«ما جرى هو خطة بين مجموعة عسكرية مرتبطة بالكيان الموازي التابعة لعصابة منظمة فتح الله كولن الإرهابية، (...) الدولة التي تمتنع عن تسليم «كولن» الذي يتزعّم منظمة إرهابية لن تكون صديقة لنا».
بتلك الكلمات اتهم «بن علي يلدريم» رئيس الوزراء التركي، شخص «فتح الله كولن» بالمسؤولية عن انقلاب تركيا «الفاشل» الذي تم الليلة الماضية.
«كولن»، مهندس انقلاب تركيا الفاشل، مؤسس «حركة الخدمة» ذات الانتشار داخل تركيا وخارجها، وزعيم «الكيان الموازي» في تركيا.
من هو «فتح الله كولن»؟
ولد «كولن» في قرية بمحافظة أرضروم شرق البلاد يوم 27 أبريل/ نيسان 1941، وتلقى تعليما دينيا منذ صباه، إضافة لعلم الفلسفة وغيرها، كما اطلع على الثقافة الغربية وأفكارها وفلسفاتها إلى جانب الفلسفة الشرقية.
وفي العشرين من عمره، عين إمام جامع في مدينة إدرنة (شمال غرب) لكنه بدأ عمله الدعوي في مدينة إزمير، وانطلق بعدها ليعمل واعظا يلقي الخطب والمواعظ في جوامع غرب الأناضول، كما رتب محاضرات علمية ودينية واجتماعية وفلسفية وفكرية.
وخلال النصف الثاني من القرن الماضي، كان كولن من الرواد الذين كونوا الجيل الثاني من الحركة النورسية بعد تفرقها، منشئاً ما سمي لاحقاً بحركة "الخدمة" أو "جماعة كولن" التي تعتبر أحد أهم وأقوى فرق الجماعة الأم.
ويعرف عن «كولن» تبحره في العلوم الإسلامية المختلفة، وبراعته في الخطابة، إضافة إلى غزارة إنتاجه العلمي، حيث ألف أكثر من سبعين كتابا، ترجمت إلى 39 لغة في مقدمتها العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والألمانية والألبانية، وأغلب كتب «كولن» تدور حول التصوف في الإسلام ومعنى التدين، والتحديات التي تواجه الإسلام اليوم.
ومن أبرز ما يثير الاستغراب حول مواقف «كولن»، هو موقفه عندما كانت الجماعات والحركات الإسلامية تحتج على حظر الحجاب في الجامعات في ثمانينات القرن الماضي، حيث قال إن لبس الحجاب ليس من أصول الإسلام، بل هي قضية فرعية، وطلب من الطالبات خلع الحجاب لمواصلة دراستهن.
يعيش «كولِن»، في منفى اختياري في ولاية بنسلفانيا الأميركية حيث يترأس شبكة ضخمة غير رسمية من المدارس والمراكز البحثية والشركات ووسائل الإعلام في خمس قارات.
وقد أنشأ أنصاره وأتباعه ما يقرب من مئة مدرسة مستقلة في الولايات المتحدة وحدها، كما اكتسبت الحركة زخما قويا في أوروبا منذ تأسست أولى مدارس كولن في شتوتغارت بألمانيا في عام 1995.
حركة «كولن»
هي جماعة إسلامية تنسب للحركة الصوفية، قام «كولن» بتشكيل نواتها الأولى أوائل عام 1970 بمدينة إزمير، قبل أن تتوسع لتصبح حركة لها أتباعها داخل تركيا وخارجها، وتعتمد في مرجعيتها على الفكر والقائد معا، وأهم ما يطبعها أنها اجتماعية وقومية، تركز على مسلمي تركيا وتنزوي عن باقي الهويات الإسلامية، ولديها انفتاح على الغرب خاصة.
وتهتم حركه «كولن» بالدرجة الأولى بالتعليم وإنشاء المدارس بمختلف مستوياتها داخل وخارج تركيا، إضافة لإنشاء مؤسسات اقتصادية وإعلامية وطبية وثقافية وإغاثية، وتعتبر هذا وسيلة لإعداد كوادر يتولون عدة مهمات في الدولة مستقبلا، حتى تبقى الحكومات دائما تبقى تحت وصايتها. وتركز الجماعة على التعليم الحداثي في جميع المستويات، ولها مدارس ومعاهد منتشرة في جميع القارات، كما أن لها أنشطة ثقافية تنتقدها الجماعات الإسلامية الأخرى، كتلك التي تسمى «أولمبياد اللغة التركية»، وهي عبارة عن حفلات تقام في تركيا سنويا ويتسابق فيها طلاب مدارس الجماعة وطالباتها من مختلف دول العالم بالأغاني والرقصات التركية.
«كولن» والسياسة
ولا يرفض «كولن» الجمهورية بل يرى لها أصلا قرآنيا، ويعرفها بأنها شكل الإدارة الذي يملك فيه الشعب حق الانتخاب والشورى.
واتخذت أفكاره جانبين: الابتعاد عن العمل السياسي المباشر، وعدم انعزاله وترك الساحة فارغة.
وبزغ نجمه في تركيا بعد انقلاب عام 1980 الذي أيده ومدح قياداته العسكرية، بينما وجدت فيه القوى الحاكمة بديلا للإسلام السياسي؛ لكن «شهر العسل» لم يدم فتمت ملاحقته لسنوات عدة بتهمة تهديد النظام العلماني ومحاولة إقامة نظام إسلامي، إلى أن ترك تركيا عام 1999 متذرعا بالعلاج واستقر في ولاية بنسلفانيا الأميركية منذ ذلك الوقت.
ولا يفضل «كولن» تطبيق الشريعة في تركيا، لأنه يرى أن القسم الأكبر من قواعد الشريعة تتعلق بالحياة الخاصة للناس بينما القسم الأصغر منها يتعلق بإدارة الدولة وشؤونها، وفق تصوره.
«كولن» و«أردوغان»..
«اللهمّ أحرِقْ بيوتَهم، وخرِّبْ ديارَهم»...
كان هذا جزءا من تعليق «كولن» على قرار حكومة «رجب طيب أردوغان»، عقب إلغاء ما يسمى «المدارس التحضيرية» التي تدير جماعة «كولن» الكثير منها؟
ويُعد هذا إعلانا بوصول العلاقة بين الرجلين -اللذين لم يلتقيا أبدا- إلى نقطة المفاصلة بعد أن دعم «كولن» حزب «العدالة والتنمية» بزعامة «أردوغان» في انتخابات عام 2007.
وفي يونيو/حزيران الماضي، صنف الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، رسميا، الحركة التي أسسها «فتح الله كولن»، «منظمة إرهابية»، قائلا إنه سيتعقب أعضاءها المتهمين بمحاولة قلب نظام الحكم.