ضد رجال من الوزن الثقيل داخل حزب العدالة والتنمية، ورد «أردوغان» بتطهير المصالح الحكومية والإعلام وعالم الأعمال من أتباع «كولن»، وذلك بعد محاولة الانقلاب الأخيرة في 15 يوليو/ تموز.

استغلت حكومة العدالة والتنمية محاولة الانقلاب في تنفيذ أغراضها السياسية. خلال ساعات فقط من بدء الانقلاب كان «أردوغان» ومسؤولين بارزين بالحكومة قد أعلنوا اتهام «كولن» بقيادة الانقلاب من خلف الستار، وبدأت عملية التطهير بشكل موسع، فبالإضافة إلى 8600 فرد من الجيش قد تم إلقاء القبض عليهم رسميًا، و15 ألفًا آخرين تم احتجازهم، تم طرد عشرات الآلاف من موظفي البلاد فقط لاشتباه صلتهم بجماعة «كولن».

ولكن على الرغم من تلك الخطوات التي تؤثر على مصداقيتها، فهذا لا يعني أن حكومة أنقرة مخطئة تمامًا.

تغول الحركة

وقد نشرت مجلة منحازة إلى الكماليين، نسبة إلى «مصطفى كمال أتاتورك»، اقتباسًا لحديث لـ«كولن» مع ضباط جيش مراهقين، يدعوهم للصلاة فقط بأعينهم ليستطيعوا التسلل داخل مناصب الجيش وكان ذلك عام 1986، حين وعدهم أنهم في عام 2000 ستكون تركيا في حوزتهم.

وقد قام المجلس العسكري التركي في عام 1990 بفرض تضييقات حول انخراط أتباع «كولن» داخل الجيش وبدأ بتطهيره منهم، إلا أنه وفور اعتلاء حزب العدالة والتنمية للسلطة، تم التراجع عن هذه التضييقات، وفتحت هذه المساحة مرة أخرى أمام الحركة. وإثر ذلك، قام أتباع «كولن» في القضاء بمحاكمات مدبرة في عامي 2008 و2010 والتي استخدمت أدلة مشكوك في صحتها للإطاحة بجنرالات كبار في الجيش بداعي محاولتهم الانقلاب على الحكومة.

وفي عام 2005 حدث تفجير لمكتبة في بلدة كردية صغيرة، وكان ذلك على ما يبدو من قبل القوات العسكرية المحلية. وجاءت لائحة الاتهام المكتوبة من قبل النائب العام الذي كان يشتبه في انتمائه لجماعة «كولن»، لتوسع الاتهامات لتشمل توجيه اتهام لقائد القوات البرية واثنين من الجنرالات الآخرين بإنشاء منظمة غير شرعية. ولمنع حدوث صدام مع الجيش، قام «أردوغان» بعزل هذا النائب العام، وقد صرح فيما بعد محامي الجنرالات «فيدات غولسين»، أن هذه كانت «المحاولة الأولى من منظمة كولن الإرهابية للتآمر ضد الجيش التركي».

والآن وبعد الانقلاب الأخير، تم عزل أكثر من 40% من الجنرالات والأدميرالات من السلطة، ويعد هذا العدد أكثر ممن تم عزلهم في 2011 حين تم توجيهات اتهامات بفساد وترويج للمخدرات بين ضباط البحرية وإدارة عصابة غير شرعية لعدد من جنرالات الجيش في ذلك الوقت. وبذكر ذلك، يعتقد أن هذه الواقعة كانت ملفقة ومدبرة من قبل ضباط يتبعون جماعة «كولن». حيث أن كولونيل يدعى «محرم كوسا» هو من وقع على أدلة الاتهام، تم توجيه الاتهام له في الأيام الأخيرة بالتورط في محاولة الانقلاب.

ومع كل قضية كان يفتحها النائب العام متهمًا فيها رموز بارزة من الجيش، كان يحل محلهم ضباط جدد يتبعون «كولن»، فضباط «كولن» لم يعودوا مستترين ومنبوذين بعد الآن، بل أصبحوا جاهزين لملء الفراغ. كما يعتقد أنهم توغلوا داخل مناصب جهاز المخابرات أيضًا.

وخوفًا من قدرات «كولن» وتحركاته الواسعة، قامت مجموعة من مسؤولي الجيش البارزين بإعداد قائمة سرية من ضباطهم التابعين المشتبه بصلتهم بـ«فتح الله كولن». لكن هذه القائمة، والتي حصلت «فورين أفيرز» على نسخة منها لم تكن شاملة، وكانت بدون مصادر، حيث لم تشمل مثلًا أي من ضباط القوات الجوية، كما أنها خلت بالتأكيد من أسماء ضباط نجحوا في إخفاء انتماءاتهم، إلا أن هذه القائمة تظل دليلا قويا على تورط أتباع «كولن» في تدبير محاولة الانقلاب.

تضم القائمة بالإضافة إلى «كوسا»، بعض المشتبه بكونهم من قادة الانقلاب، وكذلك الذين أشرفوا على عمليات الانقلاب، مثل اعتقال «أكار» رئيس الأركان، والذين ألقوا القبض على كبار القادة، والذين فرضوا الأحكام العرفية في المدن التركية. وتشمل القائمة 23 اسمًا برتبة جنرال أو أدميرال.

ويؤمن «أكار»، رئيس الأركان، أن مختطفوه كانوا «أعضاء في منظمة كولن» حيث يؤكد أن أحد مختطفيه وهو الجنرال «هاكان إفريم»، قد اتصل هاتفيًا بـ«فتح الله كولن» نفسه. كما يشير «أكار» بأصابع الاتهام إلى القائد العسكري المتقاعد «أكين أوزتورك» كمدبر للانقلاب.

وبعكس ما أعلنت عنه حكومة تركيا بأن جماعة «كولن» وحدها خلف الانقلاب، وأن عددا صغيرا من الجيش فقط قد شارك، وبعدما أعلن الجيش نفسه أن نسبة 1.5% فقط شاركوا في هذه المحاولة، تأتي خطوة عزل أكثر من 40% من الجنرالات والأدميرالات على نقيض هذا، وتضعف خطوات الحكومة من روايتها حول تورط أتباع «كولن» وحدهم في ترتيب مؤامرة الانقلاب

وربما لا تحاول الحكومة بناء برهان قوي، أكثر مما تحاول حبك رواية تخدم أغراضًا أكبر. حتى أن حادثة قتل 34 كردي بالخطأ من قبل في 2011 كانت الحكومة قد حاولت دفنها، ظهرت الآن كقضية أعيد فتحها لاشتباه تورط أتباع «كولن» بها، وكلما نجحت حكومة «أردوغان» في التنصل من مسؤوليات التصدعات المجتمعية في تركيا، كلما كانت فرصته أعظم في إعادة رسم سياسة تركيا وفقًا لرغباته.

لكن آخرين تبنوا رواية إدانة أتباع «كولن» بالفعل. حيث أشار «صلاح الدين دميرطاش»، الرئيس العام لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بالاتهام نحو حركة «كولن» في قيادة غالبية العمليات العسكرية في جنوب شرق المنطقة الكردية منذ أواخر العام الماضي. وتسببت تلك العمليات، التي كانت بأوامر من حكومة العدالة والتنمية وتحت سلطتها، في مقتل مئات المدنيين وتهجير 350 ألفًا آخرين.

تسليم «كولن»

تواجه الولايات المتحدة موقفًا حرجًا أيضًا في قرارها بشأن تسليم «كولن». لذا فعلى الولايات المتحدة أن تستعد لذلك جيدًا، والأمر بسيط، فقط اتبع القانون. وإذا لم ترق الأدلة إلى ما يسمح بالتسليم، فعلى الولايات المتحدة ألا ترضخ لرغبة تركيا في الانتقام.

وكذلك ليس على الولايات المتحدة أن تقوم بحماية «كولن» إذا ما أثبتت الأدلة الاتهام الموجه إليه، فبالإضافة إلى حاجة الولايات المتحدة للالتزام بالقانون، فإنها تواجه في هذه الحالة خطرًا بسبب تغلغل مؤسسات غولن في المجتمع الأمريكي وخصوصًا بمدارسه وعلاقاته مع الجميع بدءًا من مجالس المدارس المحلية وحتى الكابيتول مرورًا بمخالفاته المالية على طول الطريق.

سوف يتسبب رفض تسليم «كولن» في صدمة عند العديد من الأتراك، وسينمي من العداء الهستيري للولايات المتحدة الموجود بالفعل عند كثير من أتباع حزب العدالة والتنمية، ويثير ذلك التكهنات أيضًا حول التغيرات الناتجة في التحالف بين البلدين. ولن يكون الرهان على هذه النتيجة من الحكمة بمكان، فتركيا قد عملت بجهد في السنوات الأخيرة للاندماج في المجتمع الدولي، وتنشيط السياسة الخارجية، وهذه الجهود هي ما وطدت العلاقات مع روسيا و(إسرائيل)، وأسست للعلاقة البراجماتية مع الولايات المتحدة. وعلى تركيا ألا تغتر بقوة موقفها، بل عليها أن تراعي الحفاظ على العلاقة طويلة المدى التي تأسست مع الولايات المتحدة.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان فتح الله كولن انقلاب تركيا الجيش التركي

«أردوغان»: أحد المشاركين في الانقلاب عرض على رئيس الأركان لقاء «كولن»

«جاويش أوغلو»: تعاوننا مع واشنطن في مجال الإرهاب يفرض عليها تسليم «كولن»

«أوباما» و«أردوغان» بحثا هاتفيا تسليم «فتح الله كولن» إلى السلطات التركية

«أردوغان» يدعو الولايات المتحدة لتسليم «كولن» ويشدد على ضرورة تطهير الجيش

«فتح الله كولن» مهندس انقلاب تركيا الفاشل

«وفد تركي» في الأردن لتوضيح محاولة «الانقلاب» وتشجيع العلاقات الاقتصادية

ضابط في الجيش التركي يطلب اللجوء في الولايات المتحدة

حملة تسليم «كولن» بموقع البيت الأبيض تتجاوز 100 ألف توقيع